حركة الردة (4) الدعم الغربي للمرتدين

ناصر بن محمد الأحمد

2011-02-12 - 1432/03/09
عناصر الخطبة
1/ امتلاء الساحة الفكرية والإعلامية بفكر علماني فاسد 2/ نماذج للفكر الفاسد من الصحف 3/ وجوب قيام مبادرة قوية للقضاء على الأفكار الفاسدة 4/ دور ولاة الأمر 5/ المخاطر المستقبلية لترويج مثل هذه الأفكار 6/ الدعم الأوروبي والغربي للمرتدين عن الإسلام 7/ وجوب عدم السماح ببناء المعابد الشركية في بلاد المسلمين 8/ جدية السابقين في عدم السماح بالعبث بالدين
اهداف الخطبة

اقتباس

إنَّ مَنْ يُراقبُ ساحتَنا الفكريةَ، ويُتابعُ مُنتدياتِ الحوارِ، وأعمدةَ الصحفِ، وزوايا الإعلامِ الأخرى، يَرَ مِنْ ذلك كلِّه عَجباً، وبوادرَ خطر؛ يرى العقلاءُ و‌ميضَ النارِ مِنْ خِلالِ الرماد، ويخشَون ضرامَ النارِ مِنْ مُستَصْغَرِ الشرر، فلقد بلغ السيلُ الزُبا، وتجرَّأ على الثوابت مَنْ لا يزن الأمور، أو يتحسبُ لعواقبِها، وأصبحتِ الكلمةُ بلا زمامٍ أو خُطام، تطيرُ في الآفاقِ تحملُ الهدمَ، وترسمُ معالمَ التشكيكِ، وتُؤذي الصالحين ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: ليس أضرَّ على الأمةِ والمجتمعِ مِنْ رواجِ فكرٍ دخيلٍ يُبلبل العقولَ، ويُوحشُ القلوبَ؛ وحين تُخَلخلُ الثقةُ بالمُسَلَّمَاتِ، وتَطالُ التهمُ علماءَ الأمة، وروادَ الإصلاحِ والفكرِ فيها، فلا تَسألْ عنِ التشنيعِ بغيرِهم، والبُهتانِ بمَنْ هم دونََهم.

إنَّ مَنْ يُراقبُ ساحتَنا الفكريةَ، ويُتابعُ مُنتدياتِ الحوارِ، وأعمدةَ الصحفِ، وزوايا الإعلامِ الأخرى، يَرَ مِنْ ذلك كلِّه عَجباً، وبوادرَ خطر؛ يرى العقلاءُ و‌ميضَ النارِ مِنْ خِلالِ الرماد، ويخشَون ضرامَ النارِ مِنْ مُستَصْغَرِ الشرر، فلقد بلغ السيلُ الزُبا، وتجرَّأ على الثوابت مَنْ لا يزن الأمور، أو يتحسبُ لعواقبِها، وأصبحتِ الكلمةُ بلا زمامٍ أو خُطام، تطيرُ في الآفاقِ تحملُ الهدمَ، وترسمُ معالمَ التشكيكِ، وتُؤذي الصالحين، ويَحتارُ لها العوامُ، ويَتحسَّسُ مِنْ آثارِها العالِمون، ويَتبرَّمُ منها العقلاءُ والمنصفون.

أيها المسلمون: لقد بُلينا مِنْ قبلُ، وظهرتِ البلوى أكثرَ في هذهِ الأيام، بدهاقنةٍ للعلمنةِ والتغريبِ، يطرحون غريبَ القولِ بلا خوفٍ ولا تردُّدٍ ولا حياء، وفي أطروحاتِهم طوام، وثَمَّةَ أُغَيْلِمَةٌ بدأت تقتحمُ المُهْلِكَاتِ، وتَتَسلَّقُ جُدرَ المُسَلَّمات، وتَرمِي بشررِها الأكابرَ مِنَ العلماءِ، تَلمزُ هذا، وتَتَّهمُ ذاك، وتَنسبُ إلى بعضِهم زُوراً وبهتاناً رديءَ القول، وترميهم بقبيحِ التُّهمِ، وتتجرأُ على الفتوى، وتُبيحُ لنفسِها الاجتهادَ، وتعاظمتْ في نقدِهَا حتَّى لم تُبقِ ولم تَذرْ.

