عناصر الخطبة
1/ نرفع اقتصادنا ونطور بلادنا مع تميزنا بديننا وقيمنا 2/ رسالة إلى مستهلك 3/ ماذا بقي في سوق الأسهم 4/ رسالة إلى تاجراهداف الخطبة
اقتباس
في خضمّ أزمة الاقتصاد الرأسمالي الحالية، نقلت لكم في خطب مضت أقوال عدد من الاقتصاديين الغرب في تميز الاقتصاد الإسلامي، بل دعا مؤخرًا مجلس الشيوخ الفرنسي للأخذ بالنظام المصرفي الإسلامي في تقرير أعدته لجنة الشؤون المالية في المجلس، وقالوا إن هذا النظام مريح للجميع مسلمين وغير مسلمين، وأنه يعيش ازدهارا واضحًا، وهو قابل للتطبيق في فرنسا..
ضمن سلسلة الخطب حول الأزمة الاقتصادية العالمية، تحدثنا في الأسبوع الماضي عن (خطى الإصلاح الاقتصادي) وذكرنا أربع خطوات تهم المستهلك، والتاجر، والدولة، وهذه أربعة خطوات أخرى، أبدؤها بالخطوة الخامسة:
5/ نرفع اقتصادنا ونطور بلادنا مع تميزنا بديننا وقيمنا:
في خضمّ أزمة الاقتصاد الرأسمالي الحالية، نقلت لكم في خطب مضت أقوال عدد من الاقتصاديين الغرب في تميز الاقتصاد الإسلامي، بل دعا مؤخرًا مجلس الشيوخ الفرنسي للأخذ بالنظام المصرفي الإسلامي في تقرير أعدته لجنة الشؤون المالية في المجلس، وقالوا إن هذا النظام مريح للجميع مسلمين وغير مسلمين، وأنه يعيش ازدهارا واضحًا، وهو قابل للتطبيق في فرنسا.
وفي بريطانيا وألمانيا نصوص تشريعية تشجع النظام الإسلامي المالي وتسمح بنظام تداول الصكوك ونظام التكافل وغيره, هذا ما عند عقلاء القوم، فكيف بنا نحن الذين رضينا ورضي الله لنا الإسلام دينًا ومنهجًا للحياة.
سبحان الله، كأنّ الإمام ابن القيم ينظر إلى الأزمة الاقتصادية الأمريكية واضطراب الدولار، ويبين محاسن الشريعة التي جاءت بضبط تبادل النقود التي هي أثمان السلع، حيث يقول: "الدراهم والدنانير أثمان المبيعات والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال فيجب أن يكون محدودا مضبوطا لا يرتفع ولا ينخفض إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض فتفسد معاملات الناس ويقع الخلف ويشتد الضرر؛ كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم" إلخ إعلام الموقعين الجزء الثاني.
إن مثل هذه الأزمات والضغوط يجب أن لا تصيبنا بالترنح في سيرنا، أو الشك في ديننا وعقيدتنا، وفي قدرة الاقتصاد الإسلامي على إيجاد الحلول المناسبة.
إن من الذل والهوان، ما نقرأه اليوم في الصحف، ونسمعه في القنوات، من بعض مرضى القلوب والعقول، المنسلخون من القيم، الحاقدون على الدين، ممن يتهكمون بالنظام الإسلامي، ويسخرون من أي دعوة للرجوع للدين، سواء في الاقتصاد أو غيره من المجالات، ويرمون من يدعو إلى العمل بالإسلام بالتخلف والرجعية والتقليدية والسطحية.
إن القوم قد بهرتهم الحضارة الغربية والأمريكية، فلو شهد العالم كله بفشل النظام الاقتصادي الأمريكي، قالوا هذا إفك مبين، ولو شهد العالم كله بظلم عصابة بوش وتسلطها على العباد وقتلها المدنيين كما وقع هذا الأسبوع في سوريا من ضرب الطائرات الأمريكية لمدنيين أبرياء على الحدود السورية، أقول لو قال العالم كله هذا ظلم، لقالوا بل هو عدل، إن لأمريكا الحق أن تدافع عن نفسها ضد الإرهاب، وهي تريد السلام والخير للمنطقة.
إن من الهزيمة النفسية أن يقول دكتور مسلم: لن تكون هناك قوة إسلامية بدون قوة اقتصادية، ولن تكون هناك قوة اقتصادية بدون بنوك، ولن تكون هناك بنوك بلا فوائد.
