عناصر الخطبة
1/ أهمية التأمل في مخلوقات الله وآياته الكونية 2/ أمثلة من التدبر في خلق الله 3/ آيات كمال الله وعظمته في خلقه 4/ عظمة الله تتجلى في خلقه.اهداف الخطبة
اقتباس
الكونُ كتابٌ مفتوحٌ يُقرأُ بكل لغة.. ويُدركُ بكلِ وسيلةٌ.. يطالعُه ساكنُ الخيمة، وساكن الكوخ، وساكن القصر.. كلٌ يطالعه فيجدُ فيه زاداً من الحق إن أراد التطلع إلى الحق.. إنه كتابٌ قائمٌ مفتوحٌ في كل زمان ومكان.. تبصرةً وذكرى لكل عبدٍ خاضعٍ منيبٍ.. يأخذك هذا الكتابُ إن تأمَّلتَه في جولاتٍ وجولات.. فترتادُ آفاق السماء، وتجولُ في جنبات الأرض والأحياء.. يقفُ بك عند زهراتِ الحقولِ، ويصعد بك إلى مدارات الكواكب والنجوم.. يفتح بصرك وبصيرَتَك.. قد وُضع كل شيءٍ في موضعٍ مناسب.. وخلق بمقدار مناسب.. يُريك عظمة الله.. وقدرةَ الله.. وتقديره في المخلوقات.. ثم يكشفُ لك أسرارَ الخلقِ والتكوين.. ويهديكَ إلى الحكمةِ من الخلقِ والتصوير...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الحق المبين أبان لعباده من آياته ما به عبرة للمعتبرين وهداية للمهتدين وحجة على المعاندين الملحدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، بيده ملكوت السموات والأرض وله الحكم في الدنيا والآخرة وإليه ترجعون.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمامُ المتقين وخاتم النبيين بعثه الله -تعالى- رحمة للعالمين وقدوة للعاملين وحجة للمرسل إليهم أجمعين، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الإخوة: اتقوا الله واشكروه على ما أعطاكم من العقول التي تدركون بها ما ينفعكم وما يضركم، وتستدلون بها على ما أبان لكم من آياته الكونية الدالة على وحدانيته وكمال ربوبيته.. فالله -عز وجل- له في كل شيءٍ من مخلوقاته آيةٌ تدلُ على أنه إلهٌ واحدٌ لا إله غيرُه... وأنه ربٌ عظيمٌ ماجدٌ كاملُ العلم والقدرة.. كاملُ الرحمة والحكمة.. كاملُ العظمةِ والسلطانِ..
أيها الإخوة: هذه دعوة مني للنظر والتأمل في مخلوقات الله وآياته الكونية المشهودة. دعانا ربنا لها فقال الله -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190، 191] .
دعوة للتأمل في بديع صنع الله، وخلقه، وبيان ما في هذا الكون من إبداعٍ ينطق بعظمة الخالق -جل في علاه-، ووحدانيته في ربوبيته، وألوهيته وأسمائه وصفاته..
كيف والكونُ كتابٌ مفتوحٌ يُقرأُ بكل لغة.. ويُدركُ بكلِ وسيلةٌ.. يطالعُه ساكنُ الخيمة، وساكن الكوخ، وساكن القصر.. كلٌ يطالعه فيجدُ فيه زاداً من الحق إن أراد التطلع إلى الحق.. إنه كتابٌ قائمٌ مفتوحٌ في كل زمان ومكان.. تبصرةً وذكرى لكل عبدٍ خاضعٍ منيبٍ.. يأخذك هذا الكتابُ إن تأمَّلتَه في جولاتٍ وجولات.. فترتادُ آفاق السماء، وتجولُ في جنبات الأرض والأحياء..
يقفُ بك عند زهراتِ الحقولِ، ويصعد بك إلى مدارات الكواكب والنجوم.. يفتح بصرك وبصيرَتَك.. قد وُضع كل شيءٍ في موضعٍ مناسب.. وخلق بمقدار مناسب.. يُريك عظمة الله.. وقدرةَ الله.. وتقديره في المخلوقات.. ثم يكشفُ لك أسرارَ الخلقِ والتكوين.. ويهديكَ إلى الحكمةِ من الخلقِ والتصوير.. ثم يقرعُ الفؤادَ باستفهام يحمل التبكيت فيقول سبحانه مرة: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60] ويقول أخرى: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61].. ويقول في الثالثة: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62] ثم يقول بالتي بعدها نافياً أن يكون معه إله: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ -تعالى- اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 63] ثم يقول لهم مبكتاً لهم بتبكيت إثر تبكيت: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [النمل: 64].
أيها الأحبة: إن نظرتَ إلى هذا الكونِ بعين البصيرةِ طالعك بوحدانية الله في ربوبيته مستدلاً بها على وحدانيته في العبادة والألوهية..
السماء يغير عمدٍ ترونها.. من رفعها..!؟ وبالكواكب من زينها..؟ الجبال من نصبها.؟ الأرض من سطحها وذللها.. وقال فامشوا في مناكبها..
