عناصر الخطبة
1/نداءات مهمة لمن أعتادوا على فعل الطاعات في رمضان 2/صدقة الفطر: حكمها وحكمتها وآدابها وأحكامها 3/التكبير في العيد: صفته وأحكامه 4/صلاة العيد وبعض سنن يوم العيد 5/المسائل المتعلقمة باجتماع الجمعة والعيداهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: لقد بدء العدّ التنازلي لشهر رمضان، فمن كان منكم محسناً فيه، فليحمد الله على ذلك، وليبشر بعظيم الثواب من الملك الوهاب، ومن كان مسيئاً فيه فليتب إلى الله توبة نصوحاً فإن الله يتوب على من تاب، وليحسن الختام فإن الأعمال بالخواتيم. يا من بنيت حياتك على الاستقامة في هذا الشهر المبارك، دم على ذلك في بقية حياتك، ولا....
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: لقد بدء العدّ التنازلي لشهر رمضان، فمن كان منكم محسناً فيه، فليحمد الله على ذلك، وليبشر بعظيم الثواب من الملك الوهاب، ومن كان مسيئاً فيه فليتب إلى الله توبة نصوحاً فإن الله يتوب على من تاب، وليحسن الختام فإن الأعمال بالخواتيم.
يا من بنيت حياتك على الاستقامة في هذا الشهر المبارك، دم على ذلك في بقية حياتك، ولا تهدم ما بنيت بعودك إلى الوراء، فتكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
يا من أعتقه مولاه من النار، إياك أن تعود إلى فعل المعاصي والأوزار.
يا من اعتاد حضور المساجد وعمارة بيوت الله بالطاعة، وأداء صلاة الجمعة والجماعة، واصل هذه الخطوة المباركة، ولا تقلل صلتك بالمساجد فتشارك المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا تهجر المساجد وتنقطع عنها نهائياً، فيختم الله على قلبك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجُمُعَات، أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين"[رواه مسلم].
يا من تعودت تلاوة القرآن في هذا الشهر داوم على تلاوته، ولا تقطع صلتك به، فإنه حبل الله المتين، وهدى ونور وشفاء لما في الصدور، هو شفيعك عند ربك، وحجتك يوم القيامة، فلا تُعرض عنه بعد رمضان فإنه لا غنى لك عنه بحال من الأحوال.
يا من اعتدت قيام الليل، استمر في هذه المسيرة الطيبة، فاجعل لك حظاً مستمراً من قيام الليل ولو كان قليلاً، ترفع فيه حوائجك إلى ربك، وتكون مع المستغفرين بالأسحار.
يا من تعودت في هذا الشهر المبارك بذل الصدقات والإحسان، واصل مسيرتك الخيرة في بقية السنة، تصدق فإن الله يجزي المتصدقين.
أيها المسلمون: إذا انقضى شهر رمضان فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، قال الله -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
وقال عيسى -عليه الصلاة والسلام- عن ربه -عز وجل-: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم: 31].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
عباد الله: لقد شَرع الله لكم أن تختموا شهركم بأمور:
شرع لكم صدقة الفطر: يخرجها المسلم قبل صلاة العيد شكراً لله -تعالى- على نعمة التوفيق لصيام رمضان وقيامه، يختم بها المسلم عمل رمضان.
زكاة الفطر: يخرجها المسلم من غالب قوت البلد، والأصل فيها ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، على كل حر وعبد، ذكر أو أنثى، على الصغير والكبير".
زكاة الفطر: إحسان إلى الفقراء، وكفّ لهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به، ويكون عيداً للجميع، وفيها الإتصاف بخلق الكرم وحب المواساة.
زكاة الفطر: فيها تطهير للصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم.