إن الواقع العملي قبل البحث العلمي أعظم شاهد على بطلان هذه المتسلسلة التي تحلل ما حرم الله بأساليب ملتوية، وحجج واهية, وإن من العجب عند بعض المفتونين بالغرب أنهم لا يرون تقدمًا ولا تفوقًا في الحياة إلا باتباع مبادئ الغرب كلها، وإن كانت هذه المباديء لا علاقة لها بالموضوع المطروح.
يا أخي: الحكمة ضالة المؤمن، خذ من الأمريكان والغرب المتقدم مبادئ الصناعة والاقتصاد والإدارة وغيرها, مع تميزك بدينك وأخلاقك وقيمك.
إن ما يسعى إليه البعض من أمركة المجتمع بأخلاقه وعاداته، وبثّ ثقافة الحرية والانحلال، لا يمكن أن تنتج لنا مجتمعًا قويًّا منافسًا، بل هو من أسباب السقوط والتخلف، وما حولنا من الدول الإسلامية شاهد على هذا.
إن من المكر الكبار، ما يشيعه بعض الإعلاميين الأغرار، أن السعودية لا بد أن تنفتح على العالم، وأن الدولة لا بد أن تقوم بسلسلة من الإصلاحات، وتتخلى عن محافظتها وسياستها المتشددة، حتى طار بعض المغرضين فرحًا بما أشيع أن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، المقرر افتتاحها العام المقبل بالقرب من جدة، ستكون جامعة مختلطة، على عكس سياسة الفصل بين الجنسين المطبقة في معظم أنحاء المملكة, الخبر تناقلته وسائل إعلام عالمية، ونرجو الله أن يكون غير صحيح، فإن ثبت فهو والله نذير شر على البلاد، يوجب المناصحة بالحكمة والإنكار حسب القدرة.
سبحان الله, ألا يمكن أن نرقى ببلادنا ونطور مجتمعنا ونقوي اقتصادنا، مع المحافظة على ديننا؟
ألم يسمع هؤلاء المنهزمون صيحات العقلاء في الغرب بالفصل بين الجنسين في التعليم، بل إن في أمريكا توجه كبير لهذا الأمر، وإدارة بوش تشجع هذا، وتزيد المعونات للمدارس التي تطبق نظام الفصل؟.
هل الحجاب ومنع الاختلاط يمنع المرأة من التعليم ونيل أعلى الشهادات، كما وقع -بحمد الله- لكثير من بناتنا ممن برزن في شتى مجالات العلوم التي تناسب المرأة.
لا ريب -يا عباد الله- أن إفساد النساء في بلادنا من خلال الاختلاط بالرجال وإبراز ذلك في وسائل الإعلام لغير ضرورة، من الفساد البين ومن العمل على خرق السفينة وهدم هذا الصرح الشامخ.
يقول مؤسس هذه البلاد الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه: "وأقبح من ذلك في الأخلاق: ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهنّ وترقيتهنّ وفتح المجال لهنّ في أعمال لم يخلقن لها حتى نبذن وظائفهنّ الأساسية من تدبير المنزل وتربية الطفل، وتوجيه الناشئة إلى ما فيه حب الدين والوطن ومكارم الأخلاق, ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أو إسلام أو مروءة أن يرى زوجته أو أحدًا من عائلته أو المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي" اهـ الدرر السنية 14/404،403.
ونعود إلى الاقتصاد فنقول: إن العاقل الناصح الغيور، ليخاف على هذه البلاد، أن تنقل لها مرض الانفتاح غير المنضبط الحاصل في بعض دول الخليج التي انفتحت اقتصاديًّا، وتبع هذا الانفتاح انفتاح في الشر والرذيلة، وذهاب للخلق والدين، وتبًّا لدنيا تشترى بالدين.
إن على ولاة الأمر -وفقهم الله- وعلى كل مسؤول في المشاريع الاقتصادية الجبارة، وخاصة في جدة وما حولها، أن يضع نصب عينيه، أنه بجوار الحرمين، وأن هذه البلاد لها تميزها وخصوصيتها، وهي قبلة المسلمين وقدوتهم ورمزهم في هذا العصر، ولها دستورها ودينها التي قامت عليه، فلا يصح استنساخ أنظمة وعادات الغرب والشرق، ونقلها برمتها في هذه المشاريع، دون أن يكون لهذه البلاد وهيئاتها وعلمائها ومختصيها دور في التنقيح والتصحيح، واستبعاد كل ما يخالف ديننا وقيمنا, (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].
