عناصر الخطبة
1/أهمية النية 2/من قواعد الشريعة رفع الحرج 3/ رفع الحرج عن العاجز أو عن غير المُستطيع 4/ لا واجب مع العجز عنه 5/لا محرم مع الضرورة والاضطرار إليه 6/ضوابط الحج في زمن الأوبئة والجوائح.اقتباس
المُسابقة إلى طاعةِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- ديدنُ أهل الصلاح وشأن أهل الإيمان الذين أخبتت قلوبهم لربهم إيمانًا وعُبوديةً وصدقًا وصلاحًا وفلاحًا، وإن اللاهين واللاعبين لا تزال تمر عليهم مواسم الخيرات تترا فينقضي...
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شهادةً نرجو بها النجاة والفلاح يوم لقاه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى؛ فإن أجسادنا على النار لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المؤمنون: ثبت في صحيح البُخاري بسنده عن أنس بن مالك خادم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ورَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: لما رجع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- من غزوةِ تبوك ودنا من المدينة قال: "إن بالمدينةِ أقوامًا ما سِرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم"، قلنا يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "نعم، وَهُمْ بِالمدينة، حبسهم العُذر"؛ أي حبسهم العُذر المانع شرعًا من أن يلتحقوا بركب المُجاهدين مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وصحابته الميامين -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-.
وهذا حديثٌ عظيم يدلُّ على أمورٍ عظيمةٍ -يا عباد الله- فمنها:
1- أن نيةَ العبدِ تبلغُ عند الله مبلغًا ما لا يبلغه عملهُ وإن قل وعملهُ وإن قصُر.
2- وفيهِ أيضًا من القواعد: من قواعد الشريعة رفع الحرج.
نعم من قواعد الشريعةِ العظيمة رفع الحرج عن العاجز أو عن غير المُستطيع، فهذا فرض الله -عَزَّ وَجَلَّ- في الحج الذي جعله الله -جَلَّ وَعَلَا- فرضًا على المُكلفين يسقُط إلى عجز عنه العبد؛ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].
تأملوا كيف أن الله -جَلَّ وَعَلَا- أناط هذا الفرض العظيم الذي جعله فرضًا واحدًا في العمرِ مرةً واحدة أنه جعله مناطًا بالاستطاعة لمن استطاع إليهِ سبيلاً.
ومن قواعد الشريعة التيسير *** في كل أمرٍ نابه تعسير
قال الله -جَلَّ وَعَلَا- (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286]، وقال -جَلَّ وَعَلَا-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)[الطلاق: 7]، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه"، فلا واجبَ مع العجز عنه ومع عدم القدرةِ عليه، ولا محرم مع الضرورةِ والاضطرار إليهِ يا عباد الله، وهؤلاء في المدينةِ حبسهم العذر من قلةِ الظَهْرِ أو من عجزهم عن أن يلتحقوا بركبِ الجهاد، ومع ذلك كتب الله -جَلَّ وَعَلَا- لهم أجر المجاهدين وأجر المُجاهدين مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
وفي هذه الأيامِ -يا عباد الله-، وهذا شأن الناس مع هذا الوباءِ والفيروس، وجَّه قادتكم في هذه البلاد والمُناط بهم أمر الشرع في إقامته، وأمر الديانةِ في تحقيقها وبسطها، وهم المسؤولون أمام الله ثم أمام عباد الله بإقامة شعيرة الحج، فإنه لأجل مراعاةِ حفظِ الأنفُس وحفظ النفس بل وحفظ الدين؛ جعلوا قرار الحج في هذا العام قرارًا غيرَ معطَّلة، وهذا مما يُحمدوا عليهِ ويُشكروا، كما جعلوه في أعدادٍ محدودة تحقيقًا لهذه الشعيرة ورفعًا للحرجِ عن العباد.
فمن كان مُستطيعًا لأداء الحج فتيسر له ذلك فالحمد لله، وإلا فإنه معذورٌ بعُذر الله -عَزَّ وَجَلَّ- له بأنه لم يستطع إليهِ سبيلاً وهي مسؤولية ولي الأمرِ في هذا البلد الذي يقوم بأمرِ الحجيج ورعايةِ شؤونهم وحفظِ أمنهم وأمانهم، ومن ذلك براءتهم من هذه الأدواء والأوباء؛ فاحمدوا الله عباد الله، احمدوا الله على هذه الشعيرة وعلى هذه الشريعة التي ما تركت خيرًا إلا ودلتنا عليه، ولا شرًا إلا وحذرتنا منه.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إن إقامة الحج في كل سنة إنما هو من فروض الكفايات، فإذا قام به من يكفي من المُسلمين سقط الإثم عن الباقين، أما الذي لا يجوز هو تعطيل هذه الشعيرةِ بالكلية إذا كان من المُسلمين من هو قادرٌ على أدائِها، وإن هذه الشعيرة -أعني شعيرة الحج- ستُقام هذه السنة رغم هذا الوباء لكن مع مراعاةِ الصيانةِ والحفظ لهؤلاءِ الحُجَّاج وللقائمين عليهم بأعدادٍ محدودةٍ جدًّا كما صدر بذلك التوجيه الكريم، وكما أقره علماء المُسلمين.
فاللهم لك الحمد كثيرًا، ولك الشكر كثيرًا، حمدًا كما يليق بجلالِ وجهك وعظيم سُلطانك، حمدًا يُكافئ النِعم، ويوافي المزيد منها، حمدًا كالذي نقول، وحمدًا خيرًا مما نقول، وحمدًا يا ربنا كالذي تقول، حمدًا حتى ترضى، وحمدًا إذا رضيت، وحمدًا بعد الرضا، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَّ عن الأربعة الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم عزًّا تُعزُّ به الإسلام والسُّنَّة وأهلها، وذلاً تذل به الشرك والكفر والبدعة وأهلها يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارفع عنا الوباء، اللهم ارفع عنا وعن عبادك الوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن بلدان المُسلمين عامةً يا ذا الجلالِ والإكرام.
اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا بر العالمين.
اللهم ارحمنا برحتك التي وسعت كل شيء، اللهم ارحم أولنا وآخرنا، وحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا رحمةً من عندك تُغنينا بها عن رحمةِ من سواك يا حيُّ يا قيوم يا ذا الجلالِ والإكرام، برحمتك نستغيث فأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد سواك.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نِعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
التعليقات