خبَّاب بن مروان الحمد
قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله : «ولهذا كان الجهاد نوعين :
جهادٌ بِاليَدِ والسِّنَانِ ، وهذا المُشَارِكُ فيه كَثِيرٌ !
والثاني : الجِهَادُ بِالحُجَّةِ وَالبَيَانِ ، وهذا جِهَادُ الخاصَّةِ مِنْ أتْبَاعِ الرُّسُلِ وَهْوَ جِهَادُ الأَئِمَّةِ ، وَهْوَ أَفْضَلُ الجِهَادَيْن لِعِظَمِ مَنْفَعَتِهِ ، وَشِدَّةِ مُؤْنَتِهِ ، وَكَثْرَةِ أَعْدَائِهِ، قَال الله تعالى في «سُورة الفرقان» وهي مكية : ﴿ ولو شئنا لبعثنا في كلِّ قريةٍ نذيراً * فلا تُطِعِ الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً ﴾ . فهذا جِهَادٌ لهم بالقرآن وهو أكبرُ الجِهَادَيْن»[1].
ثمَّة ضرورة في واقعنا الدعوي المعاصر، وهي ضرورة التبشير والجهاد الدعوي في بثِّ هذا الدين بأرجاء المعمورة، فلقد باتت ذات أهميَّة كبرى في سبيل نصرة فكرتها، والاهتمام بنشر ثقافة التبشير بها، والتلويح بأهميتها القصوى بين حين وآخر، فالأمَّة الإسلامية اليوم بحاجة ماسَّة وأكيدة إلى دعاة ربانيين يحملون على أكتافهم وعواتقهم منهج الدعوة إلى الله بأسلوب حضاري، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، وفقه منهج السلف وفهم الواقع المعاصر؛ ببذل الجهد والغاية في نشر الدعوة إلى الله بين المسلمين والكافرين، في زمان خيَّم على كثير من أبنائه الجهل، وأطبق على كثير من بناته الغفلة والفراغ، فبات الشباب والفتيات يتسمَّرون على أجهزة الرائي (التلفاز) وشبكة المعلومات العنكبوتيَّة وهم في غفلة شديدة عمَّا يراد بهم ولهم وإليهم.
ولو بحثنا بحثاً مضنياً في دعاة الإسلام في هذا الزمان الذين يجمعون بين العلم الشرعي ولو نزراً يسيراً منه يعينهم في دعوتهم، مع أساليب الدعوة إلى الله وطرق النذارة والبشارة للناس؛ لخرجنا بنتيجة تقول: إنَّ هؤلاء الدعاة على وجودهم فإنَّهم أندر في الواقع من الكبريت الأحمر، فلو عددنا كميَّة الدعاة إلى الله في هذا الزمان ما بين مليار وثلث مليار، لعلمنا كم هي القلَّة القليلة من احتياجات الناس لوجود دعاة ربَّانيين بينهم!
بل إنَّ الفضائيات الإسلامية التي تقوم بدور رائد في نشر الدعوة إلى الله ، ودخول الدعاة إلى الله من خلال هذه الشاشات الفضيَّة في كثير من بيوتات المسلمين، حيث يستمع الناس لكلامهم وشيء من حججهم ودعوتهم؛ فلن تكون هذه الفضائيات ولن يكون الدعاة إلى الله فيها قد قاموا بالدور الكافي في ذلك، ليس تقصيراً من بعضهم ، بل لقلَّة الدعاة إلى الله أصالة وبداءة، مما يؤدي لكثرة انتشار الفساد وأهله، وتفنُّنِهِم في عرض طرق فسادهم وإفسادهم.
كما أنَّ بعض الدعاة على هذه الفضائيات قد يتحدَّث في قضايا ليست ذات أولويَّة في واقعنا الدعوي المعاصر؛ أو أنَّ هنالك من القضايا يمكن أن تكون من قبيل الإغراق في الجزئيات، أو تقديم الفروع على الأصول، أو الجزئيات على الكليات.
