عناصر الخطبة
1/أهمية حُسن الظن بالله وفضل ذلك 2/ثمرات وفوائد حسن الظن بالله 3/ضابط حُسن الظن بالله 4/مفاسد سوء الظن باللهاهداف الخطبة
اقتباس
أيها المؤمنون -عباد الله-: وحُسن الظن بالله هو فرعٌ عن المعرفة بالله؛ فإنَّ العبد كلما كان أعظم معرفةً بالله وبأسمائه وصفاته، وأنه جل وعلا وسع كل شي رحمةً وعلما، وأنه سبحانه غفورٌ رحيم، توابٌ كريم، جوادٌ محسِن، يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، وأنه لا يتعاظمه ذنب، وأنه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريمِ الرحمن، المحسِن المنَّان، والى على عباده الفضل والمنَّ والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة توحيدٍ وإخلاصٍ وإيمان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد ولد عدنان؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والإحسان.
أما بعد:
أيها المؤمنين -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه جلَّ في علاه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
وتقوى الله -جل وعلا- عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله، رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله، خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون -عباد الله-: إن من عبوديات القلب العظيمة، وواجبات الإيمان الجليلة: "حُسْنَ الظن بالله" فإن حسن الظن به جلَّ في علاه مقامٌ عليٌّ من مقامات الدين الرفيعة، والله -عز وجل- لا يخيِّب عبدًا أحسن الظن به، فإنه جل وعلا لا يخيِّب أمل آمل، ولا يضيع عمل عامل: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [هود: 115].
ولقد تكاثرت الدلائل على عِظم شأن حسن الظن بالله، وما يترتب عليه من المقامات الحميدة، والآثار العظيمة، والثمار المباركة في الدنيا والآخرة؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُ اللَّهُ -تعالى-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي".
وروى الإمام أحمد عن واثلة ابن الأسقع -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ".
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قَالَ اللَّهَ -عز وجل-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ".
وروى الإمام مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته بثلاث يقول: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ".
ورواه أحمد وزاد في روايته: "فَإِنَّ قَوْمًا قَدْ أَرْدَاهُمْ سُوءُ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ -عز وجل-"؛ فقال الله: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ)[فصلت: 23].
فهذه الدلائل وغيرها -عباد الله- تدل على عظم شأن حُسن الظن بالله، وأنه عبودية عظيمة، وطاعة جليلة، وأنَّ هذا الإحسان في الظن بالله كلما قوي في العبد أثمر الثمار العظيمة والآثار المباركة والعوائد الحميدة على صاحبه في الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وحُسن الظن بالله هو فرعٌ عن المعرفة بالله؛ فإنَّ العبد كلما كان أعظم معرفةً بالله وبأسمائه وصفاته، وأنه جل وعلا وسع كل شي رحمةً وعلما، وأنه سبحانه غفورٌ رحيم، توابٌ كريم، جوادٌ محسِن، يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، وأنه لا يتعاظمه ذنب، وأنه واسع المغفرة، إلى غير ذلكم من صفاته العظيمة ونعوته الجليلة؛ فكلما ازداد العبد معرفةً بالله زاد حظه ونصيبه من حسن ظنه به.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وحسن الظن بالله معدودٌ في أعظم المنن، وأجل العطايا؛ روى ابن أبي الدنيا في كتابه "حُسن الظن بالله" عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ -عز وجل-، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاللَّهِ -عز وجل- الظَّنَّ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ -عز وجل- ظَنُّهُ؛ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ فِي يَدِهِ".
أيها المؤمنون -عباد الله-: وحُسن الظن بالله لا يكون مع التفريط والإضاعة والإهمال، وتتبع الملاذ والشهوات، وإنما يكون مع حُسن العمل وتمام الإقبال على الله -جل وعلا-، وأما المسيء المضيِّع المفرِّط المرتكب للمحرمات المقترف للآثام، فإن آثامه وخطاياه تحول بينه وبين حسن الظن بالله، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إنَّ المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإنَّ الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل".
نعم -عباد الله-: كيف يكون المضيع المفرِّط محسنًا الظن بربه! وهو عن ربه ومولاه شارد، وعن طاعته مبتعد، وعن أبواب رحمته ومغفرته معرض؟!
فلا يكون حُسن الظن بالله إلا مع حسن الإقبال على الله -جل وعلا-.
والواجب على عبد الله المؤمن أن يتقي الله -عز وجل- ربه، وأن لا تسيطر عليه ذنوبه وخطاياه، وأن لا يتعاظم خطاياه في جنب مغفرة الله، فإنَّ الله لا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره، وليحذر من اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، وليُحسِن في الإقبال على الله -عز وجل- تائبًا منيبا وهو يحسن الظن بربه أن يغفر له زلته، وأن يقبل توبته، وأن يعفو عن إساءته، وأن يرفع درجته، وليتدارك نفسه بذلك قبل أن يفجأه الموت وهو على حالةٍ لا يسرُّه أن يلقى الله -جل وعلا- بها.
اللهم يا ربنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن ترزقنا أجمعين التوفيق لمحابِّك من الأعمال، وصدق التوكل عليك، وحسن الظن بك يا ذا الجلال.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتّقوا الله؛ فإنَّ من اتَّقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وإنَّ من شر الذنوب وأعظمها وأخطرها على الإنسان سوء الظن بالله -جل وعلا-؛ فإنَّ الله -عز وجل- ذكر سوء الظن به وصفًا للمشركين والمنافقين، ولم يجئ في القرآن وعيدٌ على ذنب مثل ما جاء من الوعيد على سوء الظن بالله -جل وعلا-، قال الله -تعالى-: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[الفتح: 6].
وسوء الظن بالله -جل وعلا- من أعظم أسباب الردى والخسران، قال الله -تعالى-: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت: 23-24].
أيها المؤمنون -عباد الله-: وسوء الظن بالله من وراء الذنوب والآثام؛ فإذا ساء ظن العبد بربه ساء عمله، وإذا حسُن ظنه بربه حسُن عمله. ومداواة النفس في هذا المقام: أن يقبِل العبد على الله -عز وجل- إيمانًا وتوكلا، ومعرفة بالله وبأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأن يجاهد نفسه على تحقيق ما تقتضيه هذه المعرفة من عبودية لله -عز وجل-، فإن كل اسمٍ لله وكل صفةٍ له لها من العبودية وحسن الظن بالله ما تقتضيه تلك الأسماء والصفات.
أيها المؤمنون -عباد الله-: ولنعلم أن الكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
واعلموا أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجله، أوله وآخره، علانيته وسرَّه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزيدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
التعليقات