عناصر الخطبة
1/موقف التأمل والاتعاظ 2/الابتلاء بالخير والشر 3/الإيمان بالبعث والنشور 4/قصر عمر الدنيا والإنساناهداف الخطبة
اقتباس
تذكروا وأنتم تستروحون عبير هذه الزهور، وتنظرون إلى هذه الرياض الخضرة التي أخذت زينتها وأنبتت من كل زوج بهيج؛ -أنها غداً عندما تحرقها الشمس وتصبح هشيماً تذروه الرياح أنها -واقعياً- دليل ونذير يواجه شيوخكم وشبابكم، وكأنه يقول: انظروا إلى وجوهكم الناضرة اليوم كنضارة هذه النباتات المختلفة، وإلى أرواحكم المتفتحة بتطلعاتها وآمالها الطويلة كتفتح براعم وزهور هذه النباتات ..
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سـبأ:1-2].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول الله جل جلاله وتقدست أسماؤه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصلت:39]
أيها الأخوة المؤمنون: لقد أنعم الله علينا بنعم كبرى، وأنواع من الخيرات العظمى، ومن بين تلكم النعم توالي فضله وكرمه بتتابع الأمطار، وتزين الأرض بأنواع النباتات المختلفة، وتجددها وازدهارها بما يبهج النفوس، ويسر الناظرين.
وإن المسلم الواعي للأحداث، المتذكر المتعظ بما يذكر ويوعظ به قولياً أو عملياً؛ ليقف مع كل حادثة -تجدد نعمة، أو إزالة نقمة- موقف المتأمل المتعظ الحذر، لا موقف من ينسى ذنوبه وتقصيره، ويفسر النعم بأنها أثر من آثار الطاعة لله والاستجابة له فحسب؛ فقد لا يكون الأمر كذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يبتلي بالخير كما يبتلي بالشر.
يقول سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء:35] ويقول: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً) [الجـن:16-17] ويقول: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون:55-56]
بل المسلم يقف مع هذه الأمور لينظر في آلاء الله وآياته، وسننه الكونية نظر واعتبار من أثنى الله عليهم سبحانه بقوله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة:164] ويقول: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [قّ:7-8]
وإنني بهذه المناسبة أذكركم بأن تكثروا تذكر ما أوجبه الله علينا من الإيمان بالبعث، وما وراءه من حساب وثواب وعقاب؛ حتى لا ينهلوا، أو نتمادى في الحياة تمادياً يلهينا عن ذلك أو ينقص استعدادنا له، فالله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك، وندبنا إليه، وأقام عليه من البراهين السمعية والعقلية ما يجعل ذوي الفطر السليمة تتجاوب معها تقبلاً وإيماناً وعملاً.
تذكروا وأنتم تستروحون عبير هذه الزهور، وتنظرون إلى هذه الرياض الخضرة التي أخذت زينتها وأنبتت من كل زوج بهيج؛ -أنها غداً عندما تحرقها الشمس وتصبح هشيماً تذروه الرياح أنها -واقعياً- دليل ونذير يواجه شيوخكم وشبابكم، وكأنه يقول: انظروا إلى وجوهكم الناضرة اليوم كنضارة هذه النباتات المختلفة، وإلى أرواحكم المتفتحة بتطلعاتها وآمالها الطويلة كتفتح براعم وزهور هذه النباتات؛ إنها ستذبل وتنتهي وتعود إلى أمها الأولى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طـه:55]
يقول سبحانه وتعالى مبيناً قصر عمر الدنيا العام، وقصر عمر الإنسان فيها الخاص: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس:24]
ويقول: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:45-46]
فاتّقوا الله -عباد الله-:، وتذكروا واتعظوا بما تذكرون وتوعظون به، يقول سبحانه وتعالى: (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) [الفرقان:49-50]
التعليقات