6/ رسالة إلى مستهلك:
الله –تعالى- هو الذي يقسم الأرزاق (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد:26] وكلنا يحب الغنى ويكره الفقر.
إنّ كرهَ الفقر وحُبّ الغنى أمران فِطريان، لكن لا بد من الاعتدال في كلِّ شيء حتى في المال؛ ولهذا استعاذَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بالله من شرِّ الغنى والفقر.
ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ: "اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ".
إن الإسلام لم يحثَّ قطّ على الفقرِ؛ لأنّ الفقرَ كاد يكون كفرًا، ولكنه في المقابل لم يحرِّض الناسَ على اللّهَث الأعمى وراء المال؛ لأنّ الإنسانَ قد يطغَى أن رآه استَغنى.
إن ضيقَ الرزق على بعض الخلق رحمةٌ من الله تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27].
ومن ضيِّق عليه رزقه فعليه ثلاثة أمور:
1/ أن يحمد الله –تعالى- ويرضى بقضائه وقدره.
2/ أن يسعى في طلب الرزق بالحلال ولو كان العمل حقيرا ولا يلجأ إلى صدقات الناس؛ فإنها أوساخ أموالهم، في الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".
3/ حسن التدبير في النفقة، على قدر رزقه، فلا ينظر إلى الأغنياء حوله، ولو كانوا أقاربه، ولا يسرف في المال تكاثراً أو تفاخراً أو مباهاة للناس.
إن الإسراف والتبذير سبب في حلول النقم وزوال النعم، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].
قولوا لي بربكم: ماذا يحدث في موائدنا من الإسراف والتبذير؟
أليس من الإسراف وسوء التدبير أن يدفع ناد رياضي خمسين مليون ريال للاعب أوربي كافر، ونحن لا نلوم النادي، بل نلوم أنفسنا وشبابنا ومجتمعنا الذي أعطى الرياضة قدرًا أكبر مما تستحقه، حتى أصبحت تعطيلاً للطاقات، وهدرًا للثروات، وإشغالاً للأوقات.
أيها الفقراء والمساكين، أيها الأيتام والمرضى: لا تعجبوا، فإنكم لن تبلغوا أقدام هذا اللاعب الفذ.
أليس من الإسراف وسوء التدبير ما يحدث في أسواقنا ومن نسائنا من شراء الكماليات والتهالك على المصنوعات والتوافه والحقيرات؟
أين القناعة في الأرزاق والأقوات، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ".
ومن أسباب القناعة أن ينظر العبد لمن هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه.
ففي صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ" والحديث عند البخاري بلفظ: "إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ".
أين هذا من بعض المستورين، ممن يحاول جاهدًا أن يعيش عيشة الأغنياء المترفين، فيدخل في متاهات من الديون والقروض والتقسيطات، في سبيل أن تكون له سيارة فارهة، وأن يكون له منزل فاخر ذو رخام جذاب، وزخارفَ تأخذ العقول والألباب، والنتيجة أنه لا يبقى له من مرتبه شيء يعيش به هو وأبناؤه، فقسط للسيارة، وقسط للأثاث، وقسط لدين هنا أو هناك.
وربما تجد شبابًا في زهرة شبابهم متورطين بديون وأقساط وقروض، ونحن قد نكون مشاركين في تكليف هؤلاء الشباب وإجبارهم في الدخول في الأقساط والديون، بسبب المغالاة في المهور، والتكلف والإسراف في حفلات الزواج.
إن الواجب على المسلم، أن يحذر من التساهل في ركوب الديون فيما يمكن الصبر على تركه، فإن الدين وسيلة إلى الكذب والسّجن و الكدح الذي لا يطاق، وهو همّ بالليل، وذلّ في النهار، وحِرمانٌ للثواب في القبر؛ ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغفر للشهيد كلّ شيء إلا الدين" وصح عند الترمذي وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ"
وكان صلى الله عليه وسلم لا يصلّي على الميت إذا كان عليه دين، ولذا فإن من السنة تعجيلَ قضاء دين الميت قبل دفنه.
وعلى المسلم الحذر من الدين، إلا عند الحاجة، وليقصد السداد، وليبادر به قبل الموت.