وعليه؛ فنحن بالفعل بحاجة أكيدة لحثِّ من لديه قدر من المعرفة والعلم أن يبذل هذا العلم ويدعو الناس إلى الله وطريق الحق والهدى، فالوضع الراهن لا يحتمل فساداً وسوءاً منتشراً في العالم اليوم أكثر مما هو عليه الآن.
وفي بلادنا الإسلامية كذلك نجد ضآلة الدعاة ...
فأين دور الدعاة إلى الله في الجامعات والتي تحوي الغث والسمين والطيب والخبيث والمثقف والجاهل ذكوراً وإناثاً؟!
وأين دور الدعاة إلى الله في نشر دعوتهم في النوادي والمقاهي ومجامع الناس؟!
وأين دورهم في دعوة علية القوم من أغنياء المسلمين وتجَّارهم ومحاولة التأثير عليهم لعل الله يهدي قلب واحد منهم فيبذل ما لديه من إمكانية لخدمة دين الله؟!
وأين دور الدعاة إلى الله في دعوة الأقارب ؟!
وأين الدور الدعوي في عملية التواصل والاتصال من خلال شبكة الإنترنت والتأثير على عموم المستخدمين لهذه الشبكة؟!
وأين دورهم في دعوة البيوت، وجمع عدد من معارفهم، لكي يجمع كل منهم في بيته عدداً ممَّن يعرف لكي يأتي الدعاة ويقول لهم كلمة خير وفضيلة وصلاح؟!
وأعيد وأكرِّر: لا يعني هذا انعدام وجود الدعاة، بل القصد قلَّة الداعين إلى الله في زمننا هذا، والذي يحتاج إلى عملية نفير دعوي جماعي : وقال -سبحانه وتعالى-: ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة (122).
* وهل الدعوة بحاجة إلى جهاد؟
جاء في تقرير إحصائي قدَّمته الأمم المتحدة قبل مدة قصيرة عن الديانات في العالم : " إنَّ الإسلام أكثر الأديان انتشاراً على وجه الأرض ، وأنه في سرعة انتشاره يزيد بسته أضعاف على الديانة الثانية بعده "، وما دمنا نلحظ ونشاهد أنَّ دين الإسلام ينتشر مع ضعف الإمكانات وقلَّة الدعاة ومحاربة الكفار للمسلمين الهداة، فهذا كذلك يحتِّم علينا القيام بأمر الدعوة إلى الله.
والمسلم في هذا الوجود الذي خلقه الرب المعبود جلَّ وتعالى ، بحاجة إلى بذل الجهد في أي شيء كان، سواء في الدراسة فهو بحاجة لأن يبذل جهداً ووقتاً في سبيل النجاح، وكذلك وقت الطلب للمعيشة أو الوظيفة بحاجة للجهد، وكذلك وقت البحث عن زوجة فسيبذل الجهد والغاية في اختيار المرأة المناسبة ، وهكذا...
والدعوة إلى الله تعالى كذلك، لن يقوم قائمها ولن يعلو أفقها، ولن تسمو حركتها إلاَّ ببذل الجهد والغاية في نشرها بين الخافقين، والاهتمام بأمرها، فهي تجارة ربَّانية ناجحة لن تبور والربح فيها مؤكَّد، فكما يقوم التاجر ببذل جهده وغايته في بيع السلعة وتسويق البضاعة والنجاح في الصفقة التجاريًّة، ولربما يسأل الله تعالى نجاحه في ذلك، فهكذا التاجر الرباني والداعية الإيماني سيبذل جهده وغايته لتوصيل الحق إلى الخلق لإيصالهم بالرب الحق تبارك وتعالى.
ذكر ابن كثير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما (قدم مكة وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه، إلا قليلاً مستضعفين ممن آمن به، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم - إذا كانت - على قبائل العرب، يدعوهم إلى الله عز وجل ويخبرهم أنه نبي مرسل، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به)[2].
