عناصر الخطبة
1/فضائل الأمة المحمدية 2/خصائص أمة الإسلام ومميزاتها 3/فضائل يوم النحر 4/سنن الأضحية وآدابها 5/خصائص أيام التشريق.اقتباس
تَفَضَّلَ على أمةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ فجعل لها المقامَ العليَّ، والفضلَ السنيَّ، والشرفَ الأتم؛ إذْ هِيَ آخرُ الأممِ ظهوراً في الدنيا، وهي السابقةُ المُقَدَّمَةُ يومَ القيامة. أمةُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- شَرَّفها الله بأفضلِ نبيٍّ، وَكَرَّمَها بأكرم كتاب، وَوَضَعَ عنها الإِصْرَ والأَغْلالَ التي كانت على الأُمَمِ قَبْلَهَا، وَمَا جَعَلَ عليها في الدينِ مِنْ حَرَج، فلا مشقةَ في التكاليفِ، ولا عَنَتَ في الأحكام، وإنما يُسْرٌ في التشريع، مع مضاعَفَةٍ للمثوبة، عملٌ يسيرٌ وجزاءٌ عظيم.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى الله لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ليس له شريك ولا مثيل، ولا شبيه ولا نظير، ولا وليٌ من الذل ولا ظهير، سبحانه هو العلي الكبير.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسُولُه، أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين:
اشدد يديك بحبل الله معتصماً *** فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتقِ الله يُحْمَدْ في عواقِبِهِ *** ويَكْفِهِ شَرَّ مَنْ عَزُّوا وَمَنْ هَانُوا
عباد الله: تعالى الله في عليائه، ذو الفضل العظيمِ، والخيرِ العميمِ، والعطاءِ الجليلِ والثوابِ الجزيلِ. تَفَضَّلَ على أمةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ فجعل لها المقامَ العليَّ، والفضلَ السنيَّ، والشرفَ الأتم؛ إذْ هِيَ آخرُ الأممِ ظهوراً في الدنيا، وهي السابقةُ المُقَدَّمَةُ يومَ القيامة.
أمةُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- شَرَّفها الله بأفضلِ نبيٍّ، وَكَرَّمَها بأكرم كتاب، وَوَضَعَ عنها الإِصْرَ والأَغْلالَ التي كانت على الأُمَمِ قَبْلَهَا، وَمَا جَعَلَ عليها في الدينِ مِنْ حَرَج، فلا مشقةَ في التكاليفِ، ولا عَنَتَ في الأحكام، وإنما يُسْرٌ في التشريع، مع مضاعَفَةٍ للمثوبة، عملٌ يسيرٌ وجزاءٌ عظيم.
فيا أمةَ محمد: هل أَتَاكُمْ نَبَأُ إِكْرَامِ اللهِ لَكُمْ على سائر الأمم؟ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران:110]، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة:143].
وفي حديثٍ حَدَّثَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أُمَّتَهُ يوماً مُبَشِّراً، فقال: "مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ -يعني اليهودَ والنصارى- كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ. ثمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلاً وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ - اللهُ -: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ"(رواه البخاري).
وأمةُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- هي أكثرُ الأمم دخولاً الجنة، قالَ عَبْدُاللهِ بنُ مسعود -رضي الله عنه- قال لنا النبيُ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، قَالَ: فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، قَالَ: فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(رواه البخاري ومسلم).
وعن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أهلُ الجنة.. عشرون ومائةُ صف، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم"(رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني).
وروى الإمامُ أحمدُ -رحمه الله- أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلا إِنَّكُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، -أي تُتِمُّونَ وتُكملونَ سبعين أمةً قد سبقتكم- أَنْتُمْ خَيْرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ".
وعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأممُ، فرأيتُ النبيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ، والنبيَّ ومعهُ الرَّجُلُ والرجُلانِ، والنبيَّ وليس معه أحدٌ، إذْ رُفِعَ لي سَوَادٌ عَظِيْمٌ فَظَنَنْتُ أنهمْ أُمَّتِي، فقيلَ لي: هذا موسى وقَوْمُه، فنظرتُ فإذا سوادٌ عظيمٌ، فقيلَ لي: هذه أمتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ ألفاً يَدْخُلُوْنَ الجنةَ بِغَيْرِ حِسَاب ولا عذاب"(متفق عليه).
