بين الصورة والحقيقة

ناصر بن محمد الأحمد

2013-09-26 - 1434/11/20
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ لكل شيء صورة وحقيقة 2/ الحقيقة أقوى من الصورة 3/ نماذج تاريخية لحقائق إسلامية 4/ الصورة لا تقاوم الشدائد والآلام 5/ الصورة تحل مكان الحقيقة وتستولي على حياة الأمة 6/ الإسلام لم يدخل المعركة بعدُ
اهداف الخطبة

اقتباس

أيها المسلمون: إن هذا العالم الذي نعيش فيه، عالم الحقيقة والأمر الواقع، وقد خلق الله كل شيء على حقيقته، فللمال حقيقة وحبه فطري طبيعي، ولأجل ذلك جاءت الشريعة ووضعت لهذا المال أحكاماً كسباً وإنفاقاً. وللأولاد حقيقة، والحنان إليهم وحبهم فطري طبيعي، ولأجل ذلك وردت الأحكام في الشرع بتربيتهم والاعتناء بهم وتعليمهم...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: كثيراً ما يخاطب الله -عز وجل- بعض عباده في كتابه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). فمن هم المقصودون بالذين آمنوا؟! ما هي صفاتهم؟! وما هي أوصافهم؟! وهل المقصود بهم سكان الجزيرة وما حولها؟! وهل لهم أرض معينة يعيشون فيها؟! وهل نحن فعلاً المقصودون بالذين آمنوا؟!

 

عباد الله: إننا -ونحن نقرأ كتاب ربنا- تجول بنا خواطر معينة، فإذا ما مررنا ونحن نقرأ في آيات النعيم وأهل الجنة وما أعد اللهُ لهم، كأنه يخيل إلينا أننا نحن المخاطبون بها، وإذا ما مررنا بآيات الوعيد وذكر أهل النار فكأن هناك أناس غيرنا هم المعنيون بهذه الآيات. ويأتي بعضنا شعور ونحن نقرأ الآيات التي تخاطب المؤمنين أننا فعلاً بلغنا مرتبة من الإيمان، وبلغنا مرتبة من الطمأنينة لا خوف علينا، وهذه قضية تحتاج إلى تأمل، وهو شعور الإنسان وكأنه ضمن الجنة وأنه من المؤمنين حقاً.

 

جاء رجل إلى الحسن البصري -رحمه الله تعالى- فقال له: يا أبا علي: هل أنت مؤمن؟! فقال الحسن: إذا كنت تقصد بالإيمان: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فنعم. وإذا كنت تقصد بالإيمان قول الله -عز وجل-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فإن الحسن لا يدري.

 

أيها المسلمون: إن لكل شيء صورة وحقيقة، وإن غالب ما عليه كثير من الناس هذه الأيام، إنما هو صورة الإسلام وصورة الإيمان لا حقيقتُهما.

 

وهناك قاعدة لابد أن نعيها جيداً، وهي أن الحقيقة أقوى من الصورة، وأن الحقيقة تغلب الصورة مهما كانت الحقيقية صغيرة، ومهما كانت الصورة عظيمة. أرأيتم الأسد العظيم الموضوع في المتاحف والمصنوع من الليف والقطن، إذا جاء الولد الصغير بيده الضعيفة فإنه يستطيع أن يسقط الأسد الميت المحشو بالليف والقطن. إن هذا الغلام الصغير يحمل يداً حقيقية، ولو كانت الحقيقة صغيرة، والأسد ليس إلا صورة ولو كانت صورة عظيمة مهيبة.

 

أيها المسلمون: سأسوق لكم بعض النماذج التاريخية لبعض مواقف أسلافنا والتي تمثل حقائق الأشياء والمواقف لا صورها.

 

قال ابن إسحاق: قال عاصم: ثم خرجوا بخُبيب حتى جاؤوا به إلى التنعيم ليصلبوه وقال لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا، قالوا: دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم، فقال: أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة، قال: فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين. قال: ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قالوا له: أتحب أن محمداً مكانك الآن وأن تكون أنت بين أهلك؟! فقال: والله ما أحب أني في أهلي وأن محمداً يشاك بشوكة في مكانه.

