عناصر الخطبة
1/حمد الله وشكره على بلوغ العيد 2/من معاني العيد 3/التحذير من الفصل بين العبادة وبين شؤون الحياة 4/وجوب التمسك بالدين 5/نداء ووصايا للمؤمناتاقتباس
إذا أصغت الأسرة لكل إعلام خادع، وإسناب فاتن، وبهرجة حضارية مقيتة، ونسيت معه الزوجة والمرأة العشرة الحميمية، والعيشة الهنية؛ لتبحث عن حرية مستعبدة، عندها تتحول الأسر المُلتمَّة والبيوت المستقرة إلى تصدع وانهيار، وتفكك وانحسار...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله بنعمتك تتم الصالحات, وبفضلك وكرمك ترفع الدرجات, وتغفر الزلات، لك الحمد على تمام الشهر, وبلوغ عيد الفطر.
لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى *** تباركت تعطي من تشاء وتمنعُ
الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر, الله أكبر كبيرا, والحمد لله كثيرا, وسبحان الله بكرة واصيلا, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد, وسلم تسليما مزيدا, أما بعد:
يا معشر من صام في رمضان, وقامه إيمانا واحتسابا, وقرأ وزكا ونصح للمسلمين وعمل صالحا: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الأنعام: 54], سلام عليكم فربكم وعدكم: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)[آل عمران: 195], (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)[البقرة: 143], ووعدكم جنته بثمارها وأنهارها وحورها وظلالها وقال بعدها: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا)[الإنسان: 22].
ما أجملكم وأنتم صفوف في المساجد ما بين راكع وساجد, وفي البيوت تحسسون الأسحار بالقيام والاستغفار!, وها أنتم -في هذا اليوم الأغر- تذوقون أولى الفرحتين عند فطركم, وأبشروا -بإذن ربكم- بالأخرى عند لقاء ربكم, ويكتمل صيام العام بإتباعه بصيام ست من شوال.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد.
ما أجمل هذا اليوم!؛ يومُ توج الله به شهر الصيام، وافتتح به أشهر الحج إلى بيته الحرام.
عيد امتلأت القلوب به فرحا وسرورا, وازدانت به الأرض بهجة ونورا.
عيد يعود الناس بعد صلاتهم للتزاور وصلة الأرحام, والتهنئة والسلام.
عيد يربي الأمة على الاجتماع وللحمه, ويظهر فيهم العزة والقوة.
عيد تتجلى معه عظمةُ هذا الدين بتشريعاتهِ السامية، ومبادئهِ السامقةِ، وأخلاقياتهِ العاليةِ, لا يقبلُ التنازلَ فيه عن المبادئِ والمسلمات، ولا التهاونَ في الأحكامِ والتشريعاتِ.
فليس لأمةِ الاسلامِ عذرٌ *** إذا اقتنعت بغثِ عن سمينِ
عيد يعودنا ويرسخ في أذهاننا أن الإسلام ليس مقصورا على المسجد والسجادة؛ بل هو مهيمن على العمل والسوق والسياحة.
ولواءُ الإسلامِ في كل أرضٍ *** خافقُ يحُمي به الخافقان
ما أجمل تورع المسلم وهو يسأل عن قطرة العين في الصيام!، لكن الأجمل أن تحفظ هذه العين عن النظر إلى ما حرم الله, وما أبهى وجه المرأة وهو ينهمر بكاءً في القنوت, لكن الأبهى أن يكسوه الحياء بعد الصلاة, ويحفظ ويستر في الأسواق والمتنزهات!.
لا يصح من مسلم ومسلمه أن يكون في المسجد عبدا لله, وفي خارجه عبدا لشهواته وهواه؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 162].
مُشرعُ الإسلام الذي قال: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر: 2], هو الشرع القائل: "من غشنا فليس منا", والقائل: (اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي)[آل عمران: 43], هو القائل: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].
إن الفصل بين العبادة وبين شؤون الحياة هو هدف أعداء الدين؛ فهم ينشدون جيلا يصلي في المسجد ولا يجد حرجا في الفواحش, جيلا يصوم عن الطعام والشراب لكنه لا يتورع عن الفسوق والعصيان، جيلا يصلي ويصوم ويتقبل الربا والتبرج والاختلاط!.
إنها سياسة سنها قوم شعيب حينما قالوا له: (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)[هود: 87], فهم يستنكرون أثر الصلاة في سلوكهم واقتصادهم ومعاملاتهم, وهو منطق دعاة الشهوات اليوم الذين يتساءلون في استنكار: ما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟ ما للإسلام والعري؟ ما للإسلام وزي المرأة في الطريق؟ ما للإسلام وتناول كأس الخمر لإصلاح المزاج؟ ما للإسلام والقوامة؟ ما للدين وشؤون الأسرة؟...
نتيجته حين ترى من يتحرج من الغرغرة في صيامه, ولا يبالي أن يلوك أعراض المسلمين بلسانه!.
نتيجته حينما ترى المرأة قانتة في مسجدها، خاشعة في سجادتها, وإذا خرجت تبرجت, واختلطت بالرجال!.
