عناصر الخطبة
1/ظاهرة التدخين 2/ مصيبة استباحة التدخين 3/موقف المؤمن والمنافق من نصوص الكتاب والسنة 4/بعض الأدلة العقلية على تحريم الدخان 5/ بعض النقلية على تحريم الدخاناهداف الخطبة
اقتباس
قدمته؛ لأنه بلغني أن بعض المسلمين أصبح يشك في حرمته، بل ويقيسه على ما أباحه الله، ويطلب الدليل الذي ينص على حرمته، وما ذلك إلا لأن المجتمع تهاون في إنكاره، حتى عد بعض المدخنين النصح من أجل التدخين؛ عده من التدخل في الأمور الشخصية، وحتى ظن بعض...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماُ كثيراً إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
عباد الله: هذه الخطبة بعنوان: "رسالة إلى المدخنين".
ووالله ما طرقت هذا الموضوع إلا لأهميته، ومنذ زمن بعيد، وأنا أمني نفسي بالحديث عنه، ولكن أجد في كل جمعه طامة أو كارثة تؤخره إلى ما بعدها، وهكذا حتى جاء دور هذه الجمعة.
ولقد قدمته على عدد من المواضيع كلها بالغ الأهمية.
قدمته؛ لأنه بلغني أن بعض المسلمين أصبح يشك في حرمته، بل ويقيسه على ما أباحه الله، ويطلب الدليل الذي ينص على حرمته، وما ذلك إلا لأن المجتمع تهاون في إنكاره، حتى عد بعض المدخنين النصح من أجل التدخين؛ عده من التدخل في الأمور الشخصية، وحتى ظن بعض المدخنين أنه لا يعصي الله به.
وهذه كارثة ومصيبة أن يستبيح المسلم ما حرم الله عليه، فإن المعصية إذا عملها المسلم، وهو موقن أنها معصية، بقيت معصية، يأثم عليها، ويرجى له التوبة منها، لكن إذا ارتكب المسلم المعصية، ثم استباحها، وعدها من المباحات، كان إثمها أعظم، ويخشى عليه ألا يتوب منها، بل قد يصل بذلك إلى درجة النفاق، فإن المنافقين هم الذين يدفعون الأدلة ولا يقبلونها، وهم في الدرك الأسفل من النار -والعياذ بالله-.
لأنهم يدافعون عن المعصية وينصرونها؛ كما قال الله -تعالى-: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 48 - 52].
فمن أي الفريقين أخي تريد أن تكون؟ هل تريد أن تكون من المنافقين بسبب دفعك أدلة تحريم الدخان؟ أم تريد أن تكون من المفلحين الفائزين المستجيبين لله ولرسوله؟
وقبل أن أدخل في التفاصيل: ألفت انتباهك -أيها المسلم المدخن- إلى آيتين عظيمتين إياك أن تهملهما:
الأولى: قول الله -جل وعلا-: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
والثانية: قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36].
فالآية الأولى: تنفي الإيمان عمن لم يقبل حكم الله ورسوله، ومن ذلك حكم الحلال والحرام.
والثانية: تأمر المؤمن والمؤمنة بالاستسلام التام لنصوص الوحيين، ثم تبين ضلال من يعصي الله ورسوله، وتصفه بالضلال البين الواضح.
هذه مقدمة عامة، أرجو أن يتأملها المدخنون خاصة، والمؤمنون عامة، فإن المؤمن إذا بلغته الفتوى من علماء الأمة قبلها، سواء وافقت هواه أو خالفته، أما المنافق فمهمته دفع الأدلة، والتشكيك فيها، ومحاولة الخروج عنها.
فالحذر الحذر من دفع الأدلة، فإن مردنا إلى الله جميعا، وعند الله تجتمع الخصوم.
عباد الله: أما الأدلة على حرمة التدخين، فأكثر من أن تحصر في خطبة جمعة، ولعلي أن أقسمها إلى قسمين: أدلة عقلية، وأدلة نقلية.
فأما الأدلة العقلية، فأولها -أيها المدخن-: ما رأيك لو رأيت شخصاً يحرق مبلغاً من المال، بماذا تحكم عليه؟ وهذا في يوم واحد، فبماذا ستحكم عليه لو رأيته يحرقه كل يوم؟ ألا ترثى لحاله، وتحمد الله على نعمة العقل؟
فلذلك، فأذن لي: أن أكون لك من الناصحين، وأذن لي أن أقول لك: أنك قد شاركت هذا المجنون في فعله، فكيف ترضى أن تكون عاقلا وفيك شيء من تصرف المجانين؟
اعلم -يا هداك لله- أن هذه نظرة العقلاء لك ينظرون إليك، ويتألمون لحالك، فأنقذ نفسك من نظرة المجتمع إليك.
ثانيا: لو سألنا جميع المدخنين وليس غيرهم: هل الدخان من الطيبات أم من الخبائث؟ لوجدناهم مجموعون على أنه من الخبائث، والله قد حرم الخبائث.
