التعريف بموضوع الكتاب:
من تمامِ عبوديةِ الخلقِ لربِّهم -عز وجل- تعظيمُهم للوحيينِ: الكتابِ والسنَّةِ؛ إذ عليهما مدارُ التكليفِ، وهما مصدرُ التشريعِ، وحصولُ خللٍ في تعظيمِهما يُورثُ قصورًا في اتِّباعِهما، وانحرافًا عن تحقيقِ مقاصدِهما.
وقد عرَض هذا الكتابُ موضوعَ تعظيمِ نصوصِ الشريعةِ من الكتابِ والسنَّة، وذلك من جانبينِ: تأصيليٍّ، وتطبيقيٍّ؛ فالتأصيليُّ بيَّن عظيمَ مكانةِ النصوصِ الشرعيةِ، وأنَّ تعظيمَها يحصُلُ بتحقيقِ مقصدِ الشريعةِ من التنزيلِ والتكليفِ، وبتعظيمِ اللهِ سبحانه وتعالى وحرماتِه وشعائرِه. أمَّا الجانبُ التطبيقيُّ فقد كشف عن معالمِ تعظيمِ النصوصِ الشرعيةِ في حفظِها، وتوقيرِها، ونُصرتِها، وفَهمِها فهمًا سليمًا، وخِدمتِها، مشيرًا في أثناء ذلك إلى جهودِ سلفِ الأمةِ وعلمائِها في تحقيقِ هذا المطلبِ الجليلِ.
وقد قسَّم المؤلفُ الكتابَ إلى فصلينِ وخاتمةٍ:
فذكر في الفصل الأول مكانةَ تعظيمِ النصِّ الشرعيِّ، وجعل الحديثَ عن ذلك في خمسةِ مباحثَ:
المبحث الأول: تحقيقُ مقصِدِ الشريعةِ من التنزيلِ: بيَّن فيه أنَّ من مقاصدِ الشريعةِ من التشريعِ أن يكونَ نافذًا في الأمَّةِ ومحتَرمًا من جميعِها؛ إذ لا تحصلُ المنفعةُ المقصودةُ منه كاملةً بدون نفوذِه واحترامِه، وأنَّ امتثالَ الأمَّةِ للشريعةِ أمرٌ اعتقاديٌّ تنساق إليه نفوسُ المسلمين عن طواعيةٍ واختيارٍ.
المبحث الثاني: تحقيقُ مقصِدِ الشريعةِ من التكليفِ: وبيَّن فيه أنَّ المقصِدَ الشرعيَّ من وضْعِ الشريعةِ إخراجُ المكَلَّفِ عن داعيةِ هواه حتى يكونَ عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبدٌ لله اضطرارًا، وأنَّ النصوصَ الشرعيةَ قد استفاضت في بيانِ هذا الأصلِ العظيمِ وتقريرِه، وهو توقيرُ التعظيمِ والإجلالِ الوافيينِ للوحي الشرعيِّ كتابًا وسنَّةً، وصولًا إلى الخضوعِ والانقيادِ والعملِ الخالصِ بما جاء به.
المبحث الثالث: تحقيقُ تعظيمِ الله عز وجل: وبيَّن فيه أنَّ تعظيمَ الله تعالى مطلبٌ شرعيٌّ عظيمٌ؛ فهو مَجمَعُ الإيمانِ، وأساسُ العبوديةِ، وصُلبُ كلِّ عملٍ صالحٍ، وجِماعُ أعمالِ القلوبِ من حبٍّ وخوفٍ، ورجاءٍ واستعانةٍ وتوكُّلٍ وإنابةٍ وخشوعٍ، وهو قِوامُ صلاحِ العبدِ وفلاحِه؛ وأنَّ تعظيمَ الله تعالى مقصِدٌ لكلِّ ما شُرع من العباداتِ القلبيةِ والبدنيةِ.
المبحث الرابع: تحقيقُ تعظيمِ حُرماتِ الله تعالى: وبيَّن فيه أنَّ تعظيمَ حُرماتِ الله فرعٌ عن تعظيمِ اللهِ سبحانه، ومَن عظَّم اللهَ تعالى عظَّم حُرماتِه.