إنها أمةُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-: اصطفاها الله فأورثها الكتاب، وأعدَّ للمستمسكين به أجراً عظيماً (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)[فاطر: 32-33].
أيها المسلمون: وإنَّ أمةً هذا قَدَرُها، وهذا قَدْرُها عند ربها، لحريٌّ بها أن تكونَ مستمسكةً بشريعة ربها، عاملةً بسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم- مُعتَزَّةٌ بعقيدتها وأخلاقها وقِيَمِها، تقودُ الأممَ إلى المكارمِ ولا تُقاد، وتهدي الشعوبَ إلى الهدايةِ ولا تَنْهَزِم. عن أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْض -أي سابقٌ لكم لأُسْقِيْكُمْ مِنْه-، فَإِيَّايَ لَا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبُّ عَنِّي كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، فَأَقُولُ: فِيمَ هَذَا؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا"(رواه مسلم).
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد: فيا عباد الله.. أقيموا على التقوى قلوبكم، واجعلوها حليفة أعمالكم في سركم وجهركم (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].
أيها المسلمون: أرأيتم يومَكُمْ هذا؟ إنه يوم عظيمٌ من أعظم أيام الدنيا، هو يوم النحرِ.. وهو يومُ الحج الأكبر. يومٌ قامَ فيه للتوحيدَ أعظمُ شعار، ورُفِعَ فيه للمؤمنين أصدقُ وَلاء، أُعلِنَتْ فيه البراءةُ من الكُفرِ والكافرين (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)[التوبة:3].
فاللهُ ورسولُهُ بُرآءُ من المشركين. والمسلمُ في مثل هذه المواسمِ يتعاهدُ عقيدَته وإيمانَه، وولاءَه وبراءَه، فلا يوالي إلا لله، ولا يُعادي إلا يعادي إلا لله. ولا يُحِبُّ إلا في الله، ولا يُبْغِضُ إلا في الله. يوالي المؤمنينَ ويناصِرُهُم، ويعادي الكافرين والمنافقينَ ويتبرأُ منهم.
عباد الله: وفي يوم النحر خَطَبَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ"(رواه البخاري).
فالأضحيةُ هي من أكرم القُرُباتِ التي يتَقَرَّبُ بها العبدُ إلى ربِّه في هذا اليوم (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)[الحج:34]، ويبدأُ وقتُ ذبحِ الأضاحي من بعد صلاة العيد، وينتهي معَ غُرُوبِ شمس آخرِ يومٍ من أيام التشريقِ، وهو اليومُ الثالثُ عشر. وذبحُها بعدَ صلاةِ العيدِ أفضل.
والأضحيةُ نُسُكٌ وقُربانٌ يتقربُ به المسلمُ إلى ربه، وكلما كانَ القربانُ أطيب، كان ثوابُه عند اللهِ أعظم، ولا يُكلِّفُ الله نفساً إلا ما آتاها.
ويجب على المسلمِ أن يُخلِصَ لله في أُضْحِيَتِه، فلا يُرائي فيها إنْ عَظُمَت، ولا يزدريها إن ضَعُفَت، فالمؤمنُ لا يزدري حسنةً للهِ قدمَها، فالله يضاعِفُ لمن يشاء و (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة:27]، (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج:37].
عباد الله: والأكملُ للمسلمِ أن يذبحَ أضحيتَه بيدِه اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أَنَسٌ -رضي الله عنه-: "ضَحَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا"، قَالَ: "وَسَمَّى وَكَبَّرَ"(رواه مسلم).
ويسن للمسلم أن يأكل من أضحيته ويهدي منها ويتصدق (فكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الحج:37].
والأيامُ الثلاثةُ التي تلي يومَ العيد.. تُسمى أيامُ مِنى، وتُسمى أيامُ التشريق. وهي الأيامُ المعدوداتُ التي ذكرها الله في كتابه (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)[البقرة:203]، هي أيامُ أكلٍ وشُربٍ، لا يجوزُ صيامها، وهي أيامُ ذكرٍ لله، عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَهُ وَأَوْسَ بنَ الحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَنَادَى: "أنَّهُ لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ"(رواه مسلم).
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.. وجُدْ علينا بعفوك إنك أنت الغفور الرحيم..
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار..
التعليقات