فالصيام الكامل هو الذي يصوم فيه اللسان والجوارح كما يصوم البطن والفرج، فلا يسمح الصائم للسانه، ولا لأذنه، ولا لعينه، ولا ليده ،ولا لرجله، أن تتلوث بما نهى الله ورسوله عنه من قول أو فعل، وقلّ أن يسلم مسلم من ذلك، فجاءت زكاة الفطر في ختام الشهر لتجبر ذلك كله، وتغسل ما قد يكون علق بالصائم مما يكدّر صومه، وينقص أجره.
وأما وقتها: فإن زكاة الفطر تجب بغروب الشمس ليلة العيد؛ لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان.
وزمن دفعها له وقتان: وقت فضيلة ووقت جواز.
فأما وقت الفضيلة: فهو صباح العيد قبل الصلاة، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة" [رواه البخاري ومسلم].
وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين؛ لما ثبت عن نافع قال: "كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إنه كان يعطي عن بنيّ، وكان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين".
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات.
أيها المسلمون: وتجب زكاة الفطر فريضةً على الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين؛ لما ثبت في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- المتقدم.
وتستحب عن الجنين فقد كان السلف -رضي الله عنهم- يخرجونها عنه.
ويجب أن يخرجها عن نفسه وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم؛ لأنهم المخاطبون بها أصلاً.
والواجب في زكاة الفطر صاع من غالب قوت أهل البلد، من بر أو شعير، أو أرز أو تمر، أو زبيب أو أقط، وكلما كان أجود فهو خير وأفضل، فعلى كل مسلم ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو عبد أن يخرج صاعاً من طعام بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ما يعادله كيلاً أو وزناً، ولا يجزئ أقل من ذلك، والصاع بمقاييسنا الحالية قرابة الكيلوين وأربعين جراماً.
أيها المسلمون: وزكاة الفطر تدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج سواء كان محل إقامته، أو غيره من بلاد المسلمين، فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه، أو كان لا يعرف المستحقين فيه، وكّل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحق.
وبناء على ذلك فمن أقام في بلده أكثر رمضان، ثم سافر إلى بلد آخر في أواخر رمضان فالأولى له أن يدفع زكاة الفطر في البلد الذي سافر إليه؛ لأنه البلد الذي غرب عليه فيه شمس آخر يوم من رمضان، وإن دفعها إلى فقراء بلده الذي يقم فيه أجزأته، ولكن خلاف الأولى.
وزكاة الفطر خاصة بالفقراء والمساكين، ولا تصرف لبقية المصارف الثمانية التي تصرف لها الزكاة، إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك.
والأولى أن تصرف على فقراء نفس البلد، إلا أن يكون في غيره من هو أشد حاجة، فلا حرج حينئذ من نقلها.
أيها المسلمون: ولا يجزئ دفع القيمة بدلاً عن زكاة الفطر.
ولو أخرجها من الثياب فإن ذلك لا يجزأه، ولو أخرجها من أي شيء آخر غير الطعام فإن ذلك لا يجزأه، وكل قياس أو نظر يخالف النص فإنه مردود على صاحبه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- فرضها صاعاً من طعام، ونحن متعبدين لله -عز وجل- بما جاء في شريعة نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم-، ولسنا متعبدين بما تهواه نفوسنا، أو ترجحه عقولنا، ما دام في المسألة نص: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36].
فهذا ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "كنا نخرجها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير".
فهل يعني هذا أن الدراهم كانت مفقودة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يجدوا إلاّ الطعام؟
كلا، فإن الدراهم كانت موجودة، والذهب موجود، والفضة موجودة، ولم يفرض النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا إلا صاعاً من طعام.
وقد أجمع علماء المسلمين بأن كل قياس في مقابلة النص فهو مردود على صاحبه وفاسد لا يلتفت إليه.
ثم إننا لو قلنا بالقيمة، فقيمة صاع التمر يختلف سعره عن قيمة صاع القمح، ويختلف عن قيمة صاع الشعير، فبأي قيمة نأخذ؟ هل بالأقل أم بالأكثر أم بالمتوسط؟ وإذا أخذنا بأحدهما فلماذا ليس بالآخر؟
لكن الصاع ثابت.
