عناصر الخطبة
1/ قوة زلزال باكستان وآثاره 2/ الإغاثات الهزيلة المقدمة لهم 3/ وقفات وعبر مع هذا الزلزالاهداف الخطبة
اقتباس
.. عندما تتحرَّك الأرضُ بصوتها المخيفِ ودويِّها الرهيب، وتتساقط الجُدران وسُقُف الأبنية، ويصبِح أعلى الأرضِ أسفلَها، في تلك اللحظةِ يشعر الإنسانُ بجلال الله وعظمتِه وسلطانه وجبروتِه.. فيمتليء قلبه خوفًا من ربِّه، وخُضوعًا وإِخباتًا إليه، ومحبّةً ورجاء لما عنده، وطاعةً له، ونُفرةً مِن معصيتِه ..
الحمد لله فارِجِ الهمِّ وكاشِفِ الغمِّ، مجيبِ دعوة المضطرّين، وجابر كسر المنكسرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، يثيب الصابرين ويجزِي الشاكرين، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله قدوةُ الصالحين وإمام المخبِتين، اللّهمّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
عباد الله: تابعنا وإياكم أخبار ومشاهد الزلزال الذي ضرب شبه القارة الهندية السبت الماضي.. زلزال مدمر بلغت قوته 7.6 درجات، تجاوز عدد قتلاه خمسةً وعشرين ألف قتيل، وبدأ الرقم يقترب من الثلاثين ألف قتيل في كشمير الباكستانية وحدها. أما الجرحى فقد تجاوز عددهم 63 ألف جريح، وبلغ عدد المشردين بسبب الزلزال أكثر من مليونين ونصف , حسب آخر المعلومات الرسمية.
مشاهد محزنة، لمدن وبلدات دمرت كليا، كارثة عظيمة وصفت بأنها أكبر كارثة في تاريخ باكستان على الإطلاق.
تحرك الزلزال، فأحال الأمنَ خوفًا والحياة موتًا والعامِر خرابًا، والبناء يبابًا، وفي مثلِ طرفةِ عينٍ إذا بألوفٍ من القتلى، وألوفٍ من الجرحَى، وملايين من المشرَّدين، وهرع الناس حتى خُيِّل إليهم أنَّ القيامةَ قامت، فهذه أمٌّ فقَدَتِ ابنها، وذاك ابنٌ ينادِي أمَّه، ومشاهدُ دامية يعجز البَيان عن وصفِها؛ فإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وبعد وقوع الزلزال، بدأت عمليات الإغاثة والبحث عن الناجين وانتشال الجثث بمعدات بدائية وبسيطة مما سبب ارتفاع عدد الضحايا.
دمر الزلزال قرى بأكملها في شمال باكستان، وكان أكثر المشاهد مأساوية استخراج 400 جثة تلميذ من تحت أنقاض مدرستين في منطقة منسهره شمال غرب البلاد.
وفي العاصمة الباكستانية تواصلت العمليات طوال الليل والنهار لإنقاذ الضحايا بين ركام برجين سكنيين انهارا جراء الزلزال.
وبرزت المناطق الجبلية النائية كأشد المناطق حاجة إلى المساعدات، خاصة وأن عمليات إجلاء الضحايا منها لا تكون إلا بالمروحيات.
وفي الجانب الصحي، انتشرت الملاريا والأمراض أخرى في كشمير الباكستانية، حيث انهارت الخدمات الصحية نتيجة الزلزال. وتسببت الجثث المتعفنة ومياه الصرف الصحي في تلوث نهر (نيلوم) وهو المصدر الرئيسي لمياه الشرب في العاصمة الإقليمية مظفر آباد.
وبعد وقوع الكارثة.. بدأت المعونات الدولية تتدفق ببطء، وتمشي على استحياء إلى باكستان المسلمة، فقدم الصليب الأحمر الدولي 157 ألف دولار فقط، وقدمت أستراليا مساعدات طبية وإغاثية عاجلة بقيمة 387 ألف دولار أميركي. ثم أعلنت أمريكا وبريطانيا واليابان ودول حلف الناتو ودول أخرى تقديم مساعدات مالية وعينية وإرسال معدات وفرق إغاثة.