ولم يتلكأ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في دعوته أو يتراجع أو يحجم، رغم ما لقيه من عذابات وآلام وأشواك على طريق الدعوة، ومع أنَّه لقي ربَّه عزَّ وجل وكان بإمكانه أن يسأله تعالى المقام عند، لكنَّه أدرك أنَّ أهل الأرض بحاجة لدعوة رب السماء، لعلَّهم يعودوا إلى جنان الخلد، وفي هذا الصدد يتحدث المفكر المسلم محمد إقبال: (إن النبي الكريم عندما صعد إلى السموات العلى، وكان ذلك الصعود ألذ رياضة روحية، لم يبق هناك؛ وإنما عاد إلى الأرض "ليشق طريقه في موكب الزمان؛ ابتغاء التحكم في ضبط قوى التاريخ، وتوجيهها على نحو ينشئ به عالمًا من المثل العليا جديدًا)[3].
* مفهوم الجهاد الدعوي:
وطوبى لعبد دعا للرشاد .. منادٍ إلى الخير في كل واد
حثيثِ الخطا في سبيلِ الهدى .. وبالعزم يرقى عسير النِّجاد
قد يفهم بعض الناس أنَّ الجهاد في سبيل الله هو فحسب القتال والمعاركة لأعداء الدين، وهذا حق لا ريب فيه، ولكنَّه نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله، فالجهاد في سبيل الله في القرآن والسنَّة عام فيدخل فيه جهاد الحجَّة والبيان وجهاد السيف والسنان، والجهاد بحاجة لمشقة وبذل الجهد والطاقة في نصرة شيء ما، وهنا نقصد بها ضرورة تكوين عدد من المجاهدين في سبيل الله من الرجال والنساء شيباً وشباباً صغاراً وكباراً لبذل ما لديهم من طاقة وإمكانيَّة لنشر دين الله في الأرض، فيكون قائماً قياماً لله تعالى مقتدياً بما قاله تعالى :(قم فأنذر * وربك فكبر).
قال الإمام ابن القيم :(وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن تبليغ السهام إلى نحور العدو يفعله كثير من الناس وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه)[4]، ولأجل ذلك فإنَّ الجهاد في أي شيء بحاجة إلى صبر ومصابرة، وثبات وتثبيت، وقوَّة وقدرة، وهنيئاً لمن يسَّر الله تعالى له ذلك، فإنَّه موعود بكون الله تعالى معه، فهو القائل:( والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا وإنَّ الله لمع المحسنين ).
نقل الإمام القرطبي في تفسيره عن أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِيّ قوله: لَيْسَ الْجِهَاد فِي الْآيَة قِتَال الْكُفَّار فَقَطْ بَلْ هُوَ نَصْر الدِّين وَالرَّدّ عَلَى الْمُبْطِلِينَ : وَقَمْع الظَّالِمِينَ ; وَعُظْمه الأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَمِنْهُ مُجَاهَدَة النُّفُوس فِي طَاعَة اللَّه .
وقال الإمام ابن كثير في تفسيره :(قَالَ تَعَالَى " وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا " يَعْنِي الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَأَتْبَاعه إِلَى يَوْم الدِّين " لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا" أَيْ لَنُبَصِّرَنَّهُمْ سُبُلنَا أَيْ طُرُقنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، أخبرنا عباس الهمداني أبو أحمد من أهل عكا في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. قال: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون. قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت به أبا سليمان الداراني، فأعجبه. وقد روى ابن أبي حاتم أيضاً بسنده عن أصبغ قال: سمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) قيل له: قاتلوا فينا؟ قال: نعم.
وروى بسنده عن الربيع في قوله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا. قال: ليس على الأرض عبد أطاع ربه ودعا إليه ونهى عنه إلا وأنه قد جاهد في الله.
