عناصر الخطبة
1/ من التطور ما يكون الهلاك فيه 2/ تمحيص الضار من المخترعات من النافع 3/ غفلة ولي الأمر عن أبنائه 4/ القنوات الفضائية تجمع السم الزعاف 5/ الإنترنت يجمع شرور العالم 6/ من أخطار الإنترنت 7/ أسباب هذا السقوطاهداف الخطبة
اقتباس
لا شك أن الإنترنت فيه خير كثير؛ فقد ساعد في نشر الدعوة، وحمل فيه من العلوم ما يعجز المرء أن يقتنيه في منزله، بل سهّل التواصل من خلاله أكثر من غيره وأقل كلفة، ولكن الجانب الأعظم من مستخدميه، لا يستخدمونه في الخير، بل هو مطيتهم إلى كل سوء، خصوصًا ما يسمى بالشات، وهو محادثة بين الجنسين، ولو شاءا لأضافا إليه تبادل الصور، بل الصورة على الهواء، فهل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله واعلموا أن الله -جل وعلا- ينعم ليبتلي، ويفتح أبواب الرزق للناس فتكون خيرًا لقوم ووبالاً لآخرين، وأن الله يبتلي العبد بالخير كما يبتليه بالشر، كما قال سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، وأن الله إذا أراد بقوم هلاكًا فتح عليهم أبواب الخير ليزدادوا إثمًا، قال تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).
معاشر المسلمين: لقد تطور العلم وأينعت ثمرته، وبلغ الناس المبلغ العظيم من الثورة العلمية، ولكن لا يخفى على الناس أن من التطور ما يكون الهلاك فيه، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فخطب الناس فقال: "لا، والله ما أخشى عليكم -أيها الناس- إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا"، فقال رجل: يا رسول الله: أيأتي الخير بالشر؟! فصمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: كيف قلت؟! قال: قلت: أيأتي الخير بالشر؟! قال: "إن الخير لا يأتي إلا بخير، أوَخير هو؟!، إن كل ما ينبت الربيع يقتل حَبَطًا أو يُلمُّ إلا آكلة الخضر، أكلت حتى امتلأت خاصرتها، استقبلت الشمس ثلطت أو بالت ثم اجترت، فعادت فأكلت، فمن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع".
فهذا الصادق المصدوق يخبر أن من الخير ما يقتل أو يلم يعني يقارب القتل، مع أن المثال المضروب في الحديث هو في الخير القليل شره، فما بالنا بالشر القليلِ خيره!!
وكم من خير اخترعه الأوائل للناس فكانوا أول الهالكين به!!
فهذا عباس بن فرناس أول من اخترع الطيران، وبه كان حتفه! وانظر إلى العالم لما بلغ المبلغ العظيم في تطور الأسلحة النووية ندم على ذلك لأنه أحس أنه اخترع هلاكه بيده، وها هم يسعون لنزع السلاح من البلدان! وما قنبلة هيروشيما عن الذاكرة ببعيد.
وذاك العالم الذي اخترع المضاد الحيوي الذي يسمى بالبنسلين، وبه كان حتفه!