وقد أعلنت الأمم المتحدة أن كل الأموال التي قدمتها دول العالم المانحة لم تتجاوز 165 مليون دولار فقط، لإغاثة قرابة الثلاثة ملايين مسلم باكستاني، معظمهم من الأطفال.
معونات تافهة هي -والله- أقرب للهيلمة الإعلامية، وذر الرماد على العيون، بينما رأينا تسابق الدول والمنظمات إلى تقديم المعونات بالملايين لضحايا الإعصار الأمريكي؛ فويل للمطففين.
أما المنظمات الإغاثية الإسلامية فقد كان دورها ضعيفاً، بعد أن شلت حركتها، وحوربت أنشطتها، وأصبح كثير منها كبش فداء لما يسمى بالحرب على الإرهاب، وقد أكد بعض المراقبين أن باكستان تدفع ثمن حظرها لمنظمات الإغاثة الإسلامية والعربية في السنوات الأخيرة والتي كانت تعمل في كشمير وأفغانستان انطلاقا من أراضيها. والله يعلم كم تخسر الأمة، إذا نحي أهل الصلاح عن أرض الواقع.
وقد بدأت بعض الدول الإسلامية إرسال معونات عينية ومالية، وكانت أعلى هذه التبرعات من الدول الخليجية، وفي مقدمتها بلادنا المباركة، ومما يذكر فيشكر، ما وجه به خادم الحرمين وفقه الله جميع الجهات المعنية بالمسارعة إلى عمليات الإغاثة لمنكوبي الزلزال، وتشغيل جسر جوي من الطائرات السعودية لتقديم المساعدات العاجلة من أطباءَ وأدويةٍ وخيامٍ وبطانياتٍ وموادَ غذائية، لتلبية الاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الزلزال، وأمر جزاه الله خيراً بإطلاق حملة تبرعات شعبية على مستوى مناطق البلاد؛ لجمع التبرعات لمصلحة الضحايا.
ولنا مع هذا الحدث عدة وقفات:
الوقفة الأولى: وزلزلها الله جل جلاله:
إنَّ المسلِمَ اللبيب ليقِف أمامَ هذه النوازل موقفَ التفكُّر والاعتبار بتذكُّر قوّةِ ربِّه الأعلى وقدرتِه سبحانه، تلك القوة والقدرة التي لا تماثِلُها أيُّ قوّةٍ.. قال تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وقال جلّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين).
الزلزال جندي من جنود الله، وعذاب من عذاب الله، يسلّطه على من يشاء، لا يستطيع المخلوق الضعيف أن يقف أمامه مهما بلغت قوته.
عندما تتحرَّك الأرضُ بصوتها المخيفِ ودويِّها الرهيب، وتتساقط الجُدران وسُقُف الأبنية، ويصبِح أعلى الأرضِ أسفلَها، في تلك اللحظةِ يشعر الإنسانُ بجلال الله وعظمتِه وسلطانه وجبروتِه.. فيمتليء قلبه خوفًا من ربِّه، وخُضوعًا وإِخباتًا إليه، ومحبّةً ورجاء لما عنده، وطاعةً له، ونُفرةً مِن معصيتِه.
وإن مما يُؤسَف له ويدعو إلى العجب، ما درجت عليه أكثر وسائل الإعلام من إظهار هذه الكوارث على أنها ظواهر طبيعية، وأنّ سببها مجرد تصدّع في باطن الأرض ضعُفت القشرة عن تحمّله. ونحن نقول لهؤلاء: هذا الكلام صحيح، لكن قولوا لنا مَن الذي قدّر لهذا الصدع أن يحدث؟ ومن الذي أضعف قشرة الأرض أن تتحمّله؟ أليس هو الله؟! وهو سبحانه أخبر عن نفسه أنه يفعل ذلك بسبب ذنوب ومعاصي بني آدم، ومن أصدق من الله حديثاً.
وما أشبه حال هؤلاء المكابرين بحال من ذكرهم الله في كتابه العزيز، فإذا أصابهم الكرب والضرّ قالوا: (قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ)، فهذا أمر طَبَعِيّ لا علاقة له بذنوب العباد، فيواصلون في إعراضهم وفجورهم ويقولون: (إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ).
