عناصر الخطبة
1/أهمية العلاقة الزوجية 2/أساس قيام العلاقة بين الزوجين 3/أبرز حقوق الزوجة على زوجها 4/العواقب الوخيمة للتهديد بالطلاق 5/بعض وسائل معالجة الأخطاء الزوجةاقتباس
من أجل تأكيد معنى الاستقرار، قال سبحانه وتعالى: (لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[الأعراف: 189]. ولم يقل ليسكن معها؛ فكل من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق، والبشاشة عند الضيق؛ فأساس العلاقة الزوجية الصحبة والاقتران القائمان على الود والأنس والتآلف، فعلاقة الزوجين علاقة عميقة الجذور، بعيدة الآماد؛ فهي أشبه ما تكون بصلة المرء بنفسه، وقد قال ربنا -سبحانه وتعالى- في موضع آخر: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)[البقرة: 187]. فالعلاقة بين الزوجين ليست علاقة دنيوية مادية، ولا شهوانية بهيمية، فهي أسمى وأعلى من ذلك؛ إذ هي علاقة روحية كريمة، إذا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل أداء الحقوق سبباً لصلاح الأحوال، وتوعد من أخل بواجبها بالعقوبة الشديدة والنكال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الرسل كامل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضائل والأفضال، وعلى التابعين لهم بالأقوال والأفعال، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-.
واعلموا أن لكل واحد من الزوجين على الآخر حقوقاً، من وفق للقيام بها فهو من المتقين، ومن أهملها وضيعها كان من الظالمين.
أحبتي في الله: ذكر الله -سبحانه وتعالى- مكمن السعادة المنشودة، والاستقرار في السلوك، والهدوء في الشعور، وتحقيق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها؛ فقال عزَّ من قائل عليماً: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
ومن أجل تأكيد معنى الاستقرار، قال سبحانه وتعالى: (لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[الأعراف: 189].
ولم يقل ليسكن معها؛ فكل من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق، والبشاشة عند الضيق؛ فأساس العلاقة الزوجية الصحبة والاقتران القائمان على الود والأنس والتآلف، فعلاقة الزوجين علاقة عميقة الجذور، بعيدة الآماد؛ فهي أشبه ما تكون بصلة المرء بنفسه، وقد قال ربنا -سبحانه وتعالى- في موضع آخر: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)[البقرة: 187].
فالعلاقة بين الزوجين ليست علاقة دنيوية مادية، ولا شهوانية بهيمية، فهي أسمى وأعلى من ذلك؛ إذ هي علاقة روحية كريمة، إذا صحت وصدقت وسارت على منهج الله امتدت إلى الحياة الآخرة بعد الممات: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ)[الرعد: 23].
وإن مما يحفظ هذه العلاقة: المعاشرة بالمعروف، ولا يتحقق ذلك إلا بمعرفة كل طرف ما له وما عليه، وإن نُشدان الكامل في البيت وأهل البيت أمر متعذر، والأمل في استكمال كل الصفات فيهم أو في غيرهم شيء بعيد المنال في الطبع البشري، وما سبب فقدان بعض الناس للسعادة التي يطلبونها، والراحة التي يلتمسونها، والاستقرار الذي ينشدونه، وهدوء النفس والبال الذي يسعون إليه، وما سبب هيمنة الشقاء، والاضطراب، ومثيرات القلق في تلك البيوت إلا لبعدهم عن تعاليم الإسلام وقيمه وأخلاقه، وذلك بعدم تعلمهم ما لهم تجاه زوجاتهم، وما لزوجاتهم تجاههم؛ إذ أن لكل من الزوجين على الآخر حق يطالبه به، إذا وفَّى كل ذي حق حقه توطدت العلاقة، وابتعدت عن رياح التفكك، وأعاصير الانفصام والتصرم.
