عناصر الخطبة
1/ أهمية تعظيم المحرمات 2/ ما المقصود بتعظيم المحرمات؟ 3/ حال الناس تجاه حرمات الله 4/ السبيل إلى تعظيم حرمات الله وتعظيم قدر الله 5/ تعظيم رسولنا صلى الله عليه وسلم لحرمات الله 6/ من أعظم حرمات الله ما كان متعلقا بحقوق الآدمييناهداف الخطبة
اقتباس
وهذه الخصلة -أعني تعظيم الحرمات- هي مما يحتاجه المسلم في هذه الأيام التي فتحت الدنيا على الناس من كل جهة، وأصبح المسلم -مع كثرة الملهيات، والإغراق في المباحات، ومعانقة المشتبهات- يتذمر من كثرة المحرمات، فكلما أراد أن يواقع شيئا قيل له هذا حرام..
إن الحمد لله نحمده...
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: لقد شرع الله الشرائع، وأرسل الرسل لبيانها، وأوضح سبيل النجاة، وحذر من كل مهلكة توبق بالعبد، ووضع لهذه الشرائع حدودا، وأمر بتعظيم حرماته، ولا سبيل للمسلم ينجو به من المهالك حتى يعظم حرمات الله، وهذه الخصلة -أعني تعظيم الحرمات- هي مما يحتاجه المسلم في هذه الأيام التي فتحت الدنيا على الناس من كل جهة، وأصبح المسلم -مع كثرة الملهيات، والإغراق في المباحات، ومعانقة المشتبهات- يتذمر من كثرة المحرمات، فكلما أراد أن يواقع شيئا قيل له هذا حرام، فأصبحت مطالبة لما ذكرنا من الأسباب كلها في المحرمات، ولهذا وجب على المسلم أن يتقي الله فيعظم حرمات الله حتى يسير على الصراط المستقيم.
معاشر المسلمين: التعظيم هو التفخيم والتبجيل، والحرمات هي مالا يحل انتهاكه، والمقصود بتعظيم حرمات الله: هو معرفة ما حرم الله، وتعظيم انتهاكه في النفس قبل مواقعته؛ ليحذر العبد منه، وذلك بتعظيم الله؛ لأنه هو صاحب النهي فتعظيم حرمات الله من تعظيم الله، والعكس بالعكس. قال ابن كثير: "تعظيم الحرمات اجتناب المعاصي والمحارم، بحيث يكون ارتكابها عظيما في نفسك".
عباد الله: إن تعظيم الحرمات يعود بالخير على المسلم من كل جهة قال -جل وعلا-: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج:30] وتعظم حرمات الله وشعائره دال على تقوى القلوب قال الله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
أيها المؤمنون: إن حدود الله هي محارمه، ولقد حذر الله -جل وعلا- من تعدي حدوده، وأمر بالوقوف عليها؛ كما قال -سبحانه-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا) [البقرة:187] وقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا) [البقرة:229] وأخبر -سبحانه- أن متعدِّ الحدودِ ظالمٌ لنفسه بتعريضها لعذاب الله فقال (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق:1] وهدد -سبحانه- متعدي الحدود بالنار فقال: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء:14].
عباد الله: إن الناس في تجاه حرمات الله بين أمرين:؛ إما أمور محرمة قطعا، وإما أمور مشتبهة؛ فالمحرم قطعا يجب على المسلم اجتنابه فلا جدال، ووجب عليه تعظيم حرمات الله فإنه من تعظيم الله، والآخر المشتبه فيه وهو ما كان فيه خلافٌ، وخفي حكمه على كثير من الناس؛ فالواجب على المسلم التورع عنه، استبراءً للدين والعرض؛ كما أخرج البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا و إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه". ورواه ابن حبان والطبراني عن النعمان ولفظه: "اجعلوا بينكم و بين الحرام سترا من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه و دينه و من أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه وإن لكل ملك حمى وإن حمى الله في الأرض محارمه".
