عناصر الخطبة
1/استقبال مواسم الطاعات بالاستغفار والتوبة 2/اغتنام شهر شعبان 3/كثرة الصيام في شهر شعبان 4/التواصل وترك الشحناء والتباغض.اقتباس
فَتَغَانَم صِحَّتَكَ وَفَرَاغَكَ وأكثِر من تِلاوةِ كِتابِ رَبِّكَ, فَوَاللهِ لَيسَ شَيءٌ أنفعَ لَكَ فِي مَعَاشِكَ وَمَعَادِكَ وَأَقْرَبَ إلى نَجَاتكَ وسَعَادَتِكَ مِن تَلاوةِ وتدبُّرِ كِتَابِ ربِّكَ، وَهَلْ يُعذرُ أَحَدٌ مِنَّا فِي زَمنِ التَّقنياتِ والصَّوتياتِ والمرئيَّاتِ عن تِلاوتِهِ؟!
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
عبادَ اللهِ: لَو حَدَّثْتُكُم عَن رَمضانَ, لَقُلْتُم أَينَ نَحنُ وإيَّاهُ؟ فَمِنْ تَعْظِيمِ اللهِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ, أَنْ هَيَّأَ قَبلَهُ شَهْرَ شَعبَانَ, وَلَهُ من الحَفَاوَةِ وَالعَمَلِ عندَ رَسولِنا -صلى الله عليه وسلم- ما يفُوقُ المَقَالَ؛ فَلْنُكْرِمْ سَفِيرَ حَبِيبِنا، فَمِن حَقِّ رَمَضَانَ عَلينَا أَنْ نَصِلَ قَرِيبَهُ وَسَفِيرَهُ، وَخَيرُ مَا يُسْتَقْبَلُ بِهِ مَوسِمُ الطَّاعَةِ هُوَ كَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ, فَمَا أَلْزَمَ عَبْدٌ قَلْبَهُ الاسْتِغْفَارَ إلَّا زَكى, وَهُوَ الأَمَانُ البَاقِيَ لَنَا بَعْدَ رَسُولِنَا -صلى الله عليه وسلم- فَهَنِيئًا لِلْمُسْتَغْفِرِينَ.
أَيُّهَا المُباركُ: مِنْ جُمْلَةِ الوَصَايَا النَّبويةِ قَولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ"، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ"(متفقٌ عَلَيْهِ).
فَتَغَانَم صِحَّتَكَ وَفَرَاغَكَ وأكثِر من تِلاوةِ كِتابِ رَبِّكَ, فَوَاللهِ لَيسَ شَيءٌ أنفعَ لَكَ فِي مَعَاشِكَ وَمَعَادِكَ وَأَقْرَبَ إلى نَجَاتكَ وسَعَادَتِكَ مِن تَلاوةِ وتدبُّرِ كِتَابِ ربِّكَ، وَهَلْ يُعذرُ أَحَدٌ مِنَّا فِي زَمنِ التَّقنياتِ والصَّوتياتِ والمرئيَّاتِ عن تِلاوتِهِ؟!
فَاظْفَرْ وَلَو بِخَتْمَتَينِ قَبلَ شَهْرِ رَمَضَانَ, وَمَا أَدَقَّ فَهْمَ السَلَفِ وَأَحْرَصَهُمْ على تَحقيقِ التَّقوى والإيمانِ! فَقَدْ قَاَل أَنسُ بنُ مالكٍ -رضي الله عنهما-: "كانَ المُسلِمُون إذا دَخَلَ شَعبَانُ أَكَبُّوا على المَصَاحِفِ فَقَرَءُوهَا, وَأَخَرجُوا زَكاةَ أَموالِهم؛ تَقوِيَةً لِضَعِفِيهم على الصَّومِ".
وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيلٍ: كَان يُقَالُ: "شَهرُ شَعبَانَ شَهرُ القُرآنِ". عَن أَبِي مُوسى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ: لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ".
فاللهمَّ انفعنا وارفعنا بالقرآنِ العظيمِ, وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَتْلُوهُ حَقَّ تِلاوَتِه. وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِلمُسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍّ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ الذي فَضَّلَ شَهْرَاً عَلى شَهرٍ، أَشهدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وحده لا شريكَ لَه، يَعلَمُ السِّرَ والجَهْرَ. وأَشهدُ أنَّ نبِيَّنا مُحمَّداً دَائِمُ العَمَلِ والِبشْرِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه, وَعلى آلِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم إلى يَومِ المَقَرّ.
أمَّا بعدُ: فَأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بِتَقوى اللهِ -تعالى-.
يا مُؤمِنُونَ: مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ, أَنْ هَيَّأَ قَبلَهُ شَهْرَ شَعبَانَ؛ فَلَقَدْ كَانَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم- يحثُّ المُسْلِمِينَ إلى زِيَادَةِ العمَلِ فيه! قَالَتْ أُمُّنَا عَائِشَةُ -رَضِي اللهُ عنها-: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ شَعبَانَ، حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلاَّ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيتُهُ فِي شَهْرٍ أَكثرَ صِيَامَاً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ".
وَعَن أُسَامَة بْنَ زَيْدٍ -رَضِي اللهُ عنهما- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
فَاحْرِصُوا وَلَو على الاثنَينِ والخَمِيسِ والبِيضِ, وحُثُّوا أَبنَاءَكَم وَدَرِّبُوهم عليهِ؛ حتى لا يُصابُوا بِتَعَبٍ فِي رَمَضَانَ. وَلْتَبْشِرْ بِالأجْرِ الوَفِيرِ, فَنَبِيُّا -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْماً في سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً" (متفقٌ عَلَيْهِ).
عِبَادَ اللهِ: ومِمَّا يَنبَغي أنْ نَتواصى بِهِ هَذِهِ الأيَّامَ أنْ نُعَوِّد أنفُسَنَا على قِيامِ الَّليلِ, ولو أنْ نَبدأَ بِثَلاثِ ركَعاتٍ, ثُمَّ بِخَمْسٍ، وَهَكَذَا, حتى نَنْشَطَ عليه لِرَمَضَانَ.
يَا مُؤمنونَ: ومِمَّا يُؤكَّدُ عليهِ في شَعبَانَ صِلَةُ الأرحامِ, وتركُ التَّشَاحُنِ والبَغضَاءِ, وَمَن كَانَ عليه أيَّامٌ مِن رَمَضانَ المَاضي فَليُبَادِر بِقَضَائِها مِن الآن, وَذَكِّروا أهْلَ بَيْتِكُمْ وَتَفَقَّدُوهُمْ بالسُّؤالِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
التعليقات