محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله المرحوم
أولاً: الدعوة لغةً:
مشتقة من الفعل الثلاثي دعا يدعو دعوة، والاسم: الدعوة، والقائم بها يسمى داعية، والجمع: دعاة.
ولكلمة الدعوة في اللغة عدة معان:
النداء، والطلب، والتجمع، والدعاء، والسؤال، والاستمالة.
قال الزمخشري: دعوت فلاناً وبفلان ناديته وصحت به[1].
وقال الرازي: و الدَّعوة إلى الطعام بالفتح يقال: كنا في دعوة فلان و مدعاة فلان وهو مصدر والمراد بهما: الدعاء إلى الطعام.
والدِّعوة بالكسر في النسب و الدعوى أيضاً هذا أكثر كلام العرب وعدي الرباب يفتحون الدال في النسب ويكسرونها في الطعام.
والدِّعي من تبنيته ومنه قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ﴾ [الأحزاب: 4] [2].
وادعى عليه كذا والاسم: الدعوى و تداعت الحيطان للخراب تهادمت.
ودعاه صاح به و استدعاه أيضاً و دعوت الله له وعليه أدعوه دعاء.
والدعوة المرة الواحدة والدعاء أيضاً واحد الأدعية وتقول للمرأة أنت تدعين وتدعوين وتدعين بإشمام العين الضمة وللجماعة أنتن تدعون مثل الرجال سواء وداعية اللبن ما يترك في الضرع ليدعو ما بعده.
وفي الحديث: "دع داعي اللبن"[3] [4].
وقال ابن منظور: الدعوة: المرة الواحدة من الدعاء ومنه الحديث: "فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"[5]، أي تحوطهم وتكنفهم وتحفظهم يريد أهل السنة دون البدعة. والدعاء: واحد الأدعية، وأصله دعاو لأنه من دعوت، إلا أن الواو لما جاءت بعد الألف همزت... ودعا الرجل دعوا ودعاء: ناداه، والاسم: الدعوة. و دعوت فلاناً أي صحت به واستدعيته...
والدعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، وأحدهم داع. ورجل داعية إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين، أدخلت الهاء فيه للمبالغة[6].
وقال الزبيدي: (الدّعاءُ)، بالضّمِّ مَمدوداً؛ (الرَّغبَةُ إلى اللّهِ تعالى) فيما عندَه من الخيرِ والابْتهال إليه بالسّؤَالِ؛ومنه قوْله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55] [7].
(دعا) يَدْعو (دعاءً ودَعوَى)؛ وأَلِفها للتَّأْنيثِ.
وقالَ ابنُ فارسَ: وبعضُ العرَبِ يُؤَنّثُ الدّعْوَة بالأَلفِ فيقولُ الدّعْوَى.
ومن دعائهم: اللهمَّ أَشْركْنا في دعْوَى المُسلمين، أي في دُعائهم، ومنه قولُه تعالى: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10] [8] [9].
ثانياً: الدعوة اصطلاحاً:
كلمة الدعوة من الألفاظ المشتركة، فإنه يراد بها في الغالب معنيان:
الأول: الدعوة بمعنى الإسلام أو الرسالة.
الثاني: الدعوة بمعنى عملية نشر الإسلام وتبليغ الرسالة.
وعلى المعنى الأول: (الدعوة بمعنى الإسلام أو الرسالة) جاءت تعريفات اصطلاحية كثيرة، ومنها:
قيل: هي دين الله الذي بعث به الأنبياء - عليهم الصلاة و السلام - جميعاً، تجدد على يد محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين، كاملاً وافياً لصلاح الدنيا والآخرة.
وقيل: هي دين الله الذي ارتضاه للعالمين؛ تمكيناً لخلافتهم، وتيسيراً لضرورتهم، ووفاءً بحقوقهم، ورعايةً لشؤونهم، وحمايةً لوحدتهم، وتكريماً لإنسانيتهم، وإشاعة للحق والعدل فيما بينهم.
وقيل: هي الضوابط الكاملة للسلوك الإنساني، وتقرير الحقوق والواجبات.
وهي قبل ذلك وبعده: الاعتراف بالخالق، والبر بالمخلوق[10].
وقيل: هي نداء الحق للخلق؛ ليوحدوا المعبود، ويعبدوا الواحد، حنفاء لله غير مشركين به، متبعين غير مبتدعين [11].
وأما على المعنى الثاني: (الدعوة بمعنى عملية نشر وتبليغ الإسلام) فجاءت أيضاً على تعريفات كثيرة، ومنها:
عرَّفها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - بقوله الدعوة إلى الله: هي الدعوة إلى الإيمان به وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه[12].
