عناصر الخطبة
1/ الجار الصالح نعمة وسعادة 2/ وصية الإسلام بحسن معاملة الجيران 3/ من صور حسن الجوار 4/ الترهيب من إيذاء الجيران 5/ من حقوق الجيراناهداف الخطبة
اقتباس
أيُّها المسلمُ الكريمُ: إليكَ صُورًا تَنمُّ عن حُسنِ الجِوارِ, فَخُذْ منها ما يناسِبُكَ وما تستطيعُهُ، تَعرَّف على جِيرانِك وكن مُبَادِراً لَهم إذا حَلوا في جِوارِكَ, وابتعد عن السَّلبيَّةِ أو قولِ: ليس لي دَخلٌ بِأحدٍ، أو كُلٌّ مشغولٌ في حالِهِ, فابدأهم بالتَّعرُّفِ والسَّلام إذا خَرَجتَ وإذا دَخَلتَ, فَسَتزرَعُ مَحبَّةً في قلبِهِ وأنساً وطُمأنينةً خاصَّةً مع طلاقةِ الوَجه وبَشاشتِهِ!
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ أَمَرَنا بِالبِرِّ والإِحسانِ، ألَّف بينَ قُلُوبِ المؤمنينَ، وفضَّلهم على سَائِرِ الأُمَمِ والأَديَانِ, نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، أعزَّ أهلَ التُّقى والإيمانِ، ونشهد أنَّ سيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، دارُه خيرُ دارٍ, وجوارُه أكرمُ جِوَارٍ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آلِهِ الأَبرارِ وصَحبِهِ الأَخيارِ, ومن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ القَرارِ.
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ الذي قالَ في مُحكَمِ القُرآنِ: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
أيُّها المؤمنون: من أسباب السَّعادة والهناءِ ما عدَّدَهُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقولِهِ: "أربعٌ من السَّعادة: المرأةُ الصالحةُ، والمَسكنُ الواسِعُ، والجارُ الصَّالِحُ، والمَركَبُ الهَنِيءُ". صحَّحه الألبانيُّ.
حقًّا الجارُ الصَّالِحُ نعمةٌ وسعادةٌ وهناءٌ, كيف لا يكونُ كذلكَ وهو بابٌ واسعٌ من أبوابِ الأجرِ والثَّوابِ؟! وجبريلُ الأمينُ -عليه السَّلام- ما فتئَ يُكثرُ من التَّأكيد على حقِّهِ وإكرامِه حتى ظنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه سيكونُ بِمنزلةِ القريبِ الوارثِ!
أخرجَ الإمامُ أحمدُ -رحمهُ اللهُ- في مسندهِ أن رجلاً من الأنصارِ قال: خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِي أُرِيدُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا بِهِ قَائِمٌ وَرَجُلٌ مَعَهُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْبِلٌ عَلَى صَاحِبِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجَةً، فَوَاللهِ لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ: لَقَدْ قَامَ بِكَ الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، قَالَ: "وَقَدْ رَأَيْتَهُ؟!". قُلْتُ:نَعَمْ. قَالَ: "وَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟!"، قُلْتُ: لَا. قَالَ: "ذَاكَ جِبْرِيلُ -عليه السَّلامُ- مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ".
بل بشَّر المصطفى بالخيريَّةِ لمن أحسنَ وأكرمَ جيرانَه فقال: "خيرُ الأصحابِ عند الله خيرُهم لصاحبه، وخيرُ الجيرانِ عند الله خيرُهم لجاره". رواه الإمامُ أحمدُ وهو صحيح.
وعدَّ من صدقِ الإيمانِ وكمالِه إكرامُ الجيرانِ والإحسانُ إليهم, فقال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ". رواه مسلمٌ.
عبادَ اللهِ: لقد رَسَمَ لنا النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أكرمَ صورةٍ وأوفَاهَا مع جِيرَانِهِ, فَكانَ يُهدِي ويُهدَى إليه, ويقولُ لأبي ذَرٍّ -رضي اللهُ عنهُ-: "إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً, فَأَكْثِرْ مَاءَهَا, وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ". ليسَ عن قِلَّةٍ وحاجَةٍ على النَّاسِ، إنَّما زرعاً لِلمَحبَّةِ والإخاء بينَ الجيرانِ.
أيُّها المسلمُ الكريمُ: إليكَ صُورًا تَنمُّ عن حُسنِ الجِوارِ, فَخُذْ منها ما يناسِبُكَ وما تستطيعُهُ، تَعرَّف على جِيرانِك وكن مُبَادِراً لَهم إذا حَلوا في جِوارِكَ, وابتعد عن السَّلبيَّةِ أو قولِ: ليس لي دَخلٌ بِأحدٍ، أو كُلٌّ مشغولٌ في حالِهِ, فابدأهم بالتَّعرُّفِ والسَّلام إذا خَرَجتَ وإذا دَخَلتَ, فَسَتزرَعُ مَحبَّةً في قلبِهِ وأنساً وطُمأنينةً خاصَّةً مع طلاقةِ الوَجه وبَشاشتِهِ!
ومن صور حُسنِ الجِوار: الإهداءُ إليه وبذلُ المعروفِ لَهُ، فكم من هديةٍ نَقَشت أَثَرًا في تقريبِ النُّفوسِ وإزالَةِ الأحقادَ!! نعم النَّاسُ بحمدِ اللهِ بخيرٍ وغير مُحتاجينَ لطعامٍ ولا لِشَرابٍ، ولكنَّ الهديةَ لها معنىً ومَغزىً, وهذه صورةٌ قلَّت في هذا الزَّمن بينما كان لها أثرٌ وذكرياتٌ لا تُنسى في زَمَنٍ مضى.
ومن صور حسن الجِوار: محبَّةُ الخيرِ لجارِكَ كما تحبُّها لنفسِكَ، وعندَ مُسلمٍ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ -أَوْ قَالَ: لأَخِيهِ- مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
ساعد جيرانكَ بما تستطيعُه ماديًّا, ومعنويًّا, بِمَالِكَ وَجَاهِكَ إذا هُمُ احتاجوكَ لِذَلِكَ، وفي الصَّحيحينِ كان الأَشْعَرِيِّونَ بِالْمَدِينَةِ -رضي الله عنهم- إِذَا قَلَّ طَعَامُهم جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، حينها قال عنهم -صلى الله عليه وسلم-: "فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".
وفي حديثٍ حَسَنٍ قال رسولُنا -صلى الله عليه وسلم-: "حَقُّ الْجَارِ: إِذَا اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِذَا اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِذَا افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ".
أيُّها الأخُ المُؤمنُ: شَارك جيرانَك في أفراحِهم وأتراحِهم, لا تكُن بارِدَ المَشاعرِ قاسيَ القلبِ, عُدْهم إذا مَرضوا, تفقَّدهم إذا غَابوا, قفْ معهم عند الشَّدَائِدِ والأَزمَاتِ, فهم ذُخرُكَ ورأسُ مالكَ, أحسن عشرَتَهم, وكن رحمةً عليهم! هذا الإمامُ أبو حنيفةَ -رحمهُ اللهُ- كانَ له جارٌ فَاسِقٌ, فكانَ إذا جَنَّ الَّليلُ أقبلَ على الغِناءِ واللَّهو، ويقُولُ:
أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا *** ليومِ كريهةٍ وسَدَادِ ثَغْرِ
فافتقده أبو حَنِيفَةَ، فقال: ماذا فعلَ جَارُنا؟! فقيل:أَخَذَه الحَرَسُ البَارِحَةَ وحَبَسُوهُ، فقالَ: قوموا بِنَا نَسعى في خَلاصِهِ، فإنَّ حَقَّ الجَارِ واجِبٌ، فَأتى مَجلِسَ الأَمِيرِ فَلَمَّا بَصُرَ بِه الأميرُ قَامَ إليه وأخذَ بِيدِهِ, وَرَفَعَهُ مَكاناً عَلِيَّا! فقالَ: جِئتُكَ -أيُّها الأميرُ- لِمَحبوسٍ عندكَ مِن جِيرانِي، أَسأَلُكَ أنْ تُطلِقَهُ، وَتَهَبَ لِي جُرمَهُ، قال الأميرُ: قد فعلتُ ولِجميعِ مَن مَعه في الحَبْسِ، فَلمَّا أخرَجَهُ قالَ لجارِهِ: هل أَضعنَاكَ يا فَتى؟! قالَ: لا يا سَيِّدي، ولن تَراني بعدَ اليومِ أفعلُ شيئاً تَتَأَذَّى بهِ.
عبادَ اللهِ: وَلِئن كانَ لِلجَارِ قَدْرٌ عندَ الأَوائِلِ، فَدُونَكَ مَوقِفًا قَرِيبًا رائِعًا لا تَجِدُه إلاَّ في معجم الإسلامِ، فَقَدَ جارٌ جارَهُ فَسأَلَ أَولادَهُ عن أبيهم فَأخبَرُوهُ بِأَنَّهُ مَسجُونٌ لِدَينٍ عَليه، فحاولَ جمعَ ما عندَهُ من مالٍ ولكنَّهُ لا يُغطي الدَّينَ، فاضطُرَّ إلى بَيعِ سَيَّارِتِهِ التي يَملِكُها، واتَّجَهَ مِن حِينِهِ لِلمَحكَمَةِ لِسَدَادِ دَينِ جَارِهِ، فما رَجَعَ إلاَّ وقد فَكَّ قَيدَ جَارِه.
اُطلُبْ لِنَفسِكَ جِيرَانًا تُجَاوِرُهم *** لا تَصلُحُ الدَّارُ حتى يَصلُحَ الجَارُ
فهذه صُورٌ مُشرقةٌ يا مؤمنونَ، أرادها اللهُ تَعالى مِنَّا, بل وحدَّدَ المُصطفى لها تَنظِيمَاً دَقِيقًا, فَأَمَرَ بِتَقدِيم الأَقرَبِ فَالأقَربِ, في الصَّحِيحينِ قَالَت عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟! قَالَ: "إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا". وَصَدَقَ المَولى: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ).
فلنبدأ -يا كرامُ- مِنْ يَومِنا بِالإحسَانِ إلى جِيرَانِنا، ولْنَقُم بِكامِلِ حُقُوقِهم، ولا نُكثرْ مِن لَومِ الزَّمانِ والنَّاسِ، فَالمُجتَمَعُ أنَا وأنتَ!
فاللهمَّ وفِّقنا جَميعًا لِما تُحِبُّ وتَرضى، وأعنَّا على البِرِّ والتَّقوى, واجعلنا هُداةً مُهتدينَ، غيرَ ضالينَ ولا مُضلِّينَ.
أقولُ ما سَمِعتم وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكم ولِسَائِرِ المُسلمينَ مِن كلِّ ذَنَّبٍّ، إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وفَّقَ مَنْ شَاءَ لِمَكارِم الأخلاقِ, وهدَاهم لِما فيهِ فلاحُهم يَومَ التَّلاقِ, نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ, المَلِكُ الخَلاَّق، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ أَفضَلُ الْبَشَرِ على الإطلاقِ, صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِه ومن تبعهم بإحسانٍ.
أمَّا بَعد:
فاتَّقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حقَّ التَّقوى، وَتَزوَّدوا مِن الصَّالِحَات لِلأُخرَى.
عباد الله: على الرَّغمِ -بحمدِ اللهِ- من نَمَاذِجِ الخَيرِ المُتَكَاثِرَةِ في الإحسانِ إلى الجيرانِ، إلاَّ أنَّكَ تَسمعُ أحيانًا مَنْ قَصَّرَ في ذلِكَ، وانتَقَصَ مِنه، فَلَرُبَّمَا رأيتَ جَارَينِ مُتَجاوِرَينِ لا يُسَلِّمُ أَحَدُهُما على الآخَرِ! ولا يَعلَمُ أَحَدُهُما عن الآخَرِ شيئاً! وتَكادُ تُجَنُّ إذا سَمِعتَ عن أحدٍ يُؤذِي جِيرَانَهُ، وَيَطَّلِعُ على حُرُمَاتِهم، ألم يَسْمَعْ هذا المَخلوقُ كَلامَ اللهِ؟! ألم يُقَلِّبُ سِيرَةَ خَيرِ البَشرِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-؟! واللهِ العظيمِ لا أقولُها مُبالَغَةً أنَّنا نَحزنُ حينَ يكونُ بينَ جارَينِ مُضارَّةٌ ونِزاعٌ على أتفهِ الأسبابِ! أيُعقَلُ أن يكونَ نِزَاعٌ على مَكانِ نِفاياتِ المَنزِلِ؟! أو مَوقِفِ سَيَّاراتِ؟! أو مَظَلَّةٍ بَرَزَتْ على الجِدارِ؟! أو ماءٍ جرى بالقُربِ من البابِ؟! في حَدِيثِ صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ -رحمهُ اللهُ- أنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ فُلاَنَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "لاَ خَيْرَ فِيهَا".
وعندَ مُسلِمٍ -رحمهُ اللهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ".
عبادَ اللهِ: وإذا تَجَاوزَ الجَارُ فِي حُدُودِهِ وآذى جيرانَهُ وجَبَ على الجَمِيع أن يَقِفُوا في وجهِهِ, في الحدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي، فَقَالَ: "انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ"، فَانْطَلَقَ، فَأَخْرِجَ مَتَاعَهُ, فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟! قَالَ: لِيَ جَارٌ يُؤْذِينِي, فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، اللَّهُمَّ أَخْزِهِ، فَبَلَغَهُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ، فَوَاللهِ لا أُؤْذِيكَ.
أيُّها الكرامُ: ومن أعظمِ حُقوقِ الجَارِ النَّصحُ له بالمعروفِ، خاصَّةً إنْ تكاسلَ عن صلاةِ الجَمَاعَةِ، فإنَّه مَا مِن جارٍ إلا سيَتَعَلَّقُ بِجارِهِ يومَ القيامةِ يطالبُه بحقِّه، روى البخاريُّ -رحمه الله- في الأدب المفردِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ: هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ".
أما علمتم -يا مؤمنون- أنَّ الإحسانَ إلى الجار والقيامَ بحقه سببٌ لمغفرةِ الذُّنُوبِ وتَكفيرِ الخطايا، قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاَّ قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: "قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ". حسَّنه الألبانيُّ.
ومن حُسنِ الجِوارِ أنْ تَكونَ حَسَنَ المَعشَرِ، مُتَّسِعَ القلْبِ, ولا تَمنَعُهُ من الاستفادةِ من جميعِ مَرافِقِكَ متى ما احتَاجَ لِذلِكَ, مُستهدياً بِقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يمنعُ جارٌ جارَهُ أنْ يَغرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ".
عباد الله: الإحسانُ إلى الجار يَدلُّ على كمالِ الإيمانِ وحسنِ الإسلامِ, حُسنُ عَلَاقَتِكَ مع جِيرَانِكَ إرضاءٌ لله وإسخاطٌ للشَّيطان, حسنُ الجوار بابٌ من أبواب الجِنانِ.
فاسلكوا -يا مؤمنون- خير نَهج يوصلكم إلى مرضاة ربِّكم، وأحسنوا معاملة جيرانكم تفلحوا في دينكم ودنياكم.
فاللهمَّ إنِّا نعوذ بك من جارِ السُّوء في دار الْمُقامةِ؛ فإنَّه بئسَ البضاعة, اللهم اهدنا وجيرانِنَا ووفقنا لما تحبُّ وترضى، وارزقنا الألفةَ والمحبةَ والتَّقوى, اللهم إنَّا نعوذ بك من الشقاق وسيئِ الأخلاق.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين...
التعليقات