ولهذا فالإنسان سيكون في خسارة كبيرة في هذه الدنيا إن لم يؤمن بربه وكذلك من آمن بربه سيكون خاسراً إن لم يعمل بما آمن به، وكذلك العامل سيكون خاسراً أجراً كبيراً إن لم يؤدِّ واجب الوقت في الدعوة إلى الله بعدما علم وعمل، والداعية المؤمن العامل، في خسارة أكيدة إن لم يصطبر على دعوته ويعاني الأمريَّن في سبيل نشرها ونصرتها ويلخص ذلك قول الله تعالى ففي سورة العصر المقصودة في كلام الشافعي يقول الله تعالى وهو أصدق القائلين:(والعصر* إنَّ الإنسان لفي خسر* إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات* وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ولقد عرف قدر هذه السورة الإمام الشافعي فقال في حقِّها :(لو ما أنزل الله على عباده حجَّة إلا هذه السورة لكفتهم أو لوسعتهم).
فالقضية إذاً بحاجة لإيمان وعمل وتواصي بالحق وهي الدعوة إلى الله وتواصي بالصبر، لكي يكون الجهاد في نشر الدعوة إلى الله منصوراً، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:(وإنَّ النصر مع الصبر).
فعلى الداعية إلى الله أن يدرك حقيقة الجهاد في سبيل الله لنشر الدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله تشريف وتكليف، وهمّ وهمَّة، ونية وإرادة، وعزيمة صادقة، لن تؤتي أكلها إلاَّ بنشرها نشراً كبيراً، ولقد وصَّى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلَّم بهذا الجهاد الدعوي فقال:(وجاهدهم به جهاداً كبيراً)، وهنيئاً لمن قام بهذا الجهاد والذي سيكتبه الله تعالى له، كما قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الرجل ليجاهد وما ضرب يوماً من الدهر بسيف"[5].
* ومن جهاد الدعوة جهاد الحجَّة والبيان:
روى البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ».
والسفينة هنا بمثابة المجتمع، وهو بحاجة أكيدة لمن يقوم بأمر تبليغ هذا الدين بشتَّى الوسائل والأساليب، حتَّى لا ينال الدعاة إلى الله شيئاً من الوزر، أو أن يعمهم الله بعقاب من عنده بسبب عدم قيامهم بكل ما لديهم من طاقات وإمكانيات لتبليغ هذا الدين في آذان الناس.
وثبت في الحديث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خطب فقال :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَهَا اللَّهُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ " أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح .
يقول ابن القيم -رحمه الله- (وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضيع، ودينه يترك، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يرغب عنها، وهو بارد القلب! ساكت اللسان! شيطان أخرس! كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين)[6]
ولنتأمل في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد كان يقوم بالدعوة إلى الله ويصدح بها في آذان الناس، ويجاهد في سبيل ذلك جهاداً كبيرا، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه - أي الجهاد - واستولى على أنواعه كلها ، فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان ، وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده ، ولهذا كان أرفع العالمين ذكراً ، وأعظمهم قدراً ، وأمره الله - جل وعلا - بجهاد الكافرين من حين بعثه الله ، فقال تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً } .
فهذه سورة مكية ، أمر فيها بالجهاد للكافرين ، ولذلك أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن ، وكذلك جهاد المنافقين إنما هو تبليغ الحجة ، وإلا فهم تحت قهر الإسلام ، قال تعالى : {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير }، فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار ، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل ، والقائمون به أفراد في العالم ، والمشاركون فيه والمعاونون عليه - وإن كانوا هم الأقلون عدداً - فإنهم أعظم الناس عند الله قدراً "[7] .
* ليست الدعوة مقتصرة على :
يفهم كثير من الناس أنَّ الدعوة إلى الله مقتصرة على فئة من أهل العلم الكبار، أو ممَّن يحملون شهادات في الشريعة والدراسات الإسلامية، فضلاً عن أن يفهموا أنَّ الدعوة إلى الله تكون في المساجد أو الفضائيات أو الإذاعات والتي هي شيء يسير جداً من وسائل الدعوة إلى الله.
