عناصر الخطبة
1/في العيد صلة توصل وهجر يُهجَر 2/بعض فضائل حجاج بيت الله الحرام 3/فضائل ومنزلة بيت الله الحرام 4/أطيب ثمار الحج تحقيق التوحيد 5/بعض أعمال الحج في يوم الحج الأكبر 6/كمال دين الإسلام وعظمته 7/خطورة البدع والمحدَثات على الدين 8/بعض أحكام الأضحية وآدابهااقتباس
إن لهذا الدين الكريم نظامًا وسَنَنًا، وأركانًا وشرائعَ وسُنَنًا، فأهم أركانه بعد الشهادتين الصلوات الخمس؛ إنها الصلة بين المخلوق والخالق، وبها بين المؤمن والدَّعِيِّ المعيار والفارق، ولها أحمدُ الأثر على الجوارح والروح، وهي من أكبر العون على تحصيل مصالح الدين والدنيا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمدُ لله أجملُ ما نطَق به اللسانُ، وأرضى ما انعقد عليه الجَنان، سبحانه، أحاط بما كان وما لم يكن، وما كان، يعلم السر والإعلان، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)[الْإِسْرَاءِ: 44]، وهن على وحدانيته من دلائل البرهان، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تحلَّى بكل كمال، وتنزَّه عن كل نقصان، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، سيد ولد عدنان، المبعوث إلى الإنس والجان، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، ما حالت الأحوال وتوالت الأزمان.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر ما أمَّ هذا البيتَ آمٌّ وحجَّه، والله أكبر ما يمَّم المصلي شطرَه وتوجَّه، الله أكبر ما وقَف الحجيجُ بعرفة وسالت منهم الدموع، والله أكبر أفاضوا وانسابت على تلك الربى والجموع.
الله أكبر ما طافوا وسعَوْا بالبيت العتيق، والله أكبر ما رمَوْا وباتوا بمنًى أيام التشريق.
الله أكبر ما أُريقت في الأضاحي من دماء، والله أكبر ما سِيقت من نسائكَ وهدايا وفداء، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
اللهم بما أسبغتَ من العطاء، وأسبلتَ من الغطاء، هَبْ لنا توفيقًا قائدًا إلى الرشد، وقلبًا متقلِّبًا مع الحق، ولسانًا متحلِّيًا بالصدق، اللهم أسعِدْنا بالهداية إلى الدراية، وأعضدنا بالإعانة على الإبانة، واعصمنا من الغواية في الرواية، اللهم حقِّق البغيةَ، وأَنِلِ الْمُنْيَةَ، قد استنزلنا يا الله كرمَكَ الجمَّ، وفضلك الذي عمَّ.
أما بعد أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حقَّ التقوى، فبها أمَر اللهُ ووصَّى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، ما قرَّةُ العين إلا بها، وما ثَلَجُ الصدر إلا منها، وما قوَّة الروح إلا عليها؛ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[الْبَقَرَةِ: 197]، السعيد مَنْ عَمِلَ لنفسه، وأخَذ العظةَ ليومه من أمسه، حسرةُ الفوتِ أشدُّ من سكرة الموت، وأوجعُ الألمِ حرقةُ الندمِ، وأشدُّ العذابِ فرقةُ الأحبابِ، ما سَمِعَ السامعون أقطعَ من (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)[الْمُؤْمِنَونَ: 108].
طوبى لمن يرعى أمانة ربه *** بالبر والتقوى ويحفظ حدَّها
أَنِفَتْ من الدنيا الدنية نفسُه *** ما كان يومًا قط لحظًا عبدَها
وسَمَا بهمته إلى الدار التي *** ربُّ العباد لمن أطاع أعدَّها
أيها المؤمنون: هنيئًا لكم عيد الأضحى الأغر، هنيئًا لكم هذا اليوم الأغر، العيد نهر من المسرة لا يقف، وأرج من روض المضرَّة يُقتَطَف، لا العنت يمنعها، لا البؤس يرفعها لا الأسف، في العيد صلة تُوصَل، وهَجْر يُهجَر، وكسر يُجبَر، وعمل صالح يُبذَل، تقبَّل اللهُ منكم صالحَ القول والعمل، وحقَّق ما ترجون من الأمل، وأمتعَكم بهذا العيد، وأطال بقاءكم في الخير العتيد، والعيش الرغيد.
الله أكبر كم أَوْلَى من الآلاء والمنن، والله أكبر كم أبلى من البلاء الحسن.
حُجَّاجَ بيت الله الحرام: مَنْ مثلكم؟ ومَنْ نظيركم؟ إنكم في أطهر البقاع وأزكاها، وأبرك الرباع وأسناها؛ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 96-97].