وآخرون شبابٌ أخيار، وإنْ كانوا قلةً، لكنْ جَنحتْ بهم القراءةُ إلى مواقعَ الهوى، ومصايدِ الشيطان، بدؤوا مُبَكِّرين، ودونَ مَناعةٍ تُذكَر، في قراءةِ كتبِ الروايات، وكتاباتٍ حديثةٍ تَنطوِيْ على العَصْرَنَةِ أو العلمنةِ والتغريبِ، وتَتَّخِذُ مِنَ الجدلِ وسيلةً لإسقاطِ الثوابت، وتَهْميشِ الحقائق، والتشكيكِ في المُسَلَّمات، وهذهِ الفئةُ، وإنْ قلتْ، فإنا نخشى، إنْ طال مسارُها في هذا الطريقِ، أنْ تكونَ إشكاليةَ المستقبل، ومعوقاً عَنِ الإنتاجيةِ والبذلِ، حِينَ تُشغِلَ نفسَها أو غيرَها في الجدل، وتُعنى بالنقدِ لكلِّ شيء، ولكلِّ أحدٍ!.

نعم، إنَّ النقدَ الهادفَ سيبلٌ للتطويرِ والإصلاح، ولكن الجدلَ ما أُوتيَهُ قومٌ إلا ضَلُّوا، وفرْقٌ بينَ مَنْ يُمارسُ العطاءَ والبذلَ مع النقدِ، وبينَ مَنْ هو حفيٌّ بالنقد، مولعٌ بالجدلِ ليس إلا.

إنَّه حقٌ على الأغيارِ، ورُبَّانِ السفينة، ورجالِ التربيةِ، وقادةِ الفكرِ، وأهلِ الذكرِ أنْ يَتهيَّأُوا لهذهِ المخاطر، وأنْ يسارعوا لعلاجِ هذه الظواهر، فالمسلمون نصَحةٌ، ومِنَ جُملِ الإيمانِ أنْ يُحبَّ المرءُ لأخيهِ ما يُحبُّهُ لنفسِه، وينبغي أنْ تُحفظَ الطاقاتُ، وتُوجَّهَ الملكاتُ.

أيها المسلمون: ولكي لا يكون الكلام عاماً، سأنقل لكم بعض ما يكتب وينشر في الصحف والمجلات من كلام مصادم لمسلّمات الدين، وأصول المعتقد؛ وأعتذر إليكم بقراءة هذه المقاطع، وأتجاوز عن ذكرِ أسماءِ كاتبيها.

يقول أحدهم: (إن السلفية التقليدية المتغلغلة في أعماق وعينا الاجتماعي والثقافي، تزعم أن التوحيد هو مرتكز خطابها، وأنها كخطاب أيديولوجي نشط تسعى للقضاء على مظاهر التوثن، أياً كانت تمظهراتها في المجتمع، وهذا الزعم يكاد إبان محاولة موضعته في الواقع يقارب درجة الهوس الأيديولوجي).

ويقول أيضاً: (ربما كان من قَدَر المرأة لدينا، أن تواجه أكثر من سور منيع، يحول بينها وبين الحصول على أقل القليل من حقوقها الفطرية، تلك الحقوق التي منحتها إياها الطبيعة ابتداءً).

ويقول أيضاً: (لم ينهض التنوير الأوربي المجيد، الذي أخرج الإنسانية من ظلمات الجهل والتخلف والانحطاط، إلى نور العلم والتقدم والمدنية الإنسانية، إلا على إيمان راسخ وعميق بهذا الإنسان، إيمان متفائل، يتكئ على فعاليات عقلية، ومعطيات تجريبية من عالم الواقع المادية).

ويقول آخر: (التصور الحقيقي للولاء والبراء أن يكون مربوطاً بمصلحة الأمة، ومصلحة الدولة، ومصلحة المجتمع).

ويقول آخر: (نحن نحتاج إلى إسلام كإسلام الجيل الثالث اليوم من أبناء المسلمين في فرنسا).

ويقول أخر: (وصار غاية مطلب هؤلاء القوم فهْم كلام ابن تيمية على وجهه، وقلما كانوا يفعلون ذلك، فضلا عن النظر في صحة هذا الكلام أو ما وراءه، وصار غاية بعضهم، وكدت أقول غالبهم، الاكتفاء بنقل كلام ابن تيمية دون تكلُّف فهْمٍ له أو دراسة، مما أدى إلى جمود الفكر، وضعف حال كثير من المنتسبين إليه، وخريجي معاهده ومدارسه وجامعاته).

ويقول أيضاً: (إن الفلسفة التي أبدعها اليونانيون ابتداء من القرن السابع قبل الميلاد، والتي بلغت ذروة ازدهارها في القرن الخامس قبل الميلاد، والتي أحياها الأوربيون في العصر الحديث، تمثِّل طفرة ثقافية هائلة على المستوى الإنساني كله، فهي أول انطلاقة ذاتية للعقل البشري خارج السائد والموروث، فقد كان الناس قبلها، وما زالوا، في المجتمعات التي لم تستفد من الفكر الفلسفي يستسيغون أن يبقوا نسخاً مكررة).

ويقول آخر: (الجنون الذي نراه اليوم عَرَضٌ من أعراض المرَض، والعلة التي استشرت في جسد هذه الأمة وثقافاتها، وهذه راجعة أساساً إلى تراث متعفِّن، وثقافةِ الصديد والضحالة التي يُربى أبناؤنا عليها صباحاً ومساءً، في المساجد، وعبر خطب الجمعة، وفي دروس الدين، ومن إذاعة القران الكريم).

ويقول آخر: (ولو أن الحكومة والأغنياء اقتصروا على نشر الكتب المحايدة، لكان أولى من نشر الكتب الموغلة في المذهبية، التي لها أثرها البالغ في زيادة الغلو، وتفكيك وحدة المسلمين، وزيادة تنازعهم، ككتب ابن تيمية، وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله- فهذه الكتب تزرع من الشقاق أكثر مما تزرعه من الخير، ولا تكاد تدخل بيتاً إلا وانتشر فيه الخلاف والتهاجر والتباغض).

ويقول آخر: (ومما لا شكَّ فيه أن ضخَّ هذا الكم الهائل من الرؤى التنويرية في المجتمع ساعَدَ إلى حدٍّ كبير في مواجهة كتب الخرافة التي تبحث في عالم الأرواح والشياطين، وأحوال الجان وثعابين القبور).

ويقول آخر: (إن العالم العربي ما زال يُحكَم بسيف معاوية، بعد انطفاء الوهج الراشدي، وإن الثقافة العربية تستحم بالعنف منذ المصادرة الأموية، وتوديع حياة الراشد، واعتناق حياة الغيِّ، وتفشِّي روح الغدر والقتل والانقلابات والتآمر، فليس بعد الرشد إلا الغي).

ويقول أيضاً: (إن السلطان محمد الفاتح، وفتْح مدنية القسطنطينية، يذكِّر بشارون وهو يريد احتلال القدس، وطرْد أهلها منها؛ وبغضِّ النظر عن فظاعات الفتح، وحجم النهب والسلب، والاغتصاب على يد الانكشارية، فإن أول ما فعله محمد الفاتح أن وضع يده على أقدس مقدساتهم، أياصوفيا، تلك التحفة التاريخية، ليحولها إلى مسجد؛ لم يكن هذا الفتح انتشاراً على منهج النبوة، بل اجتياحاً عسكرياً، ونسميه إسلامياً).

ويقول: (يجب أن نحزن لحزن أمريكا، لأن فشلها فشل لكل الجنس البشري، ولأنها تمثل طليعة الجنس البشري).

ويقول آخر: (وصل الإرهاب المجنون إلى لندن قلب العالم المتحضِّر، إلى ذلك العالم الحي النابض بدماء الحرية والكرامة والإنسانية، لندن! مدينة السلام بحق، تفيق من سباتها الأمني المضمَّخِ بعبَق التاريخ والمعاصرة على النعيب الأصولي).

ويقول: (وفي المملكة المتحدة بريطانيا التي أشرق منها نور الحضارة المعاصرة، حيث شق الهدى، هدى الحضارة الإنسانية، أكمامه، وتهادى موكباً دون موكب).