وإنك لتعجب من بعض الناس، ممن يتجاهل حقوقَ الناس وديونهم، فيتوسّع في الإنفاق في الكماليات وفي السفر للحج أو العمرة أو النزهة ونحوها، ويتصدّق ويهدي، وهذه الأمور لا يحلّ فعلها من دَين أو ممن عليه دين إلا برضى الدائن؛ لأن قضاء الدين واجب، وهذه ليست بواجبة, وقد أفتى أهل العلم بعدم جواز الحج لمن عليه دين حال إلا أن يستأذن صاحب الدين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
7/ ماذا بقي في سوق الأسهم:
إن من أهم الإصلاحات الاقتصادية التي يجب النظر إليها باهتمام من قبل المعنيين والمختصين وولاة الأمر -وفقهم الله- ما يعاني منه الناس في سوق الأسهم بعد وقوع الأزمة وقبلها.
تحدثنا مرارًا عن الأسهم, ولا تزال الصحف تطالعنا بأخبار الضحايا، موجة هبوط الأسهم تقضي على أربعة مواطنين نتيجة تعرّضهم لأزمة قلبية بعد انهيار رؤوس أموالهم، وآخر قتل صديقَه رميا بالرصاص بسبب اختلافهم في مبالغ نقدية في إحدى المحافظ الاستثمارية، وما خفي كان أعظم.
لا تزال السوق المالية السعودية تسجل قيعانا جديدة، والعجيب أن 80 شركة جديدة رؤوس أموالها حوالي 70 مليار ريال تسعى لطرح أسهمها للاكتتاب العام من خلال السوق المالية، وأجلت هذا الأمر بسبب تدهور السوق.
لست محللاً ولا جراحًا، لكني أقول: يبدو أن هذا السوق بحاجة إلى التدخل الجراحي بعيدًا عن المسكنات.
لن أكرر ما قلته في التحذير من الربا الذي فشا في سوق الأسهم، وأنه سبب للهلاك وحق البركة، لكني أقول: إلى متى هذا النزيف؟ إن أموال المسلمين في الأسهم وغيرها هي إحدى ثروات البلاد والأمة، التي يجب شرعًا المحافظة عليها، وإن الواجِبَ على ولاةِ الأمور والمسؤولين، والعلماءِ والمختصِّين في المعاملاتِ المالية، أن يكونَ لهم جهودٌ ملموسَة في حفظ أموال المسلمين، واتخاذ إجراءات تكونَ سِياجًا منيعًا يحول دونَ العَبَث بأموال النّاس والتقليل من ضحايا المرابِحين المتهوِّرين والبُسَطاء المغامِرين.
8/ رسالة إلى تاجر:
أخي التاجر: لقد أحل الله البيع والتجارة، وحث على الربح الحلال والسعي في الأرض وجعله قرين الجهاد في سبيل الله، (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [المزمل:20] وفي المقابل حذرت الشريعة التجار من الكذب والغش والجشع والطمع والظلم والتعسف واستغلال حاجات الناس بالتلاعب بالأسعار.
وقد روي عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقًّا على الله أن يقعده بعُظْم من النار" أخرجه أحمد وفي سنده ضعف.
أخي التاجر: إن القناعة والسماحةَ في ميدان التّجارة أمران مندوبٌ إليهما؛ إذ هما مظِنّة البركة، كما أنَّ الطمعَ والجشَع وعدم القناعة مظِنّة لمحق البركة؛ وقد روى مسلم عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ".
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى".
وإذا كان التجار سرعان ما رفعوا الأسعار بحجة ارتفاع الأسعار العالمية، فهذه الأسعار قد انخفضت، فهل سيخفضون أم أنهم طماعون جشعون، في الشر سريعون، وفي الخير بطيئون؟.
ثم نقول: كم قدمت الدولة من خدمات وتسهيلات لهؤلاء التجار في مصانعهم وشركاتهم، سواء كان ذلك في الإعانات المادية أو التسهيلات الإدارية، وماذا قدم هؤلاء التجار للوطن والمواطن؟.
بل السؤال الأكبر ما حال هؤلاء التجار من دفع ما أوجب الله عليهم من زكاة أموالهم، والتي لو دفعت بالشكل الصحيح لانقطعت مظاهر الفقر في البلاد، ثم ما حالهم في توظيف الكوادر الوطنية وتشجيع الشباب الطامحين وإعطائهم المرتبات التي تقيم لهم حياة كريمة، بدلا من تلك المرتبات التي لا تكفي لتسديد الفواتير الشهرية؟.
ألا فليتق الله كل تاجر، وليعلم أن الدنيا غرور، ومن أمن زوالها وتغيرها فهو مغرور، وقد رأينا –والله- في هذه الأزمات من قدرة الله تعالى وتصريفه للأمور، ما تخضع له الرقاب، ولا تقف دونه الأسباب, والسعيد من كان ماله حجة له لا حجة عليه.
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية.
التعليقات