عناصر الخطبة
1/ شرف القرآن وفضائله 2/ بشارة وفضل عظيم لحامل القرآن ووالديه 3/ فضائل حامل القرآن العامل بما فيه 4/ انتشار حلقات تحفيظ القرآن الكريم ودوره 5/ أهمية دور الأسرة في تحفيز أبنائها وبناتها على حفظ القرآن الكريم 6/ أسباب الانحسار في أعداد الطلاب والطالبات في حلق التحفيظ.اهداف الخطبة
اقتباس
ها هي حِلَق تحفيظ القرآن الكريم ودوره تنتشر في هذا البلد المبارك.. وهي متاحة للجميع، وما من حي إلا وفيه حلقة أو مدرسة أو دار، لقد بذلت جمعية تحفيظ القرآن وسعها فهيأت لتلك المحاضن القرآنية سبل النجاح، وما زالت تبذل المال من صدقات المحسنين وريع أوقافهم القرآنية بمئات الملايين منذ أكثر من ثلاثين سنة، ويقوم عليها رجال من أهل العلم والفضل نذروا أنفسهم وأوقاتهم لخدمةِ تعليمِ كتابِ اللهِ وتحفيظِه، وتبارك هذه الجهود وترعاها وزارة الشئون الإسلامية.. ولكن التفاعل المجتمعي لم يصل إلى المستوى المرجو مع تيسر السبل وشرعيتها ونظاميتها ومجانيتها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، له مقاليد السموات والأرض، سبحانه كلّ يوم هو في شأن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام.
أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا الله وأطيعوه، واسمعوا شرفَ القرآنِ وجلالتَه وبشارةَ ربكم في فضلِه ومكانتِه يقول الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء:9]، يخبر الله –تعالى- عن شرفِ القرآنِ وجلالتِه وأنه (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي: أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع أموره.
(وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ) من الواجبات والسنن، (أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) أعده الله لهم في دار كرامته لا يعلم وصفه إلا هو.
أحبتي: حَدَثَ بُرَيْدَةُ بنُ الحَصِيبِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ يَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ لَهُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ وَأَنْتَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تَجارةٍ، قَالَ: فَيُعْطَى الْمُلْكَ يَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيَكْسِي وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لاَ يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولاَنِ بِمَا كُسِينَا هَذَا فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةَ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أو تَرْتِيلاً" (رواه أحمد وحسنه ابن كثير في "تفسيره").
أيها الإخوة: هذا العطاء الجزل الذي يعطيه الله لحامل القرآن ووالديه يدعونا للحرص والمبادرة بأنفسنا، وحث من تحت أيدينا من البنين والبنات لحفظ كتاب الله وتلاوته والعمل به؛ حتى نحوز على المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي أخبر بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن مكانة أهل القرآن بقوله: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصّتُهُ" (رواه النسائي وابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- وصححه الألباني).
وأَهْلُ الْقُرْآنِ، أي: حفَظَته الملازمين لتلاوته، الذين يعملون به ظاهرًا وباطنًا، يموتون عليه ويحيون عليه، وقد قربهم اللهُ واختصهم فكانوا كأهله، وسُمْوا بذلك تعظيماً لهم..
وأهل القرآن هم الذين كرمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلهم المقدَّمين في إمامة المسلمين في أعظم ركن من أركان الإسلام وهي الصلاة فقَالَ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ الله".. (رواه مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه).
وكَانَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: "أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ"؟؛ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ. (رواه البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).
وحث رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- على تكريم حامل القرآن وإكرامه، وجعلَه من إجلال الله سبحانه، فقال: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ". (رواه أبو داود عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وقَالَ الألباني: حسن).
وأكرمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الماهرين بتلاوة القرآن فقَالَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ». (رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا).
ومن فضائل صاحب القرآن أن القرآن يشفع له يوم القيامة، قَالَ: رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ..» (رواه مسلم عن أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).
وشهد النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بأن متعلمي القرآن ومعلميه خيرُ الأمة فقَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" (رواه البخاري عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).
ومثَّل رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المؤمنَ الذي يقرأ القرآن بمثل جميل محسوس فقَالَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرّ" في الصحيحين، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ). وكان القراء أصحاب مجلس عمر كُهولاً كانوا أو شباباً.
وكفى حاملُ القرآن شرفاً أنه يُدْعَى على رءوس الأشهاد يوم القيامة للتكريم في ذاك الموقف الرهيب الذي قال الله عنه: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 2]؛ ففي هذا اليوم يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَجِيءُ صَاحِبُ القُرْآنِ كما قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "فَيَقُولُ الْقُرْآنُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ؛ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ؛ فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ؛ فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً" (رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وهو حسن).
