عناصر الخطبة
1/التهنئة برمضان وحسن استقباله 2/تأهب الكون كله لرمضان 3/رمضان موسم التجارِ الرابحة مع الله 4/فضل إدراك رمضان 5/الحذر من الأمور المخلة برمضاناقتباس
أيُّهَا الكِرَام: الكونُ كلُّه يتأهبُ لرمضان، فهذه أبوابُ السماءِ تُفتَح، وأبوابُ الجنةِ تُفتَح، وأبوابُ النارِ تُغلَق، وتسلسلُ مردةُ الشياطين، إنها فرحةُ الكونِ كله، إنَّ الكونَ كلَّه لينتشي بهجةً بسيدِ الشهور. وكيفَ لَا يشتاقُ المسلمُ إلى رمضانَ وقد جفتِ الأرواح، وتصحرتِ القلوب، فغدا رمضانُ للقلوبِ الأملَ في ريِّها بالقرآن، والمنبعَ الذي تتزودُ فيه النفوسُ من زادِ التقوى.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أمَّا بعدُ: عبادَ الله: عندمَا كانَ الوافدُ الحبيبُ يطرقُ أبوابَ مدينةِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- كانتْ طيبةُ الطيبةُ تكتسي فرحًا بقدومه، يقومُ صلى اللهُ عليهِ وسلم في ملأ منهمْ يوقظُ قلوبَهم إلى حسنِ ضيافةِ الزائرِ الكريمِ؛ فعندَ ابنِ أبي شيبةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- وَهُوَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: "قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، أَوْ تُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهر، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ"(صحَّحه الألباني).
قالَ بعضُ العلماء: هذَا الحديثُ أصلٌ في تهنئةِ الناسِ بعضُهم بعضًا بشهرِ رمضان، وكيفَ لَا يبشرُ المؤمنُ بفتحِ أبوابِ الجنان؟ كيفَ لَا يبشرُ المذنبُ بغلقِ أبوابِ النيران؟ كيفَ لَا يبشرُ العاقلُ بوقتٍ يغلُّ فيه الشياطين؟
أيُّهَا الكِرَام: الكونُ كلُّه يتأهبُ لرمضان، نعمْ فهذه أبوابُ السماءِ تُفتَح، وأبوابُ الجنةِ تُفتَح، وأبوابُ النارِ تُغلَق، وتسلسلُ مردةُ الشياطين، إنها فرحةُ الكونِ كله، إنَّ الكونَ كلَّه لينتشي بهجةً بسيدِ الشهور.
وكيفَ لَا يشتاقُ المسلمُ إلى رمضانَ وقد جفتِ الأرواح، وتصحرتِ القلوب؟ فغدا رمضانُ للقلوبِ الأملَ في ريِّها بالقرآن، والمنبعَ الذي تتزودُ فيه النفوسُ من زادِ التقوى.
رَمَضَانُ فِي قَلْبِي هَمَاهِمُ نَشْوَةٍ *** مِنْ قَبْلِ رُؤْيَةِ وَجْهِكَ الوَضَّاء
قَالُوا بِأَنَّكَ قَادِمٌ فَتَهَلَّلَتْ *** بِالبِشْر أَوْجُهُنَا وَبِالخُيَلاءِ
وَتَطَلَّعَتْ نَحْوَ السَّمَاءِ نَوَاظِر *** لِهِلالِ شَهْرِ نَضَارَةٍ وَرُوَاءِ
تَهْفُو إِلَيْه وَفِي القُلُوبِ وَفي النُّهَى *** شَوْقٌ لِمَقدَمِهِ وحُسنُ رجاءِ
عبادَ الله: رمضانُ موسمُ التجارِ الذينَ يرجونَ تجارةً لنْ تبور: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ)[فاطر: 29].
ولكمْ أسوةٌ حسنةٌ في سلفِكم كانُوا -رحمَهم اللهُ- يعدونَ قِرَى ضيفِهم منْ ستةِ أشهر، قالَ مُعَلَّى بْنُ الْفَضْل: "كانُوا يدعونَ اللهَ تعالى ستةَ أشهرٍ أنْ يبلغَهم رمضان، يدعونَه ستةَ أشهرٍ أن يتقبلَ منهم"، وقالَ يحيى بن أبي كثير: "كانَ منْ دعائِهم: اللهم سلمنِي إلى رمضان، وسلمْ لي رمضان، وتسلمْه مني متقبلًا".
وروَى أبُو إسحاقَ الهمدانيُّ أنَّ عليَّ بن أبي طالب -رضيَ اللهُ عنهُ- خرجَ في أولِ ليلةٍ من رمضانَ والقناديلُ تزهرُ في المساجد، وكتابُ اللهِ يتلى، فجعلَ ينادي: "نورَ اللهُ لكَ يا ابنَ الخطابِ في قبرِك، كمَا نورتَ مساجدَ اللهِ بالقرآن".
