عناصر الخطبة
1/ تربية النبي الكريم المجتمع الإسلامي في فترة وجيزة 2/ أسباب فشلنا في التربية 3/ الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السيئة لمتابعة المجتمع لمباريات كأس العالم 4/ ترك بعض الشباب الاقتداء بالنبي الكريم واتخاذ لاعبي الكرة قدواتاهداف الخطبة
اقتباس
وما أدراكم ما كأس العالم؟ إنه الحدث الذي يشغل العالم بأسره، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه! إنه الحدث الذي تشرئب له أعناق العباد الساعات الطوال! إنه الحدث الذي تخر له الرؤوس ساجدة، وتتطلع إليه العيون غائرة، وتُشَدُّ الأفواه له فاغرة، وتسبِّح بحمده الحناجر زافرة؛ إنه الحدث الذي يتسابق إلى متابعته الخاصة والعامة، إنه الحدث الذي تزهق من أجله على المدرجات النفوس..
الحمد لله رب العالمين، يا رب! يارب! يارب! يا رب! اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، علانيته وسره؛ فأهلٌ أنت أن تُحمَد، وأهلٌ أنت تعبد، وأهلٌ أنت أن تطاع؛ تطاع ربنا فتشكر، وتعصى فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفي السقيم، ولا يجزي بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتك قول قائل.
اللهم لك الحمد على كل نعمة أنعَمْتَ بها علينا، في قديم أو حديث، أو عامة أو خاصة، أو حاضر أو غائب؛ لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالمعافاة، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، ولا إله إلا أنت.
وأشهد ألا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لو وُضعت السموات والأرض في كفة الميزان، ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت لا إله إلا الله؛ ولو كانت لا إله إلا الله في حلقة حديد لفصمتها، ولو كانت في صخرة عظيمة لفجَّرَتْها.
قيل لأحد العلماء وقد سجن، وفي سبيل هذه الكلمة ذاق المحن: قل كلمة التوحيد. فقال: من أجلها وضعت في الحديد! وقيل لأحد الأولياء وقد رفع على خشبة الموت، وقرب منه الفوت، قل: لا إله إلا الله ولا تغفل، فقال: من أجلها أقتَل!.
وسمع أحد الصالحين رجلا يقول: لا إله إلا الله؛ ومد بها صوته، فبكى الرجل الصالح وقال:
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ *** كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بلَّلَهُ القَطْرُ
بل: هِيَ أَجْمَلُ الكَلِمَاتِ قُلْهَا كُلَّمَا *** ضَجَّ الفُؤادُ وَضَاقَت الأزْمَانُ
وأشهد أن سيدَنا، وقائدَنا، وقدوتَنا، وإمامَنا، وحبيبَنا، محمداً، رسولُ الله؛ ما عساي أن أقول في رجل، إذا ذكرته الدنيا جثت على ركبتيها، وإذا تكلم عنه التاريخ تمرغ بين يديه؟!.
