عناصر الخطبة
1/دروس وعبر من حادثة الإسراء والمعراج 2/تمسُّك أهل فلسطين بأرضهم الطاهرة المباركة 3/المكانة العظيمة للمسجد الأقصى المبارك 4/وجوب مؤازرة المرابطين في أرض غزة وفلسطين كافةاقتباس
إنَّ لحكمةٍ عظيمةٍ جليلةٍ، أن يكون المعراج من هذه الأرض الطاهرة، من رحاب المسجد الأقصى المبارَك، من هذا المسجد الذي قرَّر اللهُ إسلاميتَه، وقرَّر مسجديته، من فوق سبع سماوات، وجعلها قرآنًا يتلى إلى يوم الدين، إنها أمانة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، أسرى بنبيه -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأراه من الآيات الكبرى، والْمِنَنِ العُظمى، ما لا يُعَدّ ولا يُحصَى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم، واتبع سنتهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والصابرين المرابطين، من أبناء شعبنا الفلسطيني في كل أرض فلسطين.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: في هذه الأيام المبارَكة حلَّت على أمة المسلمين ذكرى عظيمة، ومناسبة جليلة؛ هي ذكرى الإسراء والمعراج، بحبيبكم -صلى الله عليه وسلم-، من المسجد الحرام في مكة المكرَّمة، إلى المسجد الأقصى المبارَك، في القدس الشريف، وهو مناسَبة جليلة وعظيمة، ترتبط بعقيدة الأمة جمعاء، ولا تكفي خطبة الجمعة لبيان كل دروس وعبر هذه الذكرى الجليلة، ولكننا سنمر على مواقف مهمة، ولمحات سريعة، من آثار هذه الذكرى، وهذه المعجزة العظيمة، التي أبى الله -سبحانه وتعالى- إلا أن يسطرها في محكم كتابه العزيز، وقرآن الكريم، آية يتعبد بها عباد الله المؤمنون، وأبناء أمة المسلمين، على امتداد هذه الدنيا إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
أيها المسلمون: ولعل من أبرز ما يمكن أن نتعرض له، هذا الربط العَقَديّ الذي لا يجوز لكائن من كان أن يشكك فيه، أو يظن فيه؛ لأنَّه ربط عقيدة المسلمين جميعًا بمقدساتهم، بمساجدهم، بالأرض التي أُسري بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الأرض التي انتهت إليها رحلة الإسراء والمعراج، نعم أيها المسلمون، إنها عقيدة الحق، عقيدة الإيمان، عقيدة الإسلام التي تجعل هذا الشعب الصابر المرابط، هذا الشعب الذي وكله الله -تعالى- بأن يكون حارسًا للقدس ومقدساتها، ولأرض الإسراء والمعراج، هنا في أرضنا المباركة، وفي كل شبر من هذه الأرض، ولعل ما يتعرض له أبناء هذا الشعب الصابر المرابط، من عدوان غاشم، هناك في غزة، وهنا في القدس وفي كل مدينة وقرية ومخيم وريف، من أرياف فلسطين.
نعم، أنتم مرابطون، فصلاةُ اللهِ وسلامُه عليكم بهذا الرباط، وهذا الثبات، وهذه المكرمة التي هي من ضمن مكرمات الله -تعالى- لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولهذه الأمة ولهذا الشعب على وجه الخصوص الذي قام ويقوم ولا يزال على حراسة وسدانة هذه المقدسات.
نعم، أيها المسلمون، إننا نتمسك بديار الإسراء والمعراج، بكل حبة من حبات ترابها، وبكل نفحة من نفحات ثرائها الطاهر؛ لأنَّها أرض باركها الله، ألم يقل الله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الْإِسْرَاءِ: 1].
نعم؛ البركة حول المسجد الأقصى وأرضه، والبركة في المسجد الأقصى زائدة، فأنتم أيها الذين شددتم رحالكم لتعمروه في هذا اليوم من أيام الله المباركة، أنتم حراسه الأمناء، وسدنته الأوفياء، وكل أبناء شعبكم بشيوخهم، برجالهم، بأطفالهم، بنسائهم، بالحرائر الماجدات من بنات فلسطين، وبالأباة من رجالها الأوفياء.
نعم؛ أنتم كذلك، ونسأل الله -تعالى- أن نبقى كذلك، ويرزقنا الرباط في هذا المسجد المبارَك، وفي هذا الأرض الطاهرة، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: ومعنى هذا الربط بين المسجد الأقصى، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف: إذا ما رجعنا إلى أعماق التاريخ رأينا ذلك في كتاب الله، ألم يقل الله: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا)[آلِ عِمْرَانَ: 96]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري: "يا رسول الله، أي بيت وُضِعَ في الأرض أولُ؟ ليقول -عليه الصلاة والسلام-: المسجد الحرام، ثم قلتُ: أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلتُ: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وحيثما أدركت الصلاة بعد فصل".
