عناصر الخطبة
1/معنى اسم الله \"العزيز\" 2/مقتضيات إثبات اسم الله \"العزيز\" ومستلزماته 3/السر في اقتران اسم الله \"العزيز\" باسمه \"الرحيم\" 4/معنى اسم الله \"الكبير، والمتكبر\" 5/مقتضيات إثبات اسم الله: \"الكبير، والمتكبر\" ومستلزماتهاهداف الخطبة
اقتباس
إذا علمت بأن الله -سبحانه- هو العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر، فإنك حينئذ تكون شجاعا في الحق، لا تخشى في الله لومة لائم، وتعلم أن الحق لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يوقفوه أو يمنعوه، لم يستطيعوا إلا بإذن الله -سبحانه-. فتأمل في قصة موسى -عليه السلام-، حينما حاول فرعون أن يمنع خروجه وهو رضيع، وأمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل، ويأبى الله العزيز إلا أن يتم نوره. فيولد موسى -عليه السلام-، ويتربى في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
من أسماء الله -سبحانه-: "العزيز".
ومعنى هذا الاسم أنه سبحانه: المنيع الذي لا يُرامُ جنابه.
وهو سبحانه العزيز القاهر الذي لا يغلب ولا يُقهر.
وهو سبحانه العزيز القوي الشديد.
وهو سبحانه العزيز الذي لا يعادله شيء، ولا مثل له، ولا نظير.
قال ابن القيم -رحمه الله- في معنى اسم: "العزيز":
وهو العزيز فلن يُرامَ جنابه *** أنى يرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب لم *** يغلبه شيء هذه صفتان
وهو العزيز بقوة هي وصفه *** فالعز حينئذ ثلاث معانِ
وهي التي كملت له سبحانه *** من كل وجه عادم النقصان
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: "والله -جل وعلا- هو العزيز الذي له جميع معاني العزة؛ فهو العزيز لكمال قوته، وهذه عزة القوة، وعزة الامتناع عن مغالبة أحد وعن أن يقدر عليه أحد، أو يبلغ العباد ضره فيضروه، أو نفعه فينفعوه.
وهو العزيز عزة القهر الدال عليها اسم القهار، الذي قهر بقدرته جميع المخلوقات، ودانت له جميع الكائنات.
فنواصي العباد كلهم بيده، وتصاريف الملك وتدبيراته بيده، والملك بيده" [أ, هـ باختصار من فتح الرحيم الملك العلام، للشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- (ص25)].
فإذا علمت -يا عبد الله- بأن من أسماء الله: "العزيز"، فإنك حينئذ لا تطلب العزة إلا من الله -سبحانه-: (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ) [آل عمران: 160]. (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: 10].
ومن بحث عن العزة عند غير الله، فقد ضل ضلالا مبينا: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) [النساء: 139].
فالعزيز من أعزه الله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].
ومن أراد العزة فعليه بطاعة الله، ومع عظم الطاعة تزداد العزة، فأعز الناس هم الأنبياء، ثم الذين يلونهم من المؤمنين، المتبعين لهم.
وإذا علمت بأن الله -سبحانه- هو العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر، فإنك حينئذ تكون شجاعا في الحق، لا تخشى في الله لومة لائم، وتعلم أن الحق لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يوقفوه أو يمنعوه، لم يستطيعوا إلا بإذن الله -سبحانه-.
فتأمل في قصة موسى -عليه السلام-، حينما حاول فرعون أن يمنع خروجه وهو رضيع، وأمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل، ويأبى الله العزيز إلا أن يتم نوره.
فيولد موسى -عليه السلام-، ويتربى في حجر فرعون وقصره، حتى هلك فرعون على يد موسى -عليه السلام-.
وهكذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مكر به كفار قريش ليقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه من بلدته.
وحاولوا صد الناس عن الإيمان به وعن دعوته، وألّبوا عليه القبائل، وحرضوا اليهود والمنافقين في المدينة، ويأبى الله العزيز إلا أن يتم نوره، فانتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها[انظر: كتاب النهج الأسمى (1/139)].
فالمؤمن يكون شجاعا في الحق، قائلا به، وما عليه إلا البلاغ.
وإذا علمت بأن من أسماء الله: "العزيز"؛ فتذكر أن من أسباب العزة العفو والتواضع، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"[رواه مسلم (2588)].
فمن عفا عن شيء مع قدرته على الانتقام زاد عزة، ومن تواضع رجاء التقرب إلى الله دون غرض غيره رفعه الله عند الناس، وأجل مكانه.
واعلم -رعاك الله- أن الله -سبحانه- سمى كتابه بـ"العزيز": (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت: 41-42].
فكلامه سبحانه وتعالى عزيز محكم، لا يتطرق إليه الباطل، لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره وتبديل شيء من معانيه، ولا إلحاق ما ليس منه فيه[انظر: النهج الأسمى (1/141)].
ثم اعلم -رعاك الله-: أن كثيرا ما يقترن في القرآن اسمه: "العزيز" باسمه: "الرحيم"؛ كما في سورة الشعراء، وغيرها: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 9].
فالله -سبحانه- عزيز في رحمته، رحيم في عزته، وهذا هو الكمال، العزة مع الرحمة، والرحمة مع العزة، فهو رحيم -سبحانه- بلا ذل [انظر: النهج الأسمى (1/141)].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) [الإسراء: 110].
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
وكما أن من أسماء الله -سبحانه-: "العزيز"، فإن من أسماءه -جل وعلا-: "الكبير، والمتكبر".
الذي تكبر عن كل سوء وظلم وشر، وتكبر عن ظلم عباده.
قال ميمون بن مهران: "تكبر عن السوء والسيئات، فلا يصدر منه إلا الخيرات"[نقله ابن القيم في كتابه مختصر الصواعق المرسلة، (ص247)].
وهو جل وعلا الكبير والمتكبر، الذي كبر وعظم، فكل شيء دون جلاله صغير وحقير.
وهو -جل وعلا- الكبير الذي له جميع معاني العظمة والجلال؛ كالقوة والعزة، وكمال القدرة، وسعة العلم، وكمال المجد، وغيرها من أوصاف العظمة والكبرياء.
وهو سبحانه المتكبر، المتعالي عن صفات خلقه، المتكبر على عتاتهم.
فإذا علمت بأن الله -سبحانه- هو الكبير والمتكبر؛ فاعلم أن الله -جل وعلا- أكبر من كل شيء، بل هو سبحانه أكبر من أن نحيط به علماً: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) [طـه: 110].
ثم إذا علمت معنى هذين الاسمين العظيمين: "الكبير والمتكبر" فاعلم أن التكبر لا يليقُ إلا بالله -سبحانه-، وأن الله -سبحانه- قد توعد المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف: 20].
وقال تعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر: 60].
والكبر من الإنسان سبب للطبع على القلب، فلا يعرف القلب بعد ذلك معروفاً، ولا ينكر منكراً: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر: 35].
التعليقات