عناصر الخطبة
1/أعظم حق من حقوق الله – تعالى - 2/التحذير من الشرك 3/لماذا بعث الله الرسل 4/جمع الله في النَّار بين الضَّالّ ومن أضَلَّه 5/مفاسد الشرك 6/الحث على التوبة من الشركاهداف الخطبة
اقتباس
إنَّ الله -تعالى- بعث في كلّ أمّة رسولاً يبلّغُ الوحيَ ويبيّن حدود الدّين وينهى قومه عن الشرك والفحشاءِ والمنكر، وإنَّ الله -تعالى- قد بعث النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فبلَّغ الوحي، وبيَّن حدودَ الشريعة، ونهانا عن الشرك والفحشاء والمنكر، وإنَّ خيرَ الهدى هُدى محمَّد-صلى الله عليه وسلم-، وقد بيَّن العلماءُ ورثةُ الأنبياء جميعَ ذلك، فمن رضيَ بدينه وشريعته فله الرّضى، ومن سخطَ فقد حقَّت...
إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلّ له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشِدَا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ينطقُ بها لساني، ويؤمنُ بها جَنانِي، وتعيشُ في سبيلها جوارِحي و أركاني، شهادةً لا لغوَ في مقالها، ولا انفصال لاتّصالِها، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبد الله ورسوله، أرسله اللهُ على حين فترةٍ من الرُّسل، فأقامَ به الملّة وأرسَاها، وأوضحَ به الشّرعةَ وجلاّها، صلى الله عليه وعلى آله آناءَ الليل وأطراف النّهار، وصحبِهِ الطيّبين الأخيار، ومن تبِعَهُم بإحسانٍ وسلّم.
ثم أما بعد:
معشر الأحباب: أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته، والقيام بعبادته وشُكره، وفي إطار تجديدِ التوحيدِ والإيمانِ في القلوب، والقيامِ بحقّ الله علاّم الغيوب، نذكّر كعادتنا النفوسَ والقلوب والعقول بأعظمِ حقٍّ للهِ - تعالى- حتّى إذا قُمنا به، وسألنا اللهَ حقوقنا أعطانا، وكفانا سبحانه وهدانا، فنستفتحُ بالذي هو خير؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ)[الزمر: 64-66].
أيها الإخوةُ في الله: ليس هناك من مخلوق هو أتقى لله -تعالى- وأقربَ إلى الله -عز وجل- من نبيّنا محمَّد -صلى الله عليه وسلم-، فهو خيرُ الخلق وأتقاهم وأزكاهم، ولو صحَّ أن يُقبلَ الدِّينُ والإحسانُ من محسن مع التلبُّس بالشرك بالله -تعالى- لقُبِلَ ذلك من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، ومع ذلك فقد سمعتم قول الله -تعالى- ووصيَّتَهُ للمصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِك- من الأنبياء والمرسلين- لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِين* بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِين).
وعلمتم قول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[النساء: 48].
وقولَ الله -تعالى-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)[المائدة: 72].
من هنا -معشر المؤمنين-: وجب على كل مسلم أن يتعلم حقيقة العبادة ليصرفها لله وحده لا شريك له، ويسألَ عن مظاهرِ الشرك بالله -تعالى- ليحذَرَها ويُحذّر المسلمين منها، ووجب على المسلم أن لا يغترَّ بعد ذلك بالدجَّالين والمشعوذين والسَّحرة الذين باعوا دينهم وآخرتهم بدنياهم، يعبدون الشيطان، ويتمسَّحون بالقبور والأوثان، يستحلون الفواحش والآثام، وينتهكون الحرام، ويأكلون أموال الناس بالزور والبهتان! على مشهد من الخاص والعام!.
ومع ذلك، ومع وضوح حَالِهِم، وانقطاع حِبالِهم، وافتضاح مُحَالِهِم لا تزال بقيَّةٌ من الأغفال تصرفُ لهم أموالها، وتشدُّ إليهم رحالها، وتجمعُ عندهم حَلَالَها، إغراقًا في هدم الدّين، ونقضًا لأصول الشريعة، -فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله-!.
معشر المؤمنين: هذه وصيَّةٌ وتعليمٌ وتذكير، والذكرى تنفع المؤمنين، قبل أن تُقبضَ الأرواح، ويُحالَ بين المرء وقلبه.