معاشرَ المسلمين: إنَّه بعظمِ الزائرِ يعظمُ التأهبُ لاستقبالِه، وإنَّ ضيفَنا الذي سيحلُ علينَا بعدَ بضعةَ أيامٍ هو كنزُ المتقين، وبهجةُ السالكين ودوحةُ المتعبدين، فتزينُوا له بتعهدِ قلوبِكم، حيثُ محلُّ نظرِ الرب، فقلبَك قلبَك؛ تفقدْه فإنَّه راحلتُك التي تبلغُ بها الهباتُ الربانية، ومطيتُك التي تتعرضُ بهَا لنفحاتِ الربِ -تباركَ وتعالى-.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 183-184].
الخطبةُ الثانيةُ:
أما بعدُ: عبادَ الله: قدْ ذكرَ ابنُ الجوزيِّ في "التبصرةِ": أنَّه لو قِيلَ لأهلِ القُبورِ: "تَمنَّوا؛ لتَمنَّوا يومًا من رمضان".
أخي الفاضل: أتذكرُ دموعَك الهطلى على فراقِ رمضانَ الماضي؟ أتذكرُ عبراتِك على وداعِ القيام؟ أتذكرُ حزنَك على فواتِك المغانمَ ليلةَ العيد؟ فعلامَ في كلِّ عامٍ تعيدُ الكرةَ ولا تستفيق؟ علامَ في كلِّ عامٍ ترضى بالخسارة؟ أمَا آنَ لكَ أن تمزقَ حجبَ الحرمان؟
أخي الحبيب: لماذا فرطْنا في رمضان؟ لماذَا رسبْنا ونجحَ أسلافُنا؟ لأنَّ بعضَنا في كلِّ رمضانٍ يشرعُ بابَه لمنْ يسرقُ منه رمضانَه، أمَا كانَ حريًا به هذا العامَ أنْ يتفطنَ لذلك؟ ويراجعَ نفسَه وبيتَه من لصوصِ رمضانَ الذين يسرقونَ الحسنات، ويقفزونَ على المكتسبات، ويأتونَ بالسيئات.
إن راحلتَك -أخي المبارك- لن تسيرَ بكَ في رمضانَ مالمْ تتعهدَها من الآن، كمَا تتعاهدُ سيارتَك إنْ رمتَ سفرًا، وهكذا راحلتُك في سفرِ الآخرة، فالجوارحُ لن تطيعَك إلى القيامِ إنْ نسيتَ صيانةَ قلبِك، فاعزمْ على الصدقِ معَ الله: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)[محمد: 21].
إن كنتَ عازمًا على الفوزِ برمضانَ هذا العام فعليكَ أنْ تحذرَ منْ أنْ تخرقَ رمضانَك، قالَ أحدُ السلف: "الصيامُ جنةٌ مَا لمْ يخرقْها صاحبُها، وخرقُها الغيبة"، وكمَا يحفظُ التاجرُ في تجارتِه رأسَ مالِه منَ المخاطر، فاحفظْ صيامَك، وانظرْ لهدي أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنه- وأصحابه فكانُوا إذا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِد، قَالُوا: "نُطَهِّرُ صِيَامَنَا".
وأخيرًا: هنيئاً لنَا جميعًا -أيهَا الإخوةُ في اللهِ- إدراكَ الشهرَ بإذنِ الله، والتعرضَ لنفحات الله، هنيئًا لنَا جميعًا ما نشاهدُه من فرحٍ عارمٍ في المجتمعِ بهذا الشهرِ والاستعدادِ له، والفرحِ بمقدمِه بإذنِ اللهِ إنكم مأجورون على هذا الفرح، مباركونَ بهذا الفوز، فافرحُوا وأملُوا وشجعُوا منْ ولَّاكم اللهُ أمرَه منَ الأبناءِ والزوجاتِ والبنات، كلُ منْ صنعَ إليكمْ معروفًا فكافئوه، اشكرُوا أهلَ بيتِكم على مَا يقومونَ بهِ منْ خدمتِكم في هذا الشهر، تعلمُوا فنَّ الشكرِ وفنَّ الثناء، ازرعُوا الفرحَ والبسمةَ والأمل، وتذكرُوا أنَّ نبيَكم –صلى الله عليه وسلم- قدْ قال: "خيرُكم خيرُكم لأَهلِه، وأنا خيرُكم لأَهلي".
بشرى العوالمِ أنتَ يا رمضانُ *** هتفتَ بكَ الأرجاءُ والأكوانُ
لكَ في السماءِ كواكبٌ وضَّاءةٌ *** ولكَ النفوسُ المؤمناتُ مكانُ
سعدتْ بلقياكَ الحياةُ وأشرقتْ *** وانهلَّ منكَ جمالُها الفتَّانُ
اللهم بَلَّغْنَا رَمْضَانَ ونَحْنُ في صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَأَمْنٍ وَإِيْمَان.
اللهم اجْعَلْنَا ممَّنْ يَصُومُه وَيَقُومُه إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا.
التعليقات