الوقفة الثانية: اقتربت الساعة:
إنّ من تقدير الله تعالى الحكيمِ الخبير أن حجبَ العلم بوقتِ قيامِ الساعة عن جميعِ خَلقه، واختصَّ بِهِ في علمه، وجعَله مِن غيبِه.. كما قال سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ).. وقال عزَّ من قائِل: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا).. غيرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبر بما جاءَه من ربِّه عن أماراتِها وأشراطِها، وكان مما أخبرَ به من أشراط الساعة كثرةُ الزلازل التي تكون في آخرِ الزّمان كما جاء في الحديث الذي أخرجَه البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل".
ولقد كثرت الزلازل المروِّعة، وتتابع وقوعها في سنوات متقاربة، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، والله المستعان.
الوقفة الثالثة: حكمة بالغة:
لماذا يقدر الله وقوع هذه الزلازل والكوارث؟ وما الحكمة من وقوعها في حق شعب مسلم؟
لا شك إن الله تعالى لا يخلق شرًّا محضًا، فكم من شرٍّ في نظر الناس يحمل في طيّاته خيرًا كثيرًا، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
أقول هذا بعد أن اطلعت على عدة مقالات في بعض الصحف لبعض من عرفناهم بالأمس من الكتّاب المنحرفين، القاصرين في العقل والدين، يعترض أحدهم أن تكون هذه الكوارث من آثار الذنوب، ويقول الآخر مُلْبسًا الحقّ بالباطل: كيف تقولون إن إعصار كاترينا الأمريكي عقوبة إلهية فهل هذا الزلزال الذي وقع في بلاد مسلمة عقوبة؟ ما ذنب شعب فقير مسلم لكي يحلّ به هذا الدمار؟!
أقول: سبحان الله! ما أشدّ حمقهم ونقص عقولهم! ألم يطّلع هؤلاء وأمثالهم من سَقَط الكُتّاب على قول الله جلّ وعلا: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)؟! ألم يقل الله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
لكننا مع هذا نقول.. شتان بين نزول الزلازل والكوارث بالمسلمين وغير المسلمين.
ولذا، نعود للسؤال فنقول: ما الحكمة من وقوع هذه الزلازل بالعباد، سواءً المسلم منهم والكافر؟ الجواب: أن هذا فيه تفصيل:
1. قد يقدر الله الزلازل وغيرها من الصواعق والأعاصير عقوبة لمن كَفَرَ به وجَحَد نِعْمَته، كطوفان قوم نوح، وريح قوم هود، وصاعقة قوم صالح، وصيحة قوم شُعَيْب، ورجم قوم لوط، وغرق فرعون وقومه، وخسف قارون.
2. وقد يقدر الله هذه الكوارث تخويفاً للعباد، واستعتاباً لهم، ليتضرعوا، وينيبوا إليه.. (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الاسراء: 59].
يبتلي الله عباده؛ لتستيقظ النفوس الغافلة، وتَلِين القلوب القاسية، وتدمع العيون الجامدة.
قال ابن القيم رحمه الله: "وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتَحدُث فيها الزلازل العظام، فيَحدُث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم، كما قال بعض السلف وقد زُلزلت الأرض: إن ربكم يستعتبكم. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زُلزلت المدينة، فخطبهم ووعظهم، وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها " انتهى كلامه رحمه الله.
وقد روى الإمام أحمد عن صفية أنها قالت: زُلزِلت المدينة على عهد عمر بن الخطاب، فقال: (يا أيها الناس، ما هذا؟! ما أسرع ما أحدثتم! لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدًا)، وقال كعب: "إنما تُزلزَل الأرض إذا عُمل فيها بالمعاصي، فترعد خوفًا من الربّ جلّ جلاله أن يطّلع عليها".
3. وقد يقدر الله هذه الكوارث لتطهير المؤمنين الصابرين الصادقين من الذنوب ومُضاعفة ثوابهم، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوِْْف وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّر الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
إن هذه الزلازل مع ما فيها منَ الرّزايا والبلايا والآلام النّاشئة عن نقصِ الأموال والأنفسِ والثّمرات وخرابِ العمران، فأنها لا تخلُو من آثارِ رحمةِ الله بعباده، وتكفيرِه لسيئاتهم، كما روى الإمام أحمدُ وأبو داودَ والحاكم بأسانيدَ بعضُها حِسان وبعضُها صِحاح عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمّتي هذه أمّةٌ مرحومة، ليس عليها عذابٌ في الآخرة، عذابُها في الدنيا الفِتَنُ والزّلازلُ والقتل).