ما عساي أن أقول عن رجل مدَحَه ربه بما مَنَحَه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، زكَّى لسانه فقال: (وَمَا يَنْطِقُ عَن الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:3-4]، وزكى مُعلِّمه فقال: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى) [النجم:5]، وزكى فؤاده فقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) [النجم:11]، وزكى بصره فقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) [النجم:17]، وزكى عقله فقال: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [التكوير:22]، وزكى هَدْيَهُ فقال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى:52]، وزكَّاه كلَّه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
سيدي يا رسول الله:
لَوْ أنَّ إنْسَاناً تَخَيَّرَ مِلَّةً *** ما اخْتَارَ إلا دينَكَ الفقراءُ
المصلِحُون أصَابِعٌ جُمِعَتْ يداً *** هِيَ أنْتَ بَلْ أنتَ اليدُ البيضاءُ
فإذا سخَوْتَ بلغتَ بالجودِ المدَى *** وفعَلْتَ ما لا تفْعَلُ الأنـواءُ
وإذا عَفَوْتَ فقادِراً ومُقَدِّراً *** لا يسْتَهِينُ بعَفْوِكَ الجُهَــلاءُ
وإذا خطَبْتَ فللمَنَابِرِ هِزَّةٌ *** تَعْرُو النَّدِيَّ وللقُلوب بُكــاءُ
وإذا أخذْتَ العهدَ أو أعْطَيْتَهُ *** فجميعُ عهدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفَـــاءُ
وإذا رحِمْتَ فأنتَ أمٌّ أَوْ أبٌ *** هذانِ في الدُّنْيا هُما الرُّحَمَـاءُ
يا مَنْ لَهُ عِزُّ الشَّفَاعِةِ وَحْدَهُ *** وَهُوَ الــمُنَزَّهُ ماله شُفَعَـــاءُ
عَرْشُ القِيامةِ أنتَ تحتَ لوائِهِ *** والحوضُ أنتَ حِيَالَهُ السقَّـاءُ
وأقَمْتَ بَعْدَكَ للعِبادِ شَريعةً *** لا سُوقةٌ فيها ولا أُمَـــراءُ
اللهُ فوقَ الخَلْقِ فِيها وَحْدَهُ *** والنَّاسُ تحتَ لِوائِها أكْفَــاءُ
والدِّينُ يُسْرٌ والخلافةُ بَيْعَةٌ *** والأمْرُ شُورَى والحقوقُ قضاءُ
صلَّى عليك الله يا علَم الهدى، ما هبَّت النسائم، وما ناحت على الأيك الحمائم.
أما بعد: فيا حماة الإسلام وحراس العقيدة! أتحدث اليوم إلى حضراتكم حديثاً ربما تجدونه للوهلة الأولى غريباً، ولكنني أقول لكم: لا تعجبوا من أمر الله!.
أيها المؤمنون الأعزاء: عندما أراد الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن يبني مجتمعاً إسلامياً حصيناً منيعاً قوياً عزيزاً، ظل ثلاثة عشر عاماً يربي النفوس، ثلاثة عشر عاماً يربي على معرفة الله، فربَّى رجالاً أمثال الصديق أبي بكر، والفاروق عمر، وذي النورين عثمان، وبطل الإسلام علي، وأمين الأمة أبي عبيدة، وقائد القادسية سعد، وحواريي رسول الله طلحة والزبير، وغيرهم من جيل الطهارة، جيل الصحابة.
ولما مرت القرون والأعوام، وخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، انحرف مسار السفينة، وعلتها أمواج صارخة، وسرعان ما ارتطمت السفينة بصخر أودى بها في قاع البحار.
لمــــَّا أردنا أن نربي فشلنا في التربية؛ لماذا؟ لأننا تركنا تراثنا وديننا وقرآننا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وبعد ذلك انجرف الشباب في تيار الشهوات، وإعصار الفراغ، ومدارج اللذات، ولهو الحديث: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [لقمان:6-7].
أقول هذه المقدمة لأتحدث عن موسم كأس العالم، وما أدراكم ما كأس العالم؟ إنه الحدث الذي يشغل العالم بأسره، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه! إنه الحدث الذي تشرئب له أعناق العباد الساعات الطوال! إنه الحدث الذي تخر له الرؤوس ساجدة، وتتطلع إليه العيون غائرة، وتُشَدُّ الأفواه له فاغرة، وتسبح بحمده الحناجر زافرة.
إنه الحدث الذي يتسابق إلى متابعته الخاصة والعامة، إنه الحدث الذي تزهق من أجله على المدرجات النفوس، ويبذل من أجله الغالي والرخيص؛ إنه الحدث الذي يشغل أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشباب أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة وعن العبادة، وعن أهم قضاياها!.
