رسائل مهمة الأولى العناية ببيت الله الحرام وقاصديه

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2024-06-06 - 1445/11/29
عناصر الخطبة
1/من خصائص جزيرة العرب 2/من فضائل مكة والمدينة 3/اهتمام المملكة وعنايتها بالحرمين الشريفين 4/من التسهيلات التي تقدم للحجاج والمعتمرين

اقتباس

واعْلَمُوا أَنَّ الله -تعالى- وفق ولاة أمر هذه البلاد لشرف خدمة الحرمين الشريفين، ولمزيد عنايتهم بذلك، وضعوا برنامجًا خاصًا لخدمة ضيوف الرحمن ضمن أهدافهم الكبرى؛ لتطوير هذه البلاد يخضع للمراجعة والتقييم، ويتمثل دور البرنامج في...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله الذي جعل جزيرة العرب من خير البلدان، وخصها بوجود الحرمين الشريفين الذي يأرز الإسلام بينهما كما تأرز الحية إلى جحرها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعطى فأجزل ومنح وتفضل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سمى قاصدي بيته الحرام بضيوف الرحمن، وجعل إكرام الضيف من خصال الإيمان، أدى الرسالةَ ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَ جهادِه حتى أتاه اليقين، بعد أن أتم الله به الدين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

 

أيها الإخوة: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ؛ فهي وصيته للأولين والآخرين، فقد قال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131]، واعلموا أنَّ الله -تعالى- كرم جزيرة العرب وخصها بخصاص كثيرة لم تكن لغيرها من البلدان، ومعلوم أن المملكة العربية السعودية تشغل معظم الجزيرة، وتميزت بعدم وجود أوثان أو أضرحة أو كنائس أو بيع وغيرها من معابد، ومصداق هذا التميز أن الشيطان أَيِسَ أن يعبد فيها، فَعَنْ جَابِرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ ‌فِي ‌جَزِيرَةِ ‌الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ"(رواه مسلم)، وَمَعْنَى "في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ" أي: أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَهْلُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ وَنَحْوِهَا.

 

ومن خصائصها: أن الإسلام يأرز إليها، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا ‌تَأْرِزُ ‌الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا"، "يَأْرِزُ" أي: ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض فيها، والْمَسْجِدَيْنِ المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة.

 

لذلك تميزت هذه البلاد بأن جوهر قِيَمِها مبادئ الإسلام وتعاليمه، وهذه المبادئ العظيمة هي مرجعية هذه البلاد في أنظمتها وأعمالها وتوجهاتها، ورسخت وعززت هذه القيم من منطلق أنها عمق العالمين العربي والإسلامي، ومصدر إشعاع للعالم الإسلامي.

 

أيها الإخوة: ومن نعم الله -تعالى- العظمى على هذه البلاد أن جعل فيها مكة، واختارها الله -جل وعلا- قبلة للمسلمين في العالم كله، يستقبلونها في صلاتهم فرضها ونفلها، ويركعون ويسجدون إلى جهاتها خمس مرات في يومهم وليلتهم، قال الله -تعالى-: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ‌شَطْرَهُ)[البقرة:144].

 

ومكةُ مقصدٌ تهفوا إليه قلوبُ وأفئدةُ المؤمنين ببركة دعاء أبينا إبراهيم -عليه السلام-، قال الله -تعالى- على لسانه: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ ‌أَفْئِدَةً ‌مِنَ ‌النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)[إبراهيم: 37]؛ قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أَسْكَنَ إبراهيمُ -عليه السلام- في مكةَ ابنَه إسماعيلَ وذريتَهُ.. وقوله: (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)؛ أي: لأن أرض مكة لا تصلح للزراعة.. قوله: (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ)؛ أي: اجعلهم موحدين مقيمين الصلاة؛ لأن إقامة الصلاة من أخص وأفضل العبادات الدينية، فمن أقامها كان مقيمًا لدينه، (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ ‌تَهْوِي ‌إِلَيْهِمْ)؛ أي: تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه.. فأجاب الله دعاءه فأخرج من ذرية إسماعيل محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، حتى دعا ذريته إلى الدين الإسلامي وإلى ملة أبيهم إبراهيم؛ فاستجابوا له وصاروا مقيمي الصلاة".

