عناصر الخطبة
1/عيد الفطر يوم من أيام الله 2/تنبيهات وآداب مهمة في عيد الفطر المبارك.اقتباس
والفرح المقصود بالنصوص الشرعية؛ الفرح المتقيد بآداب الشرع الحنيف الذي دعا إليه الحكيم اللطيف؛ وقد ذكر السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية؛ فقال: "وإنما أمر الله -تعالى- بالفرح بفضله ورحمته؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله -تعالى-، وقوتها، وشدة الرغبة في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد العلام الذي أكرمنا بالإسلام وأتم علينا شهر الصيام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي وعد المسارعين إليه بطاعته دار السلام وأنعم على التائبين بتكفير الآثام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من تقرب إلى ربه بالصلاة والصيام -صلى الله عليه وسلم- عدد ما خطت الأقلام وعلى آله الكرام وصحابته الأعلام وعلى التابعين لهم ومن سار على نهجهم واستقام.
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بالمداومة على عبادة الله والتوبة إليه قبل لقاه وتحقيق تقواه؛ فهي وصية الله للأولين والآخرين؛ حيث قال في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131]، ووصى الله بها عباده المؤمنين؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، أما بعد:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون: إنكم في يوم من أيام الله العظيمة، إنه يوم عيد الفطر المبارك الذي أكرم الله به عباده الصائمين وأنعم بتشريعه على أصفيائه القائمين ليفرحوا في هذا اليوم المبارك بعد إكمالهم لأحد أركان الإسلام وفرائضه العظام؛ فضلا منه -سبحانه- عليهم ورحمة بهم؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58].
وفي السُنة الغراء أخبر إمام الأنبياء عن أفراح الصائمين الأولياء؛ كما جاء في الحديث الصحيح والمتن الصريح والكلام الفصيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "للصّائمِ فرحتانِ: فرحةٌ حينَ يفطرُ، وفرحةٌ حينَ يَلقى ربَّهُ"(صححه الألباني).
وجاء في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قدِمْتُ المدينَةَ ولأهلِ المدينةِ يومانِ يلعبونَ فيهما في الجاهليَّةِ، وأنّ اللهَ تعالى قدْ أبدَلَكم بهما خيرًا منهما يومَ الفطرِ ويومَ النحر".
والفرح المقصود بالنصوص الشرعية؛ الفرح المتقيد بآداب الشرع الحنيف الذي دعا إليه الحكيم اللطيف؛ وقد ذكر السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية؛ فقال: "وإنما أمر الله -تعالى- بالفرح بفضله ورحمته؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله -تعالى-، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل؛ فإن هذا مذموم".
فطوبى لك -يا عبدالله- فرحة إتمام رمضان؛ ونرجو الله أن يتمها عليك بالعتق والغفران والفوز والرضوان، وتلك والله حقيقة العيد وما أجمل قول الشاعر:
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك *** لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك
كم من جديد ثيابٍ دينه خلق*** تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
ومن مرقع الأطمار ذي ورع *** بكت عليه السما والأرض حين هلك
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: وفي يوم الفطر ينبغي على المسلم أن يشكر ربه على إتمام النعمة وتوفيقه له وإعانته على الصيام والقيام؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
ومع الشكر ينبغي للعبد كذلك: أن يكثر من الدعاء ومناجاة رب الأرض والسماء بأن يتقبله بقبول حسن؛ كما كان يفعل سلفنا الصالح؛ يقول معلى بن الفضل -رحمه الله-: " كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وقال يحيى بن أبي كثير كان من دعاء السلف -رحمهم الله-: "اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً".
كما ينبغي على المؤمن بعد انصرام رمضان: أن يحسن الظن بربه ومولاه؛ فحسن الظن بالله من العبادات القلبية التي قد يغفل عنها البعض، قال الله تعالى في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء" (رواه الطبراني)؛ يقول ابن القيم -رحمه الله-: "ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان؛ فإن المحسن أحسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته".
والموفق من يحسن الظن بربه بأنه سيتقبل منه اليسير ويعفو عما كان من تقصير؛ فتلك عبادة يحبها العليم الخبير وتنفع صاحبها في الدنيا والمصير.
وإني لأرجو الله حتى كأنني *** أرى بجميل الظن ما الله صانع
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: ألا وإن مما يجب على المسلم بعد انقضاء شهر رمضان: أن يداوم على طاعة ربه وخالقه والاستقامة على عبادته؛ فلا ينبغي بانصرام هذا الشهر المبارك أن نتوقف عن الإحسان والمسابقة في طاعة الديان، ولنا في القرآن قصة وعبرة كما في قوله -تعالى-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) [النحل: 92]، هذه الآية نزلت في ريطة بنت عمرو (إحدى نساء مكة) كانت تغزل الصوف وجه النهار بقوة ثم تنقضه آخره؛ فجعلها الله مثالا لمن يبطل عمله بعد قيامه به ومن يضيع جهده بعد تمامه.
ووصى الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- أن يداوم على عبادته حتى يلقاه؛ فقال: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]؛ فاستجاب النبي الكريم لربه؛ فكان لا ينفك عن طاعته وعبادته حتى انتقلت روحه الطاهرة إلى باريها؛ وقد روت عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحب الأعمال إلى الله -تعالى- أدومها وإن قلَّ"(رواه البخاري ومسلم)، ولم يقتصر مداومته -صلى الله عليه وسلم- على الفرائض فحسب؛ بل كان يداوم على النوافل والمستحبات من نوافل الصيام والصلاة والصدقات وسائر الطاعات؛ كما ذكرت عنه أم المؤمنين وسيدة نساء الموحدين عائشة -رضي الله عنها- أنه: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملاً أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة"(أخرجه مسلم).
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
وفي يوم العيد -يا أمة التوحيد- ينبغي شهود صلاة العيد مع العبيد، والتوسعة على الأهل والأطفال، وزيارة الأرحام؛ فإن من وصلهم وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله؛ كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فقالَ اللَّهُ: مَن وصَلَكِ وصَلْتُهُ، ومَن قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ"(رواه البخاري)، وإكرام الأرحام وصلتهم سبب للبركة في الأرزاق والأعمار؛ فينبغي ألا يتوقف البذل والعطاء والبشاشة والزيارة على الأرحام فحسب؛ بل ينبغي أن تعم المسلمين من الجيران واليتامى والفقراء والمساكين عامة؛ وهذا حق أوجبه الإسلام على المسلمين نحو بعضهم.
طاف البشير بنا مذ أقبل العيد *** فالبشر مرتقب والبذل محمود
يا عيد كل فقير هز راحته *** شوقاً وكل غني هزه الجود
كما ينبغي التحلي بالآداب الشرعية للعيد؛ الرجال والنساء على حد سواء فتلك حقيقة شكر المنعم -سبحانه وتعالى-، وليحذر العبد أن يقابل آلاء الله بالعصيان والإسراف في المطعم والمشرب والملبس والاستماع إلى الحرام والاختلاط وما يخدش ما قدمناه في رمضان من القربات وما يهدم ما بيننا من الطاعات.
ومن الأعمال التي يستحب للمسلم أن يفعلها عقب رمضان صيام ست من شوال؛ كما في حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمَضانَ وأتبَعه سِتًّا مِن شوّالٍ خرَج مِن ذُنوبِه كيومَ ولَدَتْه أُمُّه".
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
اللهم ثبتنا على طاعتك وارزقنا المسابقة إلى مرضاتك ومحابك.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين المستضعفين فوق كل أرض وتحت كل سماء.
وصلوا وسلموا..
التعليقات