عناصر الخطبة
1/ أهمية الحديث عن تربية البنات 2/ فضل تربية البنات 3/ من أخطاء الآباء في تربية البنات 4/ قصة مؤثرة
اهداف الخطبة

اقتباس

نحتاج إلى أن نسلط الأضواء على تربية البنات؛ لأن بنات اليوم أمهات الغد، فإذا أحسنّا اليوم تربيتهن وتدريبهن فإننا نكون قد أعددنا جيلاً من البنات الصالحات المهيئات لتربية أبنائهن وقيادة بيوتهن؛ يقول الله في كتابه الكريم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ).

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

عباد الله: نريد في هذه الجمعة المباركة أن نسلط الأضواء على تربية البنات؛ لأن من الآباء من يرمي بتربية البنات على عاتق الأم ويظن أنه مسؤول عن البنين ولا علاقة له بالبنات، وينسى أن تربية البنات عملية مشتركة بين الأب والأم، فإن البنت محتاجة في طفولتها إلى تربية أمها أكثر من أبيها، لكنها في مرحلة المراهقة محتاجة إلى تربية أبيها أكثر من أمها.

 

نحتاج إلى أن نسلط الأضواء على تربية البنات؛ لأن بنات اليوم أمهات الغد، فإذا أحسنّا اليوم تربيتهن وتدريبهن فإننا نكون قد أعددنا جيلاً من البنات الصالحات المهيئات لتربية أبنائهن وقيادة بيوتهن؛ يقول الله في كتابه الكريم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ)، ورحم الله من قال:

 

وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه

 

نحتاج إلى أن نسلط الأضواء على تربية البنات؛ لأن عدد البنات اليوم أكثر بكثير من عدد البنين، وصدق الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنى وتشرب الخمر ويكثر النساء ويقل الرجال...".

 

نحتاج إلى أن نسلط الأضواء على تربية البنات لأننا نرى الوضع المخزي والحالة المزرية التي وصلت إليها بعض بنات المسلمين من ترك للصلاة واختلاط بالرجال وخروج من البيوت لغير حاجة، ولا شك أن هذا إنما نشأ من الإهمال في التربية، ولا سبيل لعلاج ذلك إلا بتربية البنات تربية صالحة توافق قواعد الشرع المطهر؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع".

 

نحتاج إلى أن نسلط الأضواء على تربية البنات؛ لأنهن يتعرضن من أعداء الإسلام إلى حملة شعواء تستهدف عفتهن وطهارتهن وأخلاقهن، ويحاولون إغراءهن بالمغريات المغلفة وإغراقهن في الشكليات المزيفة، وإذا لم يجدن توجيهاً متواصلاً من أهلهن فإن العواقب ستكون وخيمة.

 

عباد الله: يقول الله في كتابه العظيم: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "من ابْتُليَ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار".

 

تأملوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ابْتُليَ من هذه البنات بشيء"، فإن فيه إشارة من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن تربية البنات ابتلاء وامتحان واختبار يحتاج إلى صبر ومصابرة وجهد ومجاهدة وإحسان وإتقان؛ حتى تنشأ البنت على منهج الرحمن، فمن ربى بناته على منهج الرحمن فإن جزاءه جنة الرضوان والوقاية من النيران: "كن له ستراً من النار"، ويقول -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح الإمام مسلم: "من عال جاريتين -أي بنتين- حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين". وضم أصابعه.

 

تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن الله قد أوجب لها بهما الجنة، أو أعتقها بهما من النار". رواه مسلم.

 

عباد الله: يجب على الأب المربي أن يربي ابنته منذ الصغر على الطاعة، وأن يحبب إليها الإيمان ويزينه في قلبها، ويكرّه إليها الكفر والفسوق والعصيان؛ يقول الله عن لقمان: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير * وإن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).

 

فمن الخطأ الكبير أن يضيع الأب الصلاة وأبناؤه ينظرون إليه، أو يكذب أو يلعن وهم يستمعون إليه، أو يشتري الملابس القصيرة أو الشفافة لبناته فيعودهن منذ الصغر على السفور ويضعف في قلوبهن هيبة الحجاب والستر؛ يقول الله: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).

 

من الخطأ الكبير أن يقسو الأب على بناته؛ فإن البنات ضعيفات وعاطفيات، وهن بحاجة ماسة إلى سماع كلمات الرفق والتقدير والحنان من أبيهن؛ اسمعوا إلى تعامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع بناته في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني أن فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت إذا دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- قام إليها فأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها.

 

وروى البخاري ومسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها".

 

فما أجملها من أخلاق!! وما أعظمه من أدب!! فأين نحن من التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

 

إن هذا الحنان والعطف يملأ قلب الفتاة بالحب، ويُشبع نفسيتها بالأمان، وحين يقصّر الأب في ذلك وتشعر البنت أنها فقدت الأمان عند أبيها وإخوانها فإنها ستخدع بمعسول الكلام، وتتلقفها الأيادي الكاذبة الماكرة الخادعة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

 

من الخطأ أيضاً أن يعطي الأب لابنته حرية زائدة وثقة مطلقة، فيتركها تذهب حيث تشاء، وتخرج متى تشاء وتدخل إلى البيت حين تشاء، بزعم أنه يثق فيها وفي أفعالها، وينسى أننا في زمن الفتن والماديات وكثرة المغريات وقلة الروحانيات.

