عناصر الخطبة
1/فضل العلم والعلماء 2/ وجوب توقير العلماء واحترامهم والحكمة من ذلك 3/ حرمة الطعن فن العلماء وعقوبة ذلك 4/ مآل وعقوبة الطاعنين في العلماء 5/ من الآثار السيئة المترتبة على عدم احترام العلماء 6/ وصف الطاعنين في العلماء 7/ وصف المحترمين للعلماء 8/ وجوب نصرة الظالم والمظلوماهداف الخطبة
اقتباس
وإنما جاء الشرع بهذا التوقير والتعظيم للعلماء؛ لما فيه من مصالح عظيمة؛ فإن توقير العلماء أدعى إلى توقير علمهم الذي يحملونه وأقرب إلى أن يحرصوا على بذله للناس، فإن التوقير والأدب والتلطف يستدر بها العطف والود، كما أن في ازدرائهم وإهانتهم خطراًُ على المجتمع بكتمانهم العلم أو عجزهم عن إبلاغه، أو استهانة الناس بهذا العلم الذي يحملونه ..
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفرُهُ، ونتُوبُ إليه، ونعُوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبدُهُ ورسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
معاشر المؤمنين والمؤمنات: للعلم والعلماء مكانة في الدين لا تنكر، وفضل كبير لا يكاد يحصر، فقد جاءت نصوص الشرع متوافرة متعاضدة تعزز من مكانتهم، وتبين فضلهم، فهم من شهود الله على أعظم مشهود به وهو توحيد الله عز وجل كما قال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله: "في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحدٌ أشرفَ من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء"، ويكفيهم شرفاً أن الله تعالى رفع شأنهم، فجعلهم أهل خشيته من بين خلقه (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) [فاطر:28]
وأبى -سبحانه- التسوية بينهم وبين الجهلة بشريعته (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزُّمر:9], ورفعهم الله تعالى درجات فقال سبحانه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11].
وأوجب طاعتهم فقال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء: 59]، وأولو الأمر كما قال العلماء: هم العلماء، وقال بعض المفسرين: أولو الأمر الأمراء والعلماء.
وورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكانة العلماء حشد من النصوص المذكرة بفضل العلماء, وعلو درجتهم, فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له مَنْ في السموات ومن في الأرض حتى الحيتانُ في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر" رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ" رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي، فيا لها من مكانة، ويا له من فضل، ويا له من تشبيه لهذا الذي يحمل العلم.
وقال العلامة ابن القيم رحمه تعالى في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين: "العلماء هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب".
ولما كان أهل العلم بهذه المنزلة فقد جاء الشرع بتكريمهم والحض على توقيرهم، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه" رواه أحمد والترمذي .
توقير العلم والعلماء؛ من إجلال الله تعالى، وتعظيم شريعته، وامتثال أمره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ من إِجْلَالِ الله إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فيه وَالْجَافِي عنه وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ" رواه أبو داود وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ، وأخذ الصحابي الجليل ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بركاب أبي بن كعب رضي الله عنه فقيل له أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذ بركاب رجل من الأنصار فقال: إنه ينبغي للحبر أن يعظم ويشرف.
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يدينون الله سبحانه ويتقربون إليه باحترام العلماء الهداة، بلا غلو ولا جفاء قال أبو جعفر الطحاوي في عقيدته المشهورة: "وعلماء السلف من السابقين، ومَن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل".
تعظيم العلماء وتقديرهم من تعظيم شعائر الله قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج: 30]، وقال جل وعلا: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، والشعيرة كما قال العلماء: "كل ما أذن وأشعر الله بفضله وتعظيمه. والعلماء بلا ريب يدخلون دخولاً أوليًّا فيما أذن الله وأشعر الله بفضلهم وتعظيمه بدلالة النصوص الكريمة السالفة الإيراد".
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسيره: "شعائر الله أعلام الدين الظاهرة ومعنى تعظيمها إجلالها والقيام بها وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله".
وعلى هذا فالنيل من العلماء وإيذاؤهم يعد إعراضًا أو تقصيرًا في تعظيم شعيرة من شعائر الله قال بعض العلماء: أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم.
ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير والإجلال وحفظ الحرمات، وما يوجد من بعض الناس في بعض المجالس أو المنتديات أو بعض وسائل الإعلام من انتقاصٍ أو ازدراء لأهل العلم بسبب خلافهم أو قولهم الحق والصدع به يجب إنكاره والرد على قائله ونصحه؛ لأن الوقوع في العلماء إسقاط لهم وحرمان للناس من الإفادة من علمهم، وحينئذ يتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فيفتوا بغير علم فيضلوا؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" رواه البخاري ومسلم.
وسلف هذه الأمة وخير قرونها تمثلوا هذا التوقير والتعظيم في مواقف كثيرة امتلأت بها بطون كتب التراجم والتواريخ وتناقلها العلماء تذكيراً بهذا الأدب، وتعميقاً لهذا الأصل في القلوب وتنبيهاً على استعماله لكل سالك.