المبحث الخامس: تحقيقُ تعظيمِ شعائرِ اللهِ تعالى: وبيَّن فيه أنَّ الشعائرَ جمعُ شعيرةٍ، وهي أعلامُ الدينِ الظاهرةِ ومعالمُه، وأوضح أنَّ أعظمَ ما تُعظَّم به شعائرُ اللهِ وأعلامُ دينِه وملَّته: إقامتُها في الحياةِ، ورفْعُ منارتِها، ودعوةُ الخليقةِ إليها، والحثُّ عليها، ودفعُ الضَّلالاتِ والافتراءِ عنها؛ ولهذا قيل في تعظيمِ شعائرِ الله: إجلالُها والقيامُ بها، وتكميلُها على أكملِ ما يَقدِرُ عليه العبدُ.
وفي الفصل الثاني تحدَّث عن معالمِ تعظيمِ النصِّ الشرعيِّ، وجعله تحت خمسةِ مباحثَ:
المبحث الأول: حِفظُ النصِّ الشرعيِّ: وأوضح فيه أنَّ الله تعالى تولَّى حِفظَ الوحيِ حالَ إنزالِه من استراقِ كلِّ شيطانٍ رجيمٍ، وبعد إنزالِه أودعه الله في قلبِ رَسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم، واستودعه فيه، ثمَّ في قلوب أمَّته، وحَفِظ اللهُ ألفاظَه من التغييرِ فيه والزيادةِ والنقصِ، ثم كان حِفظُ سلفِ الأمةِ للنصِّ الشرعيِّ على نوعينِ: حفظِ صدورٍ، وحفظِ سطورٍ.
المبحث الثاني: توقيرُ النصِّ الشرعيِّ: وأشار المؤلِّفُ إلى أنَّ المقصودَ بتوقير النصِّ الشرعيِّ: التعظيمُ العمليُّ المتمثِّلُ في احترام النصِّ الشرعيِّ، والوقوفُ عند مُقتضاه، وعدمُ التقدُّمِ بين يديه بقولٍ أو فعلٍ، وقد كانت حياةُ سلفِنا الصالحِ تعظيمًا عمليًّا للنصِّ الشرعيِّ، وتوقيرًا صادقًا بتحكيمِه في شتى جوانبِ الحياةِ.
المبحث الثالث: نُصرةُ النصِّ الشرعيِّ: وفيه بيَّن موقِفَ سلَفِنا الصالحِ في الذَّبِّ عن النصِّ الشرعيِّ ونُصرتِه ضدَّ خصومِه، وذكَر من أبرزِ مواقفِهم ردَّهم على بدعةِ المعتزلةِ القائلةِ بخلقِ القرآنِ، وردَّهم على مقولةِ الرافضةِ بتحريفِ القرآنِ ونقصِه، وكذا مذهب المعتزلةِ في إقصاء السنَّة عمومًا، وعدمِ الاحتجاجِ بأخبار الآحادِ في العقائدِ خصوصًا. وغيرها من المذاهبِ الباطلةِ.
المبحث الرابع: فهمُ النصِّ الشرعيِّ: وبيَّن فيه أنَّ سلفَنا الكرامَ كانوا شديدي العنايةِ بفهمِ النصوصِ الشرعيةِ، والغوصِ في أعماقِ معانيها، يقودُهم في ذلك تعظيمُهم للنصوصِ الشرعيةِ، وإجلالُهم لمكانتِها، وأنَّ هذا المَعلَمَ من معالمِ التعظيمِ للنصِّ الشرعيِّ لدى السلفِ تندرجُ فيه كلُّ جهودِهم العلميةِ المرويةِ والمصنَّفة في فهمِ الكتابِ والسنَّةِ.
المبحث الخامس: خدمةُ النصِّ الشرعيِّ: وذكر فيه تفانيَ سلفِنا الصالحِ في خدمةِ النصِّ الشرعيِّ خدمةً علميةً من كل وجهٍ، ويشملُ ذلك حِفظَه ونشرَه، وتيسيرَ تناولِه، وتقريبَ أخذِه، وقد أثمر ذلك علومَ القرآنِ وعلومَ الحديثِ، وفي كلٍّ منهما من فنونِ العلمِ وتفاريعِه ما يخدُمُ النصَّ الشرعيَّ بمختلِفِ الوجوهِ.
ثمَّ كانت الخاتمةُ، وذكر فيها موجَزَ ما اشتمل عليه البحثُ.
التعليقات