أيها المؤمنون: إننا في زحمة التطور وتسابق المخترعات يجب علينا أن نمحّص الضار من النافع، ويجب علينا إذا كان التطور مما يشترك فيه النساء والرجال أن يزداد حذرنا أكثر وأكثر، ولنضرب لذلك مثلاً، ففي وسائل الاتصالات مثلاً ينزل يومًا بعد يوم ما يبهر عقولَ الناس، وذلك استدرارًا لأموالهم، وفسادًا لأخلاقهم، ويخف الضرر إذا كان ضررًا ماليًا، ولكن إذا انتقل الضرر إلى العِرض فتلك المصيبة الكبرى التي لا يرفأ فتقها، ولعلنا نستعيد الذاكرة إلى الوراء قليلاً، فأول ما نزل إلى الأسواق الجوال الذي زود بالكاميرا، ضجَّ الناس حتى منع بيعه في الأسواق، وأصبح يباع خفية كالمخدرات، وما أن سُمح ببيعه حتى كثر في الأسواق بأنواع مختلفة وإمكانيات عجيبة وتطور باهر، ويزداد الأمر خطورة عندما زودت بعض الأجهزة بما يسمى بالبلوتوث، وهو برنامج مراسلة مجانية بين أجهزة الهاتف التي تعمل بهذا الخاصية، ويستطيعون أن يحمّلوا على الجوال أفلامًا من الفيديو ويدبلجوا ويدخلوا صورًا في صور وأفلامًا مع أفلام، حتى انتشر للأسف بين الشباب بجنسيهم تبادلُ الأفلام الخليعة، بل وصور الأبرياء التي تلتقط بلا علمهم، وذلك عبر ما صور بالجوال في بيوت الأفراح أو في الأسواق أو في المدارس، أو في مشاغل الخياطة، أو في المتنزهات أو في شقق الإيجار أو الفنادق، حتى خشي الإنسان على نفسه في بيته، ويجتمع سيل التطور في مستنقع الرذيلة، فيتساعد البلوتوث وكاميرا التصوير والإنترنت في نشر الفساد وانحلال المجتمع، فيتناقلون ذلك في البلوتوث عبر رسائله، والعجب أنها تنتشر في أواسط الناس انتشار النار في الهشيم، ثم يأتي بعض السقطة وينزل هذه الصور عبر الإنترنت، فينشرها عالميًا، فانظر –يا رعاك الله- كيف أن هذا التطور أصبح وسيلة فساد، بل أصبحت التقنية وسائلَ ترفيه وهمجية، كل هذا والناس بلا رقيب ولا سلطة مانعة، أتعلمون أنه انتشر بين الناس صور لفتيات وهن في قاعة الدراسة؟!
معاشر المسلمين: إن لهذا السفه أسبابًا كثيرة إن لم نقم بعلاجها هلك المجتمع بأسره، سنأتي عليها بإذن الله تعالى، ولو تعقل الناس فيها لقلبوا الفتنة إلى نعمة، والمحنة إلى منحة.
ولكن للأسف قلَّ أن تجد من الناس من يستعملها في الخير المحض، ومن قصد الخير أصابه من شرها الذي لا يكاد ينجو منه أحد، وإن المخيف في الأمر هروعُ شباب الأمة خلف زيفها والغرقُ في مستنقعاتها، بلا تأنٍّ، بل ولا رقيب، ومن خالط الشبابَ سواءً في وسط المجتمع أو في قاعات الدراسة يبكي دمًا لحال الشباب الذين هم عماد الأمة والذين هم أملها.
وبغفلة من ولي الأمر الذي أصبح لفرط جهله بهذه الأمور يساعد أبناءَه على الشر والفساد وهو لا يشعر، بل ربما تغافله أبناؤه على ما يريدون، وكل ذلك في ظل الثقة الزائفة التي يجني الولي منها الندامة في الغالب.
معاشر المؤمنين: القنوات الفضائية تجمع السم الزعاف الذي ليس له مصل يعالج به من أصابه سمها، إلا توفيقُ الله وعنايتُه، فهي تبث فساد المجتمعات، ورذائل أخلاقهم، إلى كل بيت يحوي تلك القنوات، فيا ليت شعري بيت كهذا كيف يتربى فيه أهله؟! بل كيف يكون للأبوين دور في الإصلاح؟!
عباد الله: الإنترنت وما أدراك ما الإنترنت؟! إنه البث المباشر الذي لا راد له من البشر، إنه زبالة العالم جمعت فيه ليستقي منها وراده بلا رقيب!
لا شك أن الإنترنت فيه خير كثير؛ فقد ساعد في نشر الدعوة، وحمل فيه من العلوم ما يعجز المرء أن يقتنيه في منزله، بل سهّل التواصل من خلاله أكثر من غيره وأقل كلفة، ولكن الجانب الأعظم من مستخدميه، لا يستخدمونه في الخير، بل هو مطيتهم إلى كل سوء، خصوصًا ما يسمى بالشات، وهو محادثة بين الجنسين، ولو شاءا لأضافا إليه تبادل الصور، بل الصورة على الهواء، فهل يعلم ذلك أولئك المغفلون الذين فتحوا الباب على مصراعيه في بيوتهم؟!