ثالثا: لو جمعنا أطباء العالم، وطلبنا منهم فائدة واحدة للتدخين؛ لوجدناهم مجمعين على أنه لا فائدة للتدخين، بل أضراره لا تحصى -والله-، أوصلوها تسعة وتسعين.
رابعا: وأنت أيها المدخن من العقلاء ومن المطلعين، وقد تكون من المتعلمين والمثقفين، ما رأيك لو جاء شخص فبصق أمامك على الأرض، ألا يعد هذا من الأذى المنهي عنه شرعاً، وهو على الأرض فقط، فما قولك وأنت تنفث التدخين، وقد تشبع بثاني أكسيد الكربون، ثم ينتشر في الهواء ليستقر بعد ذلك في رئتي من تجالسه، أو يمر بالقرب منك؟ فأيهما أعظم خطأ؟ وأيهما أعظم جرأة؟ وتعدٍ على الحريات، هذا الذي بصق على الأرض؟ أم هذا الذي استقر دخانه داخل الرئيتين؟
خامساً: هل الدخان مصدر للحسنات؟ أم مصدر للسيئات؟ فمن عمل حسنة كتبت له حسنة، بل تكتب له عشر حسنات، ومن عمل سيئة كتبت عليه سيئة واحدة، فأي الملكين يا ترى يبادر بكتابة تلك السيجارة التي أشعلتها؟
سادسا: هل الدخان يعين صاحبه على الطاعة أم على المعصية؟
أرجو أن تكون من العقلاء الذي يقولون: أن الدخان بوابة لكل شر.
سابعا: هل التدخين من صفات الناجحين اللامعين؟ أم أنه من صفات العابدين؟
وحتى أبين لك هذه المسألة، فلو تقدم أحد لخطبة قريبتك لو كان لك قريبة تقدم أحد لخطبتها، ثم وصف لك بأنه من المحافظين على الصلاة، لكنه يدخن، وتقدم آخر فوصف أنه يحافظ على الصلاة فقط، فأيهما تقدم صاحب الصفة الواحدة أم الصفتين؟
لا شك أن الإجابة معلومة؛ لأنك تتساءل طالما أنه تجرأ على التدخين، فما الذي يدريني أن يكون وراءه شيء أعظم منه؟!.
عباد الله: وقد بلغني أن بعض الإخوة -هداهم الله- يقيسون الدخان على بعض الطيبات، وهذا قياس باطل؛ لأنه مثل من قال: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) [البقرة: 275]، ومثله قياس الزنا على الزواج، فلا ينبغي للمؤمن أن يقيس بهذه الطريقة؛ لأنه يقيس الحرام على الحلال، وهذا قياس أصحابه أصحاب هوى، ويخشى عليهم -والله- من هذا القياس.
ولعلنا نزيد صاحب هذا القياس من الأدلة العقلية، فنقول له: هل رأيت مدخناً ذكر اسم الله عند إشعال سيجارته، أو رأيت مدخناً يحمد الله بعدها؟ وأظنكم لو رأيتم أحداً يفعل هذا لسخرتم منه، وحق لكم أن تسخروا.
ومن الأدلة العقلية على تحريم التدخين، والتي تمنع قياسه على الطيبات: أن العاقل لا يمكن أن يأكل في دورات المياة، لكننا نجد المدخن قد يشعل سيجارته وهو على كرسي قضاء الحاجة.
ومن الأدلة: لو بقي شيء من الطعام أين يضعه المسلم؟ بل أين يضعه العقلاء؟ ولو بقي شيء من التدخين أين يضعه المدخن خصوصاً لو كان يمشي في الطريق، أو لم يجد طفاية يضع فيها ما بقي من سيجارته: ألا ترون المدخن يدون ما بقي من سيجارته برأس نعله؟ فهل بقي لك بعد هذا أن تقيسه على الطيبات مما أباحه الله؟!
لا إله إلا الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين، فرض طاعته على المؤمنين، ووعد بجنته المتقين، وتوعد بعقابه المعرضين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، إمام المهتدين، وقدوة الصالحين، وإمام الغر المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: أما الأدلة الشرعية على حرمة التدخين، فكثيرة جداً، وأنا أسوقها هنا لمجرد التذكير، عملاً بكلام الله -جل وعلا-: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55].
وإلا فإنني أعلم أنكم أكثر دراية بها مني، حتى المدخنين -هداهم الله- يعرفونها تمام المعرفة.
ومن أولها: وصفه تعالى لنبيه أنه يحل لعباده الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، كما في قوله سبحانه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) [الأعراف: 157].
وقد ثبت معنا من الأدلة العقلية: أن الدخان من الخبائث بشهادة المدخنين، وهنا دليل عقلي آخر، فلو سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو سئل عن الدخان؟ هل هو من الطيبات أم من الخبائث؟ يا ترى من أي الصنفين سيضعك وهو من حبب إليه الطيب -صلى الله عليه وسلم-؟
ثانيا: من الأدلة الشرعية: قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29].