إنَّ الله -تعالى- بعث في كلّ أمّة رسولاً يبلّغُ الوحيَ ويبيّن حدود الدّين وينهى قومه عن الشرك والفحشاءِ والمنكر، وإنَّ الله -تعالى- قد بعث النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فبلَّغ الوحي، وبيَّن حدودَ الشريعة، ونهانا عن الشرك والفحشاء والمنكر، وإنَّ خيرَ الهدى هُدى محمَّد-صلى الله عليه وسلم-، وقد بيَّن العلماءُ ورثةُ الأنبياء جميعَ ذلك، فمن رضيَ بدينه وشريعته فله الرّضى، ومن سخطَ فقد حقَّت عليه العمايةُ والضَّلالة، -نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى-، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين)[النحل: 36].
معشر المؤمنين: لماذا الضَّلالةُ بعد الهدى؟! ولماذا العمى بعد النور؟!
أليس الدّينُ قد بيَّن الحقَّ من الباطل، والهدى من الضَّلال، والشرك من التوحيد؟! فلماذا لا نصرفُ في تعلَّمِ التوحيد والإيمان نصف ما نصرفه في شهواتنا من الأموال والأوقات؟!
أليسَ الدّينُ قد بيَّن صفاتِ أولياءِ الرحمن وفضحَ أولياءَ الشيطان؟!
فلماذا نهدِمُ الدّين، ونَنقُضُ أصول الشريعة؟! -نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى-.
إنَّ اللهَ -تعالى- سيجمعُ في النَّار بين الضَّالّ ومن أضَلَّه، وبين الفاسد ومن أفسَدَه، ولن تنفعَ التَّابعَ الجاهلَ أنَّه أطاع المتبوعَ فأضَلَّهُ السَّبيل، فالكلُّ عند الله سواء، ولأنَّ الجميع مفرّطون؛ قال الله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ * قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُون)[الأعراف: 37-38].
وقال تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ابراهيم: 21-22].
نعوذ بالله من الحور بعد الكور والضلال بعد الهدى، ونسأل الله التوفيق لما يحبُّ ويرضى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنَّه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
معشر المؤمنين: إن صور الشِّركِ بالله -تعالى- كثيرةٌ متنوعة تحتاجُ منَّا إلى البحث والتعلّم والسؤال، قد تظهرُ في مكانٍ وتنقصُ في آخر، ولكنَّها لا تختفي بالكُليَّة، لا تمنع منها المكانةُ الاجتماعية للإنسان، ولا مستواه الثقافي، بل هي باقيةٌ مستمرَّةٌ حتى في أرقى المجتمعات والمدنيَّاتِ بسبب الجهل وحُسنُ الظَّنِّ بالنفس، واعتقادِ المسلمين بأنَّ أمرَ الشركِ ظاهرٌ واضِحٌن لا يحتاج إلى تذكيرٍ وتعليم وإضاعة أوقات، واعتبارِ من يعلِّمُ حقيقةَ التوحيدِ ويُحذِّرُ من حقيقة الشرك مُضيِّعًا للجهودِ والأوقات ومتَّهمًا للأفراد والجماعات، ولعمرُ اللهِ؛ إنَّ الشيطانَ لا يفرَحُ بمثل هذا، ذلك أنه يصدُّ العبد بذلك عن مراجعة توحيده وإيمانه، وقد يموت على شيء من الشرك بالله فيخلدُ معه في النار أبدا!.
لابدَّ أن نتعلَّم ونسأل ونبحث، فإنَّه الدّينُ الذي لا صلاح بدونه في الدنيا والآخرة!.
معشر المؤمنين: إنَّ التذكير بهذه الحقائق لا يُرادُ منه اتهام أحد من المسلمين، ولكن أذكّرُ بها نفسي وإخواني على الدّوام لنتوب إلى الله ممَّا سلف، ولنتجنبها في جميع أقوالنا وأعمالنا وتصوراتنا وتصرفاتنا، ولا ننسى أن الله -تعالى- قد أمر بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحذره من مخالفتها، فقال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ)[الزمر: 64-66].
فلأن نأخذَ نحن بهذه الوصية الربانية أولى وأحرى؟
معشر المؤمنين: إذا سلمَ للعبد توحيدُهُ لله -تعالى-، فإن الله -تعالى- يغفر له الذنوب والخطايا وإن كانت تملأ الأرض جميعا، ففي الصحيحة عن أبي ذر قال: قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله تعالى ومن عمل قُرَابَ الأرض خطيئةً ثم لقيني لا يشرِكُ بي شيئًا جعلتُ له مثلها مغفرة".
فاللهم ثبتنا على التوحيد والإيمان، ونجنا من الشرك والكفران.
نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات