عناصر الخطبة
1/أهمية استغلال حماس الأمة بالنافع 2/من مجالات إهدار حماس الأمة 3/من أسباب حفظ حماس الأمة وثروتها المهدرةاقتباس
في غفلة من المسلمين عن هذا الأمر ومع انعدام شعورهم بخطورته سار أعداء الله في خطوات خبيثة تزيد الأمة ضعفاً إلى ضعفها، ولما كان في الناس طاقات وقدرات...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأناديكم بنداء الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]؛ أما بعد:
أيها المسلمون: مازالت الأمة الإسلامية تعيش ضعفاً يلمسه المتأمل في شتى مجالات حياتها؛ سواء كانت دينية أم دنيوية وهذا يعني أن المسلمين في حاجة إلى من يرتقي بشئون حياتهم العلمية والعملية إلى مستوى أعلى يليق بمكانة أمة الإسلام حملة هذه الشريعة الربانية.
وفي غفلة من المسلمين عن هذا الأمر ومع انعدام شعورهم بخطورته سار أعداء الله في خطوات خبيثة تزيد الأمة ضعفاً إلى ضعفها، ولما كان في الناس طاقات وقدرات لا بد أن تصرف في شيء ما، تحرك الأعداء لإفراغ حماس المسلمين في سبل واهية واهتمامات لاهية، وهذه وتلك غنيمة باردة يتلقفها أعداء الملة لتأتي على الأخضر واليابس من طاقات الأمة، وعندها تتبدد ثروتها وتنهار قوتها، ولذلك كان شعار الأعداء في مخططاتهم الشيطانية أن [حافظوا على إهدار حماس المسلمين في أي شيء وبأي شيء].
ولذا -أيها الأخوة- ظهر في الديار المسلمة صور من الحماس في أمور دخيلة، بينما هم في فتور عميق عن أمور أصيلة، والواقع يشهد لما ذكرنا ويؤكده فلقد أصبح حماس المسلمين ثروة مهدرة في مجالات شتى، ومن ذلك:
أولاً: إهدار حماس الأمة في التعصب لقوميات وإقليميات جاهلية؛ فتجد كتباً تؤلف في القومية العربية ومنابر ثقافية جندت نفسها وضحّت بأوقاتها وأموالها من أجل القومية العربية، وأقلاماً تسيل في صفحات المجلات والجرائد المحلية والعالمية تنافح عن ذلك وتدافع عنه، وحماساً مشتعلاً من الشعراء في أبيات كفرية تدعو إلى هذه العقيدة البدعية، ويكفي ذلك ما يردده القوميون من قول شاعرهم:
سلام على كفر يوحد بيننا *** وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
وقال آخر من حزب البعث القومي:
آمنت بالبعث رباً لا شريك له *** وبالعروبة دينا ماله ثان
وهذا الحماس للقومية العربية جعلهم يمقتون الدين ويهونون من شأنه، بل إنهم طالبوا بأن يُنحى عن الحياة، وحاولوا إغراق الناس في معاني أدبية لا تستحق أن يُعاش لها أو يُتحمس من أجلها.
ثانياً: إهدار حماس الأمة في التعصب للبدع والضلالات؛ فترى حماس الأمة وطاقتها تهدر في بدع شركية وضلال مبين، فمرة تصرف الأموال الطائلة في إحياء حفلات الرقص الصوفي ومرة تصرف في إحياء محافل المولد النبوي وإقامة أفراح مناسبات الإسراء والمعراج والهجرة النبوية، بل تُقام المدارس والجامعات لتعليم العقائد الضالة، ومع الطرق الصوفية المخترعة و العقائد الضالة المنحرفة سنرى أن المسلمين يتحمس البعض منهم لهذه الطريقة والبعض الأخر يتحمس لتلك الطريقة، وعندها تفترق الأمة وتختلف قلوبها، كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: " تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما عليه أنا وأصحابي".