وأظنكم على إطلاع بإحصائيات الوفيات بسبب الدخان.
ثالثا: قوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195].
رابعا: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 58].
لا إله إلا الله! هذه الآية لا يسلم من وعيدها أحد أبداً؛ لأن المدخن يؤذي كل من تعامل معه، أو جالسه، أو مر بالقرب منه، وأعظم المكتوين بنار المدخن، هم أهل بيته، فكم رأينا من المدخنين يمسك بإحدى يديه طفل دون الرابعة، أو أكثر منها، وفي الأخرى سيجارة مشتعلة.
وكم رأينا من الأسر البريئة تركب بجوار أب مدخن لم يراع مصلحتها، أو يحترم حقها في استنشاق الهواء النقي، فتراه جالساً خلف مقود سيارته، وحوله زوجته المحتشمة وأطفاله الأبرياء، وقد همش مصلحتهم، ولم يبق سوى مصلحته هو، وقد يكون الجو في أقصى درجات الحرارة، وقد تكون السيارة متواضعة، وهذا الغالب في أحوال المدخنين: أن حالهم أسوأ أحوال المجتمع، فيكون المكيف غير شغال؟
فو الله لو لم يكن فيه من الأدلة على تحريم الدخان إلا هذه الآية لكانت كافية: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 58]
أما أدلة السنة: أولها: عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتر" [رواه أحمد].
والدخان مفتر باتفاق الأطباء، وقولهم حجة باتفاق الفقهاء.
الثاني من أدلة السنة: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الروائح الكريهة؛ كأكل الثوم والبصل، وهن أقل ضرراً، وأسهل رائحة من التدخين، وفيهما شيء من الفوائد، والحديث في الصحيحين.
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" [متفق عليه].
الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "من آذى مسلِمًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللَّهَ -عزَّ وجلَّ-" [رواه الطبرني في الأوسط].
فهذه عشرون دليلاً ما بين أدلة عقلية، وأدلة نقلية، وقد تركت أكثر مما ذكرت؛ لأنني لست في مقام الانتصار لأقوال أهل العلم في التدخين، وإنما أنا في مقام التذكير للمؤمنين، ولذلك لم أتطرق لأضراره؛ لأنه قد بينه من صنعه، وقد نبهت عليه الشركات التي صنعت، فما من علبة سيجارة إلا ومكتوب عليها: "التدخين يضر بصحتك ننصحك بالابتعاد عنه" هم الذين صنعوه!.
وقد قال أحد المشايخ: "ما من صنعة إلا ولها دعاية تعين على بيعها إلا الدخان الدعاية ضده".
وقال: "وما من سلعة إلا ولها تاريخ بداية ونهاية إلا الدخان منذ صنعوه"، ومع هذا نتهافت على التدخين؟ هذه بالنسبة للمدخنين.
أما الذين يبيعون الدخان، فهم -وربي- أعظم جرماً، وأشد إثماً، أي نعم أباح الله لك الحلال تبيعه في بقالتك وفي سوقك؟
أكتفي بهذا، ففيه بركة، وفيه خيرا لك، ولا تعين أصحاب المعاصي على المعصية، فوالله إنك شريكه.
لأن المدخن عليه إثم السيجارة التي دخنها.
أما البائع، فعليه إثم كل سيجارة باعها؛ لحديث: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل إثم من تبعها لا ينقص ذلك من آثامهم شيء" [والحديث عند مسلم].
ألا -فيا معشر من له صلة بالدخان- أنقذ نفسك من سخط الله، قبل القدوم عليه، فوالله لو بلغك أن موتك اليوم لكان الدخان من أول ما تتبرأ منه إن كنت مؤمناً، فتذكر قول الله -تعالى-: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82].
وإن كنت ولا بد ماضياً على وجهتك، ومصراً على خطيئتك، فإياك أن تؤذي أحداً بإدخال نفسك إلى جوه.
واتقوا الله في أهل بيوتكم أيها المدخنون، اتقوا الله في أهل بيوتكم أيها المدخنون، اتقوا الله في أهل بيوتكم أيها المدخنون، فوالله لو شم أحدكم من زوجته رائحة كريهة لزجرها، ولعنف عليها، وهو يأتيها بأذبل رائحة، وأسوأ منظر.
نعم، فإن الدخان لا يكتفي بكريه الرائحة، وإنما يتعداها إلى المنظر، فيغير منظر العينين، ومنظر الشفتين، ومنظر الخدين، ومنظر الأسنان، وسائر المناظر الحسنة في الجسد، حتى يصل إلى الرئتين، فتكون نهاية المطاف للمدخن.
فإياكم والتدخين أمام الناس، وأولهم أهل بيوتكم، فإن الإثم يكون أعظم.
أسأل الله -جل في علاه- أن يمن علينا وعليكم بطاعته، وأن يعصمنا وإياكم من معصيته؛ إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
صلوا وسلموا على ما أمركم بالصلاة عليه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض الله عن الأربعة الخلفاء؛ الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، أجمعين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
التعليقات