 

ثم قال: اللهم إنا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة بما يُصنع بنا، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا. ثم ذكر أبياته المشهورة:

 

لقد أجمع الأحزاب حولي وألبـوا *** قبائلهم واستجمعـوا كـل مجمـع

وكلهم مبدي العـداوة جاهـد *** عـليَّ لأني فـي وثـاق بمـضـيع

وقد قربوا أبناءهـم ونسـاءهم *** وقربـت من جـذع طـويل ممنـع

إلى الله أشكو غربتي بعـد كربتي *** وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي

فذا العرش صبرني على ما يراد بي *** فقـد بضَّعوا لحمي وقد يأس مطمعي

وقد خيروني الكفر، والموت دونه *** فقد ذرفـت عينـاي من غير مجزع

ومـا بي حـذار الموت إني لميت *** وإن إلى ربـي إيـابي ومـرجـعي

ولست أبالي حيـن أقتل مسلماً *** على أي جنـب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإلـه وإن يشأ *** يبارك على أوصـال شـلو ممــزع

فلست بمبـدٍ للعـدو تخشـعاً *** ولا جـزعـاً إني إلى الله مـرجـعي

 

ثم قتلوه رضي الله عنه.

 

السؤال: ما الذي ثبته في هذا المكان وألهمه أن ينطق بمثل هذه الكلمة العريقة في حب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هل هي صورة الإيمان أم حقيقة الإيمان؟! إنها الحقيقة التي مثلت بين عينيه الجنة، والرماح تنوشه وتعبث بجسمه، وناجته وقالت له: صبرًا يا خبيب، فما هي إلا لحظات وها هي الجنة تنتظرك، ورحمة الله ترتقبك، فإذا احتملت آلام هذا الجسد الفاني والحياة الزائلة العابرة، نلت السعادة الدائمة والحياة الحقيقية الباقية.

 

هذه هي الروح الحقيقية وهذا هو الإيمان الحقيقي التي أبت على خبيب أن يُطلَق ويؤذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشوكة في قدمه وفي مكانه. فهل تستطيع الصورة أن تحمل صاحبها على هذا الإخلاص والتفاني والثبات على العقيدة والصبر على الموت؟! كلا.

 

إن الصورة لا تستطيع أن تقاوم الشدائد والآلام، ولن ينفعك -يا عبد الله- بعد الله في مثل هذه المواقف إلاّ الحقيقة.

 

نموذج آخر: هاجر صهيب -رضي الله عنه- من مكة إلى المدينة في جملة من هاجر من المسلمين، فلما كان في أثناء الطريق، اعترضه جماعة من مشركي مكة وقالوا له: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟! والله لا يكون ذلك. وهنا قامت في نفس صهيب معركة بين حقيقة الإسلام وحب المال والدنيا التي لا تمثل الحقيقة الحقة، ودارت بينهما رحى الحرب، فانتصرت حقيقة الإسلام على ضدها. وقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟! قالوا: نعم، قال فإني قد جعلت لكم مالي كله. وهكذا انطلق صهيب بدينه متجردًا من ماله، فرحاً مسروراً كأنه لم يفقد شيئاً، ولم يخسر شيئاً؛ لأنه ظفر بالحقيقة في مقابل الصورة.

 

نموذج ثالث: خرج أبوسلمة -رضي الله عنه- بزوجته وولده مهاجراً من مكة إلى المدينة، فلما رآه رجال من بني مغيرة، قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟! لأنه -رضي الله عنه- كان متزوجاً من بني المغيرة. فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوها منه، وأخذوا منه ولده الصغير أيضاً. هناك اصطدمت حقيقة الإسلام بحب الزوجة والولد، فما لبثت أن انتصرت الحقيقة، وغادر أبو سلمة، وهاجر مع المسلمين فاراً بدينه، وترك زوجته وولده تحت رعاية الله -عز وجل-، فهل صورة الإسلام تستطيع ذلك؟! وهل يقدر أصحابها على ترك الزوجات والأولاد في سبيل العقيده والدين؟! كلا. بل هناك شواهد من التاريخ ممن قد تخلى عن دينه من أجل المال، ومنهم من تخلى عن دينه من أجل الزوجة، ومنهم من تخلى عن دينه من أجل الولد، ومنهم من تخلى عن دينه من أجل المنصب والجاه، وغير ذلك من متع الدنيا وزخارفها.

