عناصر الخطبة
1/الشباب وأثرهم في أممهم سلبا وإيجابا 2/ضعف اهتمامات الشباب وتأثرهم بالغرب 3/من أسباب عودة الشباب المسلم إلى الطريق الصحيحاقتباس
إن كل أمة ودولة إنما تعلو ناجحة في طريقها غير خاضعة لأحد من بني جنسها إذا أعدّت العدة للنجاح، وإن أكبر عامل لنجاحها بعد توفيق الله -جل وعلا- هو شبابها، فشباب كل أمة عمادها، فإذا صلح شبابها صلحت...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: هم القوَّة الأولى في المجتمع المسلم وفي أيِّ مُجتمع، وهم الذين عليهم الاعتماد في نَهْضة الأُمَم؛ بعزيمتهم، وأخلاقهم، وتضحيتهم بالغالِي والرَّخيص؛ لتحقيق الازدهار والرِّيادة، وهم رُمَّانة ميزان الصَّلاح والهدى، على أكتافهم تُبْنَى الدُّول، وتزدهر الحضارات، وبِهم يُدحر الباطل، ويعلو الحق، وتُقتلع شوكة الفساد، وتُغرس نبتة الخَيْر، وهم صانعو الأفكار، ومنتجو التغيير، تتضاءل إلى جانب هِمَّتِهم كلُّ هِمَّة، وتتدانى إلى جانب حماستهم كلُّ حماسة وقوَّة، وعليهم الرهان في نَجاح الفكرة؛ فإنَّما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوَفَّر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووُجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة -الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل- من خصائصهم؛ من هم هؤلاء؟! إنهم الشباب .. ومن هنا كانوا قديماً وحديثاً في كل أُمَّة عمادَ نَهْضتِها، وفي كلِّ نَهْضة سرَّ قوَّتِها، وفي كل فكرة حامِلَ رايتها: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[الكهف:13].
عباد الله: شباب كل أمة عمادها، إذا صلح شبابها صلحت سيرتها، وإذا فسد شبابها فسدت سيرتها، وإذا نظرنا إلى أول دولة إسلامية أقيمت في هذه الأمة رأينا بوضوح أثر الشباب في مسيرتها وخضوع العالم لها.
ولو ألقينا نظرة إلى المجتمع الإسلامي في ذلك الزمن -أعني زمن النبوة- لرأينا الشباب هم العبّاد، وهم المجاهدون، وهم العلماء، وهم الدعاة، وهم الغالبية العظمى في كل مجال، ذلك أنهم يتطلعون للحياة وينظرون إليها النظرة الصحيحة الواضحة، ويعلمون مدى العبء الملقى على ظهورهم تجاه أمتهم.
أيها المسلمون: إن الشباب في كلِّ زمان ومكان -وفي جميع أدوار التاريخ إلى زماننا هذا- عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملُ لوائها ورايتها، وقائدُ مَسيرتها إلى المجد والنصر.
إن الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته - إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وتخرَّجت في جامعته الشاملة.
هؤلاء الشباب من الرعيل الأوَّل هم الذين حمَلوا راية الدعوة إلى الله، ورَفَعوا لواءَ الجهاد المقدَّس، فحقَّق الله على أيديهم النصر الأكبر ودولة الإسلام الفتيَّة.
فالله أكبر نداؤهم والجهاد سبيلهم، والموت في سبيل الله أسمى غاياتهم، ولا يُمكن للشباب أن يقوموا بدورهم، ويَنهضوا بمسؤوليَّاتهم، ويؤَدُّوا رسالتهم - إلاَّ بعد أن تكتملَ شخصيَّتهم العلميَّة والدعويَّة والاجتماعية على حدٍّ سواء.
ونحن إذا ما أردنا للأمة الرقيَّ في كافة مجلات الحياة فلنبدأ من الشباب؛ فإن الشباب همُ عدةُ الأمة، وهم أملُ الحاضر، ورجال المستقبل، وسيكون منهم: القائدُ والحاكم، والوزير والقاضي والمعلم ُوالعامل، والمربي لمن يأتي من الأجيال، إذاً فتربية الشباب ليست هينةً ولا سهلة، وإنما تحتاج إلى متابعة دقيقة من الآباء والمربين والمسئولين، ومن الواجب أن يبدأ الآباءُ والمربون في إعداد الشباب منذ الطفولة، ويجب أن يستمر هذا الإعدادُ إلى أن يشتد عودُ الطفل، ويبلغَ مرحلة النضوج الفكري والعملي.