الله أكبر كبيرا, والحمد لله كثيرا, وسبحان الله بكرة وأصيلا.
قوةُ الإيمانِ وصلاحُ الدين, حصنٌ من المزالق، وأمانٌ من النكبات، وحرزٌ من المهالِكِ وقوةٌ في النائبات.
أخذَ الدين بقوة هو قبولُ لكُلِّ أوامِرِهِ ونواهيه، وأحكامه وتشريعاتِه بانقيادٍ تامٍ واستسلامٍ كامل, من غير ترددٍ ولا توَقُّف، ولا تخبطٍ ولا انتقاء, دخولٌ في شرائع الإسلامِ جملةً دون تَفرِيق؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[البقرة: 208], فمن لَزَمَ هذا الصراطِ ألبسَه الله تاج العِزِّ، وأقامَه مقام القوةِ، وأمدَّه بالعونِ والتمكين.
وأجمل وصف, وأجمع أمر, وأعظم جزاء هي ما جمعته هذه الآية: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71].
بارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْعِيدِ السَّعِيدِ، وَأَعَادَهُ اللهُ عَلَينَا وَعَلَيكُمْ بِالْعُمُرِ الْمَزِيدِ, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه؛ إن ربنا لغفور شكور.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله أحاط بكل شيءٍ علماً، وجعل لكل شيءٍ قدراً, وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وأصحابِه ومن اهتدى بهديهِ إلى يوم الدِّينِ.
أما بعد: في العيد يتجلى جمع شمل الأسرة, التي إن قَويتِ بترابُطها وتصافيها؛ حققت لها مجداً، وصنعت لها فخراً, وكَسَبَت لها عِزاً.
الأسرةُ إن قَويَت بإيمانِها وصلاحها؛ عاشت تقيةً، وحُشِرَت يوم الحسابِ رَضيةً؛ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)[الطور: 21].
وفي المقابل إذا أصغت الأسرة لكل إعلام خادع، وإسناب فاتن، وبهرجة حضارية مقيتة، ونسيت معه الزوجة والمرأة العشرة الحميمية، والعيشة الهنية؛ لتبحث عن حرية مستعبدة، عندها تتحول الأسر المُلتمَّة والبيوت المستقرة إلى تصدع وانهيار، وتفكك وانحسار، ويتيم الأبناء وهم أحياء!.
يا لطفل أضاعه والـــــــــداه *** في طلاق لم يدركا عقباه
لم يمت والده لكنه أمسى *** يتيما يجتر طعم أســـــــــــــاه
خداع باسم الحرية, وهدم للقيم والفضيلة من أجل كوب ونزهة برية؛ إنها سوءاتٌ وخبائث، شاعت يوم ظهر المخببون ممن تبرأ منهم الرسول الكريم, فقال: "ليس مِنَّا مَنْ خبَّب امرأةً على زوجها"(أخرجه أبو داود).
نداء للمسلمات:
لا يخدعنكن بارقٌ متلمعُ *** إن البروق تكون في ظلمائها
حذارِ من خداعات سقطن في الوحل, واستقن من ماء آسن, خرجن من فضاء عبودية الله إلى مزبلة عبودية الغرب, إنما معهن من جنة كمثل جنة الدجال, يحسبها المفتون جنة وهي نار تلظى!.
إذا رأيتِ نِيُوبَ اللَّيثِ بارزةً *** فلا تظنِّي بأنَّ اللَّيث يبتسمُ
يا نساء المسلمين: أَوِحْدةٌ تعيشها المرأة, تتقاذفها الدعايات, وعملة رخيصة في الكافيهات، تلخسها النظرات، ويتحرش بها ساقطو المروءات, خيرٌ أم حياة مع زوج وأبناء محشومة، وبيت مستوره, وكرامة مصونة؟!.
أيُّ نهاية جميلة, وعيشة هنية, تكون لزوجة خرجت من بيتها, وتبرت من زوجها، وعافت ولدها؟! من يحنو عليها إذا احدودب ظهرها, وشاب رأسها وكثرت عللها، وذهب حينئذ نضارة وجهها؟ !ماذا تغني عنها الحسابات والدعايات؟! (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الأنعام: 143].
إن الله سمى الزواج ميثاقا غليظا, لا يحل نقضه من أجل عبودية لرغبات النفس, أو استجابة لنداءات حاملات معاول هدم البيوت, وتشتيت الأسر، والتمرد على القيم, قال -عليه الصلاة والسلام-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ؛ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ"(أخرجه أهل السنن).
وفي المقابل: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا؛ قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ"(أخرجه الإمام أحمد).
وأول وصيةٍ وآخر وصيةٍ من ربنا هي التقوى؛ (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا)[الطلاق: 10، 11].
وفي صحيح البخاري، قال جابر -رضي الله عنه-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ".
اللهم اجعل عيدنا سعيدا, وشملنا ملتما, واكفنا شر الأشرار، وشر طوارق الليل والنهار, اللهم احفظنا وأزواجنا وذرياتنا من مضلات الفتن.
التعليقات