عناصر الخطبة
1/كدر الحياة الدنيا وضيقها 2/ وحشة القلوب العاصية وطمأنينة القلوب المؤمنة 3/منزلة الذكر وفضائله وأحوال الذاكرين 4/ذكر الله حياة والغفلة موت

اقتباس

الذِّكْرُ مَنْشُورُ الْوِلَايَةِ الَّذِي مِنْ أُعْطِيَهُ اتَّصَلَ، وَمَنْ مُنِعَهُ عُزِلَ، وَهُوَ قُوتُ قُلُوبِ الْقَوْمِ الَّذِي مَتَى فَارَقَهَا صَارَتِ الْأَجْسَادُ لَهَا قُبُورًا، وَعِمَارَةُ دِيَارِهِمُ الَّتِي إِذَا تَعَطَّلَتْ عَنْهُ صَارَتْ بُورًا، وَهُوَ سِلَاحُهُمُ الَّذِي يُقَاتِلُونَ بِهِ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ، وَمَاؤُهُمُ الَّذِي يُطْفِئونَ بِهِ الْتِهَابَ الطَّرِيقِ، وَدَوَاءُ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أيها المسلمون: تَتَّسِعُ الحَيَاةُ وَتَضِيْق، وَيَلِيْنُ العَيْشُ وَيَقْسُوْ، وَتَضْحَكُ الأَيَّامُ وَتَكْفَهِرّ، وَتَتَقَلَّبْ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا، فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمُ لَنَا، وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ.

 

وَمَعَ تَقَلُّبَاتِ الحَيَاةِ وتَلوُّنِها يَظَلُّ القَلْبُ باضْطِرابٍ تَتَنازَعُهُ هُمُومٌ وتتلاعَبُ بِهِ أَوْهَام، الخَوْفُ يَضْعِفُهُ، وَالشَّوْقُ يَهُزُّهُ، والفَرَحُ يُبْطِرُه.

 

ولا يُرسِيْ دَعَائمَ القَلْبِ إِلا إيمانٌ باللهِ رَاسِخٌ، وَتَوْحِيْدٌ للهِ خَالِصٌ، وَعَمَلٌ للهِ صَالح، فَإِنْ خَوَى القَلْبُ مِنْ هَذِهِ مَاجَتْ بِهِ أَمواجُ التَّقَلُّباتِ، وهاجَتْ بِه رياحُ التَّصارِيف.

 

القَلْبُ ظَمْآنٌ وَلَنْ يَرْوِيْ ظَمَأهُ إِلا الإِيْمَان، والقَلْبُ مُظْلِمٌ وَلَنْ يُزِيلُ ظُلْمَتَهُ إِلا القُرْآنُ، والقَلْبُ مُسْتَوْحِشٌ وَلَنْ يُؤْنِسُهُ إِلا ذِكْرُ اللهِ في كُلِ آن.

 

ذِكرُ اللهِ لِلْقَلْبِ سُلْوَةٌ وَطُمَأَنِيْنَة، وَصِلةٌ باللهِ وَسَكِيْنَة: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].

 

ذِكْرُ اللهِ حِصْنٌ حَصِيْن، وَحِرْزٌ مَتِيْنُ في الشَّدَائِدِ ذِكْرُ اللهِ لِلْمَرْءِ عَوْنٌ، وفي الضَّائِقاتِ ذِكْرُ اللهِ للمرءِ ثَبَات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)[الأنفال: 45].

 

ذِكْرُ اللهِ مَدَدٌ وتأَيِيْد، ونَشاطٌ وعَزِيْمَة، وجَسارَةٌ وإِقْدَام، بِهِ يُسْتَعانُ عَلى مواجَهَةِ كُلِّ صِنْدِيد، وبِهِ يُتَقَوَّى على القيامِ بكُلِ أَمْرٍ شَدِيْد، قَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ مُوْسَى -عليه السلام-: (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)[طـه: 42-43]، (وَلا تَنِيَا فِيْ ذِكْرِيْ) لا تَفْتُرا عَن ذِكْرِي، أَقِيْمَا عَلَى الذِّكْرِ لا تَفْتُرا، ولازماهُ لا تَغْفَلا، فَإنَّ الذِكْرَ لِقُلُوْبِكُمْا قُوْتٌ، ولِقُواكُمْا قُوَّةٌ، ولِخُطاكُما ثَبَاتٌ، ولِطَرِيْقِكُما نُور.

 

ذِكْرُ اللهِ صِلَةٌ باللهِ لا تَنْقَطِعْ، وَعَلاقَةٌ بِاللهِ لا تَهُون، شَرَفٌ بِهِ المَرْءُ يَعْلُو، وَكَرَامَةٌ بِها العبدُ يَرْتَقِي، فَمَنْ ذَكَرَ اللهَ ذَكَرَهُ الله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)[البقرة: 152].