 

وافترض الله حج هذا البيت الذي أَسْكَنَ به ذُريَة إبراهيمَ، وجعل فيه سرًا عجيبًا جاذبًا للقلوب، فهي تحجه ولا تقضي منه وطرًا على الدوام، بل كلما أكثر العبدُ الترددَ إليه ازداد شوقُه وعَظُمَ وَلَعُهُ وَتَوْقُهُ، وهذا سرُ إضافته -تعالى- إلى نفسه المقدسة؛ (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) فأجاب الله دعاءه، فصار يُجْبَى إليه ثمراتُ كلُ شيء، فإنك ترى مكة المشرفة كل وقتٍ والثمار فيها متوفرة والأرزاق تتوالى إليها من كل جانب.. وقال الله -تعالى-: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ‌ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[القصص: 57].

 

وبعد بعثة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهجرته للمدينة شرف الله المدينة بساكنها وجعلها -صلى الله عليه وسلم- حرمًا؛ فَعَنْ عَلِيٍّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "‌الْمَدِينَةُ ‌حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ"(رواه مسلم)، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي ‌حَرَّمْتُ ‌الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ"(رواه مسلم). 

 

وحماهما الله من دخول الدجال؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، ‌إِلَّا ‌مَكَّةَ ‌وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ؛ فَيُخْرِجُ اللهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ"(رواه البخاري ومسلم).

 

اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واجعلنا هداة مهتدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الـمُؤيَدُ بِبُرهَانِـهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً، أَمَا بَعْدُ:

 

أَيُهَا الإِخْوَةَ: اتَقُوا اللهَ حَقَ التَقْوَى، واعْلَمُوا أَنَّ الله -تعالى- وفق ولاة أمر هذه البلاد لشرف خدمة الحرمين الشريفين، ولمزيد عنايتهم بذلك، وضعوا برنامجًا خاصًا لخدمة ضيوف الرحمن ضمن أهدافهم الكبرى؛ لتطوير هذه البلاد يخضع للمراجعة والتقييم، ويتمثل دور البرنامج في إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة على أكمل وجه، من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة لقاصديها، وإتاحة أفضل الخدمات قبل وأثناء وبعد زيارتهم لمكة والمدينة والمشاعر المقدسة، وأفردت وزارة خاصة للحج والعمرة، وخصصت هيئات لتطوير الحرمين وتحسينهما وللعناية بتوعية قاصديها في أمور دينهم وضبط مناسكهم.

 

أيها الإخوة: وبحمد الله -تعالى- وتوفيقه تضاعفت أعداد المعتمرين في العام الماضي عن الأعوام السابقة، وتقاطرت وسائل نقلهم إلى البقاع الطاهرة من داخل المملكة وخارجها، وتحققت أمنيات كثير من المسلمين في جميع بقاع الأرض بزيارة بيت الله الحرام، ومهاجر رسوله -عليه الصلاة والسلام- طيبة الطيبة، ونعموا بصلاة فيهما؛ فسُقِيت قلوب عطشى، ونعمت نفوس لهفى بزيارتها، فكم من دعوات هنالك رفعت، ودموع في رحاب بيته الحرام ومسجد رسوله سكبت، وحاجات للمولى سُئلت.

 

وبادر كثير من المتطوعين بخدمة الحجاج والعمار في جميع المجالات، سواء في مجال الدعوة والفتوى، أو في مجال الخدمات الطبية، وإطعام الطعام، وتفطير الصوام، وسقي ماء زمزم، والتوعية والإرشاد، فأصبحت مكة والمدينة خلية عمل تطوعي لا يفتر بلا مَنٍ ولا أذى.

 

أسأل الله -تعالى- أن يتم للحاجين حجهم، ويجزي من هيأ ويسر لهم سبل مناسكهم كل خير.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life