لقد حضر إليّ في هذا الجامع المبارك رجل بلغ أشده بل تجاوزه، متزوج وله ذرية، وهو من هواة الإنترنت، ويدخل في المحادثات حتى فتن، واستطاع أن يخرج فتاة من بيت أهلها أكثر من مرة، ولولا أن الله قيّض رجال الهيئة وقبضوا عليه، لحصل ما لا تحمد عقباه، حضر إلى هنا، وهو يبكي ألمًا وحسرة بعد أن حلف أيمانًا مغلظة أن لا يعود إلى هذا الجهاز الخبيث مرة أخرى، وقد نشرت بعص الصحف قبل أيام أن ثلاثة من الشباب استطاعوا أن يستدرجوا فتاة من بيت أهلها، والخروج بها عبر الإنترنت، ومازال البحث جاريًا عنهم.
إن الإنترنت أخطر بكثير من بقية الوسائل الإعلامية، وإن كان الجميع يشترك في زراعة الشر ونشره.
فلا تندهش عندما تعلم أن أغلب المواقع الإباحية على الإنترنت يملكها يهود، فهل يليق بمسلم أن يلهث خلف سراب الشهوات عبر تلك الفضائيات؟!
اللهم احفظ علينا ديننا، وأعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: بعد هذا السخف اللا أخلاقي هل يعقل أن مسلمًا يعطي بنته جوالاً فيه كاميرا أو بلوتوث أو يفتح لها الحرية في الدخول للإنترنت، بل حتى ابنه الشاب الذي لا يزال في سن المراهقة، وإن كان الخطر على الجميع.
عباد الله: يجب أن نحارب هذه الأجهزة وأن نحذر منها، فلا يستخدمها إلا العقلاء الذين لا يستخدمونها إلا فيما يعود بالنفع عليهم ومجتمعاتهم.
عباد الله: هنالك أمور دعت إلى هذا السقوط في الهاوية، وعلاجها عكسها، نمر سريعًا على بعضها:
الأول: ضعف الوازع الديني لدى الأبناء وبعض الآباء، ولو خافوا الله لكفوا عن كثير من ذلك.
الثاني: عدم تقدير حجم الضرر الناتج من ذلك، أو الجهل به.
الثالث: ضعف الرقيب، فالأب ضعيف الشخصية لا يستطيع منع أبنائه عن هذه الترهات، وسبب ضعفه هو سوء التربية، أو الخطأ فيها، فبعض الآباء يربي ابنه وكأنه يعيش قبل خمسين سنة، ولا يراعي تغير الزمن والحوادث، والبعض الآخر يمنح ابنه الثقة العمياء، والبعض منهم يقول: لا أستطيع أن أمنعه من كل رغباته، ويجب أن أكون معه متفاهمًا، فلا أجبره على شيء لا يرغب فيه، ولا أنهاه عن شيء يرغب فيه حتى يكون هو نفسه يأتمر أو ينتهي، وأقول: إن هذا جيد ولكن وسط ضوابطَ وشروطٍ أهمها، عدم تعميم القاعدة على كل مسألة، بعض المسائل لا تقبل هذا البته، بل يجب الحزم والمنع، أرأيت لو أن ابنك أراد تعاطي السم أكنت تاركه إن لم يقتنع بأضراره، فهذه الوسائل أشد فتكًا به لو تعلمون.
الرابع: إهمال الابن في سن الصغر، ثم إذا راهق الابن جاء الأب ليربي، وعندئذٍ يخسر الأب كثيرًا.
الخامس: غفلة كثير من المربين من معلمين ومرشدين ومديرين عن توعية أبناء المسلمين في ذلك، فدور المدرسة يجب أن يفعّل في ذلك، فالمدرسة في هذه الأيام يجب أن تركز على التربية أكثر من تركيزها على التعليم.
السادس: الجهل المفرط بالواقع الذي نعيشه، والتحديات القائمة على الشعوب المسلمة.
وختامًا -عباد الله-: يجب إعادة النظر فيما أنعم الله علينا من نعم، كما يجب علينا أن ننتبه لهذه الوسائل ولنفتش جوالات أبنائنا، ولنمنع عنهم ما كان فيه من هذه الوسائل المحرمة.
اللهم منّ علينا بالعفة والسلامة من الآثام...
التعليقات