أن يكون لدى الشخص روح دعوية دافعة له بالدعوة إلى الله ، نعمة عظيمة لا تقدرها نعمة، بل هو إكرام من الله تعالى للعبد القائم بحق الدعوة، ولأجل ذلك كان الإمام عبد القادر الجيلاني رحمه الله يحمد الله ويسبحه على أن وفقه لهذه النعمة فكان يقول:(سبحان من ألقى في قلبي نصح الخلق وجعله أكبر همي)[8].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( والدعوة إلى الله واجبة على من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أمته وقد وصفهم الله بذلك : كقوله تعالى : "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " فهذه في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حقهم قوله:{ كنتم خير أمة أخرجت للناس}الآية، وقوله : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } الآية، وهذا الواجب واجب على مجموع الأمة ، وهو فرض كفاية يسقط عن البعض بالبعض كقوله : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } الآية، فجميع الأمة تقوم مقامه في الدعوة : فبهذا إجماعهم حجة وإذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله ورسوله)[9].
إنَّ الناس بحاجة منك لأن تدعو إلى الله ولو بكلمة ولو لمرَّة لا تدري لعلَّ الله يفتح على يديك هدايته أو يحدث بعد ذلك أمرا، ولقد أخبرنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلَّم فقال:(بلغوا عني ولو آية) أخرجه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم : (نضر الله امرءً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه ؛ فرُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه)[10]
كان د. عبد الرحمن السميط داعية إلى الله وهو طبيب ودكتور، ولم ينظر لنفسه بأنَّه دكتور وليس عليه إلاًّ مداواة الناس، وتقديم العلاج لهم، بل فهم أنَّ عمله فيه مجال خصب للدعوة إلى الله فأدَّى ما عليه وقام بالدعوة إلى الله خير قيام، حتى إنَّه في حديثه مع الإعلامي المشهور أحمد منصور قال له في برنامج (بلا حدود) أنَّ الله تعالى هدى على يديه وهدى على يد من هدى عليه قرابة أربعة ملايين شخصاً !!
ولم يكن د. خالد الجبير عالماً أو بروفسوراًُ في الشريعة، بل كان دكتوراً ماهراً في جراحة القلب، ومع هذا أثَّر تأثيراً بالغاً وهدى الله على يديه أمماً من الناس، وكان يقول كثيراً إنَّ طب القلوب وجراحتها دموياً، يحتاج إلى طب القلوب وإسعافها دينياً ، حتى فتح الله على يديه عدداً هائلاً من عصاة المسلمين.
وغير خافٍ علينا الدور السديد للداعية إلى الله الشيخ عبد المجيد الزنداني وتأثيره على الكثير من مرضى المسلمين في مجال الطب والصيدلة، ومع هذا قام بواجب الدعوة إلى الله خير قيام، فجزاه الله خيراً جزيلاً.
لقد قام هؤلاء الدعاة جزاهم الله خيراً بواجبهم الدعوي ولعلَّ الله تعالى يأجرهم أجراً كبيراً في ذلك، ولكم تذكرت ما قاله الإمام ابن القيِّم: «ولا يكون من أتباع الرسول على الحقيقة إلا من دعا إلى الله على بصيرة. قال الله تعالى: ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ﴾ تفسير لسبيله التي هو عليها، فسبيله وسبيل أتباعه: الدعوة إلى الله، فمن لم يدع إلى الله فليس على سبيله»
فالعبرة إذاً بأن يعرف الإنسان نفسه ويضعها في المكان اللائق بها من ناحية العمل والشغل أو الوظيفة، ولكنَّ عليه عبئاً كبيراً لا بدَّ من التهيؤ له وانتداب النفس للخوض فيه، ومعاناة معاني الدعوة إلى الله، ومن لم يعانِ لم يدرك المعاني...
قد هيئوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
* والدعوة بحاجة إلى تربية:
كل له غرض يسعى ليدركه *** والحر يجعل إدراك العلا غرضاً
أن يقوم شخص ما أو امرأة ما وتقول كلمة خيِّرة أمام مجمع من الناس، ينفع الله بها فإنَّ تلك الكلمة لن تذهب سدى عند الله تعالى، ولكن ما أجمل أن يعتني كل داعية إلى الله بمجموعة من المدعويين المستهدفين للقيام على شأنهم دينياً وإصلاحهم تربوياً ومتابعة أمورهم، من خلال توعية مستدامة، وسقي لأفئدتهم بماء الوحي، فالذي ثبت من خلال تجارب دعويَّة أنَّ الداعية المؤثر لابدَّ أن تكون له عناية بفئة من المدعوين، فالكلمة الحكمة يهدي الله بها أناساً، ولكنَّ الكلمة الدعوية الهدية أول قدم في طريق المدعو إلى الهداية، وبعدها فالمدعو بحاجة لأن يعرف كيف يعبد الله، وكيف يتخلى عن الرواسب الفكرية، والرفقة السيئة، والمعاصي والذنوب الخفيَّة، وهذا كله لن يأتي الإقلاع عنه خلال يوم وليلة، بل لو تخلَّى المدعو عنه خلال يوم وليلة، فإنَّه لابدَّ وأن يملأ وقته بشيء من النفع والفائدة، وأن تكون له رفقة ناجحة وصالحة.
ولربما شاهدنا أناساً من الشباب يقولون لقد هدانا الله تعالى، ولكن ما الطريق إلى تثبيت الهداية في قلوبنا؟ فالمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، فهو بحاجة ماسَّة وأكيدة إلى عمليَّة تربوية تستهدفه إلى أن يستطيع أن يكون قائماً على ساقه، يمكنه بعدها أن يقوم على نفسه بما يسميِّه علماء التربية بـ:(التربية الذاتية).
ولو لاحظنا وتأملنا قوله تعالى:( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحكيم)
يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره:"{يتلو عليهم آياته} يعني القرآن، {ويزكيهم} أي يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان; قاله ابن عباس. وقيل: يطهرهم من دنس الكفر والذنوب; قاله ابن جريج ومقاتل. وقال السدي: يأخذ زكاة أموالهم، {ويعلمهم الكتاب} يعني القرآن، {والحكمة} السنة; قاله الحسن. وقال ابن عباس: "الكتاب" الخط بالقلم; لأن الخط فشا في العرب بالشرع لما أمروا بتقييده بالخط. وقال مالك بن أنس: "الحكمة" الفقه في الدين. أي في ذهاب عن الحق".
فلا بدَّ كذلك من تعاهد هذه النبتة الدعوية والاهتمام بها، ليكون لها مستقبل دعوي مشرق، وكما يقال في المثل: لأن تُعَلِّمَ الجائع صيد السمك خيرٌ من أن تعطيه ألف سمكة ، وذلك من تمام النصيحة للمسلمين ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(الدين النصيحة) قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم.
إنَّني أشبِّه تلك النبتة الدعويَّة التي بدأت تنمو في كف الداعية كحال الفلاح حينما يبذر الحب، فإن تعاهده بالسقي والرعي والري، خرج ذلك النبات بإذن الله على أتم ما يرام، (كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه) وإن لم يتعاهد ذلك الفلاح نبتته ماتت وذبلت، ولم يكن منها فائدة.
وما ذلك إلا تطبيقاً لحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أتباع دينه ودعوته الإسلاميَّة الحقَّة، ففي حديث مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقاً فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) أخرجه البخاري.
وينتقل هذا الهدي النبوي من محمد بن عبد الله إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فحينما يسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستشعر المسؤولية المناطة به، ويقوم ملبياً نداء الجهاد الدعوي ويسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم عثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ويشترى سبعة من المسلمين يعذبهم الكفار بسبب إسلامهم فأعتقهم رضي الله عنهم منهم بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامر بن فهيرة الذي صحبهما في هجرتهما ليخدمهما.
