عناصر الخطبة
1/ شمول الإسلام لكل شيء 2/ من آداب الطريق 3/ فضل إماطة الأذى عن الطرقات 4/ التحذير من أذية الناس في طرقاتهم 5/ من صور الأذيةاهداف الخطبة
اقتباس
ومن أذية المسلمين تحويل الشوارع إلى ملاعب للكرة؛ ما يتسبب بكثرة الصخب والتجمعات حولها؛ ما يؤذي المارة وأصحاب البيوت المجاورة، وربما يتسبب عنه أضرار كثيرة وتجمعات مشبوهة. ومن أذية المسلمين أيضًا مخالفة بعض سائقي السيارات لأنظمة المرور وأصول القيادة؛ كالسرعة في الشوارع الداخلية بين الإحياء؛ ما يؤدي إلى حوادث تذهب فيها أرواح بريئة أو تتعطل فيها أعضاء أو حواس، وكل ذلك مردّه وسببه السرعة وعدم إعطاء الطريق حقه.
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة في الله: إن شرائع الإسلام لم تترك شيئًا من شؤون الحياة إلا بينته من المهد إلى اللحد، ومن هنا نجد أن توجيهات الإسلام وأحكام الشريعة تدخل في تنظيم المجتمع وشؤون الإنسان، ونرى ذلك جليًا فيما أوضحه الكتاب والسنة وآثار الأئمة من آداب الطريق ومجالس الأسواق وحقوق المارة؛ جاء في محكم التنزيل: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) [الفرقان: 63]، (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) [الإسراء: 36-38].
أما في السنة المطهرة ففي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي قال: "إياكم والجلوس في الطرقات"، قالوا: يا رسول الله: ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حقه؟! قال: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". متفق عليه.
إذًا نرى أن الإسلام لم يتركنا هملاً، فلقد وضح كل شيء؛ كيف تمشي بين الناس، وكيف ترد على سفهائهم إذا خاطبوك، وفي حديث أخرجه الترمذي عدّ النبي من أبواب الخير: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة".
وهكذا، فعباد الرحمن والذين هم خلاصة البشر يمشون في طريق هونًا، لا تصنع، ولا تكلف، ولا كبر، ولا غرور، مشية تعبر عن شخصية متزنة ومطمئنة، يظهر كل ذلك في مشي صاحبها، متبعًا ومتأسيًا بالقدوة الأولى محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهو غير صخَّاب بالأسواق، حين يمشي يتكفّأ تكفيًا، أسرع الناس مشية وأحسنهم، هكذا وصفه الواصفون، ولا يمشي في الأرض مرحًا، لا خفق بالنعال، ولا ضرب بالأقدام.
يُضَم إلى ذلك -أيها الإخوة- غض البصر، وهذا حق لأهل الطريق من المارة والجالسين؛ بأن تحفظ حرماتهم وعوراتهم، ففي ذلك صيانة للمرء في دينه ونفسه، ورد السلام فيه استجلاب للمحبة وإشعار بالأمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها إقامة الدين، وكل ذلك واجب شرعي مفروض على المسلمين جميعًا العمل به، وهو أكثر وجوبًا لمن يتخذ الطريق مجلسًا، سواء كان المجلس عابرًا مؤقتًا أو مقهى وغير ذلك.
وحينما طلب أبو برزة -رضي الله عنه- من رسول الله أن يعلمه شيئًا ينتفع به قال: "اعزل الأذى عن طريق المسلمين"، وفي خبر آخر: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على طريق فأخَّرَه فشكر الله له فغفر له"، وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عرضت عليّ أعمال أمتي، حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن". رواه مسلم.
وكل هذا الثواب العظيم لمن يكفّ الأذى عن المسلمين، فكيف تكون العقوبة لمن يتعمد إيذاء الناس في طرقاتهم ومجالسهم؟! أخرج الطبراني من حديث حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- أن النبي قال: "من آذى المسلمين في طريقهم وجبت عليه لعنتهم"، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: "اتقوا اللعانين"، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟! قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم". ومعنى ذلك: النهي عن قضاء الحاجة في الطريق الذي يسلكه الناس أو في الظل الذي يستظلون تحته من حرارة الشمس، وأن من فعل ذلك فهو مستحقّ للعنة والعقوبة؛ لأنه يؤذي الناس بذلك وينجسهم أو يحرمهم المرور في الطريق، فيدعون عليه باللعنة.