هنيئاً لحامل القرآن ووالديه هذه المكانة العظيمة والمنزلة المنيفة وحلل الكرامة والفخار.. جعلنا الله وولدينا وذريتنا وأزواجنا منهم إنه جواد كريم...
الخطبة الثانية:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) [الكهف:1]، و(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما وتبجيلاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أحبتي: ها هي حِلَق تحفيظ القرآن الكريم ودوره تنتشر في هذا البلد المبارك.. وهي متاحة للجميع، وما من حي إلا وفيه حلقة أو مدرسة أو دار، لقد بذلت جمعية تحفيظ القرآن وسعها فهيأت لتلك المحاضن القرآنية سبل النجاح، وما زالت تبذل المال من صدقات المحسنين وريع أوقافهم القرآنية بمئات الملايين منذ أكثر من ثلاثين سنة، ويقوم عليها رجال من أهل العلم والفضل نذروا أنفسهم وأوقاتهم لخدمةِ تعليمِ كتابِ اللهِ وتحفيظِه، وتبارك هذه الجهود وترعاها وزارة الشئون الإسلامية..
ولكن التفاعل المجتمعي لم يصل إلى المستوى المرجو مع تيسر السبل وشرعيتها ونظاميتها ومجانيتها. بل ويُكرم الحُفاظ معنوياً ومادياً من أعلى سلطة بالمنطقة. وتقدم الجوائز والتحف للحُفّاظ في حفل بهيج.. ومع ذلك كله لا يمثل طلاب الحلق وطالبات الدور إلا قرابة سبعة بالمائة فقط من طلاب وطالبات المدارس والكليات..
أحبتي: لقد أثبتت الدراسات الميدانية التي أُجريت في بلادنا بأن حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ينمي مدارك الأطفال واستيعابهم بدرجة أكبر ممن لا يحفظونه.
وأن حُفَاظَ القرآنِ الكريم يتمتعون بقدرٍ كبيرٍ من الاتزان النفسي والاجتماعي. ولديهم قدرةٌ كبيرة على تنظيم أوقاتهم والاستفادة منها..
وأشارت الدراسة إلى أهمية تشجيعهم النشء في سن مبكرة على الالتحاق بحلقات ومدراس تحفيظ القرآن الكريم بل وحتى دفعهم لذلك؛ نظراً لسهولة الحفظ عليهم في هذا السن وقدرتهم على الاستيعاب السريع والاسترجاع.
وأكدت الدراسة أهمية دور الأسرة في تحفيز أبنائها وبناتها على حفظ القرآن الكريم، وتشجيع التنافس بين الأبناء والبنات داخل الأسرة الواحدة على ذلك، وقد أثبتت الدراسة أن أكثر من 80% من حفظة القرآن الكريم من البنين والبنات عرفوا طريقهم إلى حلقات التحفيظ والمدارس القرآنية بتشجيع من الآباء والأمهات وأكثر من 50% منهم لهم أشقاء وشقيقات يحفظون القرآنَ أو أجزاءً منه.
وكشفت الدراسة أن الانتظام في حلقات التحفيظ لا يتعارض مع قدرة الطلاب على التحصيل العلمي في المدارس والجامعات، بل إن حفظ القرآن له دور كبير في زيادة التحصيل العلمي والتفوق، حيث إن أكثر من 70% من الطلاب الذين بدؤوا بالحفظ في سن مبكرة متفوقون في دراستهم ويحصلون على المراكز الأولى في المدارس والجامعات. لأن حفظ القرآن يعمل على تمرين الذاكرة فيساعد على التقدم والتفوق في الدراسة.
وأن ما يزيد على 60% من الحفظة يسلكون طريق التعليم الجامعي بما في ذلك الكليات العلمية مثل الطب والهندسة والصيدلة والعلوم ويتفوقون فيها. وقال عميد إحدى الكليات العلمية: "إن معظم طلاب كليتي الطب والهندسة المتفوقون هم من أبناء الحلقات".
أيها الإخوة: لقد سمعتم فضل حفظ القرآن وتلاوته الأخروي، وأثره في التحصيل التعليمي، مع تيسره للجميع مجاناً، فما بالنا عن هذا المنبع الثر والالتحاق به متكاسلون؟!
وبماذا يُفسر هذا الانحسار في أعداد الطلاب والطالبات في حلقنا ودورنا..؟ مع ما يتمتع به هذا المجتمع من التدين بحمد الله، والحرص على طلب العلم والتفوق فيه، إضافة لما يعلمه معظم الناس عن فضل حفظ القرآن وتلاوته.. أعتقد أن الأمر يحتاج منا إلى شيء من الحزم والمتابعة.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل القرآن وخاصته..
التعليقات