د. سعد بن عبد القادر القويعي
دفع النقاش الدائر - هذه الأيام - حول ضرورة تحديد سن للزواج، ومنع تزويج القاصرات، بعد ظهور سلسلة من القصص المخزية لفتيات تم تزويجهن وهن قاصرات، - وزير العدل - محمد العيسى
إلى الإعلان، بأن: كل ما يتعلق بزواج القاصرات تدرسه الوزارة، وينطلق من أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يخالفها البتة، وأن إصدار تنظيم يعالج هذا الموضوع من منظور شرعي، هو محل عناية الوزارة. مما يعتبره المراقبون تحريكا للمياه الراكدة في القضاء السعودي، - لاسيما - وأن السعودية تعتبر من الدول القليلة التي لم تحدد سنا للزواج.
على أي حال، تصريح وزير العدل يأتي متناغما مع تصريح - رئيس المجلس الأعلى للقضاء - صالح بن حميد، حين أعلن في المنتدى الأول للقضاة، بأن: (مدونة القضاء التي ستصدر قريباً، ستحتوى على تنظيم كامل للقضاء، وستعالج قضايا مهمة، منها: زواج القاصرات، التي تتولى علاجها الأجهزة القضائية). مما يدل على ضرورة وضع الموضوع في سياقه الصحيح، باعتباره من القضايا الدنيوية، بناء على قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح). وهو ما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، التي جاءت لمصلحة الإنسان، وتحقيق سعادته.
ولأن ولي الأمر مأمور بحراسة الدين، وحفظه على أصوله وقواعده. ومأمور - أيضاً - بسياسة الدنيا، وتدبير أمر الدولة والرعية بالدين. فقد استنبط أهل العلم في هذا الباب، قاعدة تنص على، أن: (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة). ومفاد هذه القاعدة: أن تصرف الإمام، وكل من ولي شيئاً من أمور المسلمين، يجب أن يكون مقصوداً به المصلحة العامة، أي: بما فيه نفع لعموم من تحت أيديهم، وما لم يكن كذلك لم يكن صحيحاً، ولا نافذاً شرعاً. ومتى كانت هناك مصلحة عامة جامعة لشرائطها؛ فإن تصرف الإمام بناء على ذلك تصرف شرعي صحيح، وإلا فلا.
ويندرج تحت هذه القاعدة، أن لولي الأمر سلطة (تقييد المباح)، إذا ما كان في ذلك مصلحة راجحة، أو دفع ضرر محتمل، يقدره أهل التخصص من علماء الشريعة والاجتماع والنفس، فالحكم يدور مع المصلحة وجودا وعدما. كما قال ابن القيم - رحمه الله -: (حيث ما كانت المصلحة، فثم شرع الله). ومن هذا المنطلق، فإن هذا التقييد والإلزام به، لا يجوز مخالفته، وتلزم طاعته والتقييد بها، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. وقد فعل - السلطان - عبدالعزيز في الدولة العثمانية، حين تولى الخلافة بين عامي (1861 و1876م) ذلك، عندما أقر عام (1871م) قانوناً، حدد فيه سن الزواج للرجل بثمانية عشر عاماً، والمرأة بسبعة عشر عاماً على الأقل، ونشر في (مجلة الأحكام العدلية)، حسب ما ذكر - الدكتور - سهيل صابان، المتخصص في التاريخ العثماني.
وإذا كان الحفاظ على العرض مقصدا من المقاصد الشرعية الخمسة، التي جاء بها الإسلام، فإن حماية النسل يندرج تحت الحفاظ على العرض؛ لتلتقي عند القاعدة الذهبية (لا ضرر ولا ضرار). إذ إن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة، ومن المصلحة العامة: احترام حقوق الإنسان، ومراعاة مصالح الأجيال. - لاسيما - وأن هناك حالات قليلة، تؤكد على أن بعض الآباء قد فرط في أمانته تجاه ابنته هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن تقرير وزارة الصحة السعودي - الأخير -، أثبت وجود آثار سلبية عديدة لمثل هذا النوع من الزيجات، ومن أهمها: الإصابة بسرطان عنق الرحم، والإصابة بتمزقات الحوض والرحم، والحمل العنقودي الذي تصاب به الصغيرات، وعدم اكتمال نمو العظام في سن (18) سنة، وتشوه العظام؛ لأن الطفل يسحب الكالسيوم من دم الأم، ناهيك عن الآثار النفسية والاجتماعية التي تصاب بها الزوجة القاصر.
ولأن التجربة تحملنا على القلق، فقد نشرت - الأميرة - حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بحثا معمقا، بعنوان: (زواج القاصرات بين النظرية والواقع والمأمول)، في عدد من الصحف السعودية والعربية، طالبت فيه الحكومة السعودية بضرورة إصدار تشريع؛ لمنع زواج الفتيات الصغيرات، مع تحديد عقوبات واضحة يتم تنفيذها على ولي الأمر، الذي يوافق على تزويج طفلته، والمأذون الذي يوثق هذا الزواج.
وفي كل الأحوال، تكمن أهمية تحديد سن زواج القاصرات، حماية لهن من وزاج غير متكافئ. ومثل ذلك كثير، فحينما منع ولي الأمر الزواج بغير السعودية إلا بإذن رسمي من الجهات المختصة أصبح نظاما معمولاً به. وكذا، حينما ألزم من يتقدم إلى الزواج بالفحص الطبي، أصبح من يخالف ذلك يعرض نفسه للمساءلة، وتطبيق النظام في حقه.
التعليقات