ثم إن إخراج القيمة يُخرج زكاة الفطر عن كونها شعيرة ظاهرة، فمقصود الشارع إظهار هذه الشعيرة، فلو صارت قيمة لأصبحت خفية مثل الصدقة يعطيها الإنسان سراً للفقير، وليس هذا هو المقصود من زكاة الفطر، وإنما مقصودها أن تكون ظاهرة بين المسلمين، معلومة للصغير والكبير، يشاهدون كيلها وتوزيعها، ويتبادلونها بينهم، بخلاف ما لو كانت دراهم.
أيها المسلمون: وشرع لكم أيضاً في ختام شهركم: التكبير، قال الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
ويبتدأ التكبير من غروب شمس ليلة العيد، حتى حضور الإمام لصلاة العيد.
ويكبر المسلمون ذكوراً وإناثاً، ويسنّ في حق الرجال الجهر بالتكبير في المساجد والأسواق والبيوت، إعلاناً لتعظيم الله وشكره.
وصفة التكبير أن يقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".
وشرع لكم في ختام شهركم هذا أيضاً: صلاة العيد، وصلاة العيد أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى النساء، أمرهنّ أن يخرجن، ولم يأمر عليه الصلاة والسلام النساء بالخروج لشيء سوى صلاة العيد، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- إلى أن صلاة العيد فرض عين، وإن قال غيره من أهل التحقيق بأنها فرض كفاية.
ومن السنة: أن تصلى خارج البلد، وذلك لإظهار هذه الشعيرة.
وكذلك من السنة: أن يذهب الإنسان من طريق، وأن يعود من طريق آخر، وذلك لنشر هذه الشعيرة في جميع أسواق البلد وشوارعها.
ومن الحرمان: أن ينام المسلم عن صلاة العيد، ولا يشهد الخير مع المسلمين، تقول أم عطية -رضي الله عنها-: "أُمرنا أن نُخرج الحيّض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحيّض أن يعتزلن المصلى، ولكن أمرهنّ باستماع خطبة العيد، وحضورهنّ دعوة المسلمين.
أسأل الله الإعانة والسداد لي ولكم ولعامة إخواننا المسلمين..
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
أما بعد:
أيها المسلمون: إذا اكتمل شهرنا هذا العام بحيث صار رمضان ثلاثون يوماً، فإن يوم العيد سيكون -بإذن الله- يوم الجمعة، وقد حصل مثل هذا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه-: أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- سأله: هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: كيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: "من شاء أن يصلي فليصل"[رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه].
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "اجتمع عيدان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بالناس، ثم قال: "من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف"[رواه ابن ماجة ورواه الطبراني في المعجم الكبير] بلفظ: "اجتمع عيدان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يوم فطر وجمعة، فصلى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيد، ثم أقبل عليهم بوجهه، فقال: "يا أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً وأجراً، وإنا مجمّعون، ومن أراد أن يجمّع معنا فليجمّع، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع".
وبناءً على ما تقدم، فهذه بعض مسائل:
أولاً: من حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت صلاة الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل.
ثانياً: من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة.
ثالثاً: يجب على إمام مسجد الجمعة إقامة صلاة الجمعة ذلك اليوم ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد، إن حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة وإلا فتصلى ظهراً.
رابعاً: من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة، فإنه يصليها ظهراً بعد دخول وقت الظهر.
خامساً: لا يشرع في هذا الوقت الأذان إلا في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، فلا يشرع الأذان لصلاة الظهر ذلك اليوم.
سادساً: القول بأن من حضر صلاة العيد تسقط عنه صلاة الجمعة وصلاة الظهر ذلك اليوم قول غير صحيح، ولذا هجره العلماء وحكموا بخطئه وغرابته لمخالفته السنة، وإسقاطه فريضةً من فرائض الله، بلا دليل.
اللهم...
التعليقات