عناصر الخطبة
1/ شكر الله تعالى على اجتماع العيدين 2/ مظهر الوحدة والمساواة في الحج 3/ السلام الحقيقي في الإسلام وبالإسلام 4/ ضرورة التعاون والائتلاف 5/ مظاهر التوحيد في الحج 6/ وجوب العناية بوسائل الإعلام 7/ وجوب العناية بالمرأة المسلمة 8/ نصائح للحجاج 9/ فضل الأضحية وشروطها وآدابهااهداف الخطبة
اقتباس
إن الحجاج إذ يستبدلون بزيهم الوطني زي الحج الموحَّد، ويصبحون جميعًا بمظهر واحد لا يتميز شرقيهم عن غربيهم، ولا عربيهم عن عجميهم، كلهم لبسوا لباسًا واحدًا، وتوجهوا إلى رب واحد، بدعاء واحد، وتلبية واحدة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. تراهم يلبون وقد نسوا كل الهتافات الوطنية، وخلّفوا وراءهم كل الشعارات القومية، ونكّسوا كل الرايات العصبية...
أما بعد:
فيا أيها المسلمون، ويا حجاج بيت الله الحرام: أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه، فاتقوه في المنشط والمكره، والغضب والرضا، والخلوة والجلوة، واعلموا أنه قد اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان: عيد الأضحى، وهو يوم الحج الأكبر، وعيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة، فأكثروا من الشكر لله -جل وعلا-، وبادروا بالأعمال قبل انقطاعها، واعلموا أن الله غفور رحيم.
أيها المسلمون: إن الناس ما زالوا منذ أذن فيهم إبراهيم -عليه السلام- بالحج يفدون إلى بيت الله الحرام في كل عام من أصقاع الأرض كلها، وأرجاء المعمورة جميعها، مختلفةً ألوانهم، متمايزة ألسنتهم، متباينة بلدانهم، يغدون إليه وأفئدتهم ترف إلى رؤية البيت العتيق، والطواف به، ويستوي في ذلك الغني والفقير، والقادر والمعدم، كلهم يتقاطرون إليه تلبية لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم -عليه السلام-: (وَأَذّن فِى النَّاسِ بِلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ) [الحج:27].
إن الحجاج إذ يستبدلون بزيهم الوطني زي الحج الموحَّد، ويصبحون جميعًا بمظهر واحد لا يتميز شرقيهم عن غربيهم، ولا عربيهم عن عجميهم، كلهم لبسوا لباسًا واحدًا، وتوجهوا إلى رب واحد، بدعاء واحد، وتلبية واحدة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
تراهم يلبون وقد نسوا كل الهتافات الوطنية، وخلّفوا وراءهم كل الشعارات القومية، ونكّسوا كل الرايات العصبية والعبِّيَّة، ورفعوا رايةً واحدة، هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، يطوفون حول بيت واحد، يؤدون نسكًا واحدًا.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
إن الله -عز وجل- يوم شرع الحج للناس أراد فيما أراد من الحكم أن يكونوا أمة واحدة، متعاونةً متناصرة، متآلفة متكاتفة، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
إن الحج سلام حقيقي برمّته، إنه سلام غير مزيّف، يدخل فيه المسلم مدة هذا النسك، فيتعلم من خلاله احترام حق الحياة لكل مسلم حي مهما كانت درجة حياته، فلا يتعدى على أحد، ولا يظلم أحدًا، ولا يبغي على أحد.
إن كل عاقل ومنصف يشهد بالله أن السلام الحقيقي والتعاون القلبي والروحي والتعاون على البر والتقوى لا ظل له في الواقع إلا في الإسلام، ومن خلال الإسلام وتاريخ الإسلام، وأما غير المسلمين من شتى الأمم ومختلف الديانات، فإن أقوالهم معسولة، وأفعالهم مسمومة فيما يدعون إليه؛ إذ جعلوا مفهوم حقوق الإنسان عندهم مبنيًا على فتح باب الحريات على مصراعيه، حسب ما يقتضيه المفهوم العلماني عندهم، والذي يرفض شِرعة الله وصبغته، بل يتم به تدمير الأخلاق، وإشاعة فوضى الغرائز، ثم هم يزعمون أنها برمّتها تعني مبادئ الحضارة والتقدم والرقي، من خالفها وكابر فيها رموه بأنه مخالف لحقوق الإنسان، وهي ليست من الحقوق في وردٍ ولا صَدَر، ولا هي من بابته، بل إن حلوها مرّ، وسهلها صعب، ودماثتها دميمة، ويا لله لقد صدقوا ظنهم، فاتبعهم أغرار ولهازم من مفكرين وكتاب في العلوم السياسية والاقتصادية والقانونية وعلم الاجتماع، وجملةٌ من هؤلاء هم في الحقيقة أشياع لدعوات الغرب ولُدّات، يتسللون لواذًا عن أصول دينهم، فيشوشون في التشريع، ويهوّشون في الحدود، وليس غريبًا أن تتبدى خطوط مثل هذه القضية عبر هذه الفتن المتلاطمة، ولا يُظن بالطبع أن ما بقي من ألوانها ورسومها بمعجزنا أن نتخيله، فمواقعوها هم صنف من الناس يتمددون بالحرية، وينكمشون بالإسلام، وكفاكم من شر سماعه، وتلكم شمالة نعيذكم بالله من غوائلها.
لقد طبّ أصحاب تلك الدعوات زكامًا، فما أحدثوا في الحقيقة إلا جذامًا، وحللوا بزعم منهم عقدًا، وبالذي وضعوه زادت العقد، فكم يُقتل من المسلمين، وكم تنزع من حريات وكم يُعتدى على حقوق؟! في حين أن دعاة حقوق الإنسان يخفضون جناح الذل من رحمتهم وعدلهم المزعوم على دعم وتحصين منظمات عالمية لمحبي الكلاب وأصدقاء الحيوانات الأليفة، فتفتح الصوالين للكلاب ليقوم اختصاصيون بقص شعرها وتزيينها وتعطيرها، وفي المقابل -عباد الله- تفتح الصوالين الدموية التي يُقص من خلالها شعور البشر المسلمين، ويَحلِقون أديانهم، ويغتصبون أرضهم وأموالهم، فليت مخبرًا يخبرنا أتكون الكلاب المكلّبة أهم وأعظم من قطر إسلامي بأسره تعدو عليه حثالة لئيمة من ذئاب البشر، وعَبَدِ الطاغوت، فيقتلون الشيوخ والأطفال، ويرملون النساء في مسرى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وفي غيره من أراضي المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنهم بذلك هم قتلة الإنسان، وهم حماة حقوق الإنسان المجرم.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.
أيها المسلمون، حجاج بيت الله الحرام: ما أحوج البشرية في هذا العصر وهي تكتوي بلهيب الصراعات الدموية والنزاعات الوحشية، ما أحوجها وهي تلتفت لبيت الله الحرام إلى أن تخلص نفوس أبنائها من الأنانية والبغضاء والكراهية والشحناء، وترتقي إلى أفق الإسلام السامي، فتتعلم الحياة بسلام ووئام، كما أراد الله لعباده المؤمنين: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوتِ الشَّيْطَـانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ فَإِن زَلَلْتُمْ مّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيّنَـاتُ فَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة:208، 209].
إنه بهذه الصفة وتلك الجموع يقرر الإسلام أنه ليست هناك دواعٍ معقولة تحمل الناس على أن يعيشوا متناكرين، بل إن الدواعي القائمة على الطريق الحق تمهّد للمسلمين مجتمعًا متكافلاً، تسوده المحبة، ويمتد به الأمان على ظهر الأرض كلها، والله -عز وجل- ردّ أنساب الناس وأجناسهم إلى أبوين اثنين، ليجعل من هذه الرحم ملتقى تتشابك عنده الصلات، وتستوثق العرى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَـاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـارَفُواْ) [الحجرات:13]، إنه التعارف لا التنافر، والتعاون لا التخاذل، فالأرض أرض الله، والكل عباد الله، وليس هناك إلا ميزان واحد تتحدد به القيم، ويُعرف به فضل الناس ألا وهو التقوى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَـاكُمْ) [الحجرات:13]، ألا إن الكريم حقًّا هو الكريم عند الله، فهو يزنكم عن علم وخبرة، (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
حجاج بيت الله الحرام: بيت الله العتيق ما برِح يطاول الزمان وهو شامخ البنيان، في مناعة من الله وأمان بناه إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام-، إعلانًا للتوحيد الخالص؛ إذ بناؤه مرهون بتوحيد الله؛ حيث قال -جل وعلا-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً) [الحج:26]، فمن أجل التوحيد بُني بيت الله؛ لئلا يعبد إلا هو وحده، فقد حطم المصطفى الأصنام من حول الكعبة، وعلى رأسها أعلاها وأعظمها هُبل، وهو يردد: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَـاطِلُ إِنَّ الْبَـاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء:81].