لله في الآفاقِ آياتٌ *** لعل أقلها هو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته*** عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرار إذا ***حاولت تفسيراً لها أعياك
قل للجنين يعيش معزولاً بلا *** راعٍ ومرعى ما الذي يرعاك
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة ما الذي أبكاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه*** فاسأله من ذا بالسمومِ حشاك
واسأله كيف تعيش يا ثعبانُ *** أو تحيى وهذا السم يملأ فاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت *** شهداً وقل للشهد من حلاّك
بل سائل اللبن المصفى كان بين*** دم وفرث ما الذي صَفَّاك
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا*** ميت فاسأله مَنْ أحياك
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى ***عن عيون الناس من أخفاك
واسأل شعاع الشمس يدنو *** وهو أبعد كلِ شيء ما الذي أدناك
قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غذاك
وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه*** فسله من بالماء شق صفاك
وإذا رأيت الليل يغشى داجياً *** فاسأله من يا ليل حاك دجاك
وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحياً *** فاسأله من يا صبح صاغ ضحاك
ستجيب ما في الكون من آياته*** عجباً عُجاباً لو ترى عيناكَ
ربي لك الحمد العظيم لذاتك*** حمداً وليس لواحدٍ إلَّاك
أيها الأحبة: الله نصب لخلقه دلالات، وأوضح لهم آيات بينات في الأنفس والأراضين والسماوات.. (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال: 42] (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات: 20 - 22]، (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) [النازعات: 27 - 29].
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47] أي بنيناها بقوة لا يماثلها قوة، وهو موسع أرجائها وأنحائها سبحانه، وقال سبحانه (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) [ق: 6].
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) [الملك: 3 - 5].
(وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 32]، ففي هذه السماء وفي جوها من آيات الله ما يبهر العقول فـ (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) [الفرقان: 61]. وغير هذه الآيات مما يدعو لتأمل في السماء.
أحبتي: تعالوا نقف على بعض ما توصل إليه علماء الفلك من أسرار هذه السماء: قالوا: البروج الصغيرة تتألف من عشرة ملايين نجم قد عُرفَ منها ما عُرف.. أما البروج العملاقة فقد وصل عدد نجومها المعروفة لنا إلى عشرة آلاف مليار نجم يرتبط بعضها ببعض في غاية الدقة والإحكام..
وقالوا: إن مجموعة النظام الشمسي تتألفُ من مائة مليار نجم، منها الشمس وتبدو هذه المجموعة كقرصٍ قطره تسعون ألف سنة ضوئية، وسمكه خمسةُ آلاف سنة ضوئية وتبلغ مسافة السنةِ الضوئية تسعة ترليون وأربعمائة وستون مليار وثمان مائة مليون كيلو متر.. ومع هذا البعد الشاسع فإن ضوء الشمس يصلنا في لحظات وكذلك نور القمر..
وهناك مجموعات تكبرها بعشرات المرات أحصي منها مائة مليار مجموعة تجري كلها في نظام دقيق بسرعة هائلة، كل في مساره الخاص دون اصطدام كل يجري لأجل مسمى. فسبحان من أبدعها...
أسأل الله أن يرزقنا البصيرة في ديننا إنه جواد كريم.. والحمد لله رب العالمين وصلى اله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
الخطبة الثانية:
وبعد أيها الإخوة: انظروا إلى الهواء يجري بين السماء والأرض، الطير فيه محلقة سابحة، يحركه الله بأمره فيجعله ريحاً رخاءً، وبشرى بين يدي رحمته.. أو يحركه فيجعله ريحاً عذاباً عاصفاً قاصفاً في البحر.. وعقيماً صرصراً في البر.. (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164].
وتتوزع الرياح على سطح الأرض في نظام محكم فتلقح الأزهار والسحاب. فتبارك من جعلها سائقة للسحاب تذره إلى حيث يشاء الله..
أخي الكريم: هل تأملت يوماً من الأيام سحاباً مظلماً قد اجتمع في جو صافٍ لا كدر فيه وهو لينٌ رخو حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض. حتى إذا أذن له خالقه أرسل الرياح تلقحه وتسوقه فينزل قطرة قطرة، لا تختلط قطرةٌ بأخرى، وتدرك قطرةٌ صاحبتها فتمتزج بها، بل كل واحة في طريق مرسوم لها، حتى تصيب الأرض التي عينت لها لا تتعداها إلى غيرها.. فهل تأملت ذلك؟! أحسبك تقول نعم، وتقول معها: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ -تعالى- اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 63].
وبعد: أيها الإخوة هذه إشارات عابرة أردت منها فتح أذهاننا وقلوبنا للتأمل في ملكوت الله الذي يقودنا إلى قوة الإيمان بالله –سبحانه-.. دعوت له لأن كثيرًا منا ترك التأمل ولم يتفطن له.. يمضي علينا الأسبوع وربما الشهر وربما السنة لم نقف مع النفس وقفة تأمل بملكوت الله.. وكأن عظيم هذا الصنع لا يعنينا وكأنه خلق وبين لغيرنا.. ففي التأمل زكاة للنفوس أيما تزكية وشحذٌ للإيمان عظيم: (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس: 83].
أسأل الله أن يرزقنا التأمل الذي يقود لمزيد الإيمان والطاعة والخشية.
التعليقات