عناصر الخطبة
1/طاعته فيما أمر 2/تصديقه فيما أخبر 3/اجتناب ما نهى عنه وزجر 4/ألا يعبد الله إلا بما شرعاقتباس
لنا مع رسولنا حقوق يجب علينا أن نؤديها، أعظمها وأجلها وأكبرها الأروع في حقوق النبي هذه الأربع: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: امتن الله -عز وجل- على عباده أن بعث إليهم رسولاً من أنفسهم، يعرفون حسبه ونسبه ومدخله ومخرجه، يعرفونه في حله وترحاله، يجالسونه ويسألونه، يشاركونه ويؤاكلونه: قال -جل في علاه-: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128].
كان -صلوات ربي وسلامه عليه- رحيمًا بأمته؛ ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، حريصٌ على هدايتهم واستقامتهم وصلاحهم، عند أبي داود يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم"؛ فصلوات ربي وسلامه عليه.
حريص على هداية الأمة، دل الأمة على كل خير، ونبَّه الأمة وحذَّرهم من كل شر، توفَّاه الله وقد تركنا على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها، صلوات الله وسلامه عليه.
عباد الله: لنا مع رسولنا حقوق يجب علينا أن نؤديها، أعظمها وأجلها وأكبرها الأروع في حقوق النبي هذه الأربع: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يُعبَد الله إلا بما شرع.
طاعته فيما أمر: أوجب الله -عز وجل- على الأمة طاعته واتباعه وامتثال أمره واجتناب نهيه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)، وقال -سبحانه-: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران:132].
وقد جاءت طاعته في القرآن في أكثر من ثلاثين آية: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور:63]، بل جعل طاعته من طاعتِه: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)، وليس هناك على وجه هذه الأرض إنسان تجب طاعته وتقديم أمره سواه، صلوات ربي وسلامه عليه.
ولهذا انتبه لهذه القاعدة: "كل إنسان سائغ الاتباع إلا محمد بن عبد الله واجب الاتباع"، كل إنسان إذا أمر بأمر فإنه إن أمر بمعروف أُطيع وإلا فلا، أما محمد بن عبد الله فتجب طاعته بالتوّ، ولهذا في البخاري من حديث أبي هريرة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قيل: ومَن يأبى يا رسول الله؟! قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".
وطاعته -عباد الله- فيها الفوز والفلاح والصلاح والإصلاح والنجاح، كما روى مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام قال: "ومن يطع الله ورسوله فقد رشد"، بأبي هو وأمي -صلوات ربي وسلامه عليه-.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا، فجعلت الجنادب والفراش يقعن فيها، وأنا آخذ بحجزكم عنها، وأنتم تتفلتون على يدي" صلوات الله وسلامه عليه.
طاعته -عباد الله- فيها النور والسعادة، وفيها محبة الله ومغفرة الذنوب: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران:31].
والعنصر الثاني -عباد الله- تصديقه فيما أخبر، تصديقه -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ هو كما قال -سبحانه-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3، 4]، وقال -سبحانه-: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)[الزمر:33]. وتقول قريش معبرة معترفة: "ما عهدنا عليك كذبًا". صلوات الله وسلامه عليه. والصحابة -رضي الله عنهم- يعلنونها مدوية: حدثنا الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه-.
ولهذا -عباد الله- كان أول المصدقين وأول الموقنين أبو بكر الصديق، لُقِّب بالصدِّيق لقوة تصديقه، ولما حصلت حادثة المعراج وما فيها من الآيات والعِبَر فرحت قريش ليدسوا على أبي بكر ويخلخلوا صدقه واتباعه لصاحبه -عليه الصلاة والسلام-. فقال: "إني لأصدقه بما هو أقرب من ذلك، بهذا الوحي الذي ينزل من السماء".
تصديقه -عليه الصلاة والسلام- بامتثال أمره واجتناب نهيه، تصديق أخباره وتقديمها على العقول الفاسدة، تصديقه -عليه الصلاة والسلام- وإن لم يعلم المرء العلة والحكمة؛ إذ يجب التسليم المطلق والطاعة المطلقة: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء:65].
تصديقه -عباد الله- على ثلاثة أنحاء: الناحية الأولى: في الأمور الماضية في أحوال الأمم السابقة من قصص بني إسرائيل أو الرسل والأنبياء أو نحو ذلك من الأمور الغابرة، تصديقه فيما صحّ عنه بأن ذلك كالشمس في رابعة النهار، كما يحدثنا عن بني إسرائيل عن قصصهم أو عن الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-.
والناحية الثانية: تصديقه في الأمور الحاضرة من أشراط الساعة الصغرى أو ما يقع للأمة، فإذا ثبت النص يجب التصديق بدون تخصيص أو تقييد أو تريث أو شك أو غير ذلك.
أو كذلك الناحية الثالثة من أمور قادمة كأشراط الساعة الكبرى وأحوال القبر وفتنة القبر وعذابه.
تصديقه بالبعث، تصديقه بأهوال القيامة وأحوالها، الحوض والشفاعة والصراط والموقف وما فيه، والجنة وما فيها والنار وما فيها، فإذاً تصديقه في الأمور الماضية وفي الأمور الحاضرة وفي الأمور المستقبلة.
وثالث العناصر -أيها المسلمون-: وما نهى عنه فانتهوا، كما قال -سبحانه-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة يقول -عليه الصلاة والسلام-: "وما أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه". إذا جاءنا النهي عن رسولنا يجب أن ننتهي بالكلية، وأن لا نقدم عليه قول قائل أو شهوة أو شبهة، أو نحو ذلك.
في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن رجلاً كان يأكل بشماله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُل بيمينك"، فقال لا أستطيع: فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا استطعت"، فما رفعها إلى فيه، وقفت بين فيه وبين موضعها مشلولة -عياذًا بالله-.
فلهذا -عباد الله- يجب الانتهاء عن المناهي والزواجر التي نهى عنها رسول الله، فإن استطعت ألا تعصي الله ولو بخطوة واحدة فافعل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
ورابع العناصر من الحقوق للرسول -عليه الصلاة والسلام-: ألا يُعبَد الله إلا بما شرع، وهذا أصل عظيم من أصول الدين، ذلكم -عباد الله- أن الدين مبني على أصلين عظيمين كبيرين، الأصل الأول: ألا نَعبد إلا الله، والأصل الثاني: ألا نعبد الله إلا بما شرع رسول الله.
ولهذا فالعبادة -عباد الله- لابد لها من شرطين أساسين: الإخلاص والمتابعة، الإخلاص في قوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء)، وقول الله –عز وجل- في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".
والمتابعة -عباد الله-: ألا نعبد الله إلا من طريق رسول الله.
ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ".
بل كان -عليه الصلاة والسلام- يحذر الأمة من الابتداع في دين الله في كل خطبة؛ فعند مسلم عن جابر: "كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذا خطب يقول: "أما بعدُ: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ".
ولهذا -عباد الله- يجب أن لا نعبد الله بأمر ما أو فعل ما حتى ننظر إلى إخلاصنا وصوابنا على سنة رسولنا؛ لأن العبرة بإحسان العمل وإتقانه وضبطه والإتيان به على وجهه لا بكثرته وكميته، ولهذا كان -عليه الصلاة والسلام- يقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وفي الوضوء يقول: "من توضأ نحو وضوئي هذا"، وفي الحج يقول: "خذوا عني مناسككم".
فعلينا -عباد الله- ألا نعبد الله إلا بما شرع رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشريعته.
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله ..
المصدر: الأروع في حقوق الرسول الأربع للشيخ خالد بن علي أبا الخيل
التعليقات