وترى حماس الأمة يتبدد مع تعصب هؤلاء لرؤسائهم الذين يسمونهم أولياء الله، وكذبوا، فيتبركون بأيديهم ويقبلون أرجلهم وقد يركعون لهم ويسجدون وقد يذبحون لهم وينذرون بل قد يطوفون حول قبور الموتى منهم ويترنمون بالقصائد في مدحهم ورفع مكانتهم، ولما كان التنازع بين الأمة سبيل إلى خورها وضعفها تحرك الأعداء لضرب المسلمين، وعلى وجه الخصوص ضرب أهل السنة والجماعة منهم بالمعتزلة والباطنية فيسقط هؤلاء وأولئك وتكون المصلحة الكبرى هي لأعداء الله ورسوله، ومن ذلك تحرك المستشرقين لإخراج كتب المعتزلة وطباعتها ونشرها بين المسلمين ليحصل الخلاف والتنازع فيصبح منهم الجاهل المؤيد لهذا الفكر، ومنهم العالم المشتغل بالرد عن العقيدة السلفية وهذا واجبه، ولكن بذلك يحصل إهدار طاقة الفريقين وهذا ما يريده أعداء الإسلام.
ثالثاً: إهدار حماس الأمة في دائرة الشهوات؛ فنلحظ هذا المعنى في كلام القس زويمر رئيس مؤتمر القدس التبشيري حيث قال: "إنكم أعددتم نشئاً في بلاد المسلمين لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقا لما أراده الاستعمار المسيحي لا يهتم بالعظائم ويحب الكسل والراحة ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات فإذا تعلم فمن أجل الشهوات وإذا جمع المال فمن أجل الشهوات وإن تبوء أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء".
وتجد حماس كثير من المسلمين لإشباع شهواتهم من خلال السفر المحرم وفيه تصرف الأموال الطائلة وتجمع أرصدة سوداء من السيئات وذلك لخوضهم في فواحش مظلمة والأمر كما قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)[آل عمران: 14].
وترى حماس المسلمين يتبدد في اهتمامات لاهية في حب غير عفيف وعشق وغرام وهيام، ويتأكد هذا المعنى لكل متأمل حينما يلتفت إلى الدواوين الشعرية وصفحات الشعر الشعبي سيجد بوضوح ذلك الحماس الملتهب للنساء الجميلات من خلال الكلمات ألتي تضج بالغرام والغزل وكما قال أحد الصالحين: "من أحب غير الله عُذب به " فلذلك كلمات العاشقين لا يفوح منها إلا النحيب والنياح والصياح، قلوبهم مجروحة ودموعهم لا تنطفئ نارها.
وحسبنا أن نقول لهؤلاء:
كل محبوب سوى الله سرف *** وهموم وغموم وأسف
وقول الله أبلغ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)[البقرة: 165].
رابعاً: إهدار حماس الآمة في المهاترات الإعلامية؛ فإن المتأمل في واقع الإعلام وما يتضمنه من أخبار ومتابعات، يجد نسبة عالية منها تخوض في أمور لا أهمية لها في حياة المسلمين؛ فكم أهدر حماس المسلمين في متابعة أخبار الموسيقار الذي خانته زوجته، وكم أهدر حماس الأمة في متابعة أخبار ذلك اللاعب الذي قتل عشيقته، وكم أهدر حماس الأمة في متابعة أخبار تلك الكافرة التي ماتت في حادث مروع مع عشيقها.
ثم تمتلئ الصفحات بكلمات المتحمسين لهذه الأخبار ما بين مؤيد ومعارض ومنتصر ومخذل، وترى المتابعين لهذه المهاترات الإعلامية في ذهول تام عن قضاياهم الرئيسة وهذا ما يريده أعداء الملة.
نهاية إقدام العقول عقال *** وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا *** وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
كم من الأوقات يضيعها المسلمون في احتضان القنوات الفضائية، وكم من الأوقات تهدر في الحديث عما يُعرض فيها وليس هذا الإهدار في المجالس فحسب بل هو حال كثير من الموظفين الذين يسهرون الليالي في متابعة متحمسة لما يعرض هنا وهناك والعدوى تنتقل كذلك إلى طلاب وطالبات المدارس؛ فما يجدون فرصة وفسحة إلا وخاضوا في حوار ساخن عن تلكم الأفلام والمسلسلات.
إن هذه الطاقات تهدر في أمور تافهة لا ترتجي منها أمة الإسلام منفعة ترى خيرها بل تزيد من ضعفها وشرورها.
