عناصر الخطبة
1/ الحديث النبوي الذي يحذر من الفاحشة ومنع الزكاة والتطفيف والحكم بغير الشرع والبعد عن الكتاب والسنة ويبين عاقبة فعل أي منها 2/ تأملات في ذلك الحديث وبيان لما يرشد لهاهداف الخطبة
اقتباس
إن هذا الأمور التي حذر منها صلى الله عليه وسلم قد وقعت في العالم الإسلامي، والواقع يشهد لها كما ذكرنا، ولكن على المسلمين اليوم أن يفكروا في أوضاعهم وأحوالهم، وما نتج عن استبعادهم منهج ربهم، ويصححوا مسارهم، ويلتفتوا إلا ما فيه، وإصلاح دينهم، ويقفوا بحزم أمام ..
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا في ظله في سعادة وأمان، وسلك بنا طريق العدل في الحكم والأحكام، والعطف والإحسان، وحذَّرَنا من الفِتَنِ وأسبابها، وجعل لنا درعاً واقياً منها في السُّنَّة والقرآن، أحمده -سبحانه- فهو المحمود في كلِّ شان، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لذوي الشكر والعرفان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ الرحمن، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله البعوث بما يصلح الإنسان، صلى الله عليه وآله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان في كل زمان، وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وقوموا بما أوجب الله عليكم، واعلموا أنكم في زمان كثُرَت فيه الفِتَن والأخطار، وأصبحت القلوب عن إدراك ما هي فيه في غفلة وانتكاس، لقد أدركتم زمناً تلاطمت فيه أمواج الفتن، وأصبح الحليم في ظلها حيران.
لقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هناك أموراً تكون في آخر الزمان، وتعوَّذ بالله من إدراكها، أمورٌ تدل على: فساد أهل ذلك الزمان؛ بسبب ما اقترفت أيديهم من المعاصي والمنكرات.
فقد روى الإمام أحمد، وابن ماجة عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس، وأعوذ بالله أن تكون فيكم، أو تدركوهن: ما ظهَرَت الفاحشة في قوم قط، يعمل بها فيه علانيةً إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قومٌ المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوَّهم فاستنفذَ بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيهم إلا جعل الله بأسهم بينهم".
فانظروا -عباد الله- إلى هذا الحديث الذي يشهد له واقع المسلمين اليوم، ولعلَّنا نلقي الضوء على فقراته؛ لنستشف تلك المعاني التي جاءت في موضع الإخبار والتحذير.
لقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا وقعت تلك الخمس أصبحت الأمة في اضطراب وفوضى وإباحية؛ لأن فيها تعطيل لمنهج ربَّاني، جعل الله فيه السعادة لهذه الأمة، وأمنها في هذه الحياة، لقد تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من إدراكها على الموجودين المخاطبين، وأنها ستقع بالفعل إذا انتهكت تلك الحرمات.
أما الأولى فقوله: "ما ظهرت الفاحشة في قوم يعمل بها علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم". إن ظهور الفاحشة عمل مُنكَر فظيع، تمجُّه الأخلاق الفاضلة، والطباع السليمة، وظهور انتشاره وعلانيته على رؤوس الأشهاد، وعدم الحواجز والموانع عليه، وقد ظهر ذلك في بلاد العالم، وبعض البلاد الإسلامية، فالفجور فيها ظاهر، والتعري شاهر، والغيرة مفقودة، وأماكن التحلل والبغاء بادية للعيان، وأماكن العرض ودور الزنا والخنا في منتجع وأمان.
وبريد ذلك واسع في كل مكان؛ من: التحلل، والتبرج، والافتتان، والأغاني، والمعازف، والألحان، وما ظهر ذلك في الناس إلا جازاهم الله جزاءً وفاقا في الدنيا قبل الآخرة، فأصيب الناس بالبلاء؛ من: أمراض الطاعون، والأوجاع الفتاكة التي تؤدي إلى الهلاك والموت؛ كأمراض الهربس، وفقد المناعة، والزهري، والوباء الكبدي، والأوجاع التي اكتشفت في هذا العصر، ولم يكن لها سالف ذكر فيمن قبلنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما الثانية: فقوله: "وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا"، فلم يصب الناس بالقحط، والجدب، ونقص الأرزاق، ونقص الأموال، وسوء الحالة الاقتصادية، والمعيشية، والغلاء في الأسعار إلا بمنع فريضة من فرائض الله، وحق واجب عليهم؛ ألا وهو: الزكاة، ولولا رحمة الله بالبهائم لم ينزل القطر على قوم تسموا بالإسلام، ولم يعملوا بأحكامه، ولكنه رؤوف رحيم.
أما الثالثة: فقوله: "وما بخَس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان"، تطفيف المكيال والميزان ونقصه عن العدل الواجب من بخس الناس حقهم، والاعتداء عليهم بالظلم والخيانة، وأكل للمال بالباطل، فجزاء صاحبه الــمَحْق، والخسارة، وسببٌ لإصابة الناس بأنواع البلاء؛ من: الجدب، والقحط، وذهاب البركة فيما يكسبون، وحصول الغلاء والشدة في المعيشة، وعدم التيسير في كل شأن من شؤونهم، وظلم السلطان لهم.
وأما الرابعة: فقوله: "ولا حَكَمَ أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلَّطَ الله عليهم عدوَّهم، فاستنفذ بعض ما في أيديهم"، الحكم بما أنزل الله عدل في الأرض، وسعادة في الحياة، والانحراف عنه ظلم وفوضى واضطراب في الحياة، وشناءٌ في الناس.
ولقد عدل الكثيرُ من بلدان الإسلام عن الحكم بما أنزل الله، واستبدلوا ذلك بقوانين البشر، قوانين الانحراف والإباحية والاختلاف، فسلط الله عليهم الأعداء، واستباحوا بيضتهم، واستنفذوا بعض ما في أيديهم، فأصبحوا في ذلة وهوان، وسقوط ليس لهم من أمرهم شيء، وأصبحوا في ضعف لا يوصف، وما زال عدوهم يقاسمهم ما في أيديهم، ويملي عليهم باطله، فأصبحت حياة شعوبهم فوضى لا حدَّ لها ولا ضابط إلا في ظل القانون البشري المخرف، وهذا مصداق ما أخبر به الصادق المصدوق.
أما الخامسة: فقوله: "وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيهم إلا جعل الله بأسهم بينهم"، إن تعطيل العمل بكتاب الله ومنهج نبيه -صلى الله عليه وسلم- لهُو الشقاء والضلال، ففيه التفرق، والاختلاف، والتناحر، والتضارب، وكثرة الآراء، والأهواء، فيهوي المجتمع في ظل ذلك إلى مدارج الهوى والسقوط، وتشتعل الفتن، وتوقد الإحن والعداوة والبغضاء، فلا يلتفت الله إليهم، فيحصل التناحر بينهم، وتتفرق كلمتهم، ويصبحون أحزاباً شتى، ومللاً متفرقة، وشيعاً متناحرة، ويذوق بعضهم بأس بعضٍ، كل طائفة وكل حزبٍ بما لديهم فرحون، فتشتعل بينهم نار الحروب، والتطاحن والدمار.
عباد الله: إن هذا الأمور التي حذر منها -صلى الله عليه وسلم- قد وقعت في العالم الإسلامي، والواقع يشهد لها كما ذكرنا، ولكن على المسلمين اليوم أن يفكروا في أوضاعهم وأحوالهم، وما نتج عن استبعادهم منهج ربهم، ويصححوا مسارهم، ويلتفتوا إلا ما فيه، وإصلاح دينهم، ويقفوا بحزم أمام التيارات المخرفة، والدعايات المضللة، والمنكرات، ويجعلوا كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- درعاً واقياً؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً؛ كتاب الله، وسنتي".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات