عناصر الخطبة
1/فضيلة الصلاة في المسجد الأقصى وشد الرحال إليه 2/معاناة المصلين في المسجد الأقصى بسبب تضييق الاحتلال 3/ما يغيظ الاحتلال البغيض 4/خصوصية الصلاة في المسجد الأقصى في شهر رمضان 5/فرحة أهل فلسطين لشرفهم بنصرة المسجد الأقصىاقتباس
هنيئًا لكم وأنتم تحوزون الفضل من جميع أطرافه، وتحوزون الخير بكل معانيه، وبكل تجلِّياته، إنكم أهل الخصوص في الزمان، وفي المكان، وفي الأشخاص، أهل الخصوص في الزمان في شهر رمضان، شهر القرآن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، جعَل الصيامَ من أجلِّ العبادات، ومِنْ أفضلِ القرباتِ والطاعاتِ، ووعَد عليه بالثواب الجزيل، والفوز بالجنَّات، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، جعَل الصيامَ فريضةً مُحكَمةً، وسُنَّةً ماضيةً إلى يوم الدين، فقال -جل من قائل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183]، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا، وقدوتنا وشفيعنا، محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهِرِينَ، وصحابته الغُرِّ الميامينِ، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واستنَّ سُنَّتَهم إلى يوم الدين.
وبعد أيها المسلمون، أيها الصائمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: في هذا اليوم المبارَك، وفي المسجد الأقصى المبارك، وقد شددتُم الرحالَ، في شهر رمضان المبارك؛ لتكونوا عُمَّارَ بيت الله الكريم العزيز، لتعمروا المسجدَ الأقصى، في هذا اليوم وسائر أيام شهر رمضان المبارك، فأنتُم -أيها المسلمون الصائمون- يا من قدمتُم منذ صباح هذا اليوم العظيم، شددتُم رحالكم، ويممتُم وجهَكم نحو المسجد الأقصى؛ لتفوزوا -بحَوْل الله وطَوْله- بالثواب العظيم، والأجر الجزيل، الذي وعَدَه اللهُ عبادَه الصائمينَ، رغمَ كل الحواجز والعوائق، ورغم كل ما يفعله الاحتلالُ، من إجراءات تعسفية، ترفضها كل الشرائع السماوية، لا بَلْ وترفضها كلُّ القوانين والأعراف الدولية والإنسانية.
فهل يُعقَل أيها المسلمون، وهل يُعقَل أيها العالَمُ بأسره أن يحال بين عباد الله وبين أماكن عبادتهم؟ هل يُعقَل أو يقبل أن توضع الحواجز، لا بل ويُتَعَدَّى على الصائمين والمصلين، الخارجين من المسجد الأقصى، بعد أداء صلواتهم، يُعتَدى عليهم مِنْ قبل أجهزة أمن الاحتلال، ويتعالى متطرفوه ومستوطنوه، بالدعوة إلى قتل المسلمين، أو قتل العرب جميعًا، فإن هذا الاحتلال الذي توجب عليه القوانينُ الدوليةُ أن يراعي الحريةَ للمواطنين الواقعين تحت الاحتلال، وأن يحافظ على أماكن عبادتهم، وأن يحافظ على حياتهم وأرواحهم، ما هذا التماهي والتباطؤ مِنْ قِبَل جنود الاحتلال الرسميين؟ مع قُطْعان المستوطنينَ وشُذَّاذ المتطرفينَ الذين يعتدون على أبناء شعبنا، يعتدون على الصائمين الراكعين الساجدين، على العابدين الذين يؤمُّون المسجدَ الأقصى المباركَ لأداء الفرائض، واستماع دروس العلم، وتلاوة القرآن، وإعمار المسجد الأقصى المبارك؟!
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: وكأن هذا الاحتلال يغيظه ما تفعلونه؛ يغيظه توجُّهُ جموعكم للصلاة في المسجد الأقصى، يغيظه أن يراكم تملؤون شوارع القدس وأزِقَّتَها وحواريها، يغيظه أن يراكم وأنتم تقولون للقاصي والداني، للعدو والصديق، للقريب والبعيد: إنها القدس، أمانة الفاروق عُمَرَ، وإنها القدس محرَّرة صلاح الدين، وإنها القدس التي حملت وتحمل تاريخ وحضارة المسلمين، إنها القدس التي تُشَدُّ الرحالُ إليها، وإلى صِنْوَيْهَا؛ مكةَ والمدينةِ، إنه المسجد الأقصى، موطن الإسراء والمعراج، إنها القدس التي احتضنت قِبلة المسلمين الأولى، واحتضنَتْ مسجدَها الأقصى المبارك، الذي لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إليه، وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، أيها المرابطون: هنيئًا لكم وأنتم تحوزون الفضل من جميع أطرافه، وتحوزون الخير بكل معانيه، وبكل تجلياته، إنكم أهل الخصوص في الزمان، وفي المكان، وفي الأشخاص، أهل الخصوص في الزمان في شهر رمضان، شهر القرآن؛ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[الْبَقَرَةِ: 185]، شهر التراويح، التي -كما ورَد عن حبيبنا الأعظم صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه"، إنه شهر ليلة القدر المباركة، وهي خير من ألف شهر.