 

مثال رابع: كان الصحابي الجليل أبو طلحة -رضي الله عنه- مقبلاً على صلاته، وكان له بستان جميل، فإذا طائر يدخل في بستانه ثم لا يجد الطريق للخروج، ويميل إليه قلب أبو طلحة، فشغله هذا الطائر وهذا البستان شيئاً عن صلاته، فلما انتهى -رضي الله عنه- من صلاته، هل تدرون ماذا فعل؟! تصدق بذلك البستان، لأنه لا يحب أن يشغله شيء عن الصلاة. إن للبستان حقيقة، ولثمره وأكله حقيقة، ولا يمكن أن تغلب هذه الحقائقَ إلا حقيقةُ الإسلام وحقيقة الصلاة، أما صلاتنا نحن هذه الأيام -فنسأل الله العافية- مجردة عن الحقيقة، بل هي صورة الصلاة، ولذلك لا تقدر أن تقاوم أدنى الحقائق المادية في حياتنا.

 

نموذج خامس: كانت معركة اليرموك التي دارت بين المسلمين والروم، كان عدد المسلمين فيها بضعة آلاف، وكان عدد الروم يبلغ مائة ألف أو يزيدون، فإذا رجل كان يقاتل تحت لواء المسلمين يقول: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فسمعه خالد بن الوليد -رضي الله عنه- فقال له وللعالم تلك الكلمة التي سطرها التاريخ: "والله لوددت أن الأشقر -يعني فرسه-، لوددت أن الأشقر براء من توجّيه، وأنهم أضعفوا في العدد". وكان فرسه قد حفا واشتكى في مجيئه من العراق إلى أرض المعركة.

 

بم كان خالد -رضي الله عنه- مطمئناً؟! لِم لم يشغل خاطره هذا العدد الهائل؟! لِم لم تكبر في عينيه جنود الروم الكثيفة؟! لأنه كان يقاتل ومعه الحقيقة لا الصورة. كان مؤمناً بالله واثقاً بنصره؛ لأنه يعلم أنه على الحقيقة وأن الروم صورة فارغة عن الحقيقة، وكان يعتقد -رضى الله عنه- أن الصورة مهما كثرت، لا تقدر أن تقاوم حقيقة الإسلام.

 

أيها المسلمون: إن هذا العالم الذي نعيش فيه، عالم الحقيقة والأمر الواقع، وقد خلق الله كل شيء على حقيقته، فللمال حقيقة وحبه فطري طبيعي، ولأجل ذلك جاءت الشريعة ووضعت لهذا المال أحكاماً كسباً وإنفاقاً. وللأولاد حقيقة، والحنان إليهم وحبهم فطري طبيعي، ولأجل ذلك وردت الأحكام في الشرع بتربيتهم والاعتناء بهم وتعليمهم. وكذلك لبقية الميول الفطرية حقيقة لا تُجحد، ولا تَغلب تلك الحقائق إلا حقيقة أقوى ورغبة أعظم وأشد، لذا فنحن بحاجة إلى حقيقة الإسلام والإيمان لكي نحسن التعامل مع الحقائق الأخرى في حياتنا، ولكي نظفر بالحقائق المبثوثة في العالم بالوجه الشرعي، أما صورة الإسلام فهي عاجزة عن أن تقهر هذه الحقائق وتنتصر عليها؛ لأن الصورة المجردة لا تنتصر على أية حقيقة، ولذلك نرى اليوم بأعيننا أن صورة الإسلام أصبحت لا تتغلب على الحقائق المادية الحقيرة؛ لأن الصورة ولو كان ظاهرها مقدساً رائعاً فليس لها سلطان وتأثير، وإن صورة إسلامنا وصورة إيماننا وصورة صلاتنا اليوم، لا تقدر أن تتغلب على كثير من الحقائق الحقيرة من حولنا والله المستعان.

 

سرح طرفك في تاريخ الإسلام، وتجوّل في فصوله وقلّب أوراقه يظهر لك أن كلمة الإسلام التي كان الصحابة وكان المسلمون في القرون الأولى يتلفظون بها، كانت ذات حقيقة ثابته، كانت كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بأذن ربها، وكلمتنا اليوم ألفاظ مجردة وصور فارغة، ولأجل ذلك ترى عدم تأثيرها في حياتنا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن أكبر انقلاب وقع في تاريخ هذه الأمة، هو أن الصورة حلت مكان الحقيقة واستولت على حياة الأمة، وذلك منذ عهد بعيد، والذين كانوا يرون الصورة من بعيد يعتقدون أنها الحقيقة، ولذلك يذعرون ويشفقون من قربها، ولكن إلى متى؟! فلما أغار التتار على بغداد، افتضح المسلمون، وظهر إفلاسُهم في الروح والقوة المعنوية، من ذلك الحين أصبحت الصورة عاجزة عن أن تحافظ عليهم، وتذود عنهم المكروه، وتدفع عنهم غارات الأمم؛ لأن الصورة لا تقوم إلا على الجهل والغرور، فإذا انكشف الغطاء وانزاح الستار تبين كل شيء.

