عناصر الخطبة
1/ عظم مكانة الأسرة في الإسلام 2/ وسائل تحصين البيت المسلماهداف الخطبة
اقتباس
الأسرة في الإسلام بناء متين الأساس مترابط الأركان، أصله ثابت وفرعه في السماء، أسّسه الخالق جل جلاله الذي أتقن كل شيء صنعا؛ فهو الذي خلق الزوجين، وهو الذي جعل بينهما المودة والرحمة، وهو الذي بث منهما البنين والحفدة، وجعل لهم بيوتا، وجعلها سكناً؛ فهو القائل جل جلاله: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)؛ لتطمئن فيها النفوس، وتستريح فيها الأبدان، وتتربى فيها الأجيال؛ لتستمر الحياة على المنهج الذي أقامه الله
الحمد لله الذي أنار بيوت الطائعين بنور هدايته وجعلها سكنا وسكينة بفضله وواسع رحمته أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الأمر والتدبير وإليه المرجع والمصير ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبده ورسوله أرسى دعائم بيوت المسلمين على شرائع هذا الدين؛ فأرشد أمته لما فيه الخير والعز والتمكين، اللهم صل عليه في الأولين والآخرين، وارض اللهم على آله وأصحابه الأكرمين، واجعلنا اللهم من أتباع نهجه المبين، واحشرنا تحت لوائه المتين، واجعله شفيعنا وقائدنا إلى جوارك الأمين.
أما بعد:
أيها الإخوة في العقيدة: الأسرة في الإسلام بناء متين الأساس مترابط الأركان، أصله ثابت وفرعه في السماء، أسّسه الخالق جل جلاله الذي أتقن كل شيء صنعا؛ فهو الذي خلق الزوجين، وهو الذي جعل بينهما المودة والرحمة، وهو الذي بث منهما البنين والحفدة، وجعل لهم بيوتا، وجعلها سكناً؛ فهو القائل جل جلاله: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [الحجر:80] لتطمئن فيها النفوس، وتستريح فيها الأبدان، وتتربى فيها الأجيال؛ لتستمر الحياة على المنهج الذي أقامه الله.
ثم أمر الأسرة المسلمة أن تدخل حصنه أن تلوذ بحماه؛ فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ, الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] أقام لها حصن التقوى، وأمرها أن تتزود به، فقال عز وجل: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197]
هذا حصن الله من دخله كان آمناً مطمئناً في حياته، ناجحاً في معاملاته؛ فما أحاطت التقوى ببيت إلا ملأته سعادة ورخاء، فهي رحمة الله ونوره وغفرانه، قال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد: 28]
ولا يتقبل الله عملاً إلا من أهلها، قال جل جلاله: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدو:27] ولا نجاة ولا فوز لهم في الآخرة إلا بها، قال عز وجل: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر:61] ولا مستقر في الجنة إلا لمن تحصن بها، قال جل وعلا: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) [مريم :63]
فكيف نصنع التقوى في القلوب، كما أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى صدره وقال: "التَّقْوَى هَا هُنَا"، وزرعُها في القلوب يكون بطاعة الله في كل أمر؛ أن لا يقوم المؤمن بعمل إلا إذا تجلت فيه طاعة الله، ألا يتحدث المؤمن بكلام إلا إذا أحاطت به طاعة الله؛ فإذا تحصنت القلوب بالتقوى؛ شعّت بتقواها على الأسرة، وتحصن البيت بحصن الله، ولتستقر الأسرة بهذا الحصن.
وليتدعم البيت بهذا الحصن، جعل الله لعباده المؤمنين ركائز تثبت اللائذين بحماه؛ فأمرهم أن يجعلوه قبلة في كل وجهة، حتى يكونوا مع الله وفي رحابه، فأنت -أيها المؤمن- مأمور من الله أن تتجه إليه في جميع أمورك، وتقبل عليه في جميع شؤونك، يقول تبارك وتعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [لقمان:22]
كن مع الله؛ ترى كل خير يسعى إليك، وبذلك تحبط عمل الشيطان؛ لأن من أولويات إبليس في هذه الدنيا أن يحطم قواعد البيت المسلم، فيزيل المودة والرحمة بين أفراد الأسرة، ويبث بينهم العداوة والبغضاء؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث من صحيح الإمام مسلم: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ -أي جنوده و أعوانه من ذريته- فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً -أقربهم إليه و أحبهم عنده- أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً -أشدهم فتكاً وتدميرا- يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا -النار التي أشعلتها غير مدمرة، الفتنة التي أيقظتها ليست ماحقة- قَالَ ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ -قَالَ- فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ" نعم الشيطان أنت.