ويقول أيضاً: (لقد كانت الحضارة الغربية إبان لحظة اللقاء معجزة إنسانية لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري، بل لم يوجد ما يقاربها، ولو في أدنى مستوياتها البدائية التي أفرزتها فترات الإصلاح الديني).

ويقول: (هل ننكر أو نستنكر ما ورد في كتاب رائج عندنا، نوصي به أبناءنا، ككتاب إغاثة اللهفان، نوصي أبناءنا بمثل هذه الكتب التي كتبت في عصور الصراع العقائدي، دون تنقية لها من هذا العفن الشائن؟).

ويقول آخر: (المواطن العربي اليوم محاصَرٌ في مثلث من المحرمات، بين الدين والسياسة والجنس، كل ضلع فيه يمثل حاجزاً شاهقاً لا يستطيع أفضل حصان عربي رشيق أن يقفز إلا بالقفز إلى الإعدام، فأمام حائط الدين يطل مفهوم الردة، وأمام جدار السياسة يبرز مصطلح الخيانة، وعند حافة الجنس تشع كل ألوان الحرام والعيب، فالعقل مُصادَر ومؤمَّم وملغى، حتى إشعار آخر).

ويقول آخر: (وكتب العقائد، رغم ما فيها من حقٍّ قليل، إلا أن فيها الكثير من الباطل، بل هو الغالب عليها).

ويقول: (جرى الحدث التأريخي فيما يخص السلطة على التراتبية المعروفة بالنسبة للخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم أجمعين، ومع أنه، أي الترتيب التأريخي للخلفاء، كان حدثاً تاريخياً مجرداً، إلا أنه جرى تحميله معنى دينياً في تراتبية الأفضلية لهؤلاء).

ويقول آخر: (عند سكان استراليا الأصليين، تتدلى أثداء النساء بدون أن تثير الفتنة؛ وفي كهوف الفلبين، يعيش الناس رجالاً ونساءً مع أطفالهم في حالة عري كامل، فلا يصيح واعظهم أن هذا مخل بالأخلاق! وبالمقابل، فإن كشف يد امرأة متلفعة بالسواد من مفرق رأسها حتى أخمص القدم في بعض المناطق من العالم العربي، يثير الشهوة عند رجال يعيشون في حالة هلوسة جنسية عن عالم المرأة).

أيها المسلمون: هذا شيء يسير جداً مما يكتب وينشر على الناس يومياً عبر الصحف والجرائد والمجلات! وما لم يُصلحِ المُفسدون ما أفسدوا، أو يَتدخلْ ولاةُ الأمرِ مِنَ الأمراءِ والعلماءِ في وضعٍ حدٍ لهذه الأطروحات الفَجَّةِ، والمهاتراتِ المُفرِّقة، فسيَصطلي المجتمعُ بنارِها.

وإنَّ أيةَ أمةٍ يتوفرُ لها أمنٌ وافرٌ، واستقامةٌ راشدةٌ، ورخاءٌ ونعمة، ثمّ لم تكن شاكرةً لهذه النعمِ، قائمةً بحقوقِها، مجاهدةً لمن ينالُ منها، آطرةً للسفهاء، انقلب الأمنُ خوفاً، والاستقامةُ انحرافاً، والرخاءُ فقراً، وفي أمثلةِ القرآنِ عبرةٌ لمن اعتبر: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ، فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون) [النحل:112].

أيها المسلمون: إنَّ الانحرافَ الفكريَّ قديم لمن تأمّل حلقاتِ التأريخ، وطالما كان لأساطينِ الاعتزالِ والرفضِ والمتصوفةِ وأمثالِهم دورٌ وأثر، وكان لأئمةِ السلفِ وأصحابِ الدعوة دورٌ وأثر، حتى نفع اللهُ بعلمِهم وجهادِهم، فعاد شاردون، وهدى اللهُ مِنَ الضلالةِ قوماً كانوا عَمِيْن، وبلغ الحالُ ببعضِهم أنْ قال:
وكنتُ جنداً من جنود إبليس حتى ارتمى بي الدهرُ فصار إبليسُ من جندي

نعم، ينبغي أنْ تكونَ هناك مبادرةٌ مِنْ قِبَلِ كلِّ الأطراف، لردعِ أي تحفيزٍ أحمقَ نحوَ الانفصامِ الاجتماعي، وخَلقِ عداواتٍ محلِّيةٍ نحن مُشغولون عنها بغيرِها، ولكنَّا معِ ذلكَ لا نرغبُ في أن تصلَ الأمورُ إلى ما وصلتْ إليه.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: بعدما سمعتم طرفاً يسيراً مما يكتب وينشر في الصحف والمجلات، اسمعوا هذه الواقعة التأريخية كما دوّنها القاضي عياض، رحمه الله، في كتابه: "الشفا.. بتعريف حقوق المصطفى"، حيث قال:

"وقد أفتى ابن حبيب، وأصبغ بن خليل، من فقهاء قرطبة، بقتل ابن أخي عَجَب، وكان خرج يوماً فأخذه المطر، فقال: "بدأ الخرّاز يرش جلوده"؛ وكان الفقهاء بقرطبة أبو زيد، وعبد الأعلى بن وهب، وابن عيسى، قد توقفوا عن سفك دمه، وأشاروا إلى أنه عبَث من القول يكفي فيه الأدب، وأفتى بمثله القاضي حينئذ موسى بن زياد، فقال ابن حبيب: دمه في عنقي، أيشتمُ رباً عبدناه، ولا ننصر له؟ إنا إذاً لعبيد سوء، وما نحن له بعابدين، وبكى، ورُفع المجلس إلى الأمير بها عبد الرحمن بن الحكم الأموي.

 

وكانت عجَب عمة هذا المطلوب من أحب الزوجات لعبدالرحمن بن الحكم، وأُعلم باختلاف الفقهاء، فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه، وأمر بقتله، فقُتل، وصُلب بحضرة الفقيهين: ابن حبيب وأصبغ، وعزل القاضي لتهمته بالمداهنة في هذه القصة، ووبّخ بقية الفقهاء".

ولنا وقفة يسيرة مع هذه القصة، فإن ابن أخ عجب تلفّظ بعبارة تقتضي استخفافاً بالربّ -جل جلاله- عندما أصابه المطر فقال: "بدأ الخرّاز يرش جلوده"، وقد لا تكون صريحة في ذلك، والرجل لم يجاهر بهذه العبارة عبر إعلام مقروء أو منطوق، أو نظم أو منثور، ومع ذلك، فهذه العبارة في غاية النشاز والاشمئزاز في المجتمع الإسلامي آنذاك، فلم يقبلها بالكلية، بل ونفر منها تماماً، حتى بلغت أهلَ العلم في قرطبة فاجتمعوا لها، فحكموا على صاحبها.

أين هذه المقالة مقابل ما قرأتُ عليكم مما ينشر في الصحف والجرائد يومياً عبر مقالات تشّم منها رائحة الردة، يصرح بعض كتابها بأنهم ليبراليون؟.

أيضاً، تتجلى روعة الموقف عندما يُمضي عبد الرحمن بن الحكم الأموي حكم القتل على ابن أخ زوجته عجب وهي أحب زوجاته إليه، ولا يكتفي بذلك، بل ويعزل القاضي متَّهماً له بالمداهنة، ويعاتب بقية الفقهاء؛ فانظر، رعاك الله، إلى أثر الولاية الشرعية في تحقيق حفظ الدين، وإقامة حكم الله تعالى على من تطاول على دينه.

أخي الحبيب: بقي أن تعرف أن هؤلاء العلمانيين والليبراليين مدعومون من قبل دول أوربا وأمريكا، وأن الغرب الكافر يدعم كل من ارتدَّ عن دينه من المسلمين، وهذه إحدى التوجهات الغربية الجديدة، فأوربا تحتضن هؤلاء المرتدين، وتنسِّق أنشطتهم، وتدعوهم إلى توحيد جهودهم.

وفي إطار دعم مالي وإعلامي غربي لم يُعلَن عن مبرراته حتى الآن، أعلنت مجموعة من الجمعيات الأوروبية التي تم تأسيسها مؤخراً للمرتدين عن الإسلام عن عقد اجتماع لهم في لاهاي بهولندا في يوم الحادي عشر من سبتمبر سنة سبع وألفين، تزامناً مع ذكرى أحداث سبتمبر واحد وألفين، للتعريف بمشروع الإعلان الأوروبي للتسامح، وهو إعلان دولي للتعريف بحقوق المرتدين عن الإسلام، ودعوة الإنسانية إلى الدفاع عن تلك الحقوق المزعومة!.