 

يُقْبِلُ الليلُ وَيُدْبِر، ويُظْلِمُ الكونُ ويُسْفِر، والذاكِرُونَ عَن ذِكْرِ الله لا يَغْفَلُون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الأحزاب: 41-42].

 

الذَاكِرُون حَيَاتُهُم بالذِّكْرِ مَعْمُوْرَة، وأَرواحُهُم بِه مَسْرورَة، لَمْ يُشْغِلْهُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ شَاغِلْ، ولَمْ يَصْرِفْهُمْ عن ذِكْرِ اللهِ صَارِف: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران: 191].

 

قُلُوبٌ رَفْرَفَ فيها حُبُّ اللهِ فَهيَ في كُلِّ الأَحْوَالِ لِرَبِها ذَاكِرَة، في السِّرِّ والجَهْر، وفي الخَفاءِ والعَلَن.  تَذْكُرُ اللهَ في وِحْدَتِها، وتَذْكُرُ اللهَ في خُلْطَتِها، وَمَنْ أَحَبَّ شَيئاً أَنِسَ بِذِكْرِه، واللهُ مَعَ الذَّاكِرِيْن، في الحديثِ القُدْسِيّ قالَ اللهُ: "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي في ملأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ"(متفق عَلَيْهِ).

 

ذِكْرُ اللهِ يَعْمُرُ قَلْباً كان بالأَمسِ خَاوِيَا، ويَرْفَعُ عَبْداً كانَ في الناسِ ثَاوِيا.

"سَبَقَ المُفَرِّدُون" سَبَقَ إلى اللهِ الذاكِرُون، ومَنْ سَبَقَ إِلى اللهِ فَازْ، ومَنْ سَبَقَ إلى اللهِ أَدْرَكَ، عَن أَبي هُريرةَ -رضي الله عنه- أَن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ"، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ"(رواه مسلم)

    

عَمَلٌ يَسِيْرٌ أَدْرَكَ الفَوزَ عامِلُهْ، مُهَيّأٌ للمرءِ في كُلِّ حين، لا يُعِيْقُ عَنْ شُغْلٍ، ولا يْقعِدُ عَنْ كَسْبٍ، ولا يَصْرِفُ عَن تِجارَة.

 

ذِكْرُ اللهِ كَمْ رَجَحَتْ بِهِ مِن مَوَازِين؟! وكَمْ أُعْلِيَتْ بِهِ مِنْ دَرَجات؟!

 

لِسانٌ بِذِكْرِ اللهِ لاهِجٌ، حَسَناتٌ في الكِتابِ مُضاعَفَة، قالَ أَبو هُرَيرَةَ -رضي الله عنه- قال رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ"(متفق عليه).

 

وأَعْظَمُ الذّْكْرِ: قُرآنٌ يُتْلى، فَمَا تَقَرَّبَ عَبْدٌ إِلى اللهِ بِمِثلِ تِلاوَةِ كَلامِه.

 

والصَّلاةُ ذِكْرٌ لله، بَل الصَّلاةُ مِنْ أَكرَمِ الذِّكرِ وأَزكاه، تَكْبِيْرٌ وَتَحْمِيْد، وَتَعْظِيْمٌ وَتَوْحِيْد، وتَسْبِيحٌ وتَمْجِيْد، ذِكرٌ بالقَلْبِ وباللسان وبالجوارِحِ وَبِالأَرْكَان قَيامٌ ورُكُوعٌ وسُجودُ واطْمئنان، تَفَكُرٌ وتَدَبُّرٌ وَخُشُوعٌ وقُرْآنْ، فَمَا حَوَتْ عِبادَةٌ مِنْ الذِكْرِ ما حَوَتْهُ الصَّلاة: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)[طـه: 14].

 

وَذِكْرُ اللهِ في أَدْبارِ الصَلَواتِ حَسَناتٌ إِثْرَ حَسَنات، أَتَى فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  فَقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ (أَي أَهلَ الأَموالِ والثَرَاءِ) ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ العُلَى وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقالَ: وَما ذَاكَ؟  قالوا: يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقالَ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ به مَن بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم إلَّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ" قالوا: بَلَى يا رَسولُ اللهِ، قالَ: تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً"(رواه مسلم).

 

 

كَمْ ضَيَّعَ المَحْرُومُ مَنْ فَضْلٍ، وكَمْ فَرَّطَ المغبونُ بالحَسَنات: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[الكهف: 46].

 

بارك الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ ولي الصالحينَ، وأَشْهدُ أَن محمداً عبده ورسوله أصدق الذاكِرِين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.  

 

أيها المسلمون: الذِّكْرُ حَيَاةٌ.

 

والغَافِلُونَ كَمَنْ في اللَّحْدِ قَدْ وُسِدُوا *** والذَّاكِرُوْنَ هُمُ الأَحْياءُ ما مَاتُوا

 

عن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ"(رواه البخاري ومسلم).

