عناصر الخطبة
1/المقصود بحاجات الشباب ولماذا تلبيتها؟ 2/حاجات الشباب الإيمانية والفكرية والعلمية والدعوية 3/آثار تلبية حاجات الشباب الإيمانية والفكرية والعلمية والدعوية 4/مساوئ التفريط في حاجات الشباب الإيمانية والفكرية والعلمية والدعوية.اقتباس
وَلَيْسَ بِخَافٍ عَنْكُمْ -أَيُّهَا الْكِرَامُ- مَا يَبُثُّهُ دُعَاةُ الْبَاطِلِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ أَوِ الْإِعْلَامِ مِنْ شُبَهٍ تَدْعُو الشَّبَابَ إِلَى الْإِلْحَادِ، وَالشَّكِّ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَثَوَابِتِهِ، وَالتَّمَرُّدِ عَلَى شَرَائِعِهِ وَتَعَالِيمِهِ، حَتَّى يُخْرِجُوهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظَّلَامِ، وَمِنْ بَرْدِ الْيَقِينِ إِلَى لَهِيبِ الْحَيْرَةِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ لَهَا حَاجَاتُهَا، الَّتِي تَجِدُ بِوُجُودِهَا رَاحَتَهَا، وَمِنْ خِلَالِهَا تَنْطَلِقُ إِلَى غَايَاتِهَا الْحَيَاتِيَّةِ سَعِيدَةً، فَإِذَا لَمْ تَنَلْ تِلْكَ الْحَاجَاتِ نَقَصَ مِنْ سَعَادَتِهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ.
وَالشَّبَابُ مِنْ أُولَئِكَ النَّاسِ الَّذِينَ لَهُمْ حَاجَاتٌ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ حَاجَاتٌ تَحْصُلُ بِهَا سَعَادَةُ أَرْوَاحِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَأَجْسَادِهِمْ، وَيَكُونُ تَوَافُرُهَا لَهُمْ عَامِلًا مِنْ عَوَامِلِ صَلَاحِهِمْ وَاسْتِقَامَةِ سُلُوكِهِمْ؛ فَلِهَذَا كَانَ تَلْبِيَتُهَا مِمَّا يَنْبَغِي الْمُسَارَعَةُ إِلَيْهِ، وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ؛ فَالْإِنْسَانُ مَفْطُورٌ عَلَى بَعْضِ الْحَاجَاتِ، الَّتِي إِذَا لَمْ يَنَلْهَا لَقِيَ الْعَنَاءَ بِفَقْدِهَا، قَالَ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النِّسَاءِ:28].
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ أَهَمِّ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَلْبِيَتُهَا لِلشَّبَابِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ: الْحَاجَةُ الْإِيمَانِيَّةُ، فَلَوْ نَظَرْتُمْ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- إِلَى شَبَابٍ يَعِيشُونَ بِلَا إِيمَانٍ سَتَرَوْنَهُمْ أَجْسَادًا بِلَا أَرْوَاحٍ، وَشُخُوصًا مَاثِلَةً بِغَيْرِ هُدًى وَلَا صَلَاحٍ، خَيْرُهُمْ قَلِيلٌ، وَشَرُّهُمْ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْخَوَاءِ مِنْ دَوَاءٍ إِلَّا مَلْؤُهُ بِالْإِيمَانِ الَّذِي يَعْمُرُ الْبَاطِنَ وَالظَّاهِرَ بِالْخَيْرِ الْعَمِيمِ.
وَلَيْسَ الْإِيمَانُ الَّذِي نَعْنِيهِ مُجَرَّدَ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّلَفُّظِ بِكَلِمَاتِهِ، بَلِ الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ قَلْبِيَّةٌ تُبْهِجُ الْفُؤَادَ بِمَعَانِيهَا النَّدِيَّةِ، وَتَسْكُبُ عَلَى الْجَوَارِحِ مَعَانِيَهَا الْعَلِيَّةَ، قَالَ -تَعَالَى-: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)[الْحُجُرَاتِ: 14].
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي، وَلَكِنَّهُ بِمَا وَقَرَ فِي الصُّدُورِ، وَصَدَقَتْهُ الْأَعْمَالُ".
وَمِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَلْبِيَتُهَا لِلشَّبَابِ أَيْضًا: الْحَاجَةُ الْفِكْرِيَّةُ، فَنَحْنُ فِي زَمَنٍ انْتَشَرَتْ فِيهِ السُّمُومُ الْفِكْرِيَّةُ، فِي مُقَابِلِ ضَعْفِ الْحَصَانَةِ الْعَقَدِيَّةِ لَدَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا وَالشَّبَابِ خُصُوصًا.
وَلَيْسَ بِخَافٍ عَنْكُمْ -أَيُّهَا الْكِرَامُ- مَا يَبُثُّهُ دُعَاةُ الْبَاطِلِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ أَوِ الْإِعْلَامِ مِنْ شُبَهٍ تَدْعُو الشَّبَابَ إِلَى الْإِلْحَادِ، وَالشَّكِّ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَثَوَابِتِهِ، وَالتَّمَرُّدِ عَلَى شَرَائِعِهِ وَتَعَالِيمِهِ، حَتَّى يُخْرِجُوهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظَّلَامِ، وَمِنْ بَرْدِ الْيَقِينِ إِلَى لَهِيبِ الْحَيْرَةِ؛ (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[الْأَنْعَامِ: 122].
وَمِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَلْبِيَتُهَا لِلشَّبَابِ كَذَلِكَ: الْحَاجَةُ الْعِلْمِيَّةُ، فَهُمْ فِي سِنٍّ صَالِحَةٍ لِزَرْعِ الْعِلْمِ، وَرَجَاءِ حُسْنِ ثَمَرَتِهِ عَلَيْهَا؛ وَمَرْحَلَتُهُمْ هَذِهِ فِيهَا فَرَاغٌ مُتَّسِعٌ إِذَا لَمْ يُمْلَأْ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ فَسَيُمْلَأُ بِالْجَهْلِ الْمُهْلِكِ.
فَمَا أَضَرَّ الْجَهْلَ عَلَى شَبَابٍ فِي زَمَنِ الْفَضَاءِ الْمَفْتُوحِ، وَمَا أَكْثَرَ نَتَائِجَهُ الْمُرَّةَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مُجْتَمَعَاتِهِمْ!
فَهَلْ يَسْتَوِي جَهَلَةُ الشَّبَابِ الَّذِينَ يَرْمِي بِهِمُ الْجَهْلُ فِي كُلِّ سُوءٍ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مِنَ الشَّبَابِ الَّذِينَ يَسْمُو بِهِمُ الْعِلْمُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَشَرَفٍ؟ قَالَ -تَعَالَى-: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الزُّمَرِ: 9].
وَلَا رَيْبَ أَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ -مَعْشَرَ الْكِرَامِ- أَنَّ أَهَمَّ الْعُلُومِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عُلُومُ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ حَقُّ الْخَالِقِ وَحَقُّ الْمَخْلُوقِ، وَيُفْهَمُ بِهَا دِينُ اللَّهِ وَجَمِيعُ الْحُقُوقِ، وَيَنْتَفِعُ النَّاسُ بِأَهْلِهَا، وَتَحْصُلُ بِالْعَمَلِ بِهَا النَّجَاةُ فِي الدُّنْيَا، وَالسَّعَادَةُ فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ رَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ -حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ- لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ"(صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَمِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي تَلْبِيَتُهَا لِلشَّبَابِ كَذَلِكَ: الْحَاجَةُ الدَّعَوِيَّةُ؛ فَيَا حَسْرَةً عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي غَمْرَةِ الشُّبُهَاتِ، وَيَغْرَقُونَ فِي مَوْجَاتِ الشَّهَوَاتِ! إِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ مِنْكُمْ صَوْتًا حَانِيًا يَقُولُ: ارْكَبْ مَعَنَا، وَكَفًّا لَيِّنَةً تَنْتَشِلُهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ، هُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى دَعْوَتِكُمْ-يَا أَهْلَ الْمَسَاجِدِ-، وَهُمْ يَقِفُونَ عَلَى قَارِعَةِ الِانْتِظَارِ يَتَلَهَّفُونَ إِلَى مَنْ يَقُولُ لَهُمْ؛ (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 133].
لَا تَتْرُكُوهُمْ فِي أَوْدِيَةِ الضَّيَاعِ بِلَا دَعْوَةٍ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ يَهْلَكُونَ فِي غَمَرَاتِ الْفَسَادِ بِلَا رَحْمَةٍ، بَلِ ادْعُوهُمْ وَارْحَمُوهُمْ وَسَتَجِدُونَ قُلُوبَهُمْ مُسْتَجِيبَةً إِذَا أَحْسَنْتُمُ الْوُصُولَ إِلَيْهَا. أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَوَاكِبِ الْعَائِدِينَ مِنَ الشَّبَابِ مِنْ رِحْلَاتِ الضَّيَاعِ زَمَانًا مَاذَا يَقُولُونَ؟
إِنَّ بَعْضَهُمْ يَبْكِي نَدَمًا، وَبَعْضُهُمْ يَبْكِي أَلَمًا، يَبْكُونَ نَادِمِينَ عَلَى مَا فَرَّطُوا، وَيَبْكُونَ مُتَأَلِّمِينَ عَلَى تَرْكِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ بِدُونِ دَعْوَةٍ صَادِقَةٍ تُلَاطِفُ شَغَافَ قُلُوبِهِمْ.
وَلَوْ قَرَأْتُمْ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لَوَجَدْتُمْ أَسْرَعَ النَّاسِ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُمُ الشَّبَابُ؛ فَهُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَلْيَنُ أَفْئِدَةً.
إِنَّ الشَّبَابَ وَإِنْ أَشَفَوْا عَلَى خَطَرٍ *** فَإِنَّهُمْ لِنِدَاءِ الْخَيْرِ سُرْعَانُ
لَهُمْ قُلُوبٌ -إِذَا مَا النُّصْحُ لَامَسَهَا- *** رَقِيقَةٌ، وَبِهَا لِلْحَقِّ إِذْعَانُ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْقِيَامَ بِالِاسْتِجَابَةِ الصَّحِيحَةِ لِحَاجَاتِ الشَّبَابِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ، وَالْعِلْمِيَّةِ وَالدَّعَوِيَّةِ يُثْمِرُ ثَمَرَاتٍ حَسَنَةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ:
فَمِنْ تِلْكَ الثَّمَرَاتِ وَالْآثَارِ الْحَسَنَةِ عَلَيْهِمُ: اسْتِقَامَتُهُمْ وَصَلَاحُ شَأْنِهِمْ، وَبِذَلِكَ تَكْثُرُ طَاعَاتُهُمْ وَتَقِلُّ مَعَاصِيهِمْ، وَتَسْعَدُ بِهِمْ أَنْفُسُهُمْ، وَتَسْتَرِيحُ بِنَقَائِهِمْ أُسَرُهُمْ.
فَيُصْبِحُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ وَالْقُرْآنِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ فَيَنْشَؤُونَ بِهَذِهِ التَّلْبِيَةِ لِهَذِهِ الْحَاجَاتِ عَلَى هُدًى يُوصِلُهُمْ إِلَى الْمَوْعُودِ النَّبَوِيِّ؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ..."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ تِلْكَ الثَّمَرَاتِ وَالْآثَارِ الْحَسَنَةِ لِتَلْبِيَةِ حَاجَاتِ الشَّبَابِ: رَاحَةُ الْمُجْتَمَعِ وَسَعَادَتُهُ؛ فَمَتَى غَدَا الشَّبَابُ مُؤْمِنِينَ مُتَعَلِّمِينَ مُتَنَوِّرِينَ؛ رَفْرَفَتْ أَعْلَامُ الْخَيْرِ عَلَى آفَاقِ الْحَيَاةِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ آمِنِينَ عَلَى دِينِهِمْ وَعَلَى نُفُوسِهِمْ وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ وَعَلَى أَعْرَاضِهِمْ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ الِاعْتِدَاءُ عَلَى هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ مِنْ شَرِيحَةِ الشَّبَابِ الْفَاسِدِ.
كَمَا أَنَّ الْمُجْتَمَعَ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ هَذَا الشَّبَابُ النَّقِيُّ الَّذِي لُبِّيَتْ حَاجَاتُهُ يَغْدُو نَمُوذَجًا حَسَنًا يَقْتَدِي بِهِ الشَّبَابُ وَيَهْتَدُونَ بِهِ؛ فَيَكْسِبُ بِذَلِكَ الْأَجْرَ الْكَبِيرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ؛ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ، أَوْ قَالَ: عَامِلِهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ شَبَابَنَا وَيُلْهِمَهُمْ رُشْدَهُمْ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ؛ أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّفْرِيطَ فِي حَاجَاتِ الشَّبَابِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ وَالدَّعَوِيَّةِ يَنْتِجُ عَنْهُ مَسَاوِئُ كَثِيرَةٌ، لَوْ أَدْرَكَ خَطَرَهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ وَسَائِرُ الْمُجْتَمَعِ لَكَانُوا أَحْرَصَ عَلَى تَلْبِيَةِ حَاجَاتِهِمْ؛ فَمِنْ تِلْكَ الْمَسَاوِئِ:
أَنْ يُصْبِحَ الشَّابُّ خَاوِيَ الْإِيمَانِ، مُظْلِمَ الرُّوحِ، وَمَاذَا تَنْتَظِرُونَ مَنْ شَابٍّ لَا إِيمَانَ لَهُ؟ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا عُضْوًا مُفْسِدًا، وَشَخْصًا عَنِ الْقِيَمِ مُتَمَرِّدًا، لَا وَازِعَ فِي قَلْبِهِ عَنِ الشَّرِّ يَزَعُهُ، وَلَا رَادِعَ عَنِ الْعُدْوَانِ يَرْدَعُهُ؛ (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)[السَّجْدَةِ: 18].
وَمَاذَا يَنْتَظِرُ وَالِدَانِ مِنْ وَلَدٍ خَاوِي الْإِيمَانِ، فَاقِدِ الْإِحْسَانِ، هَلْ يَنْتَظِرَانِ إِلَّا الْعُقُوقَ وَسُوءَ الْمُعَامَلَةِ؟
وَمِنْ مَسَاوِئِ التَّفْرِيطِ فِي حَاجَاتِ الشَّبَابِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ وَالدَّعَوِيَّةِ: هُجُومُ الْفَرَاغِ الْقَاتِلِ عَلَيْهِمْ، وَمِنَ الْفَرَاغِ تَنْتِجُ الْجَرِيمَةُ، وَتَتَوَلَّدُ الشُّرُورُ، وَيَتَّجِهُ الشَّبَابُ نَحْوَ الْفَسَادِ الْعَرِيضِ؛ وَصَدَقَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَةْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةْ
وَمِنْ مَسَاوِئِ التَّفْرِيطِ فِي حَاجَاتِ الشَّبَابِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ: انْتِشَارُ ظَاهِرَةِ الْإِلْحَادِ، وَكَثْرَةُ الْفَوَاحِشِ، وَالْإِدْمَانُ عَلَى الْمُسْكِرَاتِ، وَوُقُوعُ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ فِي مَتَاهَاتِ الضَّيَاعِ وَالظُّلُمَاتِ، دُونَ أَنْ يَجِدُوا دَاعِيًا يُعِينُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْهَلَكَةِ.
وَالْوَاقِعُ الْيَوْمَ -أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ- يَئِنُّ مِنْ وَطْأَةِ هَذِهِ الْمَعَاصِي الْكِبَارِ، وَيَحِنُّ إِلَى زَمَنٍ يَكْثُرُ فِيهِ شَبَابُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحُونَ، شَبَابٌ أَنْقِيَاءُ أَتْقِيَاءُ، أَصْفِيَاءُ أَوْفِيَاءُ، بَلْ يَتَجَاوَزُونَ هَذِهِ الْمَرْحَلَةَ إِلَى أَنْ يَكُونُوا حَامِلِينَ لِلْهُدَى، دَاعِينَ إِلَى التَّقْوَى، جَاعِلِينَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ: "فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ لِشَبَابِنَا حَاجَاتٍ فَلَا تَنْسَوْهَا، وَلَهُمْ مَطَالِبُ فَلَا تَغْفُلُوا عَنْهَا، وَسَارِعُوا -مَا اسْتَطَعْتُمْ- إِلَى تَلْبِيَتِهَا تَكْسِبُوا أَجْرَ صَلَاحِهِمْ وَإِصْلَاحِهِمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقْصِيرَ فِي الْقِيَامِ بِهَا؛ فَإِنَّ مَفَاسِدَ ذَلِكَ التَّقْصِيرِ وَخِيمَةٌ، وَآثَارَهَا عَلَى الشَّبَابِ وَالْمُجْتَمَعِ جَسِيمَةٌ أَلِيمَةٌ.
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُوَفِّقَنَا وَشَبَابَنَا إِلَى الْهُدَى وَالصَّلَاحِ، وَيَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات