عناصر الخطبة
1/مثل نبوي عظيم 2/ترسيخ مسؤولية المحافظة على المجتمع 3/تعزيز مقومات سلامة المجتمع واستقراره 4/ تقرير الحرية المنضبطة الرشيدة 5/ محبة الوطن والحفاظ عليه 6/ وجوب السمع والطاعة لولي الأمر.اقتباس
تَأْكِيدٌ عَلَى مَبْدَأ التَّآزُرِ وَالتَّوَاصِي، وَتَرْسِيخٌ لِمَسْؤُولِيَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ وَتَعَزِيزٌ لِمُقَوِّمَاتِ سَلاَمَتِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ؛ لأَنَّ السَّفِينَةَ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ نَجَتْ نَجَا كُلُّ مَنْ فِيهَا، وَإِنْ تَضَرَّرَتْ تَضَرَّرَ كُلُّ مَنْ فِيهَا، فَالْجَمِيعُ فِيهَا أُمَنَاءُ عَلَى سَلاَمَتِهَا، شُرَكَاءُ فِي رُقِيِّهَا..
الخُطْبَة الأُولَى:
الحَمْدُ للهِ الحَكَمِ العَدْلِ، صَاحِبِ الجُودِ وَالفَضْلِ، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَلِيمُ الخَلَّاق، قَسَمَ بَيْنَ عِبَادِهِ الأَخْلاقَ وَالأَرْزَاقَ، وَحَثَّهُمْ عَلَى تَحَرِّي العَدْلِ وَالإِنْصَافِ، وَالكَفِّ عَنِ الظُّلْمِ وَالإِجْحَافِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَمَرَ المُؤْمنِينَ بِالسَّمَاحَةِ وَسَعَةِ الصَّدْرِ، وَوَعَدَهُمْ بِذَلِكَ الرِّفْعَةَ وَعُلُوَّ القَدْرِ، صلَّى الله عَلَيْه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ)[المائدة: 2].
عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا"(رواه البخاري).
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: هَذَا مَثَلٌ نَبَوِيٌّ عَظِيمٌ، اشْتَمَلَ عَلَى مِثَالٍ مَحْسُوسٍ، وَتَشْبِيهٍ مَلْمُوسٍ، لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَصْحَابُ الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ، تَضَمَّنَ أَبْلَغَ الْعِبَرِ وَالْعِظَاتِ، وَأَجْمَلَ الْمَعَانِي الْبَاهِرَاتِ؛ حَيْثُ شَبَّهَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمُجْتَمَعَ بِالسَّفِينَةِ الْجَارِيَةِ، الَّتِي يَجْدُرُ بِالْجَمِيعِ حِمَايَتُهَا فِي مُعْتَرَكِ الْحَيَاةِ، لِيَعِيشُوا فِيهَا آمِنِينَ سُعَدَاءَ، فِي سَعَةٍ وَرَخَاءٍ، وَمَحَبَّةٍ وَإِخَاءٍ، مُتَوَاصِينَ بِتَحْقِيقِ الْمَصَالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ الْمخْتَلِفَةِ.
وَفِي ذَلِكَ تَأْكِيدٌ عَلَى مَبْدَأ التَّآزُرِ وَالتَّوَاصِي، وَتَرْسِيخٌ لِمَسْؤُولِيَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ وَتَعَزِيزٌ لِمُقَوِّمَاتِ سَلاَمَتِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ؛ لأَنَّ السَّفِينَةَ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ نَجَتْ نَجَا كُلُّ مَنْ فِيهَا، وَإِنْ تَضَرَّرَتْ تَضَرَّرَ كُلُّ مَنْ فِيهَا، فَالْجَمِيعُ فِيهَا أُمَنَاءُ عَلَى سَلاَمَتِهَا، شُرَكَاءُ فِي رُقِيِّهَا وَازْدِهَارِهَا، يَحْرِصُ الْكَبِيرُ فِيهَا عَلَى الصَّغِيرِ، وَيُوَقِّرُ الصَّغِيرُ فِيهَا الْكَبِيرَ.
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ)[التوبة:71]؛ أَيْ: قُلُوبُهُمْ مُتَّحِدَةٌ فِي التَّوَادِّ وَالتَّحَابِّ وَالتَّعَاطُفِ. وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"(متفق عليه). وَقَدْ قِيلَ: النَّاسُ كَجَسَدٍ وَاحِدٍ، مَتَى عَاوَنَ بَعْضُهُ بَعْضًا اسْتَقَلَّ، وَمَتَى خَذَلَ بَعْضُهُ بَعْضًا اخْتَلَّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْمَعَانِي تَقْرِيرُ الْحُرِيَّةِ الْمُنْضَبِطَةِ الرَّشِيدَةِ، الَّتِي لاَ تَضُرُّ بِالْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالْوَطَنِ؛ فَقَدْ ذَمَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَنِيعَ مَنْ كَانُوا فِي أَسْفَلِ السَّفِينَةِ وَأَرَادُوا أَنْ يَخْرِقُوهَا، فَيَضُرُّوا بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ، وَيَتَسَبَّبُوا فِي إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِغَيْرِهِمْ.
وَحَذَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ فَقَالَ: "مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ"(الترمذي وغيره)؛ أَيْ: مَنْ أَدْخَلَ عَلَى أَحَدٍ مَضَرَّةً فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ عِرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ جَازَاهُ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الْمضَرَّةَ، وَمَنْ أَوْصَلَ مَشَقَّةً إِلَى غَيْرِهِ ظُلْمًا وَتَعَدِّيًا أَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِ الْمَشَقَّةَ جَزَاءً وِفَاقًا.
فَخَيْرُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِبَادِهِ. وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- مَنْ يَتَسَبَّبُ فِي إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِمُجْتَمَعِهِ وَوَطَنِهِ فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ)[الحشر: 2]؛ أَيْ يَهْدِمُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، وَذَمَّ -عَزَّ وَجَلَّ- مَنْ يُضَيِّعُ الأَمَانَاتِ، وَيَسْعَى إِلَى هَدْمِ الْمُنْجَزَاتِ، فَقَالَ: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[النحل: 92].
وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- لِبَيَانِ سُوءِ صَنِيعِ مَنْ يَنْقُضُ الْعُهُودَ، وَيَهْدِمُ مَا أَنْجَزَهُ بِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ كَالَّتِي تَغْزِلُ غَزْلَهَا، وَتُحْكِمُ إِبْرَامَهُ، ثُمَّ تَنْقُضُهُ أَجْزَاءً مُتَنَاثِرَةً، فَلاَ تَسْتَفِيدُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَالْمُجْتَمَعُ بِمَنْ فِيهِ وَمَا فِيهِ أَمَانَةٌ مُشْتَرَكَةٌ يَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا.
عباد الله: وَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْفَوَائِدِ: دَفْعُ الشَّرِّ وَالضَّرَرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَسَدُّ ذَرَائِعِ الْفِتَنِ قَبْلَ حُلُولِهَا، بِتَوْعِيَةِ الْجَاهِلِ، وَتَنْبِيهِ الْغَافِلِ، وَتَعْلِيمِ الصَّغِيرِ، وَالأَخْذِ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ مُخْتَارُ الْحُكَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْوِقَايَةَ خَيْرٌ مِنَ الْعِلاَجِ.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ"(ابن ماجه).
عباد الله: الوَطَنُ سَكِينَةُ النَّفْسِ، وَرَاحَةُ البَالِ، وَمَجْمَعُ الأَحِبَّةِ، وَمُنْطَلَقُ البِنَاءِ؛ اسْأَلُوا عَنْ نِعْمَةِ الوَطَنِ مَنْ فَقَدَهَا، وَانظُرُوا إِلَى قِيمَتِهَا فِي مِيزَانِ مَنْ حُرِمَهَا، تُدْرِكُوا حَقِيقَةَ النِّعْمَةِ، وَعَظِيمَ المِنَّةِ.
وإن مِنَ الاعتِرَافِ بِالجَمِيلِ وَعَدَمِ نِسْيَانِ الفَضْلِ اعتِرَافُ الإِنْسَانِ بِفَضْلِ وَطَنِهِ الَّذِي أَظَلَّتْهُ سَمَاؤُهُ، وَأَقَلَّتُهُ غَبْرَاؤُهُ وَخَضْرَاؤُهُ، وَرُزِقَ فِيهِ الأَمْنَ وَالسَّلامَ، فَعَاشَ فِي طُمَأْنِينَةٍ، وَهُدُوءٍ وَسَكِينَةٍ، فَحُقَّ لِوَطَنٍ ضَمَّ أَبْنَاءَهُ وَعَلَّمَهُمْ وَحَنَا عَلَيْهِمْ، وَقَدَّمَ صُنُوفَ الخَيْرِ إِلَيْهِمْ أَنْ يُقَدِّمُوا إِلَيْهِ صُنُوفَ الوَفَاءِ، وَيُشَرِّفُوا أَنْفُسَهُمْ بِحُسْنِ الانتِمَاءِ وَجَمِيلِ العطاء.
إِنَّ وَطَنَنَا المُبَارَكَ هَذَا لَيَسْتَحِقُّ مِنَّا صَوْنَ مُقَوِّمَاتِهِ وَإِنْجَازَاتِهِ، وَالعَمَلَ الدَّؤُوبَ لأَجْلِ رِفْعَتِهِ وَعِزَّتِهِ ووحدتهِ؛ يَجِبُ أنْ نَردَّ الجَميلَ على كُلِّ مُؤسَّساتِه، وأنْ نُحافِظَ على كُلِّ مُكتَسباتِه، وأنْ نَعملَ جَاهدِينَ على نَشْرِ الفَضائلِ في جَمِيعِ أَنْحائِهِ، ودَرْءِ الرَّذَائِلِ عَنْ كُلِّ أرجائِه، والمحافظةِ على سفينةِ نجاته ، فَخَيرُ الوَطَنِ يعودُ خَيراً على الجميعِ.