إنه الحدث الذي يتابعه على شاشات التلفاز عشرات الملايين، وعلى مدرجات الملاعب مئات الآلاف فقط ليتابعوا فريقين يتلاحقان على كرة مطاطية صغيرة، يلهثون وراءها لهاث الكلاب لكي يحقق أحد الفريقين النصر الساحق على الفريق الآخر، بماذا؟ بإدخال الكرة بين عمودين من الحديد،
إنه السفه بعينه! إنها الحماقة ذاتها!.
أيها المسلمون الأماجد: وأنا أتحدث هذا الحديث لا أستبعد أن أُتَّهَم بالتخلف، والرجعية، والتطرف؛ بل وقد أتهم بالإرهاب، وربما يُسمَّى: "إرهاب الكرة"؛ وربما قال قائل: أنت ضد الرياضة، وأنت ضد الشباب، وأنت تخالف سنة الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن رسولنا قال: "المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
ولكن رويداً يا عشاق الكرة! رويداً يا صرعى كأس العالم! هل القوة في متابعة الكرة؟ هل القوة في ملاحقة الكرة؟ هل نستعيد مجد أمتنا وقوتها وسؤددها بالكرة؟ هل نسترد الأقصى الأسير بالكرة؟ هل نطرد اليهود من بيت المقدس بالكرة؟ أجيبوا إن كنتم تسمعون، أو تفهمون، أو تعقلون!.
مَـن قـال أن قومنــــا لا يسمعــــــون؟!
فلتسألوا عن آخر الأغاني واللحون
بل فاسألوا عن كل أشكال المجون
لو أنكم يوماً سألتم قومنا ستعرفون أنهم للمطربين،
بل أنهم للمطربات يسمعون يرقصون
ولكل أسماء الأغاني يحفظون
بل أنهم دوماً لها يرددون
من قـال أن قومنـا بُكـمٌ همو لا ينطقون؟!
بل إنهم طوال ليلهم ونهارهم لا يسكتون
يتحدثون دائماً عن آخر الأفلام
عن الخيول والصقور
والعطور والبخور
عن كل أشكالٍ وألوانٍ لسياراتهم
عن آخر الأزياء والصيحات والفنون
مـن قـال أن قومنـــا لا يصرخـــــــون؟!
فلتذهبوا يا أيها المشككون،
إلى ملاعب الكرة
لتعرفوا كم أنكم علينا تكذبون
فسوف تعرفون
كم أن قومنا يهللون، يصرخون، يهتفون
بل أنهم لهزة الشِباكِ يفرحون، يحزنون، يغضبون
وربما من فرط ما يشجعون، يتقاتلون، فيَقتُلون، ويُقتَلون
مـن قـال أن قومنــا لا يفهمــــون؟!
لو أنكم سألتم قومنا، من حرر القدس، والمسجد الأقصى؟
سيأتِي منهم من يقول:
أشعة الشمس! ثم يضحكون!
آهٍ وألف آه يا قدسنا الأسير
فليس في قلوب قومنا ضمير
وليس في الساحات من يغار، ويعلن النفير
يا قدس ليس في رجال قومنا كالمعتصم، ليعلن الصهيل والزئير
وليس من صلاحٍ في ساحات قومنا، الى الأقصى يسير
آه وألف آه يا قدسنا الأسير.
فإلى عشاق الكرة، ومتابعي كأس العالم، أوجه هذه الرسالة، لعلها تجد فيهم آذاناً صاغية، وقلوباً واعية.
يا عشاق الكرة! نحن لسنا ضد الكرة في كل الأحوال، ولسنا ضد الرياضة في كل الأحوال، ولسنا ضد الشباب.
يا عشاق الكرة! نحن ضد الكرة عندما تكون سبباً في ضياع الأوقات، وضياع الفتيان والفتيات، هل سألتم أنفسكم كم سيستمر موسم الكرة؟ وهل سألتم أنفسكم مع أي حدث آخر يتوافق هذا الحدث؟ هل سألتم أنفسكم كيف سيكون حال أبناءنا وبناتنا في الامتحانات؟ هل سيتابعون الكرة أم يتابعون الأسئلة؟.