ومما هو جدير بالملاحظة ويجب الانتباه إليه هو أن قضاء الحاجة في الطرقات في أيامنا هذه قد قلّ أو انتهى ولله الحمد، ولا تجد من يتبرّز في الطرقات أو الشوارع والممرات، ولكن يوجد ما هو أدهى من ذلك وأمر وأشدّ أذية منه وتنفيرًا، وأظنكم قد عرفتموه -أيها الإخوة-، إنها المجاري أكرمكم الله، إنها البيارات التي ملأت الشوارع وأصبح ضررها أكبر من ضرر من يقضي حاجته في جزء يسير من الطريق. إنها تعمّ الشوارع وتتفرع، ولا يتوقف ضررها في مكانها، بل يتعدى ويشمل عدة أماكن وعدة شوارع، ما يعني كثرة المتأذين منها وكثرة من يدعون على صاحبها، لاسيما إذا كانت بجوار المساجد وتمنع المسلمين من الوصول إلى بيوت الله إلا بمشقة.
فاتقوا الله يا من تؤذون الناس في طرقاتهم وفي الشوارع، كفوا أذاكم واحترموا حق إخوانكم من المشاة والمارين، واتقوا اللعنات التي قد تصيبكم لأن النبي قال: "من آذى المسلمين في طرقاتهم وجبت عليه لعنتهم"، لا تتهاونوا في هذا اللعن فإنه جدّ خطير عليكم وعلى أهاليكم وذرياتكم.
نفعني الله وإياكم والقرآن العظيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين، أمر بالإحسان والتعاون على البرِّ والتقوى، ونهى عن الإساءة والأذى، وأشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جاء بالحق والهدى، وأمر ببذل المعروف وكفّ الأذى، صلى الله عليه وعلى أصحابه الذين أنزل الله سكينته عليهم وألزمهم كلمة التقوى، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واحذروا أذية المسلمين في طرقاتهم وجميع مرافقهم، فقد أخبر النبي أن إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان وأسباب دخول الجنة، وأنها من أنواع الصدقة والإحسان، وأن وضع الأذى في الطريق أو التسبّب فيه من أعظم الإساءة والعصيان، ومن أسباب اللعنة والخذلان.
والأذى كلمة شاملة لكل ما يؤذي المارة كالحجر والعظم والنجاسة والزجاج وحفر الحفر في الطرقات أو إيقاف السيارات على مداخل المساجد أو العمارات. وكذلك من أذية المسلمين في طرقاتهم ما يفعله بعض السفهاء من وقوفهم بالسيارات وسط الشوارع بعضهم إلى جانب بعض، يتحدثون ويتمازحون ويحجزون الطريق على من خلفهم ويعرضون الناس لخطر المشاكل والمخاصمات، وقد تساهل كثير من الناس اليوم في هذا الأمر، فصاروا لا يبالون بأذية الناس في أماكن جلوسهم واستراحتهم، فتراهم يرمون بالقمائم في كلّ مكان، ويتركون الماء النقي يجري في الشوارع بدون اهتمام، ويلقون الأحجار والزجاج، ونسوا أو تناسوا ما في ذلك من الوعيد والإثم، وقل أن تجد من يحتسب الأجر فيزيل هذا الأذى أو يتسبب في إزالته بكلمة طيبة مع من يقوم بهذه الأذية؛ لأن الناس لا يحبون التحدث في مواضيع لا تخصّهم مباشرة، وهذا ليس من الإسلام في شيء.
فالواجب -أيها الأحبة- التعاون فيما فيه مصلحة عامة: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
ولقد لعن الله بني إسرائيل لأنهم لا يتناهون عن المنكرات ولا يتناصحون فيما بينهم، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78، 79].
ومن أذية المسلمين تحويل الشوارع إلى ملاعب للكرة؛ ما يتسبب بكثرة الصخب والتجمعات حولها؛ ما يؤذي المارة وأصحاب البيوت المجاورة، وربما يتسبب عنه أضرار كثيرة وتجمعات مشبوهة.
ومن أذية المسلمين أيضًا مخالفة بعض سائقي السيارات لأنظمة المرور وأصول القيادة؛ كالسرعة في الشوارع الداخلية بين الإحياء؛ ما يؤدي إلى حوادث تذهب فيها أرواح بريئة أو تتعطل فيها أعضاء أو حواس، وكل ذلك مردّه وسببه السرعة وعدم إعطاء الطريق حقه.
فاتقوا الله -عباد الله- في أنفسكم وفي إخوانكم، واحترموا حقوق المسلمين، واجتنبوا أذيتهم والإضرار بهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58]. والتزموا بآداب دينكم، واحفظوا حقوق إخوانكم، وكف الأذى عن الطريق من أبرز الحقوق وأهمها.
ثم صلوا وسلموا على صفوة خلق الله كما أمركم بذلك رب العالمين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان...
التعليقات