فاطمة الأمير
هل تستوي مَنْ تعفَّفت بزينة الحياء مع من خلعت ثوب الحياء؟!
إن الحياء من الإيمان، وحياء الفتاة المسلمة يظهر في كل شيء يتعلق بها؛ في لباسها، وسلوكها، وطريقة تعامُلها مع مَنْ حولها؛ فهكذا يكون عالمها الذي اختارت التحصُّن به، عالم لن تفهمه الكثيرات ممَّن نُزِعت من نفوسهن أعظم ما تملكن يومًا، فهو هدية وعطاء من الله لكل فتاة ولدت على الفطرة.
ولكن هناك من تستطيع الحفاظ عليه؛ فيُصبح علامة النقاء والتميُّز في حياتها، وهناك مَن تنساه أو تتناساه تحت مُسمَّى الجمال؛ فتسير في طريق لا تحمد عواقبه، وكأنها تحمل بطاقة دعوة مباحة لكل من أراد النظر إليها.
لا أعلم كيف تكون هدية لك بهذا القدر العظيم ثم تفرِّطين فيها؟!
أتساءل: ما المقابل الذي ستحصلين عليه عند نزع حيائك؟ هل يستحق الثمن فعلًا؟!
اعلمي أنك حورية ذات حياء وجمال داخلي؛ فلا تغترِّي بنظرات الإعجاب وكلمات المدح المعسولة التي تُقال لك دومًا؛ فما هي إلَّا خططٌ من الشيطان؛ لتكوني رفيقةً لنساءٍ لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؛ فهي خطة محكمة تجعلك دومًا أسيرة لفعل المعاصي؛ فمن قلَّ حياؤه كثُرت معاصيه؛ فالشيطان سيُهيِّئ لك كل شيء، ويبعث لك من يساعدك على فعل كل قبيح: فالتبرُّج والتزيُّن أناقة، والعري وسيلة لجذب الانتباه، والمخالطة رقي، ومصاحبة غير المحارم لا ضرر منها، والغيبة والنميمة ليست إلَّا فضفضة، وعدم غضِّ البصر ليس بزنًا، ومقابلة السيئات بالحسنات ضَعْف، وعدم التسامح وعدم العفو قوة!
كل هذا وأكثر سيكون مُهيَّأً لك غاليتي، كل هذا إن فعل سيكون من قلَّة حيائك من الله؛ فإن كنتِ على قدر وفير من الحياء سيكون الثبات في طريق الاعوجاج سهلًا ومُيسَّرًا؛ فهنيئًا لك غاليتي أن تعفَّفْت بهذا الخلق العظيم؛ فإن كنت ذات يوم صاحبة حياء، فحياؤك دائمًا سيمنعك من الوقوع في الذنوب، وتتبُّع الشهوات والشبهات، سيمنعك من الابتعاد عن طريق الله؛ فإن ابتعدت يومًا سيرجعك حياؤك، وسيمنعك حياؤك أيضًا من مصادقة أصحاب السوء والتطبَّع بطبعهم.
إذًا فالحياء سيعمل كمنبِّه ذي أجراس عالية الأصوات عند فعل أي معصية؛ فهنيئًا لك بحيائك.
وهنا نتساءل: هل الحياء فطرة أم اكتساب؟
سأقول لك غاليتي: إنهما الاثنان معًا؛ فالحياء فطرة بداخلنا نُولد بها، وإن لم نحافظ عليها ستضيع وسط ما نمرُّ به من فتن، والحياء أيضًا اكتساب، يمكنك أيتها الفتاة المسلمة أن تكتسبي الحياء متى فُقد منك، فلتنظري إلى هذه الحورية التي تجمَّلت بالعفَّة والنقاء والحياء، ولتتعلمي منها وتكتسبي مهارة التعلُّم، وتتخلقي بهذا الخلق الجميل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء))، إذًا فالحياء خلق من أخلاق الإسلام، وهذا شرف عظيم أنعم الله به عليك، فلتحافظي عليه؛ فإن زال الحياء من قلوب النساء زاد ابتعادهنَّ عن منهج الله الذي أكرمهنَّ به، وزاد التقرُّب من أتباع القلوب الفاسدة، وزاد الإصرار على ارتكاب المعاصي.
هناك فتيات تتبعنَ بريق الغرب فتتشبَّهْنَ به، ونزعت أفلام العري أي ذرة حياء من قلوبهنَّ، ترى الفتاة مسلمة، وما هو إلا اسم أُطلِق عليها فقط، تراها تتبع كل ما هو جديد، وعندما تسأل: لماذا تفعلين هذا، فهذا ليس من الحياء؟!
تراها تُسمعك إجابات مفجعة؛ تقول: لو لم أفعل هذا، فلن أكون فتاة عصرية، ولن ينظر إليَّ أحد؟!
أيَّة فتاة عصرية غاليتي؟ أين حياؤك من الله وأنتِ على هذه الحال؟! أين حياؤك من الله عند الاختلاط؟ أين حياؤك من الله عند تتبُّع الذنب والإصرار عليه؟ أين حياؤك من الله وأنتِ تتمايلين في مشيتك؟
انظري إلى قصة سيدنا موسى، وما الذي جعله يرضى أن يُستأجَر، ويعمل عشر سنين؟!
فكانت الآية غاية في الوضوح والجمال: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25]، إن كل ما فعله سيدنا موسى أنه تخلَّق بأخلاق الشاب المسلم من شهامة؛ فكانت المكافأة أنه رُزِق زوجة ذات حياء، لم تكن تتمايل في مشيتها أو متكسِّرة في خطواتها؛ وإنما كانت ﴿ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾.
فهل تستوي هذه مع تلك؟!
لا والله، إن التي تستحيي وتخشى أن تُفرِّط في خُلُقٍ أنعم الله به عليها، لا تستوي مع مَنْ فرَّطت فيه.
انظري غاليتي وتأمَّلي هذه الآية الكريمة: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41].
تأمَّلي الخوف من الله، والنهي عند فعل المعصية؛ ثم الفوز بأن تكون الجنة هي المأوى، انظري إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مَن بُعِث بالحق وهو يقول: ((إذا لم تستحي، فافعَل ما شئت)).
إذًا الحياء هو الدرع الواقية لك عند فعل المعاصي، فاجعلي غاليتي من الحياء تاجًا على رأسك، وعفَّة لنفسك؛ لتفُوزي بمقعدك من الجنة.
التعليقات