وقيل: هي تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه إياهم، وتطبيقه في واقع الحياة[13].
وقيل: هي الحث على فعل الخير واجتناب الشر والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتحبيب بالفضيلة، والتنفير من الرذيلة واتباع الحق ونبذ الباطل[14].
وقيل: هي الدعوة إلى توحيد الله، والإقرار بالشهادتين، وتنفيذ منهج الله في الارض قولاً وعملاً، كما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ ليكون الدين كله لله[15].
وقيل: هي قيام من له أهليه، بدعوة الناس جميعاً، في كل زمان ومكان، لاقتفاء أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والتأسي به، قولاً وعملاً وسلوكاً[16].
وقيل: هي إبلاغ الناس دعوة الإسلام، في كل زمان ومكان، بالأساليب والوسائل، التي تتناسب مع أحوال المدعوين[17].
وقيل: هي فن يبحث في الكيفيات المناسبة، التي يجذب بها الآخرين إلى الإسلام أو يحافظ على دينهم بواسطتها[18].
وقيل: هي إنقاذ الناس من ضلالة أو شر واقع بهم، وتحذيرهم من أمر يخشى عليهم الوقوع في بأسه([19].
وقيل: هي عملية إحياء لنظام ما؛ لتنتقل الأمة بها من محيط إلى محيط[20].
وقيل: هي قيام الداعية المؤهل بإيصال دين الاسلام إلى الناس كافة، وفق المنهج القويم، وبما يتناسب مع أصناف المدعوين، ويلائم أحوال وظروف المخاطبين في كل زمان ومكان[21].
وهذه التعاريف لا منافاة بينها، فليست من باب اختلاف التضاد، لكنها من باب اختلاف التنوع، فكل تعريف للدعوة من هذه التعاريف عني بجانب من جوانب الدعوة وركز عليه[22].
والباحث هنا أراد المعنى الثاني وهو (عملية النشر والتبليغ)؛ لصلته الوثيقة بمقصد البحث.
[1] أساس البلاغة، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري، 1/ 189، ط 1399هـ / 1979م، دار الفكر.
[2] سورة الأحزاب، آية: 4.
[3] الأحاديث المختارة، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، 8/ 91، ط1، 1410هـ، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة. اسناده صحيح
[4] مختار الصحاح: الرازي، 1 / 86.
[5] المستدرك على الصحيحين، الحاكم، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، 1/ 162.
[6] لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، 14/ 258-259، ط1، دار صادر، بيروت.
[7] سورة الأعراف، آية: 55.
[8] سورة يونس، آية: 10.
[9] تاج العروس من جواهر القاموس: محمد الحسيني الزبيدي، 38/ 47.
[10] الدعوة الاسلامية دعوة عالمية، محمد عبدالرحمن الراوي، ص: 11-12، ط 1965م، الدار القومية للطباعة والنشر.
[11] التخطيط للدعوة الإسلامية وأهميته، عبد رب النبي علي أبو السعود، ص: 19، ط1، 1412هـ / 1992م، دار التوفيق النموذجية للطباعة، القاهرة.
[12] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أبو العباس أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، 15/ 157-158، ط2، مكتبة ابن تيمية.
[13] المدخل إلى علم الدعوة، محمد البيانوني، ص: 17.
[14] مرشد الدعاة، محمد نمر الخطيب، ص: 24، ط1، 1401هـ / 1981م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
[15] الدعوة الى الله " الرسالة - الوسيلة - الهدف "، توفيق الواعي، ص: 19، ط1، 1406هـ / 1986م، مكتبة الفلاح، الكويت.
[16] الدعوة إلى الله في سورة إبراهيم الخليل، محمد بن سيدي بن الحبيب، ص: 27، ط1، 1406هـ، دار الوفاء، جدة.
[17] مستلزمات الدعوة في العصر الحاضر، علي صالح المرشد، ص: 21، ط1، 1409هـ / 1989م، مكتبة لينه، دمنهور، مصر.
[18] الدعوة والإنسان، عبد الله يوسف الشاذلي، ص: 39، ط1، المكتبة القومية الحديثة، طنطا.
[19] الدعوة إلى الإصلاح، محمد الخضر حسين، ص: 17، ط1، 1346هـ، المطبعة السلفية، القاهرة.
[20] الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها، رؤوف شلبي، ص: 32، ط3، 1402هـ/ 1982م، دار القلم، الكويت.
[21] الأسس العلمية لمنهج الدعوة الاسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص: 49.
[22] نصوص الدعوة في القرآن الكريم، حمد ناصر عبد الرحمن العمار، ص: 18، ط2، 1422هـ/ 2002م، دار إشبيليا، الرياض، السعودية.
التعليقات