عناصر الخطبة
1/ الحكمة من نصب اللهِ الأدلةَ الدالة على عظمته 2/ سرد لأدلة دالة على عظمة الله 3/ تبجيل الله وتعظيمه بذكر صفاته وآلائه 4/ التأمل في جبروت الله وعظمته 5/ تفاوت الناس في التعرف على الله ومعيار ذلك 6/ ثمرة التفكر في عظمة اللهاهداف الخطبة
اقتباس
تم نوره, وعظم حلمه, وكُمل سؤدده, وعز شأنه, وتعالت عظمته, وجل ثناؤه في السماء ملكه وفي الأرض سلطانه, يعلم مثاقيل الجبال, ومكاييل البحار, وعدد قطر الأنهار, وعدد حبات الرمال, عليمٌ بكل شيء, محيطٌ بكل أمر, ينظر إلى النملة السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل
الحمد لله ذي العز المجيد، المبدئ المعيد الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بالنار يوم الوعيد, المكرم لمن خافه بدار المزيد.
فسبحان من قسم خلقه؛ فمنهم شقي وسعيد, أحمده وهو أهل للحمد والثناء والتمجيد, وأشكره ونعمه بالشكر تدوم وتزيد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نديد, وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله الداعي إلى التوحيد, صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً إلى يوم المزيد، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]
وبعد:
إخوة الإيمان: فإن الله خلق الخلق؛ ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه, ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبرياءه؛ ليهابوه وبين لهم الآيات الدالة على ربوبيته وألوهيته سبحانه: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام:59], قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام:95-97].
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام: 101]، خالقها ومنشئها على غير مثالٍ سبق: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام:101], (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) [الأنعام:102-104].
تم نوره, وعظم حلمه, وكُمل سؤدده, وعز شأنه, وتعالت عظمته, وجل ثناؤه في السماء ملكه وفي الأرض سلطانه, يعلم مثاقيل الجبال, ومكاييل البحار, وعدد قطر الأنهار, وعدد حبات الرمال, عليمٌ بكل شيء, محيطٌ بكل أمر, ينظر إلى النملة السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل.
ما ذكر اسمه في قليل إلا كثره, ولا عند كربٍ إلا كشفه, ولا عندهم إلا فرجه, فهو الاسم الذي تكشف به الكربات, وتستنزل به البركات, وتقال به العثرات, وتُستدفع به السيئات, به أنزلت الكتب, وبه أرسلت الرسل, وبه شرعت الشرائع, وبه حقت الحاقة ووقعت الواقعة, وبه وضعت الموازين القسط, ونصب الصراط, وقام سوق الجنة والنار, فسبحانه ما أحكمه, وسبحانه ما أعظمه, وسبحانه ما أعلمه!!.
أما نظرت إلى قدرته على خلقه وقوة جبروته وعظمة ملكوته؛ عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا محمد, إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع, والشجر على إصبع, والماء على إصبع, والثرى على إصبع, وسائر الخلق على إصبع, فيقول: أنا الملك, فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه؛ تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) " [الزمر67]، الحديث متفق عليه, وفي رواية للبخاري: يجعل السموات على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ". رواه البخاري في الصحيح ومسلم.
وعن ابن عمر مرفوعاً " يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك, أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله ثم يقول أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون" رواه مسلم.
وروى: عن ابن عباس، قال: ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردله في يد أحدكم" رواه ابن جرير، وقال ابن جرير: حدثني يونس أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعةٍ أُلقيت في تُرس".
قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاةٍ من الأرض"، وعن ابن مسعود قال: بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام وبين السماء السابعه والكرسي خمسمائة عام وبين الكرسي والماء خمسمائة عام والعرش فوق الماء والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم"
وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ " قلنا الله ورسوله أعلم. قال: " بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثِفُ كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر, بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض, والله تعالى فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم" أخرجه أبو داوود وغيره.
إخوة الإيمان: هل عرفنا عظمة الله تعالى؟ هل تفكرنا في مخلوقاته؟ هل تأملنا في هذا الوجود كيف أحكمه وأتقنه وخلقه؟.
أما إن معرفة الله, والتعرف على الله يختلف من شخص إلى شخص بحسب قوة إيمانه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" رواه البخاري في صحيحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكما أن رؤية الناس للهلال تختلف - وإن اشتركوا فيها- فبعضهم أتم من بعض, وكذلك سماع الصوت الواحد، وكذلك شمَّ الرائحة الواحدة، وذوقُ النوع الواحد من الطعام؛ فكذلك معرفة القلب وتصديقه يتفاضل أعظم من ذلك ", وقال أيضا: " أصل التفاضل بين الناس إنما هو بمعرفة الله ومحبته، وإذا كانوا يتفاضلون في معرفة الملائكة وصفاتهم والتصديق بهم فتفاضلهم في معرفة الله وصفاته والتصديق به أعظم، وكذلك إن كانوا يتفاضلون في معرفة ما في الآخرة من النعيم والعذاب فتفاضلهم في معرفة الله وصفاته أعظم" ا.هـ باختصار
وهو العظيم بكل معنى يوجب التـعظيم لا يحصيـه مـن إنسـان
وهو الجليـل فكل أوصـاف الجـلال له محقـقة بـلا بطـلان
وهو الجميل على الحقيقة كيف لا *** وجمال سائر هذه الأكـوان
من بعـض آثار الجـميل فـربها *** أولى وأجدر عند ذي العرفان
فجماله بالذات والأوصاف والـ *** أفـعال والأسـماء بالبرهان
لا شـيء يشبه ذاتـه وصـفاته *** سبحانه عن أفك ذي بـهتان
الخطبة الثانية
الحمد لله على آلاءه.... وبعد
الله سبحانه و تعالى له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم، فلا يقدرُ إنسان ولا مخلوق أن يحصي الثناء على الله بعظمته.
هو -سبحانه- موصوف بكل صفة كمال, وله من ذلك الكمال الذي وصف به أكمله وأعظمه وأجله، ومن عظمته سبحانه وتعالى أن السموات والأرض في كف الرحمن كالخردلة في يد المخلوق؛ قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر67]، وقال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر41]، وقال تعالى: ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الشورى:4].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: " الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني شيئاً منهما عذبته".
فحينما تعلم عظمة الله وقدرته وكبرياءه وجلاله تعلم أن العبادة لا تصرف إلا له وحده؛ فكيف نذبح لغيره أو نسجد لغيره أو نركع لغيره أو ندعو غيره؛ كيف تبارزه بالذنوب والمعاصي؟!.
وكلما أكثر العبد من التأمل في عظمة الله سبحانه, حصل له في قلبه نوع تعظيم من الذل لله, واحتقار النفس ومعرفة قدرها, وأنه من الشرف العظيم والكبير أن جعلك الله عبداً له سبحانه؛ فما أجمل أن يعيش الإنسان في وجل ورجاء وإجلالٍ له سبحانه وتعالى.
التعليقات