أيها المسلمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: وتحوزون فضيلة المكان، في المسجد الأقصى المبارك، حيث يضاعِف اللهُ -سبحانه وتعالى- فيه ثواب العبادة، فقد ورَد بأن الصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة، وفي رواية أخرى بخمسمائة صلاة، وفي الأثر بألف صلاة.
تحوزون أيها المسلمون الصائمون فضيلة أنكم أمسكتُم عن شرابكم وطعامكم وشهواتكم، وجميع ما ينغِّص هذا الصيام؛ احتسابًا وامتثالًا لقول الله -تعالى- في الحديث القدسي، الذي يرويه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ربه، يقول: "يقول الله -تعالى-: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، منعَنا الطعامَ والشرابَ والشهوةَ، للصائم فرحتانِ يفرحهما، عند فِطْرِه وعندَ لقاءِ ربِّه"، فاحرِصوا -أيها المسلمون الصائمون- على الحصول على هذا الثواب العظيم، وهذا الأجر الكريم الجزيل ممَّن؟ من رب عظيم، يجود بالمغفرة والخير، يجود بالبر والإحسان، ولا حدود لفضله وكرمه، فهو -سبحانه- البر الرحيم، بعباده المؤمنين.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: هنيئًا لكم بكل هذه الفضائل، وبكل هذه المكارم، ولذلك يَهُون عليكم ما ترونه من هذا الاحتلال، يهون عليكم كل إجراءات هذا الاحتلال أمام هذا الإيمان، وأمام هذا الفضل والإحسان، وأمام هذه العقيدة التي تدفعكم وتقودكم لإعمار المسجد الأقصى المبارك، وأداء الصلاة والصيام.
نعم يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، هنيئًا لكم بصيامكم، وبإعمار أقصاكم، هنيئًا لكم بأنكم مِنْ دُونِ أبناءِ أمتِكم الإسلامية تَغدُون وتروحون إلى القدس وإلى مُقدَّساتِها، وعلى رأسها، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، هنيئًا لكم، وتبًّا لكل أعدائكم، وتبًّا لكل المنافقين والمتآمِرين عليكم، تبًّا لهم فقد خسروا، وهنيئًا لكم فقد ربحتُم وانتصرتُم ورابطتُم، وأَخَفْتُم عدُوَّكم وصفَّ المنافقينَ.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: إنه رمضان المبارك، بأيامه الخيِّرة الطيِّبة، وبنفحات الإيمان فيه، تغشاكم وأنتم تُظهِرون لله الطاعةَ، نعم أيها المسلمون، وأنتم تقفون بين يدي الله، ترجونه مغفرة الذنوب، والعفو والعافية.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنا يا كريم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وتقبَّل منا الصلاة والصيام والقيام، واجعلنا عتقاءكَ في شهر رمضان، وأدخلنا جنتَك دارَ السلام بسلام.
جاء في الحديث الشريف، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا مَنْ أَبَى. قلنا: ومَنْ يأبى يا رسول الله؟ قال: مَنْ أطاعني دخَل الجنةَ، ومَنْ عصاني فقد أبى"، أو كما قال، فيا فوز المتقين استغفِروا الله، وتوبوا إلى الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وحدَه، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمد لا نبيَّ بعدَه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، يُحِبُّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا برضوان الله ورحمته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أدَّى الأمانةَ وبلَّغ الرسالةَ ونصَح للأمة، وترَكَنا على بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلى هالك.
وبعد أيها المسلمون، أيها الصائمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أيها المحتشِدون في رحاب المسجد الأقصى: ولو سُمِحَ لكم، في كل الأرض الفلسطينية، أن تَصِلُوا إلى المسجد الأقصى لَضَاقَتْ بكم ساحاته، لا بل لَضَاقَتْ بكم شوارعُ القدس، التي تعمرونها بالتهليل والتكبير والتوحيد معلنينَ لكل العالَم بأن القدس لكم، والأقصى لكم، وأنكم أنتم الشرعيون في هذه الديار، وأنتم المواطنون الأصليون في هذه الأرض المبارَكة، وأنه لا يضركم كيد من خذلكم، أو كيد من عاداكم، فلا زلتم -بحول الله وقوته- كما أخبر حبيبنا الأكرم، ورسولنا الأعظم، محمد -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، أو خذلهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، وفي (مسند الإمام أحمد): "قلنا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: هم في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس".
وفَّقَكم الله، رعاكم الله، حفظكم الله، أمدَّكم الله مِنْ مَدَدِه، أعانكم الله بعونه، حتى تُحَقِّقوا بشارةَ الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم.
اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يوحِّد صفَّنا، ويجمع شملنا، وينتصر لنا.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعَه، وأرنا الباطل باطلًا ووفِّقْنا لاجتنابه، اللهم خُذْ بأيدينا إليكَ، وأَقْبِلْ بقلوبنا عليكَ، واغفر لنا، إنكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أيها المصلون الكرام: أدوُّا صلواتكم دائمًا بكل خشوع وسَكِينة، واحرِصوا -أيها الأحباب- ألَّا تجعلوا لطامع أو حاقد مكانًا لتدنيس حرمة المسجد الأقصى، أو المس بكم وبعباداتكم وبمسجدكم المبارك.
وفَّقَكم اللهُ إلى ما فيه الخير، وأعاننا جميعًا على الصيام والقيام وفِعْل الخيرات، إنه قريب سميع مجيب الدعوات، وأنتَ يا مقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
التعليقات