لقد تمثل التوحيد في الحج من خلال التلبية، وفي قراءة سورة الكافرون، و(قل هو الله أحد) في ركعتي الطواف، وتمثل في خير الدعاء، وهو دعاء يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
إذًا فالتوحيد -عباد الله- هو لباب الرسالات السماوية كلها، وهو عمود الإسلام وشعاره الذي لا ينفك عنه، وهو الحقيقة التي ينبغي أن نغار عليها، ونصونها من كل شائبة، فالتوحيد وسيلة كل نجاح، وشفيع كل فلاح، يُصيِّر الحقير شريفًا، والوضيع غِطريفًا، يطوِّل القصير، ويقدم الأخير، ويُعلي النازل، ويُشهر الخامل، وما شُيِّد ملك إلا على دعائمه، ولا زال ملك إلا على طواسمه، ما عزت دولة إلا بانتشاره، ولا زالت وذلت إلا باندثاره.
ألا وإن معظم الشرور والنكبات التي أصابت أمة الإسلام، وأشد البلايا التي حلت بها إنما كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، وما تسلط من تسلط من الأعداء، وتعجرف من تعجرف، وغار من غار على حياض المسلمين، واستأصل شأفتهم إلا بسبب ضعف التوحيد، وما تاريخ التتار عن المسلمين بغائب، حيث بلغ الضعف في نفوس كثير من المسلمين آنذاك مبلغًا عظيمًا بسبب ضعف التوحيد، حتى ذكر بعض المؤرخين أن الجموع إبان الهجوم التتري لبلاد الإسلام كانوا يرددون:
يا خائفين من التتر *** لوذوا بقبر أبي عمر
عوذوا بقبر أبي عمر *** ينجيكمُ من الضرر
(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا) [الكهف:5]، (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) [يونس:107].
لقد ابتلي كثير من الناس بالجهل بالتوحيد حتى لم يعرفوا حق الله وحق العبد، ومزجوا بعض ما لله فجعلوه للعبد، حتى انحاز بعضهم إلى أصحاب القبور، وتضرعوا أمام أعتابها وتمسحوا بها، واستغاثوا بأهلها في الشدائد والكروب، بل لقد كثر مروِّجوها والداعون إليها، من قبوريين ومخرفين، والذين يخترعون حكايات سمجةً عن القبور وأصحابها، وكرامات مختلقة لا تمت إلى الصحة بنصيب، بل لقد طاف بعضهم بالقبور كما يطاف بالكعبة المعظمة، وأوقفوا الأموال الطائلة على تلك الأضرحة، حتى إنه لتجتمع في خزائن بعض المقبورين أموال يصعب حصرها، فيا لله كيف أن أحياءهم لا يكرمون بدرهم واحد، وبألف ألف قد يُكرم أمواتهم.
لقد قصر أناس مع التوحيد، فتقاذفتهم الأهواء، واستحوذت عليهم الفتن والأدواء، فمن مفتون بالتمائم والحروز، يعلّقها عليه وعلى عياله، بدعوى أنها تدفع الشر، وتذهب بالعين، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدُيرٌ) [الأنعام:17].