كيف بنا لو انصرف المسلمون إلى تعلم دينهم؟ كيف بنا لو انصرف المسلمون إلى تعلم ما ينفعهم في دنياهم؟ كيف بنا لو انصرف أولئك الموظفين إلى تطوير إدارتهم والى الازدياد من المعارف التي تسهل للمراجعين أمورهم ؟ كيف بنا لو انصرف الطلاب إلى تقوية علمهم وتنمية مهاراتهم، مرة يتفقهون في دينهم ومرة يتعرفون على تاريخهم ويطورون أنفسهم تعلما للحاسب الآلي وتنمية لذوقهم الأدبي ومتابعة لأخبار إخوانهم في العالم الإسلامي؛ أليس هذا أولى وأجدى من إضاعة الأيام والليالي في دروب الضلالة والانحراف ؟ بلى وربي.
هذا وللكلام بقية فنسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
أيها المسلمون: وخامس المجالات: إهدار حماس الأمة في جوانب متطرفة في التعبير عن فرح ما؛ فكثيراً ما تأتي الأخبار بصور من المذابح وبمشاهد مؤلمة، اقتتال بالهراوات والعصي ومشاحنات بين من؟ بين مشجعي الفرق الرياضية ولا نعجب حينما نسمع أن الجماهير المتحمسة تتجاوز الحواجز لتصل إلى أرض الملعب فتضرب اللاعبين وحكم المباراة حتى الموت ومن المتحمسين من يعبر عن حماسه وهوسه في تشجيع متطرف يصل إلى سرعة بالسيارات مهلكة أو صرير للعجلات حتى تحترق بل إلى تكسير للمحلات التجارية وضرب العمالة والمارة ونهاية أمرهم أن يحشروا جميعاً إلى السجون ليقفوا عند حدهم وليستتب الأمن بين عامة الناس.
وترى في جانب آخر ما يفعله بعض المسلمين من حماس متطرف في إظهار الإعجاب بالمغنين والمغنيات. فذاك يأخذه حماسه لرمي الأوراق النقدية على الجماهير وأولئك تفور عندهم النشوة فيقعون على الأرض في غيبوبة عميقة.
أيها الأخوة في الله: إن حماس الأمة ثروة ينبغي أن نساهم جميعاً في حفظها، وإن من أسباب حفظ هذه الثروة: أن نلتفت إلى أنفسنا فلا نُسلمها لشهواتها وأن نجاهدها على عدم الانقياد للأهواء بل نجاهد هذه النفس ونأخذ بزمامها إلى تقوى في دين وعلم وفهم ومن جهة أخرى لا نسمح لأحد كائن من كان أن يأخذ بأيدينا إلى دائرة الشبهات والشهوات أو يخدعنا بدعايات تضلنا وتحرفنا عن اهتمامات أعلى وأسمى تنفعنا في دنيانا وأخرتنا.
ومن أسباب حفظ هذه الثروة التي أنعمها الله علينا: أن نربي أبناءنا وبناتنا على الاهتمام بأوقاتهم والازدياد من الثقافة النافعة وعلى التميز بالشخصية الإسلامية الجادة، وعنده لا يستسلمون فيبقون في تعطش دائم لسبل الشيطان وخطواته، بل نربي الأبناء على التطلع إلى أن يكونوا من المحسنين الذين يعبدون الله كأنما يرونه فإن كانوا لا يرونه فإنه يراهم.
ونربيهم على المسارعة إلى الخيرات ونحرضهم على التفوق الدراسي والتطلع إلى العلم النافع الذي ينتفع به المسلمون مستقبلاً، وتشجيعاً منا على ذلك نجعل لهم الثناء الطيب والحوافز والجوائز.
إننا إن جاهدنا أنفسنا على ذلك وربينا أبناءنا عليه فان الجيل القادم سيفرض الصالح ويرفض الطالح وعندها يسمو المجتمع ويرتفع ويحفظ له قدراته وطاقاته و (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11].
وكذلك النساء عليهن دوراً مهماً وواجباً عظيماً في توعية أخواتهن ليصرفن حماسهن في ما ينفع أبناء المسلمين، وإن أقل ما يطلب منهن أن يبذلن الجهد الجهيد من أجل إخراج جيل مسلم تقي جاد ينصرف إلى الأمور الجادة ويتحمس لها بل ويتفوق فيها، وعندها يستغني المسلمون عن الكافرين.
نسأل الله أن يصلح حالنا وأن يسدد وأقوالنا وأفعالنا.
اللهم ولا تجعل الدنيا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعلنا ممن اتقاك واتبع رضاك.
عباد الله: صلوا على نبيكم فلقد أمركم الله بذلكم اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
التعليقات