هذا الشيطان أمر الله أن نعاديه فقال عز و جل: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر:6] هذا الشيطان الذي تعهد أمام الله أن يبعدنا عن خالقنا، وأن يضلنا عن سبيله (قاَلَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف 16: 17] هذا الشيطان لا بد لنا من حماية تحمينا، وتحمي أسرنا وبيوتنا من شره فكيف نحبط عمله؟ وكيف نخيب أمله؟
تعالوا معي إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم تعالوا إلى الناصح الأمين؛ فإذا أردت -أيها المؤمن- أن تحصن نفسك وأهلك وبيتك؛ فتنفل في البيت صل النافلة في البيت، جاء في صحيح الإمام البخاري قول حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: "صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ".
وفي صحيح الإمام مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا" فالصلاة في البيت نور، والنور من الله، ولا يقرب الشيطان نورا.
وإذا أردت -أيها المؤمن- أن تحصن نفسك وأهلك وبيتك؛ فاسمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -والحديث من صحيح مسلم-: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".
واسمع -أيها المؤمن- إلى حبيبك، وهو يوصي خادمه أنس ويوصيك من بعده، يقول: "يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك" الحديث من صحيح الترغيب.
نعم -أيها المؤمن- تكون الزوجة غاضبة، فإذا سمعت منك السلام؛ ذهب غضبها، نعم -أيتها المؤمنة- يكون الزوج غاضباً، فإذا دخلت عليه الحجرة سمع منك السلام؛ زال غضبه.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث من صحيح مسلم: "أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ"؛ فما السر في هذا السلام؟ السر في السلام أنّ السلام من الله، ولأن السلام هو الله فهو السلام، ومنه السلام، وإليه يعود السلام؛ فاجعلوه راية في البيوت؛ تنعم البيوت بالسلام ثم ماذا؟
ثم تحصن -أيها المؤمن- بالقرآن؛ فإن الشيطان لا يقرب بيتاً يتلى فيه كلام الله؛ ففي صحيح الإمام مسلم قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".
واحذر -أيها المؤمن- احذر من أمور تنفر عنك وعن بيتك ملائكة الرحمان؛ ففي غيابها حضور للشياطين. اجعل بيتك بيت إسلام، بيت خير ووفاق، بيت ملائكة؛ احذر من الأغاني داخل البيت فهي مزامير الشياطين قال صلى الله عليه وسلم -وحديثه عند الإمام البخاري-: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ -والحر هي الفواحش- وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ"؛ فاحذر من المعازف في بيتك.
واحذر من وجود الكلاب داخل بيتك، قال صلى الله عليه وسلم -والحديث في الصحيحين-: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ".
نعم -أيها المؤمنون- كلب الحراسة خارج البيت، ولا تقل إنما التصاوير للذكرى؛ فإذا أردت أن تتذكر الوالدين؛ فالذكرى بالترحم والاستغفار، الذكرى بالزيارة وتلاوة القرآن، الذكرى بالتصدق وفعل الخير.
ومن الناس من ينصب تمثالاً في بيته صنماً، وإذا سألته، قال لك: هو تحفة هو للتجميل، جمل بيتك بتلاوة كتاب الله، جمل بيتك بالذكر بالتسبيح؛ فربك الذي خلقك هو الذي أمرك بأمره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب 41: 42]
واحذر -أيها المؤمن- من عدة أمور: فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه عاق لوالديه، ولا بيتاً فيه قاطع رحم، ولا بيتاً فيه آكل مال اليتيم وآكل أموال الناس بالباطل، ولا بيتاً فيه روائح كريهة، عطر أجواء بيتك بالروائح الطيبة، وعطر أرجاءه بطاعتك وطاعة أهلك لله ورسوله، وعليك بتقوى الله؛ فتقوى الله حصنك في الدنيا، وزادك في عودتك إلى الله.
اللهم اجعل تقواك زادنا، والثقة بك ذخرنا واعتقادنا، واجْعَلْ اللهم بيوتنا فِي طَاعَتِكْ، وَنَشَاطنا فِيها لحسن عِبَادَتِكْ، وَاكتبنا من عبادك الصالحين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم.
التعليقات