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: هذه الآيات وكثير مثلها، وهذا الحديث الشريف وكثير مثلُه، تُوجِب على أمة المسلمين جمعاء أن ينهضوا بهذه الأمانة، وأن يحافظوا عليها، وألَّا يُقصِّروا بحفظها، وحفظ مقدَّساتها وأرضها، والمحافَظة على الشعوب التي تنهض لتحرس مساجدها وذرات ترابها، ولعل الطليعة في ذلك أبناء ديار الإسراء والمعراج، الذين يُرابِطون فيها، رغم الويل، ورغم العدوان، ورغم فَقْد الكثير من أبنائنا، كل ذلك في سبيل الله -تعالى-؛ حِفاظًا على هذه الأمانة؛ لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 27].
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنَّ لحكمةٍ عظيمةٍ جليلةٍ، أن يكون المعراج من هذه الأرض الطاهرة، من رحاب المسجد الأقصى المبارَك، من هذا المسجد الذي قرَّر اللهُ إسلاميتَه، وقرَّر مسجديته، من فوق سبع سماوات، وجعلها قرآنًا يتلى إلى يوم الدين، إنها أمانة، فعليكم -أيها المسلمون- حكَّامًا ومحكومين، دولًا وحكوماتٍ وشعوبًا، أن تنهضوا بأماناتكم، وأن تحافظوا عليها، وإلا كتبكم التاريخ في صفحاته السوداء، بعيدًا بعيدًا عن كل ذكر طيب يليق بالفاتح الفاروق عمر -رضي الله عنه- والمحرر صلاح الدين الأيوبي، فاختاروا من يومكم في أي الصفحات تريدون أن تسطر أسماؤكم.
جاء في حديث حبيبنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُشَدُّ الرحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، ومسجدِي هذا، والمسجدِ الأقصى"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله ينالوا رضوانه، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، وتركنا على بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وبعدُ، أيها المسلمون: من علياء هذا المنبر الشريف، نترحَّم على أرواح شهدائنا، وشهداء المسلمين حيثما كانوا، وندعو الله -سبحانه وتعالى- الشفاء العاجل لجرحانا ومرضانا، كما نوجهها تحية إكبار واحترام لأولئك الرابضين خلف قضبان سجون الاحتلال، تحية طيبة مباركة، من رحاب المسجد الأقصى المبارَك، ومن رحاب الذكرى العطرة؛ ذكرى الإسراء والمعراج، سائلين المولى -عز وجل- أن يعجل في إطلاق سراحهم وخلاصهم، كما نسأل الله -تعالى- أن يمن على كل أبناء شعبنا بالعزيمة والقوة والثبات، على الرباط والصبر والتمسُّك بهذه الديار المقدَّسة المباركة، مهما كانت التضحيات، ومهما بلغ طوفان هذا العدوان الظالم.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: أما المسجد الأقصى المبارَك: فنؤكد اليوم وكل يوم، وفي كل مناسبة وفي كل وقت بأنَّه جزء من عقيدتنا، وعبادتنا، فلا نفرط بذرة تراب من ترابه الطاهر، ولا يكون بحال من الأحوال أي مساومة أو مقايضة عليه؛ لأنَّه جزء من عقيدتنا وعبادتنا، وحضارتنا وتاريخنا، ولا نلتفت بحال من الأحوال إلى أولئك الطاعنين والمشككين بمكان المسجد الأقصى المبارَك، فهو في هذا المكان منذ وجد في النشأة الأولى، إلى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة، للمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد؛ ولذلك أيها المسلمون، نرى من واجبنا في هذه الديار المبارَكة، وقد اختصنا الله -تعالى- بأن نكون الطليعة المتقدِّمة لأمة المسلمين، وأن نكون الخندق الأول للدفاع عن مقدساتها وكرامتها أن نعقد النيَّة والعزم والعزيمة على الإصرار والثبات والرباط، إلى أن يأتي الله بأمره، وأمر الله دائمًا هو الفرج، وهو العزة، وهو النصر، وهو التأييد لعباده المؤمنين؛ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 126]، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 40]، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشَّرْحِ: 5-6].
أيها المسلمون، ولن يغلب عسر يسرين، فثبتوا أنفسكم، ووطِّنوها على الرباط والثبات؛ حتى تلقوا ربكم وأنتم تشهدون ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وأن محمدًا رسول الله، وأنكم كنتُم أصحابَ الأمانة التي حافظتُم عليها لتلقَوْا ربَّكم بوجه ناصع أبيض، بصحائف أعمال تقودكم بعفو الله وحوله إلى جنان النعيم بإذنه -تعالى-، تحت لواء صاحب الإسراء والمعراج -صلى الله عليه وسلم-.
اللهُمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهُمَّ ارحم شهداءنا واشف مرضانا وجرحانا، وأطلق سراح أسرانا، اللهُمَّ واغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات.
أيها الإخوة: سنقيم صلاة الغائب -بإذن الله- عن أرواح الشهداء بعد صلاة الجمعة.
وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ: أقمِ الصلاةَ.
التعليقات