ثناء الأنبياء على الله تعالى (7) ثناء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على ربه سبحانه

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2023-08-31 - 1445/02/15
عناصر الخطبة
1/الأنبياء أكثر الناس ثناء على الله لمعرفتهم به سبحانه وتعالى 2/أمثلة لثناء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على ربه تعالى 3/حرص النبي صلى الله عليه وسلم على افتتاح خطبه بحمد الله تعالى 4/على المسلم أن يحرص على التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في الثناء على الله تعالى

اقتباس

حَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَأَسَّى بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَثْرَةِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْحَوْقَلَةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ؛ فَإِنَّهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، الْمُنَزَّهِ عَنِ النُّظَرَاءِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الْحَشْرِ:22-24]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ كَثِيرَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-؛ لِمَا عَلِمَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مَلَكُوتِهِ وَآيَاتِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَأَثْنُوا عَلَيْهِ -سُبْحَانَهُ- بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَلَنْ تُحْصُوا ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ؛ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزُّمَرِ:67].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أَكْثَرُ النَّاسِ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- رُسُلُهُ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-؛ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاللَّهِ -تَعَالَى- وَبِمَا يَجِبُ لَهُ، وَالْقُرْآنُ كِتَابُ ثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَفِي سِيرَتِهِ وَسُنَّتِهِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ لِثَنَائِهِ عَلَى رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ-، يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا، وَيَقْتَفِيَ الْأَثَرَ فِيهَا، وَيُثْنِيَ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِهَا.

 

فَفِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَرُكْنُ الْإِسْلَامِ الثَّانِي، وَتَتَكَرَّرُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ عَدَا النَّوَافِلِ الْكَثِيرَةِ، كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُثْنِي عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- فِيهَا كَثِيرًا، وَعَلَّمَ أُمَّتَهُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ -سُبْحَانَهُ-؛ فَفِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ). وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَسَمِعَ رَجُلًا يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ وَيَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُثْنِي عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ؛ وَيَقُولُ: "رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ: اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَسَمِعَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا قَالَ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُثْنِي عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بَعْدَ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

 

وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُثْنِي عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- فِي تَهَجُّدِهِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، وَهُوَ وَقْتُ خَلْوَةٍ بِاللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

 

وَكَانَ يُثْنِي عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ لِلنَّوْمِ، فَيَنَامُ مُثْنِيًا عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَيَقُومُ حِينَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ مُثْنِيًا عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَمِنْ ثَنَائِهِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بِذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَصْحَابَهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- بِذَلِكَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي، وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ، وَالَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْتَتِحُ دُعَاءَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَأَرْشَدَ أُمَّتَهُ إِلَى ذَلِكَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ -تَعَالَى-، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَجِلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ: وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ)، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى"(رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).

 

وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَبِّحُ اللَّهَ -تَعَالَى- وَيَحْمَدُهُ وَيُكَبِّرُهُ وَيُهَلِّلُهُ عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَأَذْكَارُ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالنَّوْمِ وَالِاسْتِيقَاظِ أَكْثَرُهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِكُلِّ ذَلِكَ. فَكَانَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- حَاضِرًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلِّهَا، وَفِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَفِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَفِي كُلِّ حِينٍ وَحَالٍ. عَدَا الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بَعْدَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْخَلَاءِ وَتَجَدُّدِ النِّعَمِ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا، وَعَلَّمَ أُمَّتَهُ ذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ:281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَخْطُبُ خُطْبَةً إِلَّا افْتَتَحَهَا بِحَمْدِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَإِخْبَارُ الصَّحَابَةِ عَنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا، قَالَ جَابِرٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ النَّاسَ، يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَاشْتُهِرَ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ بِخُطْبَةِ الْحَاجَةِ، وَكُلُّهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَهِيَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" سَمِعَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ ضِمَادُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْأَزْدِيُّ فَقَالَ: "أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَعَلَى قَوْمِكَ، قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُثْنِي عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْمَصَائِبِ وَالنَّكَبَاتِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ). وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ..."(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَأَسَّى بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَثْرَةِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْحَوْقَلَةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ؛ فَإِنَّهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَكَثْرَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ؛ فَهُوَ كِتَابُ ثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life