يا عشاق الكرة! إن الكرة التي تعشقونها من أهم الأسباب إضاعة للوقت، فأنتم تستعدون لمتابعة المباراة أكثر مما تستعدون للصلاة، أو لطلب العلم، أو للعمل، أو لقضاء الحاجات؛ وتسهرون الليالي لانتظار مباراة تقام بعد منتصف الليل أو قبيل الفجر؟.
يا عشاق الكرة! أتوجه إليكم بهذا السؤال: كم من الوقت بقي على امتحانات الطلبة في المدارس والجامعات؟ شهر؟ شهران؟ ثلاثة شهور؟ لا، لم يبق من الوقت شيء، فأول مباراة تذاع الليلة، وأول الامتحانات يبدأ غداً! كيف يكون حال الطالب غداً في الامتحان، والليلة أمامه مباراة هامة؟!.
يترك الكتاب، يترك القرآن والتربية الإسلامية، ويجلس أمام الصنم، التلفزيون، ويظل عاكفاً أمامه، وأعصابه مشدودة، ووجهه مكفهر، وانفعالات الغضب بادية، يا للهول! إنه شيء ينسي الإنسان دينه وقرآنه، بل وينسيه كيمياءه وفيزياءه ورياضياته! وقد ينسيه اسمه!.
يا عشاق الكرة! إنني سائلكم سؤالاً آخر: كلكم أو أكثركم عنده تلاميذ، فهل يستطيع أحدكم أن يمنع ابنه من أن يتابع المباريات؟ إذا منعته بالقوة، لا تستطيع ذلك، إذا شددت عليه، سيكذب عليك ويقول لك: إنني متوجه بكتبي لأذاكر مع فلان، ويعلم الله أنه لا فلان ولا علان! إنما هي الكرة، لعنة الله على الكرة.
يا عشاق الكرة! نحن ضد الكرة عندما تكون سبباً في إهدار المال، على المستويين العام والخاص؛ أما على المستوى العام فهناك استنزاف لمال الأمة من أجل الكرة، فإلى اليوم بلغ إجمالي ما صرف على مستوى الدول العربية فقط لشراء حقوق النقل من خلال القنوات الأرضية (ستة وسبعين مليون دولار فقط) أي ما يكفي لشراء (كمية ضخمة جدا من) بندقيات الكلاشنكوف للمجاهدين في فلسطين، أو ما يكفي لإعالة (عدد ضخم جدا) من أسر الشهداء في فلسطين!.
أو ما يكفي لبناء (أعداد ضخمة من المنازل) للمشردين الذين أصبحوا بلا مأوى في فلسطين، هذا من غير الأموال التي تنفق لبناء المدرجات العملاقة، والملاعب الفارهة، التي تبلغ في بعض الدول الخليجية مئات الملايين من الدولارات، لو وجه نصفها لدعم الانتفاضة في فلسطين، لما بقي يهودي واحد على أرض الإسراء والمعراج؛ ولكنها المأساة والمهزلة.
أُمَّتِي هَلْ لَكِ بَيْنَ الأُمَمِ *** مِنْبَرٌ للسَّيْفِ أَوْ لِلْقَلَمِ
أتَلَقَّاكِ وَطَرفِي مُطْرِقٌ *** خَجَلاً مِن أمْسِكِ المنصَرِم
أُمَّتِي كم غُصَّةٍ دَامِيَةٍ *** خَنَقَتْ نَجْوَى عُلاكِ فِي فَمِي
أيْنَ دُنياكِ الَّتِي أوحَتْ إِلى *** وَتَرِى كُلَّ يتيمِ النَّغَمِ؟
كَمْ تَخَطَّيْتُ عَلَى أَصْدائِهِ *** مَلْعَبَ العِزِّ ومَغْنَى الشَّمَمِ
وتَهَادَيْتُ كأنِّي سَاحِبٌ *** مِئزَرِي فَوْقَ جِباهِ الأَنْجُمِ
أُمَّتِي كَمْ غُصَّةٍ دَاِميَةٍ *** خَنَقَتْ نجْوَى عُلاكِ في فَمِي
أما في دولة نامية فقيرة كاليمن، تسعة أعشار سكانها تحت خط الفقر، في دولة القائمون على أموالها لصوص، فقد أنفقت لبناء صالة الألعاب المغلقة ما يزيد على الملياري ريال! واشْتُرِيَتْ حقوقُ البث لنقل مباريات كأس العالم على القناة الأرضية في عدن فقط (بمليون دولار)، أي ما يساوي (مائة وخمسة وسبعين مليون ريال)! فقراء اليمن أحوج ما يكونون إليها، أفلا يجعلنا هذا البذخ ضد الكرة، عندما ترى شعباً بأكمله يموت جوعاً، ومرضاً، وعرياً؛ واللصوص ينفقون أموال الأمة من أجل الكرة؟ ألا يحرك ذلك فيك مشاعر الغضب؟.
لو أنفقت هذه الأموال على فقراء اليمن لما رأينا في الشوارع ولا الجولات ولا المساجد متسولاً واحداً!
لو أنفق المليون دولار على أولئك المساكين (الباعة المتجولين) أصحاب "العربيات"، اللذين لم تجد البلدية لها شغلاً إلا ملاحقتهم ومصادرة أموالهم، لو أُنفق المليون دولار لبناء دكاكين لهؤلاء لكان أنفع من إنفاقها على الكرة.
أما على المستوى الخاص فقد تعجبون عندما أسوق لكم هذه المشاهدات الغريبة: شاب باع ذهب زوجته، وآخر باع ثلاجته، وثالث استدان من صاحبه، ورابع تقدم بطلب سلفة من جهة عمله، وخامس أنفق راتبه كاملاً ولم يُبْق لبيته أو عياله منه شيئاً، أتدرون لماذا؟.
هل فعلوا ذلك من أجل علاج مريض؟ هل فعلوا ذلك من أجل دعم الجهاد في فلسطين؟ هل فعلوا ذلك من أجل الإنفاق على المساكين؟ لا! إذن، فلم فعلوا ذلك، قد تعجبون إذا أخبرتكم أنهم فعلوا ذلك من أجل الكرة! من أجل شراء "الدشات" والاشتراك في القنوات المشفرة التي تحتكر بث المباريات! وقد تزدادون عجباً حينما أخبركم أن هؤلاء جميعاً من رواد المساجد -للأسف الشديد!-.
يا عشاق الكرة! نحن ضد الكرة عندما تكون سبباً في الشحناء والبغضاء وزرع الأحقاد، وخراب البيوت، وهدم الأسر؛ الكرة سببت مشاكل بين الإخوة، الكرة سببت مشاكل بين الرجل وزوجته وأولاده، فالزوجة الصالحة تشجع المنتخب الفرنسي، والزوج الغافل يشجع الإيطالي، والابن يشجع الإنجليزي، وإذا ما خسر فريق من هذه الفرق يصبح البيت في جو مشحون بالألغام المتفجرة، قد يؤدي انفجار أحدها إلى الطلاق بين الزوجين؛ وكم سمعنا عن حالات طلاق بسبب الكرة! بل إن الكرة سببت النزاعات بين الدول، وكم من الأزمات الدبلوماسية حدثت بسبب الكرة!.