إنَّ مَحَبَّةَ الوَطَنِ وَالحِفَاظَ عَلَى أَمَانَتِهِ وخيراتِهِ وممتلكاتهِ لَيْسَتْ شِعَارَاتٍ مُجَرَّدَةً، وَلا عِبَارَاتٍ جَوْفَاءَ، بَلْ لا بُدَّ أَنْ تَتَغَلْغَلَ فِي القَلْبِ إِيمَانًا، وَتَسْكُنَ فِي النَّفْسِ اقتِنَاعًا، وَتُتَرْجِمَهَا الجَوَارِحُ وَالطَّاقَاتُ سُلُوكًا وَعَمَلاً.
وإِنَّ مِمَّا يَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَيُعَدُّ مِنْ شِيَمِ الأَبْرَارِ المُتَّقِينَ، شُكْرَ الأَوفِيَاءِ المُحْسِنِينَ، وَتَثْمِينَ جُهُودِ العَامِلِينَ، فالإسلامُ دِينُ وَفَاءٍ، يَحُثُّ كُلَّ مَنْ أُسْدِىَ إليهِ معروفٌ أنْ يُقابلَ الجميلَ بجميلٍ، إنْ لم يكنْ بالمالِ والعطاءِ فَبِالثَّناءِ والدُّعاءِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أُسديَ إليهِ مَعرُوفٌ فقالَ لفاعلِه: جزاكَ اللهُ خيرًا؛ فقدْ أَبلغَ في الثَّناءِ"، وقال: "مَنْ أُعطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فليَجْزِ بِهِ، فإنْ لَم يَجِدْ فلْيُثنِ؛ فإِنَّ مَنْ أَثْنى فَقَدْ شَكَرَ، ومَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ"(رواهما الترمذي).
فشكرًا للعيونِ الساهرةِ التِي تحرُسُ وطنَنَا العزيزَ وتقومُ عليه، وتسعى في بنائِه، والرقي بشؤونِه ونمائِه.
فجزى اللهُ الجميع خيرَ الجزاءِ وكتب أجورَهم وبارك في أعمالهِم وأعمارِهم وحفظ اللهُ بلادَنا من كلِّ سوءٍ ومكروه وجمعنا على الحق والمعروف..
بارك الله لي ولكم..
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ...
أَمَّا بَعْدُ: فيا عباد الله:
إِنّ مِمّا يَنْبَغِي التّأْكِيدُ عَلَيْهِ، وَالتّذْكِيرُ بِهِ؛ وُجُوبَ السّمْعِ وَالطّاعَةِ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، بِغَيرِ مَعْصِيةِ الله؛ إِذْ هُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ الصّحِيحَةِ، فَلَا دِينَ إِلا بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلّا بِإِمَامَةٍ، وَلَا إِمَامَةَ إِلّا بِسَمْعٍ وَطَاعَةٍ، وَقَدْ كَانَ السّلَفُ يُولُونَ هَذَا الْأَمْرَ اهْتِمَامًا خَاصًّا؛ نَظَرًا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِغْفَالِهِ، أَوِ الْجَهْلِ بِهِ مِنَ الْفَسَادِ الْعَرِيضِ فِي الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ.
قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكَ السّمْعُ وَالطّاعَةُ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ"(رواه مسلم)؛ أَيْ: تَجِبُ عَلَيْكَ طَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ فِي مَا يَشُقّ وَتَكْرَهُهُ النّفُوسُ، وَغَيْرِهِ مِمّا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ لِلّهِ، فِي حَالَتَيِ الرّضَا وَالسّخَطِ، وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرّ. فَبِطَاعَتِهِ تَتّفِقُ الْكَلِمَةُ، وَبِمَعْصِيَتِهِ تَتَفَرّقُ، وَكَمَا أَنّ طَاعَتَهُ فِيهَا مَصْلَحَةُ الدِّينِ وَالدّنْيَا؛ وفِي مُخَالَفَتِهِ فَسَاد لَا يُنْكَر.
عباد الله: بِالْدِفَاعِ عَنِ بِلَادِنَا، وَالْحِفَاظِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَبِاتِحَادِ صَفِّنَا، وَبِاجْتِمَاعِ كَلِمَتِنَا، وَتَوَادِّنَا، وَتَعَاطُفِنَا، والمحافظة عَلَى اللُّحْمَةِ؛ يُسْتَصْلَحُ الْفَاسِدُ، وَيَسْتَفِيضُ الْأَمْنُ، وَيَعُمُّ الرّخَاءُ بِعَوْنِ اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء: 59]..
ثم صلوا وسلموا....
التعليقات