وإنه لمن المؤسف حقيقة: أن بعض الآباء -هداهم الله- يخطب الابن، ويعقد عقد نكاحه، ويدخل على زوجته وهو لم يتكلم معه بكلمة إرشادية ترشده إلى الخير والصلاح، ولا بنصيحة توجيهية توجهه إلى الطريق الأقوم؛ ليعيشا سوياً في جو من الحب والوفاق والوئام.
فإلى الآباء الكرام أقول لهم: اتقوا الله -تعالى- وقوموا بمسئولياتكم، اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم، وأصلحوا ذات بينكم، ولا تنسوا أنكم رعاة لرعية ستسألون عنها، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"[البخاري: باب الجمعة في القرى والمدن (1/304)، رقم (853)، ومسلم: بَاب فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ، وَالْحَثِّ على الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ، وَالنَّهْيِ عن إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عليهم (3/1459)، رقم (1829)].
وإلى الشباب سيدخلون في معترك الحياة أقول لهم: لا بد أن تكونوا على علم وبصيرة بأن للزوجة حقوقاً يجب عليكم الوفاء بها.
من ذلك: معاشرتها بالمعروف، امتثالاً لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
وكيف تكون الراحة؟ وأين السكن والمودة إذا كان رب البيت ثقيل الطبع، سيء العشرة، ضيق الأفق، يغلبه حمق، ويعميه التعجل، بطيء في الرضا، سريع في الغضب؛ فلو تأخر عنه الغداء دقائق لملأ أجواء البيت سباً وشتماً، وإذا بكى الابن صبَّ عليها الويلات، واتهمها بالعجز والقصور، بل ولربما غادر البيت فجمع عليها همّ الابن وهمّ أبيه، إذا دخل فكثير المنّ، وإذا خرج فسيء الظن، قليل المزاح والملاطفة معها، يظن أن المزاح -وإن قلَّ- مسقط للهيبة، مُذهب للمروءة، فلا يدع لها فرصة تتكلم بما يحلو لها من مرح ومزاح، يعاتبها على كل نقيصة صدرت، ويغضي الطرف عن كل حسنة فعلت، قليل الشكر لها، يطالبها بالتجمل والتزين، والظهور بأبهى الزينة، ويأتي إليها بثوب قذر، ورائحة منتنة، يرى أن في مساعدتها على عملها في بيته وبيتها عيباً ونقصاً، فلو رأى نفاية في مجلسه الذي يجلس فيه لامتنع من إزالتها حتى ولو كان بها مرض أو وجع.
إلى غير ذلك من الأمور المستنكرة التي تخالف تعاليم الإسلام وقيمه.
فأما من جهة المداعبة والملاطفة، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- روي أنه كان يأتي بكأس اللبن فيعرضه على عائشة لتشرب منه فترده ليشرب أولاً، فيقول لها: "أحب أن تشربي" فتشرب، فيأخذ الكأس ويديره مكان شفتيها فيشرب منه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها.
وكان يسابقها في البيت وتسابقه، تقول عائشة: "سابقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة"[أبو داود: باب في السبق على الرجل (3/29)، رقم (2577)، وأحمد (6/264)، رقم (26320)، وابن حبان: ذكر إباحة المسابقة بالأقدام إذا لم يكن بين المتسابقين رهان (10/545)، (4691)].
وأما كلامه عنهن؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم"[الترمذي: باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (3/467)، (1163)].
وقال في موضع آخر: "استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنما هنّ عوان عندكم"[أبو داود: باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (4/220)، رقم (4682)، والترمذي: باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (3/466)، (1162)، وابن حبان: ذكر البيان بأن من خيار الناس من كان خيراً لامرأته (9/483)، (4176)].
يعني: أنها كالأسير الذي يؤخذ في الحرب، فالمرأة أشبه ما تكون بالأسير، فهي كسيرة القلب، مهيضة الجناح، فيجب على الزوج جبر قلبها، ورفع معنوياتها، والإحسان إليها وإكرامها.
وأما التزين لها؛ فيقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إني لأتزين لزوجتي كما تتزين لي"[تفسير القرطبي (3/123)، والزواجر (2/600)].
