عناصر الخطبة
1/ نعمة الصيام وخطر الغيبة 2/ التحذير من مشاركة اللسان في وقت الفتن 3/ بعض صور القول على الله بغير علم 4/ خطر الإشاعة في زمن الفتن وبعض الشواهد التاريخية على ذلك 5/ المنهج الشرعي في التعامل مع الأخبار 6/ التحذير من نشر الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: مرت ثمانية وعشرون يوما وليلة، مليئة بالصيام والقيام والدعاء، وسائر العبادات، ونحن في صحة وعافية وأمان، وتلك نعمة عظيمة من الله بها علينا، فلنقدر حق هذه النعمة، ولنشكر الله الكريم على تلك النعم.

 

يا لله! يا لها من نعمة عظيمة نرفل فيها، نعمة الأمن والطمأنينة.

 

فيا رب أدم علينا تلك النعمة، وارفع عن إخواننا المسلمين في كل مكان.

 

عباد الله: كم من صائم قائم تال للقرآن يهدي حسناته للناس، وذلك بالكلام في أعراضهم؛ فالغيبة تأكل الحسنات، وتفسد القلوب؛ فحذارِ منها، يقول جل ذكره: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات: 12].

 

معاشر المسلمين: وفي خضم الأحداث نجد من يشارك بالخوض فيها وفي غمارها وهو لا يقدم ولا يؤخر فيها وهو ليس من أهلها، فالفتن إذا نزلت فالواجب على المسلم أن يهرب منها، وأن لا يخوض غمارها، فمن خاض هلك، وإن من أشد المشاركات في الفتن: المشاركة باللسان، فهو يفعل ما لا يفعله الحسام، ولو أن كل مسلم أقبل على ما يعنيه، وترك الأمور لأهلها، لقلت الفتن، ولسلم الناس من تبعاتها.

 

إن شأن اللسان عظيم، سواء في الخير أو الشر، فكلمة تدخلك الجنة وأخرى تدخلك النار، ويزداد خطره وقت الفتن والاختلاف، فتعمل الكلمة فعل السيف؛ أخرجا في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم".

 

ومن أشد ضرر اللسان: القول على الله بلا علم.

 

ومن صور القول على الله بغير علم:

1- التسرع بالإفتاء بغير علم.

2- الاعتراض على النصوص بالعقل.

3- ذكر الحديث دون معرفة صحته أو ضعفه.

4- تسفيه أراء أئمة الإسلام.

5- الكلام بالدين على حسب الهوى والظن.

 

لذلك كان حريا وجديرا بالمسلم أن يحذر كل الحذر من القول على الله -تعالى- بغير علم، وأن يرد الأمر إلى أهله -وهم أهل العلم-: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7]، قال عمر -رضي الله عنه-: "إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثلُ وقع السيف".

 

وفي زمن الفتنة تظهر الإشاعة بين الناس وتروج، وبها يهلك الناس -والعياذ بالله-.

 

ولقد سطَّر التاريخ خطر الإِشاعة إذا دبت في الأمة، وإليك أمثلة من ذلك:

 

1- بعد أن هاجر الصحابة للحبشة فارين من تعذيب قريش لهم، صدرت إشاعة بأن قريشا أسلمت، فرجع كثير من الصحابة من الحبشة مستبشرين، وفوجئوا أن الأمر إشاعة، فتكبدوا خسائر السفر ثم الأذية من جديد.

 

2- وفي غزوة أحد لما قتل مصعب بن عمير أُشيع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قتل لشدة الشبه بينهما، وقيل: قُتل رسول الله، فانكفأ جيش الإِسلام بسبب الإِشاعة، فبعضهم هرب إلى المدينة وبعضهم ترك القتال.

 

3- ومنها إشاعة حادثة الإِفك التي اتهمت فيها عائشة أم ُالمؤمنين البريئة الطاهرة بالفاحشة وما حصل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب الإِشاعة.

 

اللهم أعنا على حفظ ألسنتنا وفروجنا، وجميع جوارحنا يا كريم.

 

أقول قولي...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: قد يتساءل البعض: ما المنهج الشرعي في التعامل مع الأخبار؟

 

والجواب: أن التعامل الشرعي يكون بأمرين:

 

1- التأني والتروي؛ أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث أنس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "التأني من الله، والعجلة من الشيطان".

 

قد يدرك المتأني بعض حاجته *** وقد يكون مع المستعجل الزلل

 

2- التثبت في الأخبار؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6]، وفي قراءة: (فتثبتوا).

معنى التثبت: تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال ليعرف أيثبت هذا الأمر أم لا.

والتبين: التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملابساته.

يقول الحسن البصري: "المؤمن وقاف حتى يتبين".

 

عباد الله: إن من البلاء أن يسارع المسلم بنشر كل ما يأتيه عبر الجوال من غير تثبت.

 

إن أجهزة التواصل هذه الأيام تفعل الأفاعيل، وينطبق عليها الحديث في الرجل يكذب الكذبة تبلغ الآفاق.

 

فاتقوا الله -عباد الله- وأمسكوا ألسنتكم وجوالاتكم، فلا تتكلموا إلا بعلم أو اسكتوا بحلم.

 

أقول هذا لأني أرى من يتساهل في نقل كل خبر بدون تثبت، ولا يعفيه من المسؤولية كونه ناقل، ف"كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع".

 

والبعض الآخر يتساهل في مشاهدة النساء المتبرجات، وسماع الموسيقى، وكأن الأمر جائز طالما أنه في مقطع فيديو في الجوال.

 

فاتقوا الله -عباد الله-، لنسألن عن هذه النعمة وفيما استخدمناها.

 

اللهم تقبل منا الصيام والقيام والدعاء يا رب العالمين.

 

اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من الفائزين برضوانك والعتق من نيرانك.

المرفقات
خطر-اللسان-وقت-الفتن.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life