إِلامَ الخُلْفُ بَينكُمُو إلاما؟ *** وَهَذِي الضجَّةُ الكُبْرَى عَلامَا؟
وَفِيمَ يَكِيدُ بعضُكُمُ لِبَعْضٍ *** وَتُبْدُونَ العَدَاوةَ والخِصَـامَا
وَأَيْنَ ذَهَبْتُمُو بِالحقِّ لَمَّا *** ركِبْتُمْ فِي قَضِيَّتِهِ الظَّلامَـا
يا عشاق الكرة! نحن ضد الكرة عندما تتحول مبارياتها إلى مراهنات، عندما تدفع بعض المسلمين إلى ممارسة الميسر، الميسر الذي حرمه المولى جل جلاله في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة:90-91]، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة:219]، فمن أجل الكرة تقوم بين بعض المسلمين رهانات، البعض من المراهنين قد يدفع قُوتَه وقوت عياله، والبعض الآخر قد يراهن بطلاق زوجته، والبعض قد يراهن بسيارته، بل قد يصل الأمر بأن يراهن البعض بحياته، نعم بحياته! وهل الكرة تساوي حياة إنسان؟!.
مصريان راهنا بحياتهما على فوز المنتخب المصري في عام 90 ولما خسر المنتخب انتحرا! انتحرا إلى جهنم وبئس المصير، إنها المهزلة! إنه البعد عن الله! فمتى نفيق؟ فمتى نفيق يا عشاق الكرة؟.
يا عشاق الكرة! نحن ضد الكرة عندما يتحول الإعجاب بلاعبيها إلى هوس وجنون، إذا سألت الشاب من قدوتك؟ من أسوتك؟ فسيجيب على الفور: اللاعب فلان، أو الهداف علان، أو المهاجم فلتان، أسماء ما أنزل الله بها من سلطان؛ إذا حلق اللاعب شعره يحلقون، وإذا لبس يلبسون، وإذا خلع ملابسه يخلعون، نسي شباب المسلمين القدوة الأولى، والأسوة الكبرى محمداً -صلى الله عليه وسلم-.
يا شباب المسلمين: الله تعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21]، لم يقل: لقد كان لكم في اللاعب فلان أسوة حسنة، بل قال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة!.
أيها المؤمنون الأعزاء: لكي تعرفوا حجم المأساة أنقل إلى حضراتكم هذا المشهد المأساوي الذي حدث معي: ركبت الطائرة قبل أيام متوجها إلى دولة خليجية، ولما أخذت مجلسي عليها جلس بجواري شاب في ريعان الشباب،لم تعجبني هيئته، ولا تعجب أحداً من المسلمين.
كان يضع على عينيه نظارة سوداء معتمة؛ لأنه يعيش في الظلام، ولا يحب أن يرى النور، ويلبس بنطلوناً ضيقاً من الجينز الأمريكي، يكاد البنطلون من شدة ضيقه يقول خذوني، ويلبس فانيلة سوداء بلون نظارته بدون أكمام، أما شعر رأسه فلا أدري كيف فعل به، على هيئة جزر ووديان وسواقي، تشويه لخلق الله، وله لحية شفافة رقيقة أدق من خيط إبرة الخياط، ولم أدر والله ما الداعي لبقائها! ويلبس حذاءاً ضخماً -أعزكم الله- قد يصل وزنه إلى عشرة أرطال!.
ليس هذا فحسب؛ بل ويضع على صدره سلسلة من الذهب الخالص شبيهة بتلك التي في معصم يده اليمنى، والداهية الدهماء أنه خرق أذنه اليسرى ليضع فيها حلقة ذهبية، يا للمأساة! يا للمهزلة! يا لضياع الشباب! مَن المسؤول عن ضياع هؤلاء الشباب؟ من المسؤول أمام الله تعالى عن ضياع هؤلاء؟.
