عناصر الخطبة
1/عبادة جليلة من أسباب دخول الجنة 2/فضائل سلامة الصدر 3/ثمرات دينية ودنيوية لسلامة القلب 4/من فوائد سلامة الصدر 5/من أعظم ما يعين على سلامة الصدر.اقتباس
أما الأحقاد والضغائن فَنَارٌ تكوي صاحبها كلما تحركت، والضغائن باب للمظالم والآثام تَقود لسوء الظنون والغيبة والعقوق والقطيعة والضغائن طريق للحزن والضيق والأسقام.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131].
عباد الرحمن: عبادةٌ من أسباب دخول الجنة، لا تُكلّف مالاً، وهي من أسباب العافية والصحة في الأبدان، وتحبّبك إلى الناس، وتُكسبك مكارم الأخلاق، وتَجلب للنفس الراحة والسعادة، وتبعد عنها الشقاء والعناء، عبادة تحفظ لك حسناتك، وتحفظك عن أعراض العباد.. إنها سلامة الصدر.
أخرج أحمد والنسائي -وقال ابن كثير: إسناده صحيح على شرط الصحيحين- عن أنس -رضي الله عنه- قال: كنَّا جُلوسًا مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فقالَ: "يطلُعُ عليكُم الآنَ رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ"، فطلعَ رجلٌ من الأنصارِ تنطِفُ لحيتُهُ من وَضوئِه، قد تعلَّقَ نَعليهِ بيدِه الشِّمالِ.
فلمَّا كانَ الغَدُ قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- مثلَ ذلكَ؛ فطلعَ ذلكَ الرَّجلُ مثلَ المرَّةِ الأُولَى. فلمَّا كانَ في اليومِ الثَّالثِ قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- مثلَ مقالتِهِ أيضًا، فطلعَ ذلكَ الرَّجلُ على مِثلِ حالِه الأُولَى.
فلمَّا قامَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- تبِعَه عَبدُ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ؛ فقالَ: "إنِّي لاحَيْتُ أبي فأقسَمتُ أن لا أدخُلَ عليهِ ثلاثًا، فإن رأيتَ أن تُؤويَني إليك حتَّى تمضِيَ فَعلت"، قالَ: نَعَم.
قال أنَسٌ: فكانَ عبدُ اللهِ يحدِّثُ أنَّه باتَ معهُ تلكَ الثَّلاثِ اللَّيالِي؛ فلم يرَهُ يقومُ من اللَّيلِ شيئًا غيرَ أنَّه إذا تعارَّ وتقلَّبَ على فِراشِه ذكَرَ اللهَ وكبَّرَ حتَّى يَقومَ لصلاةِ الفَجرِ. قالَ عبدُ اللهِ: غيرَ أنِّي لَم أسمَعْه يقولُ إلَّا خيرًا.
فلمَّا مَضتِ الثَّلاثُ ليالٍ، وكِدتُ أن أحتقرَ عَملَه؛ قُلتُ: يا عبدَ اللهِ! لَم يكُنْ بيني وبينَ أبي غَضبٌ ولا هَجرٌ، ولكنْ سمِعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- يقولُ لكَ ثَلاثَ مرارٍ: "يطلعُ عليكم الآنَ رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ"، فطلعتَ أنتَ الثَّلاثَ المِرارَ، فأردتُ أن آوِيَ إليك لأنظرَ ما عَملُكَ فأقتدِيَ بهِ، فلم أرَكَ تعمَلُ كثيرَ عملٍ، فما الَّذي بلغَ بكَ ما قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-؟
قالَ: ما هوَ إلَّا ما رأيتَ، فلمَّا ولَّيتُ دعانِي؛ فقالَ: ما هوَ إلَّا ما رأيتَ، غيرَ أنِّي لا أجِدُ في نَفسي لأحَدٍ من المسلمينَ غِشًّا، ولا أحسُدُ أحدًا على خَيرٍ أعطَاه اللهُ إيَّاهُ، قالَ عبدُ اللهِ: هذهِ الَّتي بلغَتْ بكَ وهيَ الَّتي لا تُطاقُ". وفي رواية عند غيرهما: "ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي؛ إلا أني لم أبتْ ضاغنًا على مسلم"(أخرجها البزار).
إخوة الإيمان: القلب محلُّ نظرٍ للرب -جل وعلا-؛ ففي صحيح مسلم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ". وفي الصحيحين يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ".
وعند ابن ماجه وصححه الألباني، قيل لرسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: أيُّ الناسِ أفضلُ؟ قال: "كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ"، قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفُه؛ فما مخمومُ القلبِ؟ قال: "هو التقيُّ النقيُّ الذي لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ".
إخوة الإيمان: لسلامة القلب ثمرات دينية ودنيوية؛ فسلامة القلب سببٌ لدخول الجنة، كما في قصة عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، وكفى بذلك حثًّا للمرء على الحرص على سلامة القلب.
وسلامة القلب راحة، وسبب من أسباب سعادة النفس وسلامتها، أوليس أهل الجنة يمرون بقنطرة لتُصفَّى نفوسهم ويُنْزَع ما فيها من الغل، (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً)[الحجر:47]، وما ذاك، إلا لأن الغل يُنغِّص العيش، والجنةُ نعيمٌ كلها، فمن جاهد نفسه بإخراج الغلّ من صدره؛ وجد لذلك راحة وسعادة عظيمة.
وسلامة القلب تجلب محبة الناس، وإذا أحبك الناس ألِفُوك، ودَعَوا لك ونفعوك في حياتك وبعد مماتك.
وسلامة القلب سبب للصحة في البدن، وكثيرًا ما يُوصِي الأطباءُ مرضى السكري وضغط الدم والقولون باجتناب ما يثيرهم ويقلقهم ويُكدِّر خواطرهم.
نفعني الله وإياكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله المخبر عن القيامة بقوله (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88-89]، وصلى الله وسلم على نبيه القائل: "ولا تَباغَضُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْوَانًا"، وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فإن سلامة القلب باب لطاعات كثيرة جليلة، فهي طريق لتحقيق الأُخوّة الإيمانية وطريق محبة الخير للغير، كما تحب الخير لنفسك!، وباب للدعاء للمسلمين في ظهر الغيب، وسبب لمكارم الأخلاق، وتحصيل عظيم أجرها؛ كالعفو والصفح والدفع بالتي هي أحسن، وقد تقدم أنه سبب لدخول الجنة، وتحصيل الراحة والسعادة والعافية، وغير ذلك.
أما الأحقاد والضغائن فنَارٌ تكوي صاحبها كلما تحركت، والضغائن باب للمظالم والآثام تَقود لسوء الظنون والغيبة والعقوق والقطيعة والضغائن طريق للحزن والضيق والأسقام.
عباد الرحمن: إن من أعظم ما يعين على سلامة القلب: كثرة الدعاء؛ فقد كان من دعاء نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "وأسألك قلبًا سليمًا"، وفي التنزيل علَّمنا الله دعوة عظيمة: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر: 10].
ويعيننا على سلامة الصدر: احتساب الأجر عند الله والزُلفى إليه. ويعيننا على ذلك تذكُّر كثرة ثمار سلامة الصدر، وتذكر أضرار الأحقاد والضغائن.
ويُعيننا على سلامة الصدر: تلمُّس الأعذار للآخرين، قال أحد السلف: "إذا بلغك عن أخيك شيءٌ فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه".
ختامًا: "إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ"(رواه مسلم).
ثم صلوا وسلموا...
التعليقات
زائر
09-06-2022جزاكم الله خيرًا