وما ذلك إلاَّ يقيناً منه أنَّ هذه الدعوة الإسلاميَّة وإن كان رسولها وقائدها محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلم إلاَّ أنَّ على أتباع هذه الدعوة واجبات دعويَّة ضخمة ملقاة على عواتقهم للقيام بها، فكان لزاماً على الدعاة أن يدعوا دعوة عامة، ولكن يتعاهدوا فئة من المقصودين بالدعوة لتربيتهم وتنميتهم علميَّاً ودعوياً وأخلاقياً؛ ليكون مجتمعنا المسلم بالفعل مجتمعاً مثالياً ربَّانياً، حرصاً من الداعية على هدايتهم وردهم إلى دين الإسلام رداً جميلاً، وكما قال أحد السلف وهو زهير بن نعيم البابي مصوّراً حرصه على هداية الناس بقوله: (وددت أنَّ جسدي قُرِّض بالمقاريض، وأنَّ هذا الخلق أطاعوا الله)[11].
* وفي الختام:
أن تكون الدعوة إلى الله موافقة لمراد الله ومراد رسول الله ، حقيقة يجب ألا تغيب عن بال كل داعية إلى الله، ومبلغ ومنذر لدين الله، وأن تكون دعوته لله وإلى الله.
والقلب ما لم يكن بالله مرتبطاً *** فإنَّما هو بالأهواء جوَّاب
ومن جميل ما قاله ابن القيم -رحمه الله-: "والداعون إلى الخير هم الداعون إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا الداعون إلى رأي فلان وفلان"[12].
وأن يُعلَمَ كذلك أنَّ مجال الدعوة إلى الله مجال خصب، فليس هو محصوراً في بلد دون بلد، أو زمان أو مكان، فنوح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه في كل وقت :( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9)).
وعلى الداعية إلى الله أن يعرف مراتب الدعوة وطرقها ويعطي كل حالة لبوسها، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم:(جعل الله مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده غفلة وتأخر ويدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن)[13]
وأن يتحرك الداعية وفق مرضاة ربه إخلاصاً له وتوحيداً لأجله وانقياداً لطاعته، لئلا تكون هذه الدعوة حجَّة عليه بل حجَّة له ، ولكم استوقفتني قصَّة حكاها أبو نعيم في الحلية عن محمد بنِ مالك بنِ ضيغم يقول فيها ( قال لي الشيخ أبو أيوب يوماً : يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي ، وأيم الله لئن لم تأت الآخرةُ المؤمنَ بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران هم الدنيا وشقاء الآخرة ) قال قلت بأبي أنت وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله فى دار الدنيا ويدأب ؟ قال : يا أبا أيوب فكيف بالقبول ؟ وكيف بالسلامة ؟ كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه، قد أصلح قربانه، قد أصلح همته، قد أصلح عمله، يُجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه ) نسأل الله لطفه وعافيته .
ملاحظة: هذا المقال منشور في موقع رسالة الإسلام.
--------------------
[1] ) مفتاح دار السعادة (1/271)
[2] ) البداية (3/138)
[3] ) "تجديد التفكير الديني في الإسلام" محمد إقبال: 142.
[4] ) التفسير القيِّم لابن القيم ص431
[5] ) تفسير ابن كثير لقوله تعالى (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) في سورة العنكبوت آية (6)
[6] ) إعلام الموقعين عن رب العالمين: (2/ 176).
[7] ) زاد المعاد :(3/5)
[8] ) الفتح الرباني والفيض الرحماني لعبد القادر الجيلاني ص14
[9] ) مجموع الفتاوى (20/5)
[10] ) الترمذي العلم (2656) وحسَّنه ، أبو داود العلم (3660) ، ابن ماجه المقدمة (230) ، أحمد (5/183) ، الدارمي المقدمة (229)، وحسَّنه الألباني في صحيحي الترمذي برقم:(2656)
[11] ) تهذيب التهذيب لابن حجر(3/353)
[12] ) بدائع التفسير:(1/508)
[13] ) مفتاح دار السعادة.
التعليقات