 

من الخطأ أيضاً أن يهتم الأب بتعليم ابنته التعليم المدرسي ويفرّط في التعليم الديني -التعليم الشرعي-، فتنشأ البنت وتكبر وهي لا تحفظ شيئًا من كتاب الله، ولا تعرف كثيراً من أحكام الصلاة والحيض والنفاس وغير ذلك من الأحكام التفصيلية التي تحتاجها المرأة في حياتها، فتجدها في مسائل العلوم والرياضيات من أذكى البنات، لكنها في مسائل الطهارة والصلاة لا تستطيع أن تفتي نفسها، ولا شك أن هذا من الغفلة التي قال الله عنها: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).

 

فيجب على الوالدين أن يعلموا البنت إذا صارت في سن المراهقة أحكام البلوغ وأحكام الحيض، أو يلحقوها بالمراكز النسوية والحلقات الشرعية التي تقام للبنات لتتعلم أحكام دينها ومسائل فقهها.

 

من الخطأ الكبير أيضاً أن يزوجها فاسقاً أو عاصياً، أو يزوجها رجلاً بغير إذنها، أو يؤخّر زواجها إذا جاءها من يرضى دينه وخلقه بحجة إكمال الدراسة أو الحصول على وظيفة، فتبلغ البنت من السن عتياً، ويزهد فيها الشيوخ والكبار فضلاً عن الشباب الصغار ووالدها لا يزال متعنتاً لا يريد أن يزوجها إلا عندما تتحقق الشروط التي وضعها أو المهر الذي طلبه، فيا ترى ماذا سيكون موقف هذه البنت من تعنت أبيها في أمر زواجها؟!

 

أبي كنتُ يوماً أعيش الحنـان *** وأحمـل حُلماً بقلبي الصغـيرْ

كبرتُ وتاهت بيَ الأمنيـات *** وأبصرتُ عمري أمـامي يطيرْ

سجنتَ فؤادي بحصنٍ منيـعٍ *** وقطّعتَ دوني جميعَ الجسـورْ

إذا جاء شخصٌ يريد زواجي *** تهيجُ جنوناً وتُبـدي النفـورْ

فهـذا كبـيرٌ وذاك صغـيرٌ *** وهـذا طـويلٌ وذاك قصـيرْ

فماذا عـسى أن تقـولَ إذا *** ما بُعثـتَ إلى الله يوم النشورْ

 

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، قالوا: يا رسول الله: وإن كان فيه؟! قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه". ثلاث مرات.

 

يقول الله -جل جلاله-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله القائل: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ)، فبدأ بذكر الإناث قبل الذكور.

 

والصلاة والسلام على رسول الله...

 

عباد الله: ينبغي على الآباء أن يكثروا من الدعاء لأبنائهم بالهداية والصلاح؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن دعوة الوالد لولده دعوة مستجابة.

 

وأخبر الله عن زكريا -عليه السلام- فقال: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)، ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

 

أيها الآباء: إن مسؤوليتكم تجاه بناتكم عظيمة، فكم من صالحة أنشأت جيلاً عظيماً كانت نتاج تربية صالحة وغراس أب عظيم صالح، واسمعوا إلى هذه القصة العجيبة.

 

كان ثابت يسير بجانب بستان، فوجد تفاحة ملقاة على الأرض، فتناول التفاحة، وأكلها ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه، فأخذ يلوم نفسه ويعاتبها، فقرر أن يلتقي بصاحب البستان ليسامحه في هذه التفاحة أو يدفع له ثمنها، فذهب ثابت إلى صاحب البستان وحدثه بالأمر، فاندهش صاحب البستان من ورع ثابت وأمانته. فقال له: ما اسمك؟! قال: ثابت، قال: يا ثابت: لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط، أن تتزوج ابنتي، واعلم أنها خرساء عمياء صماء مشلولة.

 

فوازى ثابت بين عذاب الدنيا وبين عذاب الآخرة، فوجد أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فوافق على الزواج من تلك الفتاة، فلما دخل عليها وجدها في غاية الروعة والجمال والعلم والتقى، فاستغرب كثيرًا، لماذا وصفها أبوها بأنها صماء عمياء خرساء مشلولة؟!

 

فلما سألها قالت: إنها عمياء عن رؤية الحرام، صماء عن سماع ما يغضب الله، مشلولة عن السير في طريق الحرام، فكان ثمرة هذا الزواج المبارك أن أنجبت تلك الفتاة لثابت الإمام الكبير والعالم النحرير: النعمان بن ثابت، المشهور بأبي حنيفة، صاحب المذهب المشهور مذهب أبي حنيفة -رحمه الله رحمة واسعة-.

 

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

 

 

 

 

المرفقات
تربية البنات2.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life