وإنما جاء الشرع بهذا التوقير والتعظيم للعلماء؛ لما فيه من مصالح عظيمة؛ فإن توقير العلماء أدعى إلى توقير علمهم الذي يحملونه وأقرب إلى أن يحرصوا على بذله للناس، فإن التوقير والأدب والتلطف يستدر بها العطف والود، كما أن في ازدرائهم وإهانتهم خطراًُ على المجتمع بكتمانهم العلم أو عجزهم عن إبلاغه، أو استهانة الناس بهذا العلم الذي يحملونه، ولذا كانت سنة الله تعالى فيمن اعتدى على أهل العلم والصلاح أن يفضحه الله ويكبته قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها).
عباد الله: إن الجناية على العلماء خرق في الدين، قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: "مَن استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومَن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته"، وقال الإمام أحمد بن الأذرعي: "الوقيعة في أهل العلم ولاسيما أكابرهم من كبائر الذنوب".
والطاعنون في العلماء لا يضرون إلا أنفسهم، وهم مفسدون في الأرض، وقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس: 81]، الطاعنون في العلماء عرضة لحرب اللَّه تعالى القائل في الحديث القدسي: "مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب". رواه البخاري، والعلماء هم من أولياء الله تعالى روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي -رحمهما الله- أنهما قالا: "إن لم تكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي". قال الشافعي: "الفقهاء العاملون"، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما: "مَن آذى فقيهًا فقد آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ومَن آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد آذى الله -عز وجل".
الطاعنون في العلماء مُعرَّضون لاستجابة دعوة العالم المظلوم عليهم، فدعوة المظلوم -ولو كان فاسقًا- ليس بينها وبين اللَّه حجاب، فكيف بدعوة ولي اللَّه الذي قال فيه: (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)؟!
قال الإمام الحافظ أبو العباس الحسن بن سفيان لمن أثقل عليه: ما هذا؟! قد احتملتك وأنا ابن تسعين سنة، فاتق اللَّه في المشايخ، فربما استُجِيبت فيك دعوة، ولما أنكر السلطان على الوزير نظام الملك صرف الأموال الكثيرة في جهة طلبة العلم أجابه: أقمت لك بها جندًا لا ترد سهامهم بالأسحار. فاستصوب فعله، وساعده عليه.
وبما أن الجزاء من جنس العمل؛ فليخش الطاعنون في العلماء المستهزئون بهم بعاقبة من جنس فعلهم؛ فعن إبراهيم النخعي -رحمه اللَّه- قال: "إني أجد نفسي تحدثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به". ورُوِي عن الإمام أحمد أنه قال: "لحوم العلماء مسمومة؛ مَن شمها مرض، ومَن أكلها مات"، وقال الحافظ ابن عساكر -رحمه اللَّه تعالى: "واعلم يا أخي -وفقنا اللَّه وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته- أن لحوم العلماء -رحمة اللَّه عليهم- مسمومة، وعادة اللَّه في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه برآء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على مَن اختاره اللَّه منهم لنعش العلم خلق ذميم".، وقال أيضًا: "ومَن أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه اللَّه تعالى قبل موته بموت القلب"، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
وذكر رجل عالماً بسوء عند الحسن ابن ذكوان رحمه الله تعالى فقال: " مه لا تذكر العلماء بشيء فيميت الله تعالى قلبك".
نعم عباد الله: إن من أعظم الآثار العاجلة لانتقاص العلماء والتهكم بهم موت القلب؛ لأن من انتقص نقلة الدين هان الدين في قلبه، وسهل عليه أن يتوجه بالطعن المباشر في أحكام الله تعالى وحدوده، ومن سبر أحوال كثير ممن يرفضون أحكام الله تعالى، ويطعنون في شريعته، أو يستميتون في تأويلها وتحريفها يجد أن بدايات انحرافاتهم كانت بالطعن في العلماء، فعوقبوا بالجرأة على الدين كله تأويلاً وتحريفاً ورداً وانتقاصاً، نعوذ بالله تعالى من الضلال والهوى.
الطاعنون في علماء الشريعة هم أهل الأهواء والبدع والنفاق؛ لأن العلماء يحولون بينهم وبين نشر النفاق والفساد والابتداع في الدين؛ إذ ببيان العلماء يظهر العلم، ويرفع الجهل، وتزال الشبهة، وتصان الشريعة، ويكون الناس على طريق مستقيمة، ومحجة واضحة، لا غموض فيها ولا التباس؛ ولذا كان أئمة السلف الصالح إذا رأوا من يطعن في عالم رباني اتهموه في دينه، وجعلوا ذلك قاعدة عند الناس حتى لا يغتروا بطعنه، قال يحيى بن معين رحمه الله تعالى:"إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة وعكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام".