أيها المسلمون: ومتى ما تخاذل الشباب وانحرف عن جادة الصواب انخسفت الأمة في أوحال الذل، وتسلطت عليها الأمم من كل حدب وصوب، ومن تأمل أحوال شباب المسلمين اليوم جيدًا بكت عينه واعتصر قلبه، وتهاوت به قدماه أمام واقع الشباب هذا الزمن، فالأوقات قد قُتلت عند عامة الشباب إلا من رحم الله، فالسهر في الليالي، والنوم في الأيام، وتجد الانكباب والانهماك في المحرمات كالتدخين والمخدرات والعشق، والمعاكسات والمطاردات، مع إضاعة الفرائض كالصلوات، وغالب العبادات.
ومما يدلك على تهاوي عقول الشباب في الرذيلة وطرقها إلا من رحم الله ذهابهم في تلك المقاهي زرافات ووحدانًا حيث تقتل الأوقات، وتدار بينهم المحرمات، ويتعلمون من بعضهم طرق الإجرام والرذيلة، والانحطاط وإضاعة الفضيلة.
حتى إن الغالبية العظمى من الشباب قد أسرَ الغربُ عقولَهم؛ فهم في قيود الأسر يسيرون، ويقلدون الغرب حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، فانظر إلى لباسهم، وانظر إلى حركاتهم وهيئاتهم، بل انظر إلى كلامهم وعباراتهم، تنبيك عن ذلك.
وإذا كان شباب الأمة قد غرق في شهواته بين مغريات وملهيات، وأعراض وماديات؛ فمن سيكون السبب في نصرة هذا الدين: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد:7]، إذا غرق الشباب في شهواته؛ فمن ينقذ فتيات المسلمين من أيدي اليهود والنصارى، ومن يمسح دمعة يتامى المسلمين في أرض المغتصبين.
من سيحرر الأقصى من أيدي اليهود، ومن سيرفع راية الجهاد لقمع أهل الكفر والإلحاد؟!
أيها المسلمون: إن السبب الفعّال في انحراف الشاب وصلاحه هو الأب؛ ولي الأمر؛ فكم من أب أصبح أداة فساد لابنه، شعر بذلك أم لم يشعر.
وإن من يهمل ابنه في سن الطفولة، يجني العقوق والانحراف عند المراهقة إلا من رحم الله، فلا بد من رعاية الابن منذ نعومة أظفاره، فإذا دخل المرحلة المتوسطة، ازدادت الرعاية، وحققت رغبات الابن بضوابط الشريعة بلا إفراط ولا تفريط. وعلى الأب أن يجتهد في اختيار الصحبة الطيبة له، وأن يزرع في ابنه معرفة قيمة الوقت وأهميته.
أيها الآباء: إياكم والغفلة عن الأبناء؛ فإن صلاح الابن صلاح لبيتك ولمجتمعك، وهو ربح لك بعد موتك، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له".
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
أيها المسلمون: إن من أسباب عودة الشباب المسلم إلى الطريق الصحيح تعليم شباب الأمة الكتاب والسنَّة، وتوعيتُهم وتحصينهم فكريًّا وتربويًّا؛ وذلك عن طريق الدورات العلمية، لسدِّ جميع أسباب طرق الفساد المذكورة. وتذكيرُهم بشباب وشابات ما زال التاريخ يَذكرهم ويُذكِّرنا بهم: شباب وشابات وضعوا بصماتهم في الحياة، وما زال التاريخ يَذكرهم ويُذكِّرنا بهم، ويُثني عليهم؛ لأن تلك المرحلة مِن أشد المراحل؛ فالشيطان يستفزُّهم ويستحوذ عليهم؛ فمَن زُحزح عن كيده ومكرِه، فيُرجى له حسن الخاتمة.
1- شابة نشأت في عبادة الله: مريم بنت عمران القانتة المصدِّقة بكلمات ربها، التي حازت الشرف بعد أن وُهِبتْ لله، فنشأت في بيوت الله بين الركوع والسجود، خادمة المساجد وحارسة لها، وستكون من السبعة الذين يظلُّهم الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه كما جاء في الحديث.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه.."(متفق عليه).