 

ذِكْرُ اللهِ كَنْزٌ فَلَئِنْ سَلَبَتْ كُنوزُ الدُّنيا عُقولٌ فَلَكَنزُ الذِّكْرِ أَبْقَى وأَكْبَر: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)[العنكبوت: 45]، ذِكْرُ اللهِ كَنْزٌ فَما الدُّنيا وقُصُورُها؟ ما الدُّنيا ومَرَاكِبُها؟ ما الدُّنيا وأَمْوَالُها؟ ما الدُّنيا وثَرَواتُها؟ ما الدُّنيا وزُخْرُفُها؟ ما الدُّنيا ومَنَاصِبُها؟ ما الدُّنيا وما مَلَكُوا؟  فَلَذِكْرُ اللهِ أَعلى وأَكْبَرْ، عن أَبي هريرةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ"(رواه مسلم)، (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)[الزخرف: 32].

 

قال ابنُ القيمِ -رحمه الله-: "وَمِنْ مَنَازِلِ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الذِّكْرِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْكُبْرَى الَّتِي مِنْهَا يَتَزَوَّدُونَ وَفِيهَا يَتَّجِرُونَ، وَإِلَيْهَا دَائِمًا يَتَرَدَّدُونَ،  وَالذِّكْرُ مَنْشُورُ الْوِلَايَةِ الَّذِي مِنْ أُعْطِيَهُ اتَّصَلَ، وَمَنْ مُنِعَهُ عُزِلَ، وَهُوَ قُوتُ قُلُوبِ الْقَوْمِ الَّذِي مَتَى فَارَقَهَا صَارَتِ الْأَجْسَادُ لَهَا قُبُورًا، وَعِمَارَةُ دِيَارِهِمُ الَّتِي إِذَا تَعَطَّلَتْ عَنْهُ صَارَتْ بُورًا، وَهُوَ سِلَاحُهُمُ الَّذِي يُقَاتِلُونَ بِهِ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ، وَمَاؤُهُمُ الَّذِي يُطْفِئُونَ بِهِ الْتِهَابَ الطَّرِيقِ، وَدَوَاءُ أَسْقَامِهِمُ الَّذِي مَتَى فَارَقَهُمُ انْتَكَسَتْ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ، وَالسَّبَبُ الْوَاصِلُ وَالْعَلَاقَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَلَّامِ الْغُيُوبِ.

 

إِذَا مَرِضْنَا تَدَاوِينَا بِذِكْرِكُمُ *** فَنَتْرُكُ الذِّكْرَ أَحْيَانًا فَنَنْتَكِسُ

 

بِهِ يَسْتَدْفِعُونَ الْآفَاتِ، وَيَسْتَكْشِفُونَ الْكُرُبَاتِ، وَتَهُونُ عَلَيْهِمْ بِهِ الْمُصِيبَاتُ، إِذَا أَظَلَّهُمُ الْبَلَاءُ فَإِلَيْهِ مَلْجَؤُهُمْ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمُ النَّوَازِلُ فَإِلَيْهِ مَفْزَعَهُمْ. فَهُوَ رِيَاضُ جَنَّتِهِمُ الَّتِي فِيهَا يَتَقَلَّبُونَ وَرُؤوسُ أَمْوَالِ سَعَادَتِهِمُ الَّتِي بِهَا يَتَّجِرُونَ، يَدَعُ الْقَلْبَ الْحَزِينَ ضَاحِكًا مَسْرُورًا، وَيُوصِّلُ الذَّاكِرَ إِلَى الْمَذْكُورِ، بَلْ يَدَعُ الذَّاكِرَ مَذْكُورًا".

 

عباد الله: قَلْبُ الذَّاكِرِ قَلْبٌ يَتَطَهَّر لَمْ يزَلْ لِسانُهُ بِذِكْرِ اللهِ رَطْباً، حَتى فَرَّتْ مِنْ طَرُقاتِهِ الشَّياطِيْن، ورَفَّتْ في حناياهُ الطُمأَنِيْنَة، فاطْمأَن لكل طَاعة، واسْتَوحَشَ مِنْ كُلِّ فُحْش، يَخْلُوا فما يَخْلُوا بِمَعْصِيَة، ويَنْفَرِدُ فما يَنْفَرِدُ بِذَنْب، فما للشَّيْطانِ إلى قَلْبِ الذاكِرِين سَبِيل!

 

ذَاكِرٌ أَدْرَكَ أَشْرَفَ المَنازِل، لَهُ مع السَّبْعَةِ يَومَ القِيامِ مَقَام: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظلِّهِ يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلُّهُ"، فَذَكَرْ: "وَرَجُلٌ ذَكرَ اللَّهَ خاليًا ففاضت عيناهُ"(متفق عليه).

 

أحيا الله قلوبنا بِذِكْرِه...

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life