الطاعنون في العلماء الفرحون بمصاب العلماء أو موتهم، والداعون إلى العزوف عنهم، وتحجيم دورهم أو إلى عدم اعتبار أقوالهم؛ هؤلاء إنما يبتغون بذلك تجهيل الناس بدينهم، وإبطال شريعة الله تعالى فيهم، وإطفاء نوره الذي استضاءوا به، ونقلهم من الهدى والنور إلى الضلال والظلام، قال أيوب السختياني رحمه الله تعالى: "إن الذين يتمنون موت أهل السنة يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون".
إن محبة علماء الشريعة الربانيين، ومعرفة قدرهم، وحفظ مكانتهم، والذب عن أعراضهم، والانتصار لهم ممن بغى عليهم، منهج السلف الصالح ودليل الهدى والإتباع، وفي هذا يقول أبو حاتم الرازي رحمه الله تعالى: "إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة".
حفظ الله تعالى علماء الأمة الربانيين العاملين، وأعلى ذكرهم، وزادهم من فضله، ونفع بهم خلقه، ورد عنهم قالة السوء، إنه سميع قريب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
معشر المسلمين والمسلمات: الآثار السيئة التي تترتب على عدم احترام أهل العلم, وتقديرهم وتعظيمهم وإعطائهم حقهم الشرعي, الذي لهم من التوقير والاحترام, كثيرة ووخيمة ومن ذلك أن يفقد الناس الثقة في أهل العلم, فلا يقبلون منهم كلاماً ولا فتوى ولا نصحاً ولا إرشاداً, فلا يكون للعلماء دور الريادة والقيادة في الأمة, فيتخذ الناس الرؤوس الجهال المضلين، ويتجرأ السفلة والسفهاء للطعن في العلماء, والتطاول على الشريعة بعد ذلك، وإشاعة العداوة والبغضاء في المجتمع, بما ينتشر من حزبية بغيضة وتناحر وتنافر، وبهذا يتحقق هدف أعداء الملة الذين سعوا من أجله عنوا بالحط من كرامة علماء الدين في أعين الناس لأن علماء الشريعة صخرة ثابتة وجبال شماء تتحطم عليها معاول هدمهم وتتكسر عليها مشاريعهم التغريبية ومخططاتهم المشبوهة في مجتمعات المسلمين.
نعم عباد الله: إن خفافيش الظلام من أهل الأهواء والبدعة والتغريب والفساد لا يستطيعون القيام بوظائفهم في إضلال الناس وغوايتهم إلا حين يسود الجهل بالشريعة، ويضمحل العلم بموت العلماء، أو بسكوتهم عن بيان الحق والنصح للخلق.
عباد الله: إن القدح بالحامل يفضي إلى القدح بما يحمله من الشرع والدين؛ ولهذا أطبق العلماء على أن من أسباب الكفر والإلحاد القدح في العلماء، وقي غزوة تبوك استهزأ رجل من المنافقين بقراء الصحابة -رضي اللَّه عنهم- قائلاً: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء. فأنزل اللَّه -عز وجل قرأناً يتلى إلى يوم القيامة: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة: 65 - 66].
إن ظاهرة الطعن في العلماء، والتقليل من شأنهم، ودعوة الناس للعزوف عنهم، والمطالبة بإسكاتهم، كل ذلك كان -ولا يزال- دأب المنافقين من عهد الرسالة إلى يومنا هذا ..
إن طعون أعداء الملة وأذنابهم في أهل العلم ليست لذات العالم وإنما هي لأجل تبليغهم العلم، وبيانهم للحق، واحتسابهم على الناس بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؟!
إخوة الإيمان: يقول عليه الصلاة والسلام: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوماً" رواه البخاري، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من رَدَّ عن عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كان حَقًّا على الله عز وجل أن يَرُدَّ عنه نَارَ جَهَنَّمَ يوم الْقِيَامَةِ" رواه الترمذي وقال:حديث حسن.
فإذا كان ذلك في رد المسلم عن عرض أخيه المسلم، والانتصار له في مظلمته، فكيف إذن بالرد عن أعراض العلماء الربانيين، والانتصار لهم من طعن الطاعنين، فالواجب على أهل الحق والإيمان الذب عن العلم والعلماء، ومعرفة قدرهم، وحفظ مكانتهم، والصدور عن أقوالهم؛ فإنهم أقرب الناس إلى الحق، وأنصحهم للخلق؛ لأنهم ورثة الأنبياء عليهم السلام، ولا أحد في البشر أعلم من الأنبياء ولا أكثر نصحاً منهم، وقد قال الله تعالى فيهم (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) [الأنبياء:73] كما قال في العلماء (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) [العنكبوت:49]، فواجبنا عباد الله الذب عن العلماء ذباً عن الشريعة، والانتصار لهم انتصاراً للملة.
وواجب على أهل الإيمان عدم تصديق هؤلاء المفسدين في أكاذيبهم، ولا الانسياق خلف أراجيفهم؛ فإنهم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها..
هذا وصلوا وسلموا...
التعليقات