وأما مساعدتها في أعمال المنزل في بعض الأحيان؛ فقد روى البخاري -رحمه الله- أن عائشة -رضي الله عنها- سئلت: "ما كان يصنع النبي في أهله؟ قالت: كان عليه الصلاة والسلام يخدم في مهنة أهله، ويَقُمَ بيته -أي: يكنسه- ويرفو ثوبه -أي: يرقعه- ويخصف نعله، ويحلب شاته، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة"[البخاري: باب كيف يكون الرجل في أهله (5/2245)، رقم (5692)].
ومن حقوق الزوجة: توفية مهرها، وعدم أخذ شيء منه إلا برضاها وطوعها، يقول ربنا -تبارك وتعالى-: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[النساء: 20].
ومن حقوقها: قبول بعض المضايقات، والغض عن بعض المنغصات التي تصدر عن خطأ وجهل؛ فإن ذلك من رجاحة العقل، ونضح التفكير، خاصة وأنه قد علم أنها ضعيفة في خَلقها وفي خُلقها، وأنها إذا حوسبت على كل شيء؛ فإنها ستعجز عن كل شيء، وقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: "استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنهن خلقن من ضِلع، وإن أعوج شيء في الضِلع أعلاه؛ فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجاً؛ فاستوصوا بالنساء خيراً"[البخاري: باب الوصاة بالنساء (5/1987)، رقم (4890)، ومسلم: باب الوصاية بالنساء (2/1091)، رقم (1468)].
ومن حقوقها: النفقة عليها: وتتناول النفقة نفقة الطعام والكسوة والعلاج والمسكن، وفي هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"[مسلم: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/889)، رقم (1218)].
ويقول المولى جل جلاله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34].
ومن حقوقها: كف الأذى عنها: وذلك بمراعاته شعورها، فلا يمدح امرأة أمامها، ولا يرفع يده عليها، خاصة أمام أهله وأهلها، كما عليه أن يستر ما بينه وبين زوجته من مشاكل، ويحاول جاهداً حلها في غاية الستر، حتى لا يكسر قلبها، ويحطم نفسيتها، خاصة وأنه يحز في نفسها أن يعرف أقاربها حالتها مع زوجها.
هذا، وإن من أخطر الأمور وأقبحها وأضرها ضربها خاصة عند أولادها؛ لكي لا تصغر تجاههم، وتضعف شخصيتها، فلا تقدر على تنفيذ ما ينبغي تنفيذه من تربية الأبناء.
ثم عليك –أخي-: أن تتذكر قبل أن ترفع يدك عليها: أن الله أقوى منك، فإذا دعتك قدرتك على ظلمها فتذكر قدرة الله عليك.
ومن حقوقها: احترامها، وتقديرها، والثناء عليها على ما تقوم به من أعمال، فإشعارك لها بالرضا والسعادة بما فعلت يحدو بها إلى المزيد من فعل الخير.
ومن حقوقها أيضاً: أمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر، وتبصيرها بأمر دينها، وذلك عن طريق الكلمة الطيبة، والكتاب المفيد، والشريط النافع.
ومن حقوقها: أن يغار عليها الزوج في دينها وعرضها، فيحفظها من كل ما يلحقها من أذى في نظرة أو كلمة أو مس؛ لأن الغيرة أخص صفات الرجل الشهم الكريم، فيمنعها من إبداء زينتها لغير المحارم كإخوته وغيرهم، وكذلك عدم تعريضها للفتنة، وذلك بطول غيابه عنها، أو إدخال ما حرمه الله عليها من تلفاز وغيره.
تلكم -أحبتي- أهم الحقوق التي يجب أن يقوم بها الزوج تجاه زوجته كما أمر الإسلام، وهناك حقوق أخرى يجب على الإنسان أن يتعلمها، وأن يسأل أهل الذكر عنها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا من أهله، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله؛ أحمده - سبحانه -، وأشكره على نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: وعظموا أمر ربكم، واحفظوا دينكم وأماناتكم، وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً.
أيها الإخوة المسلمون: لقد جعل الله البيت المأوى والسكن، في ظِله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والحصانة والطهر وكريم العيش والستر، وفي كنفه تنشأ الطفولة، ويترعرع الأحداث، وتمتد وشائج القربى، وتتقوى أواصر التكافل، ولكن رغم ذلك كله فلا بد من وجود منغصات وخصومات تتخلل تلكم الحياة الطيبة، فهنا لزاماً على كل زوج أن يعلم أن حل تلك الخصومات لا يتأتى بالتهديد بالطلاق؛ فإن بعض الأزواج يظن أن التهديد بالطلاق هو الحل الصحيح للخلافات الزوجية، والمشكلات الأسرية، فلا يعرف في المخاطبات سوى ألفاظ الطلاق في مدخله ومخرجه.
في أمره ونهيه: "إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق".
"إن لم تتجملِ فأنت طالق".
"افعلي كذا وإلا فأنت طالق".
وما درى أنه بهذا قد اتخذ آيات الله هزواً، يأثم في فعله، ويهدم بيته، ويخسر أهله، فلربما يكون في حالة غضب وتكون هي الأخرى مغضبة، فيهددها بالطلاق فتأمره بذلك من باب العناد والتحدي، فيستحوذ الشيطان عليهما في تلك الساعة حتى يتم الطلاق.
فلا بد -أخي المسلم-: أن تعلم أن التهديد بالطلاق إبان ظهور الخلاف، وبوادر النشوز، أو الشقاق ليس هو الطلاق، وإنما العلاج هو الصبر والتحمل، والنظر في سبب الاختلاف بتعقل وروية، فإذا بدا الخلل، وظهرت من المرأة مبادئ النفرة والتنكر لفضائل الزوج، وتعالت على طبيعتها، وأبت إلا الاستمرار في خطئها؛ فإن العلاج في الإسلام صريح، وليس فيه ذكر للطلاق لا بالتصريح ولا بالتمليح، يقول تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)[النساء: 34].
فعلاج ذلك كله بعد الوعظ والتذكير، والتخويف من عقاب الله وغضبه ومقته، هو الهجر في المضجع، ولاحظ أيضاً أن الهجر في نفس المضجع، وليس معنى ذلك الهجر عن المضجع؛ فيهجر بيته لينام بعيداً عنه في منزل فلان أو علان، فإذا لم ترتدع المرأة ولم ترعوِ؛ فإن هناك طائفة من الناس لا تستفيد من المناصحة اللطيفة، فإذا لاحت القسوة سكن الجامح، وهدأ المهتاج، فهنا قد يكون اللجوء إلى شيء من العنف دواء نافع، وملاذ يلجأ إليه ليعيد للبيت نظامه وتماسكه، وإن هذا أيها الأحبة خير من الطلاق والفراق.
هذا، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حذر الذين دأبهم في التربية التهديد بالطلاق، فأخرج ابن حبان وغيرهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما بال أحدكم يلعب بحدود الله، يقول: قد طلقت. قد راجعت. أيلعب بحدود الله وأنا بين أظهركم؟!"[ابن حبان: ذكر الزجر عن أن يطلق المرء النساء ويرتجعهن حتى يكثر ذلك منه (10/82)، رقم (4265)، وتلخيص الحبير: (3/205)، رقم (1590)].
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: وأقيموا حدود الله، ولا تتجاوزوها، وأصلحوا ذات بينكم.
هذا -أيها الأحبة-: وإن الحديث في الجمعة القادمة سيكون عن حق الزوج على زوجته -إن شاء الله تعالى-.
عباد الله: صلوا وسلموا على خير عباد الله؛ فإن الله أمركم بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له، ناهين عن المنكر مجتنبين له، محافظين على حدودك، قائمين بطاعتك يا رب العالمين.
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم رد ضالهم إليك رداً جميلاً.
اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات