اقتباس
زينب بنت جحش رضي الله عنها-2
أ. صالح بن أحمد الشامي
زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، وأمها أميمة بنت عبدالمطلب، طلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون زوجة لمولاه زيد بن حارثة، فترفعت عليه لشرف نسبها. وكان صلى الله عليه وسلم قد رغب في إلغاء هذه الفوارق في المجتمع الإسلامي.
ولما رفضت ذلك نزل قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾[1] فقالت: إذن لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتم الزواج وكانت زينب امرأة فيها حدة، فكان زيد يشكو ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم طلق زيد زينب، وبعد انتهاء عدتها أرسل صلى الله عليه وسلم في خطبتها، ولكن الآيات نزل قائلة: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ﴾[2] فقام صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بلا إذن ولا عقد ولا مهر.
وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: إن الله أنكحني في السماء[3].
وكان زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة من الهجرة. وفي صبيحة يوم زفافها نزل الأمر بالحجاب.
وهي أول من مات من أزواجه بعده صلى الله عليه وسلم، وماتت بالمدينة سنة عشرين.
عن عائشة رضي الله عنها: أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لحوقًا؟ قال: "أطولكن يدًا" فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدًا، فعلمنا بعد: إنما كانت طول يدها بالصدقة، وكانت أسرعنا لحوقًا به.
وفي رواية مسلم: فكانت أطولنا يدًا زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق[4].
وقد وصفتها عائشة رضي الله عنها فقالت: وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر امرأة قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرَّب به إلى الله تعالى. مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حَدٍّ كانت فيها، تسرع منها الفيئة[5].
وهكذا كان في زواجها من زيد إبطال للفوارق الاجتماعية، وفي زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بعد ذلك قضاء على قضية التبني وما يتبعها من آثار[6] رضي الله عنها.
[1] سورة الأحزاب، الآية (36).
[2] سورة الأحزاب، الآية (37).
[3] أخرجه البخاري برقم (7421).
[4] متفق عليه (خ 1420، م 2452).
[5] أخرجه مسلم برقم (2442) والسورة: سرعة الغضب، والفيئة: الرجوع.
[6] انظر تفصيل هذا الزواج وما أثير حوله في كتاب (من معين السيرة) للمؤلف ط 2 ص (303 – 311).
التعليقات