أيها المسلمون: إن الناظر في حالنا هذه الأيام يرى أننا قد غرقنا في الشبهات حتى قفزنا إلى المحرمات عمدا جهارا، وما ذاك إلا لضعف تعظيم حرمات الله في القلوب، وإن شئت فقل لأننا لم نقدر الله حق قدره، ولهذا قال بلال بن سعد : "لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظم من عصيت".
عباد الله: لعل سائلا يسأل: كيف السبيل إلى تعظيم حرمات الله وتعظيم قدر الله؟
فأقول: إن الجواب سهلٌ بينٌ وهو أن نتعرف على الله بمعرفة أسمائه وصفاته، ثم نقرأ في سير السلف، وكيف كانوا يعظمون الحرمات، فبهذا ينير قلب المسلم ويستبصر الطريق؛ فما أكثر المتخبطين على جنباته؛ أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
اللهم اجعلنا لك معظمين ولحدودك واقفين، اقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ...
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالدروس التي يستفاد منها كيفيةَ تعظيمِ النبي -صلى الله عليه وسلم- لحرمات الله وكذلك صحابته الكرام ومن بعدهم بإحسان.
أخرج البخاري ومسلم -واللفظ له- من حديث عائشة قالت: إن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامةُ بن زيد حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أتشفع في حد من حدود الله -عز وجل-؟!" فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها".
فها هو الرسول الكريم يغضب أشد الغضب لما أريد منه أن يسقط الحد الشرعي، ويتعدى حدود الله، ويخطب الناس محذرا لهم من هذا الصنيع، ولا يعرف للنبي-صلى الله عليه وسلم- غضب إلا إذا انتهكت حدود الله.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة قالت: "والله ما انتقم رسول الله لنفسه في شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله".
وكلما قوي إيمان العبد كلما كان لحرمات الله أشدَّ تعظيما قال أنس بن مالك: "إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، وإنا كنا لنعدها على زمن رسول الله من الموبقات".
وقال ابن عباس: "يا صاحب الذنب لا تأمن فتنة الذنب وسوء عاقبة الذنب ولَمَا يَتبعُ الذنب أعظم من الذنب إذا عَمِلته، قلةُ حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لم تدر ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب.. ويحك أتدري ما كان ذنب أيوب -عليه السلام- فابتلاه بالبلاء في جسده، استغاث به مسكين على ظالم يدرءه عنه فلم يغثه ولم ينه الظالم عن ظلمه فابتلاه الله".
وقال الفضيل بن عياض: "بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله".
معاشر المسلمين: إن الواجب على المسلم أن يعظم حرمات الله من كل صوب؛ فالواجب عليه أن يعظم حرمات الله في تعظيم الله وفي التذلل له، وفي صيانة كتابه واحترامه، وفي كل شيء يغضب الله.
وإن من أشد الأمور التي ينبغي للمسلم تعظيم حرمات الله فيها ما كان متعلقا بحقوق الآدميين؛ كإراقة دم المسلم بغير حق سواء بالقطع أو الجرح أو القتل. أخرج أبوداود من حديث أبي الدرداء قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال المؤمن معنقا صالحا مالم يصب دما حراما فإذا أصاب دما حراما بلّح" يعني هلك.
وأخرج النسائي من حديث بريدة قال -صلى الله عليه وسلم-: "قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" .
فليحذر المسلم من الاجتهادات الباطلة التي ينفرد بها العبد بعقله مع قلة علمه وفقهه؛ فما نرى من الاستهانة اليوم بدماء المسلم لخطر عظيم، وانتهاك لحرمات الله تعالى.
اللهم احقن دماء المسلمين، ومكن لهم في الأرض يا رب العالمين.
اللهم احفظ رجال الأمن الذين يذودون عن دينك ويحمون عن بلاد المسلمين.
اللهم اهد ضال المسلمين، وردهم إليك ردا جميلا.
اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل لنا من كل فتنة مخرجا ومن كل بلاء عافية.
اللهم فرج عن المسلمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون..
التعليقات