لقد شاركت منظمات للمرتدين عن الإسلام من كلٍّ من ألمانيا وبريطانيا والسويد والنرويج والدانمارك وفنلندا في هذا الاجتماع، بهدف التأكيد على حقوق أولئك المرتدين. فهل هذا حدث منفرد؟ أم مقدمة لهجوم جديد على الإسلام؟.

إننا نحذِّر من أن العالم سيشهد في الفترة القادمة ضغطاً إعلامياً وفكرياً على العالم الإسلامي، ليس للحديث عن حكم الردة في الإسلام، أو موقف الدول والدعاة والمصلحين من مفارقة المسلم دينَ الإسلام فقط، وإنما ستنتقل الحملة حول موضوع الردة إلى مرحلة الهجوم، بمعنى أن هناك من سيقود نقاش المرحلة القادمة لكي يتركز حول حقوق المرتدين، وكيف تضمن الدول العربية والإسلامية للمرتد العيش بأمانٍ، كونه إنساناً بلا دين، أو التحول إلى دين آخر دون أي تمييز ضده، وحقّ ذلك المرتد في انتقاد الإسلام تحت شعار حريات التعبير، وحقه كذلك في الحديث عن أسباب تركه وارتداده عن الدين الإسلامي، وكذلك تمكين المرتد من دعوة غيره إلى ترك الإسلام، إضافة إلى حق تكوين الجمعيات والمنظمات التي ترعى حقوق المرتدين في العالم الإسلامي والعربي؛ كلُّ ذلك سينطلق تحت شعار التسامح المزعوم.

أيها المسلمون: لاشك أن سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ردة عن الدين، وكم ساءنا جميعاً تلك الرسوم التي أساءت لنبينا -صلى الله عليه وسلم-، وزعموا أن ذلك من باب حرية الرأي، وهم كاذبون، وقد تمادوا في غيِّهم حتى دخل في ذلك الإجرام المسؤولون والسياسيون والمفكرون والكتّاب، ووصل الأمر إلى كاهنهم الأكبر.

إن المسلم، بلا شك، يحزن لهذه الأمور، وحزنه وغيظه على المتطاولين دليل إيمانه؛ غير أننا نجد، في الجانب الآخر، إساءة تأتي من بعض بني جلدتنا ممن يقولون بلا إله إلا الله محمد رسول الله! وأن الإسلام هو الدين الحق الناسخ لما تَقَدَّمَهُ من الرسالات التي حرَّفها أصحابها، حيث يسارعون في السماح ببناء الكنائس والمعابد التي يُسَبُّ فيها الله تعالى في أرض المسلمين، وهل هناك من سبٍّ أعظم من أن يقال إن لله، تعالى، ولداً؟! أو إن له صاحبة؟! تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علواً كبيراً.

إن الإسلام لا يُكْرِه أحداً على الدخول فيه، هذا حق، لكنه في المقابل لا يسمح بالتطاول على الدين والشرع، وأن يُرخَّص لعُبَّاد الأوثان ببناء المعابد الشركية في بلاد المسلمين، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء: "السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها، في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر، وإظهار شعائره" اه.

وإذا كانت تلك الرسوم الفاسدة قد عُدَّت من باب الإساءة، فإن الترخيص ببناء الكنائس في بلاد المسلمين والإعانة على ذلك بالتبرع والهبات ونحو ذلك هو من أشدِّ أنواع الإساءة، والفرق أن الأُولى يقوم بها المشركون، والثانية يدعمها أناس من بني جلدتنا ويدينون بعقيدتنا! وكلام أهل العلم في من يتبرع للمعابد الشركية معروف معلوم، ومن أجل هذا نقول إن الرسوم الفاسدة في بلاد الغرب، وإحداث الكنائس في أرض المسلمين، وجهان لعملة واحدة.

فنسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يردهم إلى دينه رداً جميلاً.

 

  

 

المرفقات
حركة الردة (4) الدعم الغربي للمرتدين.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life