عناصر الخطبة
1/الشجر من عجائب خلق الله 2/وصف شجرة من أشجار الجنة 3/شجرة في النار ملعونة 4/من أشجار في الدنيا والآخرة 5/الحث على شكر نعمة الطعاماقتباس
ولنعلم أن الشركَ والكذبَ والرياءَ شجرةٌ في القلب، ثمرُها في الدنيا الخوفُ وظُلمةُ القلبِ، وثمرُها في الآخرةِ الزقّومُ والعذابُ المقيمُ، فما أعظمَ الفرقَ بينَ شجرتينِ؟ شجرةِ المشركِ شجرةِ الزقومِ، فالحلوقُ السليمةُ لا تبلَعُها، وشجرةِ الموحدِ طوبى يسيرُ الراكبُ في ظلِها ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي غرسَ شجرةَ الإيمانِ في قلوبِ مَنِ اختارَهم لعبوديتهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين لهم بإحسانٍ، أما بعدُ:
فاتقُوا اللهَ وتفكرُوا في عجائبِ مخلوقاتهِ، ومن تلكَ العجائبِ هذه الأشجارُ التي نتفيؤُ ظلالها، ونجني ثمارَها، ونرى فيها "المنظرَ البهيجَ الذي يَشُوقُ الناظرينَ، ونعتبرُ بخِلقتِها البديعةِ، الشاهدةِ لفاطرِها ومبدِعها"(مفتاح دار السعادة).
وقد ذُكر في القرآنِ أسماءُ أشجارٍ كثيرةٍ، لكنَّ أعظمَهنَ ثلاثُ أشجارٍ، اثنتانِ هن من شجرِ الآخرةِ، والثالثةُ تكونُ في الدنيا وفي الآخرةِ.
فأما الشجرةُ الأولى: فشجرةٌ في الجنةِ، قالَ عَنْها النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا"(متفق عليه)، قالَ أَبو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)[الواقعة: 30]، إنها أضخمُ شجرِ الجنةِ، إنها شجرةُ طوبى، "التي تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا ثِيَابُ أَهْل الجَنَّةِ"(صحيح البخاري)، وليسَ للعابدينَ مُستراحٌ إلا تحتَ شجرةِ طوبى، "فمثِّل لقلبِكَ الاستراحةَ تحتَ طوبى يَهُنْ عليكَ النَّصَبُ"(بدائع الفوائد).
وشجرُ الجنةِ كلُه مثمرٌ، وإذا نُزعتْ ثمرةٌ منها عادت مكانَها أخرى؛ (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ)[الدخان: 55]، من انقطاعِها ومضرتِها. (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ)[الواقعة: 32 - 33]، فلا تكونُ في وقتٍ دون وقتٍ، ولا تُمنعُ ممن أرادَها؛ (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ)[الحاقة: 22 - 23]، قالَ البراءُ بنُ عازبٍ -رضيَ اللهُ عنه-: "إنَّ أهلَ الجنةِ يأكلونَ من ثمارِ الجنةِ قيامًا وقعودًا ومضطجِعينَ"(رواهُ البيهقيُ وحسنهُ المنذريُ).
فأما الشجرةُ الثانيةُ العجيبةُ: فشجرةٌ تنبتُ في وسطِ نارِ الجحيمِ، إنها تلكمُ التي قالَ اللهُ عنها: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)[الإسراء: 60]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ".
ولما أنزلَ اللهُ -تعالى- قولَه: (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ)[الصافات: 63]، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ؟! هَاتُوا تَمْراً وَزُبْدًا فَتَزَقَّمُوا!، فأنزلَ اللهُ -عزَ وجلَ- متوعداً كلَ مستهزِئٍ: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ)[الصافات: 64]، خلَقَها من النارِ، لكنها لا تحترقُ. فيا للهِ العجبُ!، قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا، لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ؟"(رواهُ الترمذيُ وصححه).
ولنعلم أن الشركَ والكذبَ والرياءَ شجرةٌ في القلب، ثمرُها في الدنيا الخوفُ وظُلمةُ القلبِ، وثمرُها في الآخرةِ الزقّومُ والعذابُ المقيمُ.