لقد قصّر جمع من المسلمين مع التوحيد، فافتتنوا بالمشعوذين والدجاجلة الأفاكين، من سحرة وعرافين ونحوهم، والذين يأكلون أموال الناس بالباطل، بدعوة أنهم يكاشفونهم بأمور الغيب، فيما يُسمى بمجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان، ليكاشفوا الناس -على حد زعمهم- عما سيحدث في العالم خلال يوم جديد أو أسبوع سيطل أو شهر أوشك حلوله أو عام مرتقب، (قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَـاوتِ ولأرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل:65]، ناهيكم -عباد الله- عن اللَّتِّ والعجن عبر الصحف والمجلات ونحوها فيما يُسمى: قراءة الأبراج ومستقبلها، والذي يروّج من خلاله بأنه يا لسعادة كاملة لأصحاب برج الجدي، ويا لغنى أصحاب برج العقرب، وأما أصحاب برج الجوزاء فيا لتعاسة الحظ وخيبة الأمل زعموا، إلى غير ذلك من سيل الأوهام الجارف والخزعبلات المقيتة التي لا حدّ لها، (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ) [الطور:38].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي الصالحين، (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِى الطَّوْلِ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [غافر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واجعلوا من عيدكم هذا صفحة جديدة بيضاء، يُصحح من خلالها الواقع المرير، ويُكشف الزيف عن كثير من الشعارات والنداءات التي لا تمت للإسلام بصلة، وأن يكون الحكم لله في أرضه، وأن تكون الهيمنة في جميع شؤون الحياة لكتاب الله وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَـافِرُونَ) [المائدة:44]، (أَفَحُكْمَ الْجَـاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]، عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: مُرَّ على يهودي محممًا مجلودًا، فدعاهم النبي فقال: "هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟!"، قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟!"، قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فقلنا: إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلناه التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه"، فأُمر به فرجم، فأنزل الله: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ ءامَنَّا بِأَفْوهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) [المائدة:41]. الحديث رواه مسلم.
فأي حكم -عباد الله- أهدى من حكم الله؟! وأي شريعة أصلح من شريعة الإسلام؟! (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [النحل:9].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أمة الإسلام، حجاج بيت الله الحرام: إن أردتم السعادة والفلاح فأصلحوا نفوسكم من داخلها، ونقوا وسائل المجتمعات من شوائبها -لا سيما الإعلام-؛ لأنه سلاح ذو حدين، فالله الله أن يُرى فيه ما يحلق الدين، أو ما يضلل الناس، أو يكون سببًا في البعد عن الحقائق مع نشر الكذب والدجل والتضليل عن الشعوب والمجتمعات، فإن مما لا شك فيه أن الإعلام قوام المجتمعات، وإذا أردت أن تحكم على مجتمع ما صعودًا أو هبوطًا فانظر إلى إعلامه. فحذار -أمة الإسلام- حذار من الإخلال بضوابطه، والخروج عن مقصده، من حيث النفع والتربية، والنشأة السوية، وخدمة المجتمعات فيما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، وفق شريعة الله الخالدة، فاتقوا الله -أيها الإعلاميون-، واعلموا أنكم مسؤولون تجاه الأمن الفكري سلبًا وإيجابًا.
كما أنه ينبغي علينا جميعًا أن نصحح أوضاعنا تجاه المرأة المسلمة، وأن نتفطّن للأيادي العابثة والقفازات الزائفة، والتي تتربص بها ليل نهار، لتخرجها من نطاقها المرسوم لها، حتى تكون فريسة لذوي الشهوات المسعورة، والمطامع المشبوهة، وللذين كرهوا ما نزل الله، ولنحرص جميعًا على تبيين اهتمام الإسلام بالمرأة وأنها لها شأن في المجتمع، بل هي نصف المجتمع، وأن الإسلام رعى حقها بنتًا، ورتّب الأجر الجزيل على من عال جاريتين، ورعى حقها زوجة، فجعل لها من الحق مثل ما للرجل، وللرجل عليها درجة، ولم يجعل عقد الزوجية عقد استرقاق للمرأة، ولا عقد إهانة وارتفاق، إنما هو عقد إكرام واتصال بالحلال، كما أحسن الإسلام في الوقت نفسه إلى المرأة أمًّا، فقدّم حقها على حق الأب ثلاث مرات في البر، بل أكد النبي –صلى الله عليه وسلم- حق المرأة المسلمة في حجة الوداع بقوله: "فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهم بالمعروف".
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
حجاج بيت الله الحرام، يا من أديتم مناسككم فوقفتم بعرفات، وانحدر بكم الشوق إلى المزدلفة فسكبتم عند المشعر الحرام العبرات: هنيئًا لمن رزقوا الوقوف بعرفة، وجأروا إلى الله بقلوب محترقة، ودموع مستبقة، فلله كم من خائف أزعجه الخوف من الله وأقلقه، ومحب ألهمه الشوق وأحرقه، وراجٍ أحسن الظن بوعد الله فصدقه، اطلع عليهم أرحم الرحماء، وباهى بجمعهم أهل السماء، فهل رأيتم -عباد الله- قط شِبْهَ عراة أحسن من المحرمين؟! هل شاهدتم ماءً صافيًا أصفى من دموع المتأسفين؟! هل ارتفعت أكف وانبسطت أيدي فضاهت أكف الراغبين؟! هل لصقت بالأرض جباه أفضل من جباه المصلين؟! فيا لها من غنيمة باردة، ويا له من فوز خاب مضيعوه.
حجاج بيت الله الحرام: أخلصوا لله حجكم، واتبعوا سنة نبيكم تفلحوا، واشكروا الله شكرًا كثيرًا على أن هيأ لكم سبل الراحة، وأداء الحج بيسر وسهولة، مع أمن مبذول، وتنظيم مشكور، ومعنيين بالدعوة والتوجيه، سخرهم الله في بلاد الحرمين خدمةً لحجاج بيته، فالحرمان الشريفان أهل لأن يُخدما، وبلاد الحرمين -حرسها الله- أهلٌ لأن تكون خادمة للحرمين، فشكر الله الجهود، وبارك في الخطى، وتقبل من الحجاج حجهم، إنه هو السميع العليم.
اللهم أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى والنحر، وإن من أعظم ما يؤدَّى في هذا اليوم هو بقية مناسك الحج، إضافة إلى الأضحية الشرعية، التي ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإن للمضحي بكل شعرة حسنة، وبكل صوفة حسنة، وهي سنة أبينا إبراهيم المؤكدة، ويكره تركها لمن قدر عليها، كما أن ذبحها أفضل من التصدق بثمنها، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة.
ثم اعلموا أن للأضحية شروطًا ثلاثة: أولها أن تبلغ السن المعتبر شرعًا، وهو خمس سنين في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة كاملة في المعز، وستة أشهر في الضأن، والشرط الثاني أن تكون سالمة من العيوب التي نهى عنها الشارع، وهي أربعة عيوب: العرجاء التي لا تعانق الصحيحة في الممشى، والمريضة البين مرضها، والعوراء البين عورها، والعجفاء وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، وكلما كانت أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل، والشرط الثالث: أن تقع الأضحية في الوقت المحدد، وهو الفراغ من صلاة العيد، وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث بعد العيد، فصارت الأيام أربعة.
ومن كان منكم يحسن الذبح فليذبحها بنفسه، ومن لا يحسنه فليوكل غيره ممن يحسنه، وليرفق الجميع بالبهيمة، وليرح أحدكم ذبيحته، وليحد شفرته، فإن الله كتب الإحسان على كل شيء، حتى في ذبح البهيمة، ثم ليسمّ أحدكم عند ذبحها ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذه عن فلان أو فلانة، ويسمي صاحبها.
ثم اعلموا -أيها المسلمون- أن الله -سبحانه وتعالى- قد جمع لكم في هذا اليوم عيدين اثنين، وقد ثبت عند أبي داود وابن ماجه وغيرهما أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون". وقد قال المحققون من أهل العلم: إن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد.
ثم اعلموا -يا رعاكم الله- أن الله سبحانه لم يشرع لأمة الإسلام في السنة إلا عيدين اثنين، هما عيد الفطر وعيد الأضحى، وبهذا تعلم أن ما يفعله البعض من التقليد الأعمى لأهل الغرب من خلال التشبه بأعيادهم ومناسباتهم وإقامتها في بلاد المسلمين كالذي يسمى: عيد الحب أو عيد الأم أو ما شابه ذلك، فإن هذا من الأعياد المحدثة التي لم يأذن بها الشارع الحكيم، بل حرمها من وجوه متعددة في كتابه وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-، ورأس أسباب التحريم هو أنه من الإحداث في الدين، والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث الصحيح: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". ناهيكم عن كونه تشبها بالمشركين، وقد جاء النهي عن التشبه بهم، بل قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم"، إضافة إلى كونها تسلب استقلالية المسلمين وعزتهم وتمسكهم بدينهم على وجه المسارقة والتدرج، وأمة الإسلام يجب أن تكون متبوعة لا تابعة، وقائدة لا منقادة، ورضي الله عن ابن مسعود -رضي الله عنه- حيث يقول: "أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتًا وهديًا، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا".
(وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَـامِ فَإِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج:34].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وأفضل البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقد أمركم الله بذلك فقال في كتابه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم...
التعليقات