2 - شابة وهبتْ روحها لله: أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، التي لعبت دورًا في هجرة الرسول صلوات الله عليه وسلامه، من مكة إلى المدينة، حتى سُمِّيَت ذات النطاقين؛ حيث إنها كانت تَحمِل الطعام إلى غار ثور، والشمس في حرِّها، والطريق وشدته، والأعداء وغلظتهم، فلم تأخذها في الله لومةُ لائم، فاشترت نفسَها ابتغاء مَرضاة الله، ودفاعًا عن الإسلام، عند هجرة والدها مع خير الخَلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
3 - شباب هاجروا بإيمانهم: أصحاب الكهف هم شباب كانوا يَعيشون مع ملك طاغية، فشرح الله صدورهم للإسلام فآمَنوا بالله، وأراد الملك أن يَفتنهم بعد الإيمان، أو يقتلهم أو يعذبهم عذابًا شديدًا، فهاجَروا بإيمانهم إلى الكهف، تاركين أهليهم وديارهم لله سبحانه وتعالى، والدنيا وملذاتها الفانيَة للمَلك الطاغية، فقد أثنى الله عليهم في كتابه العزيز حيث قال: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[الكهف: 13].
4- شاب يجمع المصحف الكريم: زيد بن ثابت -رضي الله عنه- يقومُ بجمع القرآن بأمر خليفة المسلمين أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وبإذنه، مع أن زيدًا في ريعان شبابه، ويقول له الخليفة قوله المشهور: "إنك رجل شابٌّ عاقل ولا نتَّهمك، كنتَ تَكتُب الوحْي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتبَّعِ القرآن فاجمعه"؛ أخرجه البخاري في الصحيح.
نفهم مِن قَول أبي بكر -رضي الله عنه-: أنَّ لهذا الشاب دورًا كبيرًا في أيام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد جمع بين القوة والذَّكاء، والتقوى والعدالة، فلذلك اختارَه خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووضَعَ للإسلام والأمَّة الإسلامية ولنفسِه بصمةً لا تُمحى.
5- شاب يقود جيشًا: أسامة بن زيد يقود جيشًا لغزْو الروم، وهو في ريعان شبابه أمام كبار الصحابة.
6- أول سفير في المدينة: هو مُصعب بن عمير -رضي الله عنه-، الفاتح، السفير الأول في الإسلام، والمعلِّم في المدينة المنورة، مع كونه شابًّا.
ومن أسباب عودتهم للطريق الصحيح: التمسك بالكتاب والسنة، وهدم أساليب الفساد بجميع أنواعه، والإعراض عن جميع الملهيات؛ تربيةً للنفس على علو الهمة، وثبات العزيمة، فبذلك ينهزم أعداء الملة، وتتهاوى دول الكفر، فنحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
أيها المؤمنون: يجب مد يد العون للشباب، فإنهم يعيشون في زمن مليء بالفتن، وهم مع ذلك يعالجون النفس الأمارة بالسوء، والهوى والشيطان من الجن والإنس، فمن رحمتهم أن نوجههم إلى طريق الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نسعى جادين في إلزامهم طريق الصلاح والخير؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم:6].
وأنتم -أيها الشباب- إلى متى وأنتم في فراغٍ وسهر، وانحرافٍ وفساد، وعشقٍ وغرام، وتخبطٍ وتفحيطٍ ودوران، عجبٌ وغرور، عقوقٌ للوالدين، تركٌ لصلاة، تبذيرٌ للأموال، تقليدٌ للغرب، ضياعٌ للشخصية، سفرٌ إلى بلاد الكفر والإباحية، لواط وزنا وعادة سرية، جلساء سوء، الكذب، الغيبة، وبذاءة اللسان، التشبه بالنساء، أفلام وقنوات، فُحشٌ وروايات، غناءٌ ومجلات، معاكسات، مقابلات، جنسٌ وشهوةٌ وإثارةٌ للغرائز، إلى متى إلى متى يا شباب، ألا يكفي هذا التخبط من وحلٍ إلى وحل، ومن مستنقعٍ إلى آخر؛ فتوبوا إلى الله وارجعوا إليه، واغتنموا قوَّتكم فيما يرضي الله؛ فوالله ليسألن كل شابٍ عن شبابه؛ (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الحجر:92-93].
هذا وصلوا وسلموا على رسول الله ..
التعليقات