نظرت إلى هذا الشاب المسخ متأملاً متعجباً متحسراً، وبادرته بالسؤال قائلاً: هل أنت خليجي؟ فأجاب بالنفي قائلاً: بل أنا يمني، من بيت فلان! أسرة عريقة من الأسر المشهورة في اليمن؛ قلت له: ولماذا أنت مسافر؟ هل أنت مغترب؟ قال: لا، بل إنني ذاهب للفسحة؛ الفسحة! شاب في ريعان الشباب يذهب للفسحة! أين أبوه؟ وأين أسرته؟ ألم يعد أبوه مسؤولاً عنه؟ يا الله! يا الله! يا الله!.
ثم سألته: لماذا تضع هذه الحلقة على أذنك؟ قال: تقليداً للاعب الهولندي...، لم أعد أذكر اسمه لأنها أسماء عجيبة وغريبة، لا أدري كيف استطاع شباب الإسلام أن يحفظوها؟ ولم يستطيعوا حفظ سورة الإخلاص!.
وهنا بادرني الشاب بالسؤال ليرد الصاع صاعين: وأنت لماذا تضع خاتما في يدك اليمنى؟ فأجبته بكل فخر وبكل اعتزاز وبكل كبرياء: تيمُّنَاً بحبيبي وقرة عيني وأسوتي وقدوتي! قال: مَن يكون؟ هل هو لاعب مشهور؟ أم فنان معلوم؟ أم ممثل مشهور؟ قلت له: بل هو سيد الخلق، وحبيب الحق، محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ولما بدأت تذكيره بالله، غط في نوم عميق كأن في أذنيه وقراً! فلا حول ولا قوة إلا بالله! لا حول ولا قوة إلا بالله! لا حول ولا قوة إلا بالله!.
سَفلَتْ نفوسُهُمُ إلى الأقْــــذَار *** ثَمِلوا بسَورةِ أكؤُسِ الأشــْـرارِ
أغرتـْـهُمُ الدنيا بِزَيْفِ زخارفٍ *** منسوجةٍ بأنامــــــلِ الكفَّار
وتتبَّـعوا فيها عَقِيـــرَةَ ناعِقٍ *** يدعوهمُ لمداركِ الأنْـــــيَار
فتهافتُوا فيها بِغَــــيْرِ تريُّثٍ *** فِعْلَ الفراشِ على لهيـــبِ النَّار
يا ويــحَ أمَّتِنا التي رغْم الأسَى *** لمـــَّا تَزَلْ تسْعَى بكـُــــلِّ سُعار
تهفُو إلي تقبيلِ كَفِّ مـُــنَافِقٍ *** قد سامــَــها سوءاً وكلَّ شَنَار
أنيَّ لها النصْرُ المبـــينُ وَقَومُها *** زجُّوا بها في لُجــــةَّ الإعصار
أغراهُمُ الغربٌ الدنـــيءُ بحفنةٍ *** مِن ماله جَـــــهْراً بلا إسرار
ما ذاك إلاَّ أنَّ قومي جانـــــبوا *** سبْلَ السٌّـــموِّ إلى ذُرَى الأطهار
تاهت سفينَتُــــنا وعَزَّ مُصابُنا *** بعدَتْ مَراسِيــــنا على البحَّاَر
كلأً مُبــَــــاحاً صّيروا إسلامَنا *** وَرمَوْهُ في رَجْـــــعِيَّةٍ وإسَار
يا ألف مليونٍ يؤرَّق ليـــــلهَم *** صوتُ الهوى وتمايـــُلُ الفجًّار
هذي كِلابُ الغَرْبِ ليس يَضِـيرُها *** أنْ تضرِبَ المليارَ بالمــــليار
قولوا لهم إنَّا نُعزُّ بربنـــــا *** وحياتُنـــا بشريعةِ القهـَّـــار
هذا الكتابُ وتلك شِرْعَـــةُ أحْمَدٍ *** فَمَتى نسِيرُ على خُــطَى المختارِ؟!
يا عشاق الكرة! لكل هذا نحن ضد الكرة، فاتقوا الله، وعودوا إلى الله.
التعليقات