فالحديث يدل على ان غالبَ أفراد هذه الأمّة مجزيٌّ بأعماله في الدنيَا بالمحنِ والأمراض والرزايَا التي منها الزلازلُ تكفيرًا وتَطهيرًا، كما جاء في الحديث الآخر المتفق عليه عن أبي هريرةَ وأبي سعيد الخدريّ رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلمَ من نصبٍ ولا وصَب ولا همٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غمٍّ حتى الشوكة يُشاكها إلاّ كفَّر الله بها من خطاياه))، وفي صحيح البخاريِّ أيضًا عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يرِدِ الله بِه خيرًا يصِبْ منه))، أي: ينزل به مِن ألوانِ المصائب ما يكون كفّارةً لذنوبه، ورفعة لدرجته إذا صبَر واحتسب.
الوقفة الرابعة: إن زلزلة الساعة شيء عظيم:
عباد الله.. إنَّ زلزالَ الدنيا مَهول، وآثارُه مدمِّرة، وواقعُه مُفجِع، وهو في ذاتِ الوقت موقِظٌ لنا من رَقدتنا لنتذكَّرَ الآخرةَ وزلزلتها وأهوالها.. نعم.. زلزالُ الدّنيا أرضٌ ترتجِف ومبانٍ تسقُط، يموت مَن يموت، ويحيَا مَن بقِيَ له من عُمُره بقيّة، أمّا زِلزال الآخرةِ ففيه تذهَل المراضع، وتضَع الحوامل، وتشيبُ الولدان، ويكون النّاس كالسُّكارى من هولِ الموقِفِ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).
الأرض والسماوات تبدَّل، والجِبالُ تنسَفُ، والبِحارُ تفجَّر، والسماء تنشقُّ وتكشَط، وبرزوا لله الواحد القهار.
اللهم أحسن وقوفنا بين يديك، واجعلنا في موققف القيامة من الآمنين، مع الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون. والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه...
عباد الله: ما واجب المسلم تجاه هذه المصيبة التي وقعت لإخوانه؟
لا ريبَ أيها الأحبة أنَّ قِيامَ المسلمين بنَجدةِ المنكوبِين وإغاثةِ الملهوفِين ومَسح البؤسِ عن جبين البائِسين ممن نزَلت بهم هذه النوازلُ وحلَّت بديارِهم هذه الزلازل ؛ هو من أفضلِ الأعمال وأزكاها عند الله تعالى؛ لأنها مِن صنائعِ المعروف التي بيَّن رسولُ الله صلوات الله وسلامه عليه حُسنَ العاقبة فيها بقوله: ((صنائِعُ المعروف تقِي مصارعَ السّوء والآفاتِ والهلَكات، وأهلُ المعروف في الدنيا هم أهلُ المعروف في الآخرة)). والحديث أخرجه الحاكم عن أنسٍ رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الجامع.
عباد الله: وإننا إذ نتعاطف مع إخواننا المسلمين هناك ونتألّم أشدّ الألم لما حلّ بهم ونسأل الله تعالى أن يرحم ضعفهم ويرفع الضرّ والبأساء عنهم؛ فإنه يجب علينا وعليهم أن نحاسب أنفسنا، ونصحّح أوضاعنا، وأن نسعى جاهدين لإزالة المنكرات والفواحش التي هي سبب حصول البلايا والمحن. وقد روى الطبراني والحاكم وحسّنه الألباني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله).
قال الإمام ابن باز رحمه الله: فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والريح الشديدة والفيضانات - البدار بالتوبة إلى الله سبحانه، والضراعة إليه، وسؤال العافية، والإكثار من ذكره واستغفاره، كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف: " فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ".. ويستحب أيضا رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ارحموا ترحموا " أخرجه الإمام أحمد، " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " أخرجه أبو داود والترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من لا يرحم لا يرحم " أخرجه البخاري ومسلم.. وروي عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه كان يكتب إلى أمرائه عند وجود الزلزلة أن يتصدقوا.
ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء، وإلزامِهم بالحق، وتحكيمِ شرع الله فيهم، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر... الخ كلامه رحمه الله.
فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا إليه، واعتبروا بما جرى حولكم، وتذكروا قول الله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).
التعليقات