يا لهنائكم! يوم أن سار شوقكم الساكن، فبلغكم أشرف الأماكن، ويا بشراكم إذ خصصتم بالاجتباء والاصطفاء، بترسُّم خطى الأنبياء الأصفياء، أجبتُم الداعيَ، وأتمتُم -بفضل الله- المساعيَ، لبيَّتُم وما أنقى الشعار، وصغتُم مِنْ خيرٍ خيرَ مسار، هذا حَرَمُ اللهِ المطهَّر، وهذا بيته العتيق المستَّر، وجَّه اللهُ إليه الوجوهَ، وفرَض على عباده أن يحجوه، نظرت إليه المساجد في كل خمس، وقامت إليه قيام الحرباء للشمس، لم تسحب الدنيا عليه غرورَها، ولم تَجُرَّ إليه النفوسُ شرورَها، ولا ألقت فيه الحياة أوزارها وزورها، رفَع إبراهيم -عليه السلام- ركن بِنيَتِه، ونصَب في أعطافه لله أعلام وحدانيته، وخفَض آمادَ الشرك وأرجاس وثنيته، التوحيد مظهره ومناره، والنبيون والأخيار بُناتُه وعُمَّارُه، والله -عز وجل- ربه وجاره، حاز الله له من نباهة الذِّكْر وفخامة القدر ما لم يُحَز لطارف من معالم الحق ولا تليد، برُّ العبادة وشرفُ السيادة، وفضيلة الحج، وبذل الأرواح له والمهج، وروعة العتق، وشرف الباني، وجلال التاريخ، وجمال المعاني؛ فاحمدوا الله -أيها الحجيج- على ما حباكم، واشكروه على ما أولاكم، بصون الشعائر والمشاعر، مما هو خادش لها أو ضائر؛ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)[الْبَقَرَةِ: 197]، وقال صلى الله عليه وسلم: "ومَنْ حجَّ البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجَع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاء إلا الجنة".
عباد الله: إن أهم دروس الحج وفوائده، وأطيب ثماره وعوائده تحقيق التوحيد وتجريده لله، إنه تجسيد صادق حق، لكلمة الهدى والحق؛ لا إله إلا الله، إن أعمال الحج ووظائفه لَتُوحي في حواشي النفس من بواعث الانقياد لله -تعالى- ما ركَد، وتُوقِظ فيها من أسباب الذل والإذعان للخالق ما ركد، فاللَّهَجُ بالتلبية إعلامٌ بحق الله في التوحيد، ونفيٌ للشريك له والنديد، وصدحٌ باستحقاقه وحده -سبحانه- الحمد على نعمه، والشكر على قسمه.
وإذا بلغ الحاج البيت الحرام ورأى الكعبة ارتسم في ذهنه بانيها إبراهيم -عليه السلام-، إمام الحنفاء؛ (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)[الْحَجِّ: 26]، (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النَّحْلِ: 120]، وأمَر اللهُ -سبحانه- باتباع ملتِه في قوله: (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 95]، ثم يبتدئ طوافه بالبيت بذكر اسم الله، طواف بأمر الله، إنه من شعائره، ومن الأنساك التي أوجبها على عباده، وأنه لإقامة ذكره قولًا وعملًا، وذاك أبلغ دلائل التوحيد؛ "إنما جُعِلَ الطوافُ بالبيت، والسعيُ بين الصفا والمروة ورمي الجِمار لإقامة ذكر الله"(أخرجه الإمام أحمد وأبو داود، والحاكم، وصحح إسناده من حديث عائشة -رضي الله عنها-).
الله أكبر أوضَح سبيلَ هدايته لأرباب ولايته وأبهَج، والله أكبر، يحب الإخلاص في الأعمال ولا يخفى عليه البهرج.
معاشر الحجيج: وأول أعمال هذا اليوم أن يقصد الحاج منى، فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات، يكبِّر مع كل حصاة، ثم يذبح الهدي إن كان متمتعًا أو قارنًا، ثم يحلق رأسه أو يقصره، وبهذا حلَّ التحللَ الأولَ، ويباح له ما كان ممنوعًا منه إلا النساء، ثم ينزل مكة فيطوف طواف الإفاضة؛ لقول الله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[الْحَجِّ: 29]، ويسعى بعدَه سعيَ الحج، وإن تطيَّب للطواف بعد الرمي والحَلْق فحسنٌ؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: "كنتُ أطيِّب رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يُحرِمَ، ولِحِلِّه قبلَ أن يطوف بالبيت"(متفق عليه)، ولو قدَّم بعضَ هذه الأعمال على بعض فلا حرج عليه؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما سئل عن شيء قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلا قال: "افعل ولا حرج"، ثم يرجع إلى منى فيبيت بها لياليَ أيام التشريق، ويرمي الجمرات الثلاث، كل جمرة بسبع حصيات متعاقبات، يكبِّر مع كل حصاة فإذا فرَغ من رمي الجمرة الأولى والثانية استقبَل القِبلةَ ودعا بما أحبَّ، ولْيُكثِرِ الحاجُّ من ذِكْر الله -تعالى-؛ فإن الله حض على ذلك فقال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)[الْبَقَرَةِ: 203]، والأيام المعدودات هي أيام التشريق.
الله أكبر، تترطَّب بذِكْره الشفاه، والله أكبر تخضع لعظمته الجباه.
أيها المسلمون: إن يومكم هذا يوم عظيم، وجزء زمني كريم؛ إنه يوم النحر، يوم الحج الأكبر، إنه يوم إعلان التوحيد والبراءة من الشرك والتنديد؛ (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)[التَّوْبَةِ: 3]، لقد أعظَم اللهُ على خلقه المنةَ، إذ أنزَل عليهم دينًا قِيمًا؛ (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)[الْأَحْقَافِ: 30].
فجاء مجيءَ الصبحِ والليلُ مظلمٌ *** وحلَّ محلَّ الغيثِ والقفرُ مُمحِلُ
دين الله أكمَلَه وأتمَّه وجمَّلَه، ورَضِيَه لأتباعه؛ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[الْمَائِدَةِ: 3]، ولا يَقبَل من أحد سواه؛ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آلِ عِمْرَانَ: 19]، والانتساب له عزة ومفخرة، والعيش في ظلاله أُنسٌ ومطهرةٌ، إنه نور في الأبصار والبصائر، وصلاح في البواطن والظواهر، شمل جوانب الحياة طُرًّا، العقائد والعبادات، وشئون الأسرة والمعامَلات، والحقوق والحدود والتعلقات؛ (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النَّحْلِ: 89]، قال أبو ذر -رضي الله عنه-: "لقد توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما طائر يقلِّب جناحيه في السماء إلا ذكَر لنا منه علمًا"، تدور مع الدين الفضائل حيث دار، وتحفه الكمالات أنى سار
عباد الله: إن لهذا الدين الكريم نظامًا وسَنَنًا، وأركانًا وشرائعَ وسُنَنًا، فأهم أركانه بعد الشهادتين الصلوات الخمس؛ إنها الصلة بين المخلوق والخالق، وبها بين المؤمن والدَّعِيِّ المعيار والفارق، ولها أحمدُ الأثر على الجوارح والروح، وهي من أكبر العون على تحصيل مصالح الدين والدنيا؛ فأقِيموها كما أمركم بذلك ربُّكم، ومُرُوا بها من تحت أيديكم، ولا يقتصر هذا الدين العظيم على الصلة بالخالق فحسبُ، بل يشمل الصلةَ بالمخلوق؛ فالمسلم مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، وإن المؤمن لَيُدرِك بحُسن خُلُقِه درجةَ الصائم القائم، كما أخبر بذلك نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم-.
الله أكبر يهب لعابديه جزيلًا يقتنى، والله أكبر يثيب حامديه ألذ ما يجتنى.
أيها المؤمنون: وإن مما يخدش وجهَ الدين ويلوِّث بهاءه، ويكدِّر صفوه وصفاءه، البِدَع والمحدثات، فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو لم يكن عليه هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين فقد وقَع في شرك البدعة، وفي التنزيل الحكيم: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشُّورَى: 21]، ومن بدائع الهدي النبوي وجوامع الكلم المصطفوي: "مَنْ عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله ولله الحمد.
أقول ما سمعتُم، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الواحد الأحد المعبود، الواجد الماجد الودود، أحمده على ترادف فضله المعهود، وأسأله تحقيق الأمل بكرم عفوه المعهود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة لا شك فيها ولا عنود، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أشرف والد وأكرم مولود، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الموفين بالعهود، وأصحابه الركع السجود، والتابعين وتابعيهم بإحسان ما لمعت أنجم وطلعت سعود.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، و-سبحانه- الله بكرةً وأصيلًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن أعظم الأعمال عند الله في هذا اليوم وأيام التشريق ذبح الأضاحي؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الْأَنْعَامِ: 162-163]، وعلى المضحي أن يخلص نبيته في أضحيته؛ (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الْحَجِّ: 37]، ولا تكون إلا من بهيمة الأنعام، يضحي بها من كان مقتدرا، ولابد أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وكلما كانت الأضحية أكمل في صفاتها فهي أفضل، ووقت الأضحية التي لا تجوز في غيره يبدأ بعد صلاة العيد، وينتهي بغروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة، آخر أيام التشريق، التي نهي عن صومها، ومن السنة أن يأكل المرء ثلث أضحيته، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث الباقي، تقبل الله قربانكم وقرباتكم، وضاعَف حسناتِكم، وغفَر زلَّاتِكم.
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آله إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وانصر عبادك الموحِّدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم سدد جندنا المرابطين في الحدود والثغور، اللهم كن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتَنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد والتأييد إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، يا ربَّ العالمينَ.
اللهم سلِّم الحجاج والمعتمرين، ورُدَّهم إلى أهليهم سالمين غانمين، اللهم اجعل حجهم مبرورًا، وسعيهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا، اللهم أحسِن إلى مَنْ أحسَن إليهم، واجزِ مَنْ قام على رعايتهم ووفادتهم خير الجزاء وأوفاه وأكمله يا رب العالمين، اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم أَعِدْ علينا هذا العيد أعوامًا عديدةً، وأزمنةً مديدةً، ونحن ننعم في حلل السعادة والطمأنينة، والأمن والأمان، يا ذا الجلال والإكرام.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، وصلى الله وسلم على نينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
التعليقات