 

عباد الله: وإن ما نقرأ في تاريخ الإسلام من أخبار انكسار المسلمين وهزيمتهم في ميادين القتال، كل ذلك أخبار الصورة لا الحقيقة، وقد فضحتنا الصور في كل معركة وحرب ومقاومة واصطدام مع الباطل.

 

لقد تكرر الصراع بين صورة الإسلام وبعض شعوب العالم، وفي كل مرة تنهزم الصورة، ويعتقد الناس أنه هزيمة للإسلام، وبذلك هان أمر الإسلام عند كثيرين، وزالت مهابته من قلوبهم، ولا يدري الناس أن حقيقة الإسلام لم تتقدم إلى ساحة الحرب منذ زمن طويل، ولم تنازل أمم العالم، وإن الذي يبرز في الميدان هو صورة الإسلام لا حقيقته، وخليق بالصورة أن تنهزم.

 

هاجمت بعض الدول الأوروبية تركيا الإسلامية، تركيا التي أرعبت أوروبا كلها في زمنها، وهزمت دولها مرة بعد مرة، وكانت تركيا في هذه المرة تحمل صورة الإسلام، وقد فقدت كثيراً من الحقيقة، ففشلت في الحرب وفقدت كثيراً من ممتلكاتها.

 

واجتمعت سبع دول عربية لمحاربة اليهود في فلسطين في حرب 67م، وكانت هذه الدول عليلة الروح، أطفأت المادية جمرة القلوب وشعلة الجهاد في سبيل الله، وحبب إليها الحياة واللذات، فكانت الحرب بين العرب المسلمين واليهود الصهيونيين صراعاً بين صورة الإسلام وحقيقة الكفر، فكانت نتيجة الحرب نتيجة كل صراع بين الصورة والحقيقة، نعم إن العرب كانوا مسلمين ولكن كانوا مسلمين بالصورة، بينما اليهود كان معهم حقيقة الكفر، وإن كانت الحقيقة باطلة فهي أقوى من الصورة الزائفة، ولن تعود أرض فلسطين إلا بحقيقة الإسلام.

 

أيها المسلمون: لاشك أننا نتلفظ بكلمة التوحيد، ولكن الصورة شيء والحقيقة شيء آخر، إن أصحاب النبي -صلى الله علية وسلم- كانوا ينطقونها حقيقة، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، اعتقدوا أنه لا إله غيره، ولا رب سواه، ولا رازق غيره، ولا نافع غيره، ولا ضار إلا هو، له الملك والحكم والخلق والأمر، بيده ملكوت كل شيء، يجير ولا يجار عليه، وأخلصوا له الحب والخوف والسؤال والرجاء والعبادة والدعاء، وأصبحوا عبّاداً حنفاء، شجعاناً أقوياء، لا يهابون العدد ولا يخافون الموت، ولا يبالون بلومة لائم.

 

نرجع إلى أنفسنا ونفكر، هل هذه الحقيقة متغلغلة في أحشائنا، متسربة في عروقنا؟! وهل غرسُ حياتنا يُسقى بهذا الماء؟! الواقع أن نصيب الصورة في حياتنا أكثر من الحقيقة، وهذا سبب الضعف في حياتنا، وسر شقائنا ومصائبنا.

 

إننا جميعاً نؤمن أن الجنة حق، والنار حق، والبعث بعد الموت حق، ولكن هل نحمل في قلوبنا حقيقة الإيمان بهذه الغيبيات كأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

سمع أحدهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض"، فرمى ما كان معه من التمر، وقال: "لئن أنا حييت حتى آكل هذه التمرات، إنها لحياة طويلة"، فرمى بها وقاتل حتى قتل. لأن حقيقة الجنة تمثلت أمامه وهو في الدنيا.

 

أتى رجل من المسلمين في معركة اليرموك إلى قائد المعركة وقال له: إني قد تهيأت لأمري، يقصد أنه أيقن الشهادة. فهل لك من حاجة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "نعم، تقرئه عني السلام وتقول له: يا رسول الله: إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا".

 

هل ينطق بهذه الكلمات من معه الصورة؟! لا يمكن أبداً. فمثل هذه الكلمات لا يمكن أن تخرج إلا من شخص يحمل الحقيقة لا الصورة.

 

اللهم أحسن خاتمتنا واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله...

 

 

 

 

المرفقات
بين الصورة والحقيقة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life