فما أعظمَ الفرقَ بينَ شجرتينِ؟ شجرةِ المشركِ شجرةِ الزقومِ، فالحلوقُ السليمةُ لا تبلَعُها، وشجرةِ الموحدِ طوبى يسيرُ الراكبُ في ظلِها مئةَ عامٍ لا يقطعُها.
فيا عبدَ اللهِ: كلما بهرَكَ جمالُ غابةٍ من الأشجارِ، أو منظرٌ خلابٌ في القفارِ، فقلْ: ما عندَ اللهِ خيرٌ للأبرارِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وحدَه، وصلى اللهُ وسلمَ على مَن لا نبيَ بعدَه، أما بعدُ:
فأما الشجرةُ الثالثةُ: فهي شجرةٌ تكونُ في الدنيا وتكونُ في الجنةِ؛ (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)[الرحمن: 68]، قالَ ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما-: "نخلُ الجنةِ ثمرُها أمثالُ القِلالِ والدِلاءِ، أشدُ بياضًا من اللبنِ، وأحلى من العسلِ، وألينُ من الزُّبدِ، ليسَ فيها عَجَمٌ"(رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: بإسناد جيد وصححه الألباني).
إنها تلكمُ الشَجَرَةُ الطَيِّبَةُ التي مدَحَها خالقُها: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)[إبراهيم: 24]، تَطعَمُها في الصيفِ رُطَباً جنيًا، وفي الشتاءِ طَلعًا هَنيًا، قالَ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: "وَالتّمْرُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ... وَهُوَ فَاكِهَةٌ وَغِذَاءٌ وَدَوَاءٌ وَشَرَابٌ وَحَلْوَى... وفِي التّمْرِ وَالْمَاءِ مِنْ الْخَاصّيّةِ الّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلّا أَطِبّاءُ الْقُلُوبِ"(زاد المعاد).
وقد كانَ أجدادُنا إنما قوتُهم التمرُ، ونجاهمُ اللهُ من الموتِ والجوعِ بهذا التمرِ، أما الآنَ فنحنُ نأكلُه تفكُهًا، لا عن ضرورةٍ، فلنحذرْ منَ البَطَرِ بالنِعَمِ، وإهانةِ التمورِ المأكولةِ، بإلقائِها مع طعامِ الحيوانِ، أو رميِها بقارعةِ الطريقِ، وأقبحُ منهُ وضعُها مع القمامةِ.
فيا عبادَ اللهِ: إن من نعمِ اللهِ علينا ما نعيشُه في هذهِ الأيامِ من موسمِ قطفِ الرُّطبِ واجتناءِ التمرِ، فاتقوا ربَكم واشكروُه، وأدُّوا ما أوجبَ اللهُ فيها من الزكاةِ؛ "ومَن عندَه نخلٌ في استراحتهِ أو بيتهِ.. وثمرتُها تبلغُ النصابَ، قد لا يَعلمونَ أن فيها زكاةً، ويظنونَ أن الزكاةَ في المزارعِ فقط.. ومقدارُ النصابِ ستُ مئةٍ واثنا عشرَ كيلواً فأكثرَ، وتُخرَجُ الزكاةُ من قيمتهِ فلوساً إن شاءَ؛ لأنه أسهلُ على المالكِ وأنفعُ للمحتاجِ، ومقدارُها خمسةٌ بالمئةِ"(اللقاء الشهري).
فاللهم اجعلنا من الذين إذا أعطيتَهم شكرُوا وإذا ذكَّرتَهم ذَكرُوا، اللهم لا تخيبْنا ونحنُ نرجوكَ، ولا تعذِبْنا ونحنُ ندعوكَ، اللهم إنا نسألُكَ برحمتِك الفردوسَ ووالدِينا وأهلِينا، اللهمّ أعطيتَنا الإسلامَ من غير ِأن نسألَكَ، فلا تَحرِمْنا الجنّةَ ونحنُ نَسألُكَ، اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا، اَللَّهُمَّ وَفّقْ إمامَنا ووَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَارْزُقْهُمْ بِطَانَةَ اَلصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ، اللَّهُمُّ اِحْفَظْ جنودَنا وحدودَنا، وبِلَادَنَا وبلادَ المسلمينَ، وطهرِ المسجدَ الأقصَى وجنباتِهِ من رجسِ يهودَ، وافرُجْ